صباح يوم مشمس..في الحديقة الخلفية لقصر المسوخ ، انقلب رادون رأسا على عقب و وقف على إصبع السبابة ليده اليمنى..و الغريب في الأمر أن يده اليمنى لم تعد منتفخة و سوداء كما كانت من قبل بل عادت لطبيعتها

" جيد...التوازن لم يعد يشكل عائقا ، حتى الآن يمكن اعتبار أنني متقن لأساسيات الجسد الثقيل ما عدا أن الأمر سيتطلب أكثر من ذلك لإتقانه كليا...حسنا سأرفع وزن جسدي أكثر قليلا.." تحدث في نفسه ، بينما كان منقلبا رأسا على عقب..تصببت جبهته عرقا و اشتدت عضلات جسمه بالكامل..ارتجف جسده و بدأ يفقد توازنه ، لذا اضطر للاعتماد على كفه اليمنى بدل مجرد إصبع واحد ، حتى التربة التي كان يقف عليها لم تعد تستطيع تحمل هذا الوزن و سمحت لذراعه بالغرق..استسلم و عاد ليقف على قدميه

" أثقل ما يستطيع جسدي الوصول إليه هو عشرة أطنان...لنضعها في لكمة و نرى.."

"*باااام.."

اتجه نحو صخرة قربه بنفس طوله تقريبا و ضربها بقبضته ، فانفجرت و تحطمت إلى أشلاء

(//تعليق الكاتب: طن = 1000 كيلوغرام...أنا سيء في الحساب لذا قم به بنفسك.)

" بما أنني بلغت العتبة الأساسية للجسد الثقيل..يمكنني البدء بتدريب الجسد الخفيف ، هذا سيرفع من سرعتي إلى مستوى آخر و أفضل شيء أنه سيمنحني القدرة على الطيران..لكن إتقانهما سيحتاج سنينا ,الأهم الآن هو أن أجد طريقة للخروج من هنا حتى أتمكن من البحث عن السر الخامس.." حين كان غارقا في التفكير ، اقترب منه المسخ صاحب حوافر الحصان الأربعة

" لقد مر أسبوع بالفعل و أنت لا زلت هنا..حتى أنك تنام بالخارج ، ألم تعجبك الغرفة أم ماذا؟ " نظر إليه *أوكين باستغراب

" آسف على إزعاجك..لقد كنت أتدرب فقط و لم أدرك مرور الوقت "

"ايييه؟؟...حسنا لا عليك ,لقد انطلقت الفصول الدراسية اليوم..اذهب للقاعة الأولى على الجانب الأيمن من الساحة الرئيسية ,إن كنت محظوظا و وصلت إلى هناك قبل الأستاذ فقد تفلت من العقاب " نصحه و هم بالمغادرة

***

عند سماع ذلك ,ركض رادون مسرعا نحو الساحة الرئيسية و نسي تغيير ملابسه النتنة و الاستحمام...على أي حال لا يملك سوى تلك الملابس التي من شدة عرقه التصقت بجسمه مبرزة عضلاته ، لحسن الحظ وصل إلى القاعة قبل الأستاذ...عندما فتح الباب و دخلها كان ينتظر مساحة صغيرة بحجم غرفتين لكن ما ظهر أمامه خالف توقعاته تماما ، كانت القاعة بحجم منزل كامل ، مكتظة عن آخرها بالطلاب و ضوضائهم المزعجة..جلس وحيدا في المقاعد الخلفية و نظر إلى أسفل نحو السبورة

" هل سمعت آخر الأخبار ، يقال أن أسونا تحدى شخصا ما و سيتعاركان اليوم في منصة الساحة الرئيسية..أنا متحمس لمشاهدة القتال "

" أعلم ذلك ، لكن يبدو أنك لا تعلم من هو ذلك الشخص..إنه مجرد بشري هجين ، لذا سيكون الأمر مملا بالتأكيد "

" ماذا؟؟..بشري هجين ، من المستحيل أن يفوز ، فيما كان يفكر هذا الغبي حين قبل تحديه ، عموما البشر الهجناء أضعف منا نحن المسوخ فما بالك بالسحرة الهجناء " تحول تعبير الطالب المتحمس إلى ازدراء

هؤلاء الطلاب كانوا يتحدثون في الصف أمامه ، استمع رادون لكلامهم و تحولت تعبيرات وجهه الهادئة إلى ابتسامة مجنونة

" لو تركتني أنهي حياته ذلك اليوم ,ما كان هؤلاء الأوغاد ليستهزئوا بي.." تردد صوت غاضب في ذهنه

" أنت تعلم أنه ضعيف جدا و ليس ندا لي ، سيكون من العار بالنسبة لي قتاله حتى و لو كنت أعزلا "

" غرورك هذا هو الذي كاد يقودنا للهلاك في ذلك الحين ضد ساحر مرحلة التكوين ، لو لم أتول السيطرة لقتلنا...صحيح أنه مع إتقانك للأسرار الثلاثة الأولى فهؤلاء الفتية لا يشكلون تحديا ، لكن في هذا العالم ربما هناك من هم أقوى من ذلك الساحر المخادع بكثير "

" ياااه..أنظر من ينعتني بالمغرور ، من المستحيل أن يقتلني بذلك السلاح و أنت تعلم ذلك...أنت فقط تريد قتل الناس ,و قد وضحت وجهة نظري منذ وقت طويل ، ذلك الفتى لا يشكل تهديدا لهذا لن أقتله..انتهى النقاش " عاد رادون لهدوئه المعتاد و نظر باتجاه باب القاعة , مباشرة بعدها فتح الباب و دخل رجل متوسط العمر ذو لحية سوداء يحمل حقيبة..جلس خلف مكتب بجانب السبورة و صفق بيديه

" رجاءا التزموا الصمت..مرحبا بكم ، أنا أستاذكم أوتو.." شبك أصابعه و تحدث بلباقة

" مرحبا بك ,أستاذ أوتو.." رد الطلاب بانسجام ،بعد ذلك حل الصمت عوض الثرثرة السابقة

" حسنا..دعنا ندخل للدرس دون مقدمات طويلة ، سؤال..ماذا تعرفون عن السحر ؟ " نهض من كرسيه و خاطبهم

" السحر هو عبارة عن قوانين تتحكم في تأثير طاقة الماجي على العناصر الطبيعية من حولنا " أجاب أحد الطلبة الجالسين في المقدمة

" تعريف صحيح لكنه غير مكتمل ، ما تتحدث عنه هو تعريف ينطبق على سحر العنصر فقط أما السحر عامة فهو أبعد من ذلك بكثير "

" أهذا يعني أن سحر العنصر ليس هو السحر الوحيد الموجود في عالمنا " ذهل الطلاب حين أدركوا ما يلمح له أستاذهم

" نعم ، هناك سحر أقوى و يدعى السحر الأسود...و السحر إجمالا مكون من هذين النوعين ,سحر العنصر يمكنك من تقييد قوى الطبيعة عبر ما يسمى بالتعاويذ و هي لغة مبنية على قوانين كما قلت..تمكنك من التواصل مع طاقة الماجي و التحكم بها ، و السحر الأسود الذي هو عكس ذلك تماما فهو لا يهدف للتقييد بل لهدم قوى الطبيعة باستعمال الطاقة المظلمة و يتم التواصل معها عبر لعنات و هي لغة تعتمد على قوانين مغايرة تماما " توقف عن التحدث لبرهة و جلب خريطة فوق مكتبه

" هنا حيث توجد إمبراطوريتنا و خارج حدودها توجد المملكة المظلمة , معا ينتميان لقارة *إيسن..رغم ذلك حدث صراع قديم بيننا و لا زلنا طوال هذه السنين نخسر كل حرب نخوضها ضدهم ، أتعرفون لماذا؟..لأنهم مشعوذون أي أنهم يتقنون السحر الأسود و كما قلت سابقا..هذا النوع من السحر يعد أقوى من نظيره سحر العنصر ,من يتقنون سحر العنصر يدعون بالسحرة و هم إما فرسان يحاربون باستخدام السحر أو معالجون يشفون الناس بالاعتماد عليه أو مستدعون يستدعون أجساما تسمى *المخلوقات العنصرية فتحارب مكانهم ,في حين ينقسم المشعوذين أيضا لثلاثة أصناف أخرى: عراف أو كاهن ,مستحضر أرواح ,قاتل "

" لكن أستاذ لماذا يعتبر السحر الأسود أقوى من سحر العنصر ؟" سأل نفس الطالب الذي أجاب في السابق

" الجواب ببساطة لأنه الأقدم ,وهذا يعني أنه الأكثر تطورا و تعقيدا..سحر العنصر ظهر فقط قبل ألف سنة لذا فهو يحتاج وقتا طويلا ليلحق به..إليكم الحقيقة الصادمة ،من يشتبه في فتحهم لبوابة عالم الجان و الوحوش معا و في وقت واحد هم...السحرة الأشرار أليس كذلك ؟ ، حسنا..هذا كان اسمهم قديما الآن يدعون بالمشعوذين.."

" ماذاااا؟؟؟.." فتح الطلاب أفواههم من شدة الصدمة و ألقوا نظرة على بعضهم البعض

" هاهااهها..كنتم تظنون أنها مجرد خرافة رواها أجدادكم و لا وجود للسحرة قبل تلك الكارثة ,بالرغم من أنكم فصل المسوخ و لا علاقة لكم بالسحر ، إلا أن هذا التاريخ أساسي بالنسبة لكم ، و بما أنكم طلاب جدد و هذا عامكم الأول هنا ,شعرت أنه من واجبي كشف هذا اللغز...نهاية الحصة ، يمكنكم الانصراف" أخذ الأستاذ حقيبته و الخريطة ثم غادر القاعة أمام أنظار الشباب المذهولين

***

" *صوت استنشاق.."

"هييه..رفاق أشم رائحة مقززة منذ فترة طويلة ، هل أطلق أحدكم ضرطة ؟ " مسخ ذو أذنين و فراء شبيه بالذئب يكسو سائر جسده بدأ يشم أصدقاءه ثم استدار خلفه..

" صاح..رائحتك كريهة جدا ، منذ متى لم تستحم ؟ أم أن هذه هي رائحة البشر الهجناء " سخر المسخ و رفاقه ثم أمسكوا بأنوفهم مع إشارات استهزاء بأيديهم

لم يرد رادون و لم يعرهم اهتماما ، حتى أنه أظهر تلميحا من الشفقة على وجهه ، ثم قام و تركهم يضحكون

حين خرج من القاعة و اتخذ مسار العودة للقصر ، تم اعتراض طريقه من قبل أسونا

" مرحبا صديقي ، طريق الحلبة من هذا الاتجاه...أم أنك نسيت ؟ " ابتسم بسخرية و أشار إلى المنصة الحجرية وسط الساحة الرئيسية

" لست مهتما بقتالك ، ربما في وقت لاحق.." انتبه الطلاب للضجة و أحاطوهم في ترقب لما سيحدث

" أنت لست رجلا ، تنكر وعدنا و تتجنب المعركة ، أين ذهبت شجاعتك السابقة؟ أم أنك خائف أن أجلس على مؤخرتك "

" حسنا..أنت من يبحث عن المتاعب ، لا تلمني بعد ذلك " رد رادون مع تثاؤب و لعن في نفسه " تبا ، لم أنم منذ أسبوع...يجب أن أفرغ من هذه المسألة التافهة بسرعة كي أستطيع أخذ قسط من الراحة "

" جيد ، يبدو أن غرورك لا يزال حيا..حتى أتمكن من قتله " غضب لما رآه يتثاءب ، لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه

بين الحشد كان هناك شخصان ، أحدهما رفيقه في السكن و الأخرى مرشدته ، كلاهما تحسرا على حاله كأنهما يعلمان نتيجة هذه المعركة بالفعل ، و نفس الشيء يقال عن الجمهور مع لمسة من الازدراء مضافة إليه...انتقل وفد المتفرجين نحو المنصة و كذلك فعل الخصمان

***

وقف كل واحد منهما على طرف من الحلبة و قابلا بعضهما البعض تحت أنظار الجمهور

" سأمنحك فرصة الهجوم أولا ، حتى لا تقول أنني هاجمتك على حين غرة..و إذا كان لديك عذر آخر..."

" كفى إضاعة للوقت ، أريني ما لديك قبل أن يغلبني النعاس.." قاطعه رادون مظهرا عدم صبره

" يا له من معتوه سيركل أسونا مؤخرته خارجا في طرفة عين "

" هههه..رغم ذلك لا تنكر أنه يجيد التمثيل.."

" لقد أخبرته أن لا يتهور لكنه لم يستمع إلي.."

كالعادة قبل كل مباراة يبدأ الجمهور بتوقع النتائج المحتملة ، منهم من يشفق على الخاسر و منهم يضحك على حاله

استشاط أسونا غيضا عند سماع كلمات رادون الغير مبالية ، تحول جسده تماما مثل آخر مرة ، و صار جلده أخضر خشنا كالتمساح مع مخالب و أسنان حادة...اندفع نحو خصمه بهيجان

" اسحب سيفك و تصدى لهذه " صاح محذرا و مزق بمخلبه في اتجاه صدر رادون

"*صوت تمزق.."

تمزق الثوب على صدر رادون ، لكنه لم يتحرك خطوة واحدة من مكانه

" هذا المجنون لم يتزعزع من مكانه حتى..لابد أنه أصيب بجرح عميق جراء ذلك "

" مهلا...أنظر...لا يوجد أي جرح عليه "

" ماااذاا؟؟..كيف؟؟.." صدم الجمهور و غطوا أفواههم ، و أعينهم مفتوحة على مصراعيها من شدة الذهول

" أهذا كل ما لديك...لقد دغدغتني " تحدث رادون ببرود

" لكن..كيف؟ كيف؟...*ااااه " صدم أسونا كذلك و جن جنونه ، انحنى قليلا و عض ذراع رادون بكل قوته ، لكنه لم يستطع غرز أسنانه الحادة فيها ، لم يتمكن سوى من ترك علامات بيضاء باهتة على جلده

ترنح قليلا و بدا غير مصدق لما حدث للتو مع نظرة رعب تعلو وجهه ، لكنه لم يستسلم بهذه السهولة..توهجت جبهته باللون الأزرق الثاقب و استعد لإطلاق آخر بصيص أمل يملكه للفوز..غير أنه لم يعلم أن خطوته كانت تبدو خرقاء و بطيئة للغاية في أعين رادون ، حين انطلق الشعاع تفاداه بسهولة رغم سرعته العالية كأنه تنبأ باتجاهه , و بحركة خاطفة اقترب من أسونا و أمسك بكتفه

" يا إلهي ، لقد تفادى التعويذة المحرمة..." صاح صوت ناعم لأنثى داخل الحشد

تلاشى الضوء المنبعث من جبهته شيئا فشيئا ، و لكم صدر خصمه بأقصى قوته لكنه لم يرتجف حتى ، ثبت رادون قبضته على كتف أسونا..برزت عضلات ذراعه و انفجرت بأصوات طقطقة..

شعر أسونا كما لو أن صخرة عملاقة سقطت عليه من السماء...بدون مقاومة هبط جسمه على الأرض بسرعة عالية و حطم أرضية المنصة الحجرية..حيث طبعت حفرة ملائمة لجسده على إثر ذلك..

نفض رادون الغبار عن مؤخرته وجلس عليها .

...

..

.

نعم , نعم..أعلم أنني تأخرت ، اسف على ذلك...لماذا؟..بدون سبب لمجرد أنني شعرت بالملل قليلا

*شكرا على القراءة

2019/03/19 · 514 مشاهدة · 1795 كلمة
kelsier
نادي الروايات - 2024