جبانة… بكّاءة… غبية.
هذه هي الكلمات التي كانت تصف آرتيا، الابنة الوحيدة لدوق إدنبيرغ.
وُلدت صغيرة وضعيفة.
ومنذ طفولتها، كانت آرتيا تعاني من خوف مرضي.
لم تكن قادرة على النظر في أعين الناس، وكانت تحدق في الأرض دائمًا، وتعجز عن التعبير عمّا تريده حتى أمام خادمتها.
"توقّفي عن التمتمة، انظري في أعينهم وتكلّمي بصوت واضح… مرارًا وتكرارًا!"
كلما وبّخها والدها، بنديكت دوق إدنبيرغ، كلما انكمشت آرتيا أكثر.
قهقهات
"يا لها من أميرة دوقية جبانة! حتى الشحاذ لو طرق بابي متسولًا لكان أكثر نبلاً منها."
لكن كان هناك شخص واحد يعامل آرتيا بلطف.
إنه لويد، الابن الرابع لفيكونت راينر.
كلما رآها، كان يقول لها بنبرة دافئة:
"لستِ مضطرة للخوف معي إلى هذا الحد يا آرتيا."
كانت تستطيع أن ترفع رأسها وتنظر في عينيه.
وكانت تستطيع أن تبتسم.
آرتيا أحبّت لويد الحنون.
لكنها أخفت مشاعرها بشدة.
"السيد لويد ليس شخصًا يليق بفتاة مثلي أن تتطلع إليه."
إنه يستحق امرأة أكثر جمالًا وذكاءً.
«حين يأتي اليوم الذي يجد فيه تلك المرأة التي ستُصبح زوجته… سأباركهما من كل قلبي.»
وبينما كبرت آرتيا، ازداد قلق والدها الدوق بنديكت.
"النساء في الإمبراطورية لا يَرِثن اللقب… وللحفاظ على اسم العائلة يجب أن نُحضِر دوقًا بالزواج. رجلاً ينضم إلى بيت إدنبيرغ ويُطيع أوامري دون نقاش."
كان هناك الكثير من الأسر والرجال المتطلعين للارتباط بدوق إدنبيرغ، ولكن الاختيار لم يكن سهلاً.
عجزت آرتيا عن الكلام حتى أمام خادمتها، كانت تزداد سوءًا أمام الرجال البالغين… فتراها ترتجف وكأنها تواجه وحشًا مفترسًا.
وللمرة الأولى، شعر بنديكت بقلق حقيقي على ابنته.
"إنها لن تتحمّل ليلة الزفاف الأولى وهي على هذه الحال."
ربما مع مرور الوقت… ولكن رغم ذلك.
بنديكت كان ينوي أن ينقل منصب الدوق إلى الطفل الذي سيولد لآرتيا، أي طفل من دمه… ولهذا كان زواجها مهمًا للغاية بالنسبة له.
---
في أحد الأيام، تلقّى الدوق زائرًا غير متوقع.
كان ذلك لويد.
"سيدي الدوق، أتمنى أن تمنحني شرف الزواج من أميرة إدنبيرغ."
كانت نبرة صوته مهذبة ومتحمسة، لكن تعابير الدوق بقيت باردة.
حتى وإن كانت آرتيا غير ملائمة… فإن الابن الرابع لفيكونت راينر يُعد أدنى بكثير.
غير أنّ عيني بنديكت اتسعتا عندما رأى آرتيا الجالسة بجواره.
كانت دائمًا تنظر للأرض وترتجف كلما تقدم أحد النبلاء يطلب يدها.
لكن الآن… كانت تنظر إلى لويد ووجهها يقتحم الحمرة كزهرة ورد حمراء.
حتى بنديكت، الذي لا يرى أدق التفاصيل عادة، استطاع تمييز هذا الشعور.
إنه وجه امرأة تُقام لها خطبة من الرجل الذي تُحبه.
سألها بنديكت:
"هل تُحبّينه؟"
ولأول مرة في حياتها، امتلكت آرتيا الشجاعة لتتحدث.
"نعم يا أبي… أريده أن يكون زوجي."
لم يكن بنديكت من النوع الذي يهتم برغبات ابنته.
ولكنه فهم أن لويد سيكون قادرًا على معاشرة آرتيا دون مشاكل… ومن ثم إنجاب وريث حقيقي له.
وأخيرًا اتخذ بنديكت قراره.
"أقبل بزواج لويد فون راينر من آرتيا."
ابتسم لويد وآرتيا في اللحظة ذاتها.
---
في تلك الليلة، جاء لويد ليزور آرتيا.
كان يحمل باقة من أزهار الكوبية الوردية، بلون عينيها تمامًا.
"أحبكِ يا آرتيا… وسأحميكِ للأبد."
ابتسمت آرتيا والدموع تلمع في عينيها عند هذا الاعتراف اللطيف المفاجئ.
كانت وصية الدوق السابق تنص على أن اللقب سينتقل لأي طفل يولد لابنته… آرتيا فون إدنبيرغ.
لكن لو مات الدوق الكبير قبل أن تُنجب آرتيا طفلًا… فاللقب سينتقل إلى…
"اللّقب سينتقل إلى زوج آرتيا فون إدنبيرغ."
قال المحامي متابعًا:
"ولكن ذلك مؤقت، وما أن يولد طفل لآرتيا… حتى يُسلَّم إليه اللقب فورًا."
ابتسم لويد.
"سواء وُجد ذلك الطفل… أم لم يوجد."
وهكذا أصبح لويد الدوق الثالث والعشرين لإدنبيرغ.
وكان ذلك أسوأ خطأ ارتكبه بنديكت في حياته.
---
بمجرد أن أصبح دوقًا… تغيّر لويد تمامًا.
لم يعد يبتسم في وجه آرتيا.
ولم يَعُد يُناديها بلطف.
حاولت آرتيا أن تتحلى بالجرأة… أمسكت بتلابيبه وقالت:
"حبي… أرجوك أخبرني إن كنتُ قد فعلتُ ما يزعجك."
كانت تظن أنها السبب في تغيره المفاجئ… ذلك الرجل الذي كان حلوًا معها.
حاولت الاعتذار.
وحاولت إصلاح ما لا يروق له.
ربما حينها سيعود كما كان.
لكن رده كان قاسيًا كالسياط.
"ألا تفهمين يا آرتيا؟ لقد تظاهرتُ باللطف معك فقط لأنني أطمع في لقب إدنبيرغ."
"الزواج منكِ كان فرصتي الوحيدة، فأنا الابن الرابع لفيكونت، لن أرث مالًا ولا لقبًا… وكُنتُ سأعيش مُتشردًا."
"لم أتوقع أن يكون الدوق السابق مستقيمًا إلى درجة أن أصبح أنا دوقًا… لكن ها نحن الآن، لم يمر على زواجنا مئة يوم حتى مات العجوز."
ابتسم لويد ابتسامة ملتوية.
"يبدو أنني خُلقت لأكون دوق إدنبيرغ بالفعل."
اختنقت أنفاس آرتيا.
أول رجل أحبته في حياتها… كان يعرّي قسوته أمامها بلا رحمة.
نظر إليها وهي تبكي بصمت وتختنق بالعبرات وقال ببرود:
"إذا كُنتِ قد فهمتِ… من الآن فصاعدًا التزمي غرفتكِ كفأرة ميتة. فلا أحد في هذا القصر إلى جانبك."
وكان لويد محقًا.
خدم القصر كانوا سيقفون إلى جانبه دائمًا… لا إلى جانب آرتيا الضعيفة.
ومهما أساء إليها… فلن يمدّ لها أحد يد المساعدة.
خلال هذا الجحيم… تكسّرت روح آرتيا ببطء.
وفي يومٍ مشمس… وقفت أمام بحيرة الحديقة.
جفت دموعها… وبوجه خالٍ من التعبير حدّقت في عمق المياه.
طَشّة—
حين تدفّق الماء البارد في رئتيها… لم يكن في عقلها رغبة في الحياة ولا كراهية تجاه زوجها.
كانت مشاعرها كلها موجّهة لكُره ذاتها.
«أكره نفسي… بشدة.»
أتمنى لو أختفي إلى الأبد.
رجاءً…
رجاءً…
رجاءً…
فتحت آرتيا عينيها.
رمشت بعينيها الوردية وارتجفت.
"ألم… أكن قد مت؟"