*دندنة ...ممزوجة بصوت عصا تنقر الأرض بخفة, اكتظ مشهد السفح الجبلي بالنعاج و الخراف, حتى الأشجار و الأغصان لم تسلم من بطش الماعز, خفف الراعي من سيره ثم التقط حصاة و ألقاها إلى جذع شجرة, فتساقطت الغنم من فوقها و لحقت بأخواتها.

وضع عصاه خلف رقبته و لف ذراعيه حولها كالفزاعة, ثم شرع يركض باتجاه ضفة النهر, اصطف القطيع خلفه مثل الجنود و اتبعوه على عجل.

تسابقت الغنم لتروي عطشها, بينما توارى صاحبها الى كرمة قرب النهر و استلقى في ظلها, رفع عصاه ليهز غصنها فوقع عنقود عنب في كفه, وضعه في فمه دفعة واحدة ... *بلع ..." لذيذ كعادته...حسنا.., سأغفو قليلا حتى ينتصف النهار"

لمَا انقضت غفوته ساق القطيع نحو الشلال... *خرير ......." الشمس ساطعة كالشهاب...و مياه النهر الصافية مغرية " حدث نفسه ثانية, ترك الغنم ترتع في المروج الخضراء ...انسلخ من لباسه...و سقط....أخذ يسبح قرب المصب...غاص أسفله قليلا ولمَا همَ بالرجوع لمح فتحة مظلمة بالقاع تشبه الكهف.

احتار..لأنه بالكاد رأى الفتحة كأنها أخفيت عن عمد, و الأكثر غرابة أن المياه لا تدخلها...أطال في التفكير الا أن شعر بنفاد الهواء من رئتيه فهرع الى الفتحة بسرعة...حين دخل أدرك سر عدم ولوج المياه اليها, لقد خلق تدفق الشلال القوي حاجزا منيعا, نظر في المكان حوله جيدا.....صخور مبعثرة...هنا وهناك....لكن عكس توقعه, هذا المكان ليس كهفا.., بل هو أشبه بنفق أسفل الجبل, عمقه و وسعه أكبر بكثير مما تخيله, لوهلة.., لم يستطع مقاومة الفضول الذي اعتراه فقرر أن يتوغل أعمق .

على طول الطريق.. بينما كان يسير, سمع صوتا غريبا قادما من أعماق النفق, صوت كرنين الجرس, فتتبع مصدره....كلما تقدم أكثر...ازداد الصوت حدة.., فجأة وجد قدميه على حافة هاوية مرعبة لا تبدو لها نهاية...." يا الهي...هذه الحفرة مخيفة...تشبه فم وحش...من؟ "...رفع رأسه الذي كان ينظر أسفل فرأى حبلا قادما نحوه, تعثر من شدة خوفه...نظر فوقه فشاهد الحبل يتحرك جيئة و ذهابا, أحد طرفيه معلق بسقف الكهف العالي بينما الطرف الاخر غارق في ظلمة الهاوية...لم يكن صعبا عليه تخيل ما يوجد في نهاية الطرف الاخر..." جرس؟؟...ما هذا المكان؟ "...الان بات واضحا مصدر الصوت, تأمل المشهد قليلا فخطرت بباله فكرة....انتظر حتى اقترب منه الحبل ثم قبضه...كانت نيته واضحة. أراد أن يتأرجح به الى الضفة الأخرى, ولكن ما ان تشبت جيدا حتى اهتز الحبل بجنون كأن شيئا ما يصعد فيه.

تعذرت الرؤية....فالعمق بعيد المنال, رغم أن الحبل أثَر عليه الزمن لا زال يتحمل هذا الاهتزاز القوي الذي قد يمزق أي حبل مهما كانت متانته...عندما أمسك الحبل رفض أن يرخيه رغم علمه بما قد يحدث من خطر, لكن مع مرور بعض الوقت لم يستطع تحمل ثقل الجرس كأنه يريد أن يدق مجددا...أطلقه و تنهد... *هووف ...في النهاية لم يتسنى له رؤية ذاك الشئ...فجأة... .دون سابق انذار قفز ما كان ينتظره, فتى ضخم البنية يحمل سيفا خلف ظهره و شعره الأسود الطويل يحلق معه. ما ان وطأت أقدامه الخارج ...غمغم بصوت خافت.. " أخيرا....النو..ر..الذي كنت أحلم به " انتابه احساس غريب...

غمرته اللحظة لدرجة أنه لم ينتبه لمنقذه أمامه, لكنه لا يلام على ذلك فكل ما يمكن أن يأتي على بالك عند رؤية هذا المشهد.. المضحك.... * قزم و عملاق * ...استشاط غيضا لمَا أدرك أنه تم تجاهله..."هيه...أيها الوغد العملاق...بعض الاحترام....فأنا أكبر من أبيك.."...وكزه بالعصا..., أخيرا عاد الفتى الى وعيه و نظر أسفله, لا زالت العصا تقف على قدمه كوتد الخيام لكن لا يبدو أنه يواجه مشكلة مع ذلك...تغيرت ملامح الراعي لحظة وكزه للقدم, شعر كأنه وطأ بعصاه على صخرة... *طنين ...انبطح الفتى قليلا و أمسك برأسه..."هذا الجرس اللعين مجددا.. "

لاحظ ردة فعله...الحق يقال...هو أيضا لم يحب صوت الجرس...كان صوته كئيبا...رفع عصاه من على قدم الفتى وتقدم ليمسك الحبل فور عودته. لمَا قبضه, أخرج سكينا من جيبه و حاول قطع الحبل...المحاولة الماضية لم يستطع أن يحمله طويلا حتى بيديه معا فكيف يمكنه الان بيد واحدة....انفلت الحبل من يده على الفور, لكن قبل أن يتخذ دربه المعتاد..تمزق..... *همس ..." بما أنني غادرت, ليس من الأدب أن أترك الباب مفتوحا...",...أغمد سيفه و وجَه نظره الى الراعي الذي لا زال في حيرة مما حدث للتو,....لا صوت يدل على وصول الجرس الى قاع أو نهاية.

حدق بذهول...ثم طرفت عيناه بسرعة ومرت على جسد الراعي من الأسفل الى الأعلى...حوافر و أرجل حمار و ذيل في الخلف يرقص بمرح...قميص من كتَان قصير يكشف عضلات بطنه المفتولة...لحية صغيرة و شعر متناثر على وجهه بطريقة تجعله يبدو كشاة عجوز....قرنين تشبهان لوزتين على جبهته تطلان من أسفل قبعة قشية...تلاشت دهشته بسرعة و حل محلها تعبير جاد

" أي كائن أنت بالضبط؟؟ "

" شكرا لأنك سألت.. ظننتك لن تسأل..أليس واضحا بالفعل...أنا مسخ...ماذا تتوقع أن تجد في أرض ارغون؟ " ثار غضبه ثانية, لا يعلم ماذا يفعل مع هذا الصبي

" الان دوري في السؤال, لماذا تتكلم لغة مملكة ليثيوس القديمة....هذه اللغة لم تعد موجودة سوى في كتب التاريخ...وأنا بالكاد أفهم ما تقول لأنني درستها قليلا...ألم تعلمك أمك اللغة العامية...وماذا تفعل هنا؟؟ "

" أنا لست من هذا المكان...و لا أعلم لما أنا هنا "

" ااااه...هل تمزح معي؟...حسنا...ما إسمك إذا؟ "

" أنا اسمي رادون "

"بفففف..ههه... ما هذا الاسم المضحك ؟ احح...ااسف...أنا أدعى زالين "

// رادون في اللغة العامية تعني *دودة .

2019/02/13 · 994 مشاهدة · 799 كلمة
kelsier
نادي الروايات - 2024