الفصل الأوّل

_ دماء على ثوب الزّفاف _

-①-

● مدينة ريتشموند في لندن :

رجال يرتدون بدلات رسميّة و نساء متزيّنات في أثواب مبهرجة داخل قاعة كبيرة مزيّنة، تترنّن في أرجائها مسيقى عذبة ممتزجة بالضّوضاء الخافتة التّي يصدرها الحضور ، بينما تقف مرتدية ثوب زفافها الأبيض أمام إحدى الطّاولات و حولها بعض الفتيات لا تكفن عن الثّرثرة ، إضافة إلى تقدّم النّاس منها من وقت لآخر لتهنئتها و تساؤلاتهم الكثيرة عن تأخّر العريس ، تتلفّت يمينا و يسارا تبحث عنه ، لا تعرف لماذا تأخّر هكذا و هذه ليلة زفافهما ، حتّى تقدّمت منها تلك الصّغيرة ذات الشّعر الأسود القصير و العينين الزّيتونيّتان حاملة في يدها صينيّة مستديرة عليها كأس زجاجي ممتلئ بالعصير و قالت بابتسامة : "أحضرت هذا لكي"

حملت العروس الكأس الزّجاجيّة ثمّ شكرت الصّغيرة قائلة : "شكرا سين"

قبل أن ترتشف منه قليلا و تعيده إلى الصّينيّة من جديد لتبادلها سين الصّغيرة بابتسامة أخرى و تغادر

عادت العروس تتلفّت مرّة أخرى بعينيها البنيّتان تبحث عنه بين الحضور حتّى شعرت بالدّوار فجأة فوضعت يدها على رأسها إثر الألم ... لتسمع صوت إحدى الفتيات بجوارها تخاطبها متسائلة : " هل أنتي بخير ؟"

حركّت العروس رأسها إيجابا دون أن تنضر إليها منزلة يدها من رأسها لتستند بها على الطّاولة ، ثمّ وجدت نفسها تسألها بصوت مرهق : "ألم يصل جاك بعد؟ "

أجابت الفتاة نافية، فأطلقت العروس تنهيدة هادئة قبل أن تشوّش الرّؤية أمامها ، حتّى أمسكت رأسها مجدّدا، لتسمع صوت الفتاة تتساءل من جديد : " هل هناك خطب ما ؟ "

تحرّكت العروس دون أن تجيب متّجهة نحو الحمّام و هي تتمتم داخلها : " أين أنت يا جاك؟ ما كلّ هذا التّأخير؟ "

دخلت الحمّام و وقفت أمام المرآة تناضر انعكاسها قبل أن يشتدّ الدّوار و تشعر بذلك الألم الشّديد في رأسها ، أحنته و هي تقاوم السّقوط ، و تردّد إسم جاك بصوت خافت ، تتذكّر فرحتها العارمة حين تقدّم إليها بطلب للزّواج قبل شهر ، ركع على قدمه ثمّ أخرج خاتما فضّيّا و وضعه حول إصبعها ،

و تذكّرته حين كان يحضر لها زهرة توليب حمراء كلّ يوم أحد حين يعود من عمله ، التّوليب الأحمر هو نوعها المفضّل،

ابتسمت بإجهاد و تحوّل لون بشرتها للأصفر رغما عن مواد التّجميل الكثيرة التّي تضعها ، كما أنّها لم تنتبه لباب الحمّام الذّي فتح من خلفها ...

رفعت نضرها للمرآة مجدّدا ، لكنّها أجفلت و توقّف بصرها عليه

لم تكن وحدها في الحمّام، كان ذلك الشّاب واقفا خلفها بثباث ببدلته الرّسميةّ السّوداء،

أحسّت برعشة تسري في أوصالها بمجرّد أن أبصرت انعكاسه في المرآة حاملا تلك السّكّين المخيفة ، استدارت إليه بذهول و فزع ،لم تجرأ على سؤاله من يكون فقد كانت تعرفه جيّدا، ثانية صمت سرت حتى تقدّم منها رافعا سكّينه و بدون مقدّمات غرسها في الجانب الأيسر من صدرها ، غادرت روحها جسدها فورا بعينين مفتوحتين و جسد يتهاوى أرضا ، لمعت عيناه و هو يناضر تلك الدّماء السّاخنة الطّازجة التّي تنهمر من صدرها قبل أن يبتسم بإثارة و يخرج السّكّين المنغرسة فيها و يرفعها إلى فمه ليلعق الدّماء التّي عليها بلسانه و تتوسّع ابتسامته المثيرة أكثر و هو يتلذّذ بطعمها قبل أن يكشّر عن أنيابه الحادّة و يغرسها في عنقها يمتص ما تبقّى من دمائها ...

-②-

بعد قليل من الوقت في القاعة ...

كان ذلك الرّجل واقفا في زاوية داخل القاعة يرتدي بدلة رسميّة سوداء كمعضم الرّجال الّذين هنا، قد نبتت على رأسه بعض الشّعيرات البيضاء، قصير القامة قليلا توحي هيئته إلى أنّه تجاوز الأربعين بسنة أو اثنين ، ترتسم على وجهه علامات الضّيق و التّوتّر و هو يحمل هاتفه يحاول الاتّصال بجاك المكتوب إسمه على الشّاشة، فلم يتلقّ أيّة استجابة سوى صوت الفتاة بالهاتف تخبره بأنّ الطّرف الثّاني لا يرد،

زفر بقوّة و هو يضغط على زرّ الإتّصال من جديد، لكنّه رفع رأسه مستغربا حين سمع صوت الرّنين بمقربة منه، ليرى جاك واقفا أمامه بعيدا عنه بقليل يرتدي بدلته الرّسميّة السّوداء يمسك بيده اليمنى باقة زهور التّوليب الحمراء و يمسك باليسرى هاتفه ناضرا إليه و ابتسامة تعلو وجهه قبل أن يتقدّم منه

_ كاي : " حقّا يا جاك، كلّ هذا الوقت ؟ "

_ جاك : " آسف لتأخّري ، اضطررت لمعالجة بعض الأمور الطّارئة في العمل "

_ كاي : " هل كلّ شيء بخير ؟ "

_ جاك : " أجل لا تقلق حللت المشكلة "

صمت قليلا و بدأ يتلفّت حوله ثمّ استدار إلى

كاي من جديد قائلا : " لسيرينا، أين هي؟"

_ كاي : " برفقة بعض الفتيات هناك ، قلقت عليك كثيرا "

ذهب جاك باحثا عنها و هو يردّ على مباركات الحضور في طريقه حتّى صادف الصّغيرة سين

_ جاك : " أنتي أخت لسيرينا الصّغيرة "

_ سين : " أجل "

_ جاك : " هل يمكنكي إخباري أين هي؟ "

_ سين :"دخلت إلى الحمّام قبل نصف ساعة "

_ جاك : " نصف ساعة !! "

_ سين : " أجل "

_ جاك : " كلّ هذا الوقت؟! "

حرّكت سين رأسها نفيا قائلة : " لا أعرف "

_ جاك : " هل هي بخير ؟ "

_ سين : " عندما سألت صديقتها أخبرتني أنّها كانت تبدو متعبة "

ثمّ أشارت إلى فتاة شقراء كانت تقف بعيدا، ناضرها جاك قبل أن يعيد نضره لسين و يقول مرّة أخرى : " هل يمكنكي الذّهاب و الإطمئنان عليها "

أشارت سين برأسها موافقة ثمّ ابتعدت من أمامه راكضة

ضلّ جاك واقفا في مكانه ينتضرها حتّى إقتربت منه امرأة بدينة قصيرة القامة تبدو في الخمسينات من عمرها إمتزج شعرها باللّون الأبيض و الأسود، كان جاك قد رآها من قبل في منزل لسيرينا و أخبرتها حينها أنّها خادمة المنزل جاء بها والدها كاي لترعاهم بعد وفاة زوجته، باركت له المرأة ليشكرها ثمّ تقدّم منهما رجل آخر يناهز عمره الثّلاثين ذا شعر أسود و عيون سوداء ،يرتدي بدلة رسميّة سوداء و نضّارات شمسيّة سوداء كذلك، و امرأة تمسك بيده الأيسر، تبدو في أواخر العشرينات من عمرها، شقراء ذات قوام رشيق و عيون زمرّديّة ، باركا له ، فشكرهما ثمّ نضر إلى الخادمة كأنّه يسألها من هما

ناضرته الخادمة ثمّ ابتسمت و قالت و هي تشير للرّجل :" إنّه جان ماسامي خال لسيرينا و سين "

ثم أشارت إلى المرأة و قالت ثانية : " و هذه زوجته مارثا كليفور "

قدّم جاك يده ليصافح جان قائلا : " تشرّفت بلقائك "

نزع جان نضّاراته الشّمسيّة قبل أي يمدّ يده هو الآخر لياصفحه

_ جان : " أخبرتني لسيرينا أنّك تعمل محقّقا في مكتب خاص في ساتون "

_ جاك : " أجل هذا صحيح "

_ جان : " جيّد أعمل مدرّسا هناك أيضا "

تقدّم كاي منهم هو الآخر لإلقاء التًحيّة على جان و زوجته ،

لكنّ الزّمن توقّف فجأة بالنّسبة للجميع و أجفلوا صامتين تعتريهم نضرات التّساؤل و الخوف ، تكتسي وجوههم الدّهشة ...

بينما تلك الصّرخات تشقّ الأجواء و تترنّن في آذان الجميع داخل القاعة تصاحبها ألحان المسيقى الهادئة المنبعثة من مشغّل المسيقى ....

انتشرت الهمهمات بينهم ، و ذهب الجميع للحمّام أين مصدر الصّوت ، الّذي لم يكن إلّا صوت صرخات الصّغيرة سين الّتي كانت واقفة تضع يدها على فمها و عيناها تترقرقان بالدّموع تناضر جثّة العروس الممدّدة أرضا و ثوبها الأبيض مغطّى بالدّماء بينما عيناها البنّيتان مفتوحتان تناضران الّاشيء وسط صمت الجميع تكسره الألحان الهادئة المنبعثة في القاعة ....

-③-

كانت سيارات الشّرطة مصطفّة في الخارج حول المبنى الّذي توجد فيه قاعة الحفلات بينما ينتشر رجال الشّرطة في المكان ....

و هناك في مسرح الجريمة داخل الحمّام بجانب الجثّة يقف النّائب العام هاري ، رجل في منتصف العمر، يرتدي بدلة شرطة يدخّن الغليون في فمه بينما يتطاير دخّانه في المكان، ينضر إلى الجثّة الملقاة أرضا صامتا ، و معه رجلان من الشّرطة أحدهما أوليفر ، شاب في أواخر العشرينات ذا شعر أسود و عينين سوداوين و الثّاني جاكوب ، شاب يبدو في مقتبل الثّلاثين ذا شعر أسود و عينين خضراوان .... و الشرطيّة آفا ، تبدو في أواخر العشرينات من عمرها ذات شعر بنّي و عينين بنّيّتان ،

نضر هاري إلى الشّرطيّة آفا قائلا :

" قلتي أنّ سلاح الجريمة لا يحمل أيّ بصمات أصابع ؟ "

_ آفا : " أجل يا سيّدي "

أخرج هاري غليونه من فمه ثمّ أعاد نضره إلى الجثّة مجدّدا و تمتم بخفوة : " توقّعت ذلك "

قبل أن ينبطح إليها ثمّ و بهدوء قام بتحريك معصمها، اقتربت آفا منه و كذلك جاكوب و أوليفر ليروا ما يفعل ... و للحضة اكتست معالم الحيرة وجوههم عندما شاهدوا حلقة صغيرة مرسومة على معصمها بشيء حاد تنساب منها الدّماء

_ جاكوب : " ما هذا ؟ "

_ أوليفر : " يبدو أنّ قاتلنا مختل !! "

قال هاري بنبرة جادّة و هو يناضر الجراح الغريبة الّتي ترتسم على عنق القتيلة ، معترضا على كلام أوليفر : " ليس كذلك "

ثمّ أردف و هو يقف من جديد و يعيد غليونه إلى فمه : " إنّها إمضاء القاتل "

قالت آفا متسائلة : " إمضاء القاتل ؟! "

لم يكد يجيب حتّى دخل الشّرطيّ ليفاندو الّذي يناهز عمره الثّلاثين ذا شعر أصفر و عيون ذات خضرة داكنة و قال لهاري :

" سيّدي النّائب العام، الحضور في القاعة يريدون الخروج ... أضنّ أنّهم شعروا بالذّعر "

_ هاري : " هل قمتم بتفتيش حقائبهم ؟ "

_ ليفاندو : " أجل "

_ هاري : " لم تعثروا على شيء ؟"

_ ليفاندو : " لا يا سيّدي "

_ هاري : " كم عددهم ؟ "

_ ليفاندو : " لا يتجاوز المئتين مدعو "

_ هاري : " فالتبقى عائلة الضّحيّة هنا "

ليفاندو : " حسنا "

_ قال هاري سريعا : " و ليغادر البقيّة "

_ قال ليفاندو مجدّدا : " حسنا "

ثمّ أردف هاري و هو يطلق سحابة دخّان من غليونه : " إن جدّ جديد و احتجنا لسماع أحدهم سنستدعيه على أيّ حال "

خرج ليفاندو ثمّ خرج النّائب العام خلفه و معه إيفا و أوليفر ليرى المدعوّين يغادرون القاعة ، وجّه نضره نحو تلك المرأة البدينة الجالسة أرضا تضمّ الطّفلة الصّغيرة الباكية لتهدّئها و عيناها تذرفان دموعا صامتة ، عرف فورا أنّهما من عائلة الضّحيّة ثمّ ناضر ذلك الرّجل الجالس على طاولة بجانبهما يبدو في الأربعين من عمره ينضر إلى الفراغ أمامه بتجهّم ، جزم أيضا بأنّه من عائلة الضّحيّة لكنّه لم يعرف من يكون الرّجلان الآخران اللّذان يرتديان بدلات رسميّة سوداء يجلس كلّ منهما في طاولة منفردة غارقا في أفكاره و اعتقد أنّ أحدها قد يكون زوج الضّحيّة الذّي من المفترض أن يكون هذا حفل زفافه ... لم يعرف أيضا من تكون تلك الشّقراء الواقفة بجانب المرأة البدينة الّتي تحتضن الطّفلة الباكية و قد بدى على ملامحها الحزن ...

بعد أن مرّر نضره بينهم جميها رفع رأسه ناضرا إلى القاعة مجدّدا و قد صارت خالية إلّا من بعض الشّرطة لا يتجاوز عددهم اثنا عشر شرطيّا ..

حينها وقف جاك من موضعه وتوجّه نحو هاري و هو يخرج بطاقة شخصيّته ( الهوّيّة ) يرفعها أمامه قائلا : " أنا جاك برايت أعمل محقّقا خاصّا في مدينة ساتون ... و أنا زوج القتيلة يا سيّدي "

صمت هنيهة ثمّ أردف و هو يبصر نضرات هاري المتفحّصة : " و أستطيع مساعدتكم في القبض على القاتل "

وضع هاري يده على ذقنه مفكّرا و قال بعد همهمته : " قلت جاك برايت ، و تعمل محقّقا في مدينة ساتون ... أضنّ أنّني سمعت عنك من بعض زملاء العمل هناك "

_ جاك : " لست بتلك الشّهرة "

_ هاري : " أجل ، في الحقيقة أخبروني أنّك فشلت في قضيّتي قتل ... و أغلقت القضيّتين وفق ضروف غامضة "

_ جاك : " لابدّ من الإخفاق لكي تنجح "

قال هاري مرحّبا : " أهلا بك ، نقدّر لك مساعدتك "

حينها تقدّم كاي من هاري قائلا : " أنا كاي يوشيدا والد القتيلة لسيرينا يوشيدا "

ثمّ أشار إلى جان و قال مجدّدا : " و هذا جان ماسامي خال القتيلة و تلك هي زوجته مارثا كليفور "

قال كلماته الأخيرة و هو يشير إلى مارثا ليكمل و هو يشير إلى الخادمة و الصّغيرة سين : " و تلك هي خادمة منزلنا السّيّدة كسندرا دويل و معها ابنتي الثّانية سين "

_ هاري : " أقدّم لكم تعازيَ الخالصة "

_ كاي : " جئت لأسألك متى يمكننا أخذ جثّتها من أجل الدّفن ؟ "

وقتها خرج جاكوب من الحمّام قائلا لهاري : " لقد انتهيت من وضع الشّريط حول الجثّة يا سيّدي "

عندها قال هاري موجّها كلامه لكاي : " الآن يمكنكم "

شكر كاي هاري

عندها قال جان لكاي : " لقد إتّصلت بسيارة الإسعاف و هي قادمة إلى هنا فورا لتحملها "

كاي : " حسنا "

قالت مارثا حينها إلى هاري : " هل يمكننا العودة الآن إلى المنزل يا سيّدي الشّرطي "

_ هاري : " سنجري تحقيقا سريعا معكم الآن ،بعدها يمكنكم الذّهاب "

وافقت مارثا بينما فتحت آفا و أوليفر دفتريها ليبدآ بتدوين ما هو مهم

_ هاري موجّها كلامه إلى جان : " متى رأيت الضّحيّة آخر مرّة ؟ "

_ جان : " لم أرها ... حين وصلت مع زوجتي أخبرتنا أختها الصّغيرة أنّها في الحمّام "

_ هاري : " متى قدمتما إلى الحفل ؟ "

_ جان : " على السّاعة العاشرة إلّا ربعا ... لقد وصلنا متأخّرين "

_ هاري : " هل تعلم كم من الوقت استغرقت الضّحيّة داخل الحمّام ؟ "

_ جان : " لا ... لا أعرف متى دخلت لذلك لا يمكنني تحديد الوقت الّذي استغرقته "

_ تدخّل جاك قائلا : " أضنّ أنّ أختها الصّغيرة أخبرتني أنّها استغرقت نصف ساعة حين سألتها "

_ هاري : " سألتها ماذا ؟ "

_ جاك : " سألتها عن مكانها فأخبرتني أنّها في الحمّام منذ نصف ساعة "

_ هاري : " أين كنت وقتها ؟ و لماذا لا تعرف أين هي عروسك ؟ "

_ جاك : " لقد وصلت متأخّرا أيضا "

همهم هاري قبل أن يقول مجدّدا : " متى وصلت إلى القاعة ؟ "

_ جاك : " لا أذكر الوقت تحديدا، لكن ربّما كانت العاشرة "

أشار هاري بيده إلى سين الجالسة على إحدى الطّاولات بجانب الخادمة قائلا : " هل هذه الصّغيرة هي من أخبرتك ؟ "

_ جاك : " أجل "

توجّه هاري نحو سين ثمّ سألها بهدوء : "هل كنتي من رأى العروس آخر مرّة ؟"

_ سين : " لا "

_ هاري : " و هل تعرفين من ؟ "

_ سين : " فتاة شقراء كانت تجلس بجانبها "

_ هاري : " هل هي من أخبرتكي أنّها في الحمّام ؟ "

_ سين : " أجل "

_ هاري : " و هل أخبرتكي عن سبب ذهابها ؟ "

_ سين : " قالت أنّها كانت تبدو متعبة جدّا "

_ هاري : " متى آخر مرّة رأيتها ؟ "

_ سين : " قبل ذهابها إلى الحمّام بقليل "

_ هاري : " و هل كانت تبدو متعبة ؟ "

_ سين : " لا ، لقد كانت جيّدة جدّا "

_ هاري : " ماذا أخبرتكي حين التقيتها ؟"

_ سين : " شكرتني بعد أن أعطيتها العصير "

_ هاري : " آخر سؤال ... هل تعرفين من تكون الشّقراء التّي كانت تجلس بجانبها ؟"

_ سين : " لا .. لا أعرف "

تدخّل جاك مجدّدا قائلا : " أستطيع أن أعرفها إذا رأيتها ... لقد شاهدتها أيضا "

استدار هاري إليه ... همهم ثمّ عاد بنضره إلى الخادمة كسندرا قائلا : " و أنتي يا سيّدتي أين كنتي في ذلك الوقت ؟"

_ كسندرا : " استمررت بمساعدة الطّباخ حتّى رأيت السّيّد جاك فذهبت إليه "

_ هاري : " إذن لم تري القتيلة مطلقا من السّاعة التّاسعة حتّى العاشرة ؟"

_ كسندرا : " أجل يا سيّدي ... أذكر أنّني رأيتها آخر مرّة في الثّامنة و النّصف "

همهم هاري مجدّدا ليوجّه مسار أسئلته إلى كاي قائلا : " متى رأيت الضّحيّة آخر مرّة يا سيّد كاي ؟ "

_ كاي : " ربّما في السّاعة التّاسعة تماما أو أقل لا أذكر "

_ هاري : " و ماذا كنت تفعل حتّى السّاعة العاشرة ؟ "

_ كاي : " أحاول الوصول إلى جاك فقد تأخّر"

_ هاري : " ماذا تركت القتيلة تفعل آخر مرّة رأيتها فيها ؟ "

_ كاي : " كانت تتحدّث مع بعض الفتيات "

_ هاري : " و هل كانت بينهم أيّ فتاة شقراء ؟ "

_ كاي : " أجل ... ربّما "

_ هاري : " هل تعرفها ؟ "

_ كاي : " لا ... لم أكن أعرف جميع الحضور فقد كان أغلبهم من معارف زوجتي المتوفّية و لسيرينا "

صمت هاري بعدها و ضلّ يمشي بهدوء ذهابا و إيابا و هو ينفخ سحابات دخّان من غليونه ... حتّى رنّ في المكان صوت سيارات الإسعاف ... دخل رجال الإسعاف و حملوا جثّة العروس الدّامية ... بينما بقي الشّريط المحيط بها مشكّلا هيئتها كما كانت

غادر بعدها كاي و ابنته سين و برفقتهما الخادمة كسندرا و كذلك جان و زوجته بعد أن سمح لهم هاري بذلك على أن يتّصل بهم إن أراد سماع شيء آخر ... أمّا جاك فقد بقي برفقة الشّرطة

-④-

في اليوم التّالي ....

كان هناك شريط كبير أصفر يحيط بمبنى قاعة الحفلات إضافة إلى اللّافتة المكتوب عليها ممنوع المرور ... بينما كانت آفا واقفة هناك مع بعض رجال الشّرطة تحمل في يدها دفترا بداخله الكثير من الأوراق المتداخلة حتّى تقدّم منها شاب يناهز عمره الثّلاثين ذا شعر أسود و عينان بلون السّماء

_ آفا : " أهلا جيفرس ... شكرا لقدومك "

_ جيفرس : " في ماذا أساعدك ؟ "

رفعت آفا الدّفتر و قدّمته له قائلة : "تفضّل هذا أيّها الباحث "

أخذ جيفرس الدّفتر من يدها ثمّ فتحه و أخذ يراقب تلك الصّور الّتي كانت تضهر عروسا تغمرها الدّماء

_ جيفرس : " هل هذه القتيلة التّي قتلت البارحة في حفل زفافها ؟ "

_ آفا : " أجل "

تمعّن جيفرس في الصّور أكثر ثم خاطبها متسائلا : " و ماذا أفعل بها ؟ "

_ آفا : " أنضر جيّدا إلى الجراح الموجودة في عنقها .. ألا تراها غريبة ؟ "

ناضرها جيفرس مجدّدا ثمّ قال : " أجل "

_ آفا : " أريدك أن تحقّق في الأمر "

_ جيفرس : " حسنا ... سأفعل ذلك "

ثمّ أردف قبل أن يغادر : " أراكِ لاحقا "

_ آفا : " أراك لاحقا "

كان ليفاندو داخل مكتبه في مخفر الشّرطة يناضر شاشة الحاسوب حتّى فتح الباب و دخل الشّرطي أندريس ، شاب يبدو في أواخر العشرينات بشعر أحمر و عينين بنّيّتان كما يغطّي على بشرته البيضاء بعض النّمش يحمل في يده كوبين من القهوة

_ أندريس : " ماذا تفعل ؟"

ناضره ليفاندو ثمّ قال : " شيء بخصوص قضيّة البارحة "

قدّم أندريس كوبا من القهوة إلى ليفاندو الّذي شكره ثمّ قال و هو يناضر شاشة الحاسوب هو الآخر : " أضنّ أنّ عليك إخباري فقد أشركني هاري في القضيّة "

_ ليفاندو : " حقّا ؟! "

_ أندريس : " أجل "

صمت ليفاندو ليترشف رشفة من القهوة ثمّ قال مجدّدا : " و هل أخبرك بالتّفاصيل ؟"

_ أندريس : " لا و لكنّ ليونارا أخبرتني ... فقد أخبرتها آفا هي الأخرى "

ناضره ليفاندو باستغراب قبل أن يقول : " و أشرك ليونارا أيضا ؟! "

_ أندريس : " أجل ... دعك من هذا و أخبرني عمّا تبحث "

_ ليفاندو : " الفتاة الشّقراء "

بعدها ضغط على زرّ من أزرار الحاسوب لتضهر على الجانب الأيمن مجموعة صور لفتاة جميلة ذات شعر أصفر و عينان زمرّديّتان و قد كتبت بعض المعلومات عنها في الجانب الأيسر ، هلّل ليفاندو فرحا ليقول أندريس و هو ينضر لالشّاشة أمامه : " هل هذه الجميلة هي المطلوبة ؟ "

_ ليفاندو بإبتسامة : " أجل "

ثمّ رددّ إسمها بخفوة و هو يقرؤه من الحاسوب : " بياتريس فايدنت "

بعدها وقف و قال مخاطبا أندريس : " ماذا ؟ ألا تودّ لقاءها ؟ "

وقف أندريس قائلا : " هيّا بنا ، ماذا تنتضر ؟!"

كان جاكوب أمام المقود داخل سيارة سوداء و بجانبه على المقعد الأمامي يجلس أوليفر يبدوان و كأنّهما في انتضار شخص ما ... ليقول أوليفر : " أخيرا وصلتا "

عندما رأى فتاتان تتقدّمان منهما .. الأولى كلارا في منتصف العشرينات ذات شعر أسود و عينان سوداوان ترتدي نضّارات طبّيّة .. و الثّانية ثيودورا تبدو أكبر من كلارا بسنة أو اثنين ذات شعر أسود كذلك و عينان رماديّتان،

ليقول جاكوب بعدما ركبتا السّيارة في المقاعد الخلفيّة : " لقد أشرككما هاري في القضيّة أيضا أليس كذلك ؟ "

_ ثيودورا : " بلى "

_ كلارا : " سمعت أنّه أشرك ليونارا و أندريس أيضا "

_ أوليفر : " لا أعرف ما غايته في جعلنا كلّنا نشترك في قضيّة واحدة ! "

قال جاكوب و هو ينطلق بالسّيارة : " ربّما القضيّة صعبة "

عندها رنّ هاتف أوليفر ، نضر إلى شاشته قائلا : " إنّه هاري "

ردّ عليه قائلا : " نعم يا سيّدي ؟"

_ هاري : " هل وصلت الضّابطة الجديدة ؟"

قطب أوليفر حاجبيه ثمّ أبعد الهاتف و همس إلى الثّلاثة الآخرين قائلا : "هل ننتضر أيّ ضابطة جديدة ؟"

قالت كلارا و كأنّها تذكّرت شيئا ما :" أجل، نسيت إخباركم، أخبرني هاري قبل ثلاثة أيّام أنّ هناك ضابطة جديدة ستنضمّ إلينا و أمرني بإعلامكم بالأمر "

عندها سمع أوليفر صوت هاري قادما من الهاتف ينادي .... ليجيب بتلعثم : " نعم، نعم يا سيّدي "

_ هاري : " ماذا، هل وصلت ؟ "

_ أوليفر : " لا ... أقصد لا لم تصل يا سيّدي "

_ هاري : " لماذا تأخّرت هكذا ، هذا موعد وصولها "

_ أوليفر : " لا أعرف ، لكنّي سأخبرك حتما عندما تصل "

وافق هاري كلامه ليردف أوليفر : " هل تنوي إشراكها في القضيّة أيضا ؟ "

_ هاري : " أجل "

بعدها أنهى المكالمة في استغراب شديد و في نفس الوقت توقّفت السّيارة أمام مبنى قاعة الحفلات ليقول جاكوب و هو ينزل من السّيارة : " إنّه مسرح الجريمة "

تبدو في منتصف العشرينات ذات شعر ذهبي و عينين كريستاليّتين تمشي بخطوات متباطئة تجرّ حقيبة سفر صغيرة ناضرة إلى الخريطة الموجودة على الهاتف ، حتّى توقّفت أمام قارعة الطّريق لتوقف سيارة أجرة صفراء ، جاءت تركب السّيارة فوجدت بداخلها فتاة أخرى تبدو أكبر منها بقليل ذات شعر أسود و عينان رماديّتان ركبت بجانبها ثمّ أعطت الهاتف لالسّائق و طلبت منه اتّباع الخريطة الموجودة عليه ... لكنّها تفاجأت بالسّائق يعيد لها الهاتف و يخبرها أنّه متّجه إلى نفس المكان

إنطلقت السّيارة بينما ضلّت هي تسترق النّضر إلى الجالسة بجانبها لتقول أخيرا : "إذا أنتي متّجهة إلى مخفر الشّرطة "

ناضرتها الفتاة بتعجّب و كأنّها انتبهت لوجودها للتّو، قبل أن تجيب : " أجل "

_ " أنا ذاهبة إلى هناك أيضا "

وجّهت الفتاة نضرها إلى النّافذة و ضلّت صامتة ...

لتقول ذات العيون الكريستاليّة من جديد : "إذا .. هل أنتي تعملين هناك أم ... "

استدارت الفتاة نحوها مجدّدا و قد شعرت بالرّيبة حيالها لتجيب بهدوء : " أنا ضابطة شرطة و أعمل هناك "

_" ما هو اسمك ؟"

_ " ليونارا "

_ " أنا لجيندا و أعمل ضابطة شرطة أيضا، انتقلت إلى هنا حديثا من ميرتون "

تفاجأت ليونارا من كلامها ... و قبل أن تتكلّم توقّفت السّيارة أمام مخفر الشّرطة فنزلتا منها

_ ليونارا : " انتقلتي إلى هنا حديثا !! "

_ لجيندا بابتسامة و هي تتقدّم نحو مخفر الشّرطة : " أجل "

ناضرتها ليونارا باستغراب قبل أن تلحق بها إلى الدّاخل ....

يتبع ...

✧ قراءة ممتعة ✧

2024/01/17 · 53 مشاهدة · 3794 كلمة
Douaa #
نادي الروايات - 2025