28 - حين أبصر الثعبان الهاوية

حاول إلينيوس الزحف مبتعدًا، لكن لين لم يمنحه فرصة. بركلة سريعة إلى ظهره، طار إلينيوس صارخًا في الهواء.

دوّى صوتٌ مقزز—صوت تحطم العظام.

إلينيوس، الملقى على الأرض، فعّل بركته.

بقوة اللهب الأبيض—لهب الوفاء والحق، اللهب الذي يوقظ القلب— اندلعت انفجارات.

أحاط اللهب الأبيض بجسد لين، مجبرًا إياه على استعادة السيطرة.

تحوّلت إحدى عينيه إلى اللون الأزرق، والأخرى بقيت سوداء.

"سيطر على جسدك، الآن!" صرخ إلينيوس.

ارتجف جسد لين. رأى انعكاسه في جليد الحلبة فتجمّد في مكانه. ارتسم الرعب على وجهه بينما كان يحدّق في هيئته المشوهة.

حاول قمع العين الزرقاء، لكن السوداء بدأت بالاندماج معها، مكونة دوّامة من الأزرق والأسود.

نهض إلينيوس واندفع نحو لين، مستخدمًا لهبه لتثبيته وشفاء جروحه.

ثم وجّه اللهب نحو نفسه.

"آه... لقد سيطرت عليها"، تمتم لين.

وعاد لون عينيه إلى حالتهما المعتادة.

"ما كان ذلك؟" سأل إلينيوس.

"لا أعلم."

ما كان ذلك بحق الجحيم؟ لقد بدوت كوحش مرعب.

لقد سحقتني تمامًا—كما لو كنت طفلًا عاجزًا.

حتى مانا جسدك... لم أستطع قياسها. شعرت بشيء مظلم—مانا كأنها قادرة على ابتلاع الحياة نفسها.

كنت تتحرك بدافع الغريزة فقط.

لو لم تكن أعين فاستيرا موجودة، لما استطعنا إيقافك.

كنت على وشك قتلي.

"وللأسف، لم أفعل"، تمتم لين في نفسه.

تنهد إلينيوس. "سننهي تدريب القتال هنا.

لا أريد مواجهة ذلك الوحش مجددًا."

"تأمل"، قال إلينيوس. "انظر إلى داخلك. ذاك الثعبان الأسود—روحه، قوته—عليك أن تفهمه.

لا أحد يعرف ما يمكنه فعله حقًا.

سأذهب الآن لأخذ بعض الراحة."

جلس لين داخل الحلقة وأغمض عينيه، محاولًا الإحساس بالمانا المتدفقة من حوله. وبعد لحظة من الصمت، فعّل العلامة.

مرّت دقيقة.

ثم—رآها.

في مكانٍ يكتنفه الضباب، كان الثعبان الأسود الضخم، ذو العينين الزرقاوين اللامعتين، مستلقيًا وسط الظلال.

لكن هذه المرة، لم يكن وحيدًا.

عشرات الثعابين الأصغر، المطابقة له في الشكل، زحفت خارجة من بين الأنقاض، تطوقه بصمتٍ مريب—كأن قوة خفية تربطها به.

تغيّر شكل الثعبان أمام عينيه.

تحول إلى امرأة فاتنة الجمال—لديها شعرًا أسود طويل ينساب على ظهرها، وعيناها زرقاوان تتألقان بحدة هادئة، وشامة سوداء صغيرة تحت عينها اليسرى.

كان جسدها نحيفًا ورشيقًا، يكسوه رداء أسود فضفاض يلتف حولها بنعومة، يضيف إلى هالتها جاذبية وأناقة وقوة صامتة.

تجمعت الثعابين الصغيرة من حولها كأطفال مخلصين.

"إذًا... لقد أتيت أخيرًا"، قالت، بصوت هادئ يتردد داخل ذهنه.

"من أنتِ؟" سأل لين.

أنا أزارين، وريثة الثعبان الأسود من فاستيرا.

تقدمت نحوه، ومع كل خطوة رشيقة، تبعتها الثعابين الصغيرة—صامتة، راقبة.

"أنت تحمل روحي. لكنك لا تسيطر عليها... بعد."

"ما الذي تريدينه مني؟"

"لا شيء." ابتسامتها كانت باردة. "أنت من استدعاني."

تقدّمت نحوه، خطواتها بطيئة، مقصودة. ثم، دون سابق إنذار، اقتربت منه وطبعت قبلة طويلة على شفتيه.

في اللحظة التي التقت فيها شفاههما، توهجت عيناه—كلاهما صار أزرقًا مضيئًا.

وحين افترقت شفاههما، ترنّح لين للخلف—لاهثًا، مثقلًا بالذهول.

العالم من حوله تشوّه.

تلاشت الأنقاض، لتحل محلها أرض لا متناهية من الحمم السوداء، وسقف من ضباب أسود يتقاطع فيه البرق الأزرق الشاحب.

الهواء كان ينبض بقوة. لم يكن مكانًا... بل عالمًا روحيًا، انعكاسًا للروح التي لمسها.

وقفت المرأة في المنتصف، ظهرها نحوه. كان رداؤها الأسود يتمايل في ريح غير مرئية، وصوتها يتردد—ليس فقط في أذنيه، بل في صدره.

"الدرس الأول"، قالت بهدوء، صوتها كالسكون.

"لا يمكنك أن تتحكم بالثعبان... إلا إذا أصبحت هو."

فجأة، ارتفعت الظلال حول لين—صاعدة كألسنة دخان حيّة.

ومن أعماقها، انفجر ثعبان هائل، مكوّن كليًا من الضباب الأسود الكثيف.

أنيابه بارزة، وعيناه تحدقان فيه بوعي مرعب.

لم يكن هناك وقت للتفكير.

الغريزة سيطرت.

انقض جانبًا في الوقت المناسب، متدحرجًا على الأرض السوداء، أنفاسه محبوسة، وقلبه يخفق بشدة.

"عليك أن تتعلم أن تبصر بلا نور"، تابعت، دون أن تهتز.

"أن تضرب بلا تردد. أن تثق بجسدك حين يخونك عقلك."

انقضّ الثعبان مرة أخرى—بسرعة أكبر هذه المرة.

حاول لين أن يتفادى، لكن الوقت لم يسعفه.

ضربه ذيله على الكتف، تاركًا جرحًا حارقًا.

تألم، لكنه لم يسقط.

ثم—حدث التغير.

توهجت عيناه—نور أزرق خالص أضاء في نظرته.

وفجأة... تباطأ كل شيء.

ازداد الضباب كثافة حول الوحش، ملتهمًا هيئته.

لكن لين رآه—ليس بعينيه، بل بشيء أعمق.

حسّ جديد.

كأن المانا في الهواء صار لها شكلٌ ونبضٌ وتنفّس… وقد أصبح قادرًا على الشعور بها.

"أزرق الثعبان"، همست المرأة، بنبرة تحمل شيئًا من الرضى.

"لقد بدأت تفهم."

رفع لين يده.

لم يفكر.

تحرّك مثل ثعبان.

جسده انساب—بارد، سلس، دقيق.

اخترقت يده جسد الثعبان، ضربة نابعة من إرادة خالصة.

انفجر المخلوق إلى دخان أسود، وتبعثر إلى العدم.

ساد الصمت.

وقف لين في مكانه، يلهث، يتوهج بهدوء.

الألم في كتفه اختفى—كما لو لم يكن.

استدارت المرأة لتواجهه كليًا، رداءها يتمايل في السكون.

عيناه الزرقاوان لا تزالان ثابتتين عليه... لكن كان فيهما شيء جديد.

الريبة.

"هذا... ليس طبيعيًا"، قالت ببطء، صوتها يحمل توترًا خفيًا.

"لا ينبغي لك أن تكون قادرًا على فعل ذلك... بهذه السرعة."

لم يجبها لين.

ثم—تغيرت عيناه.

تحولتا إلى اللون الأحمر.

هالة باردة انبعثت منه—ثقيلة، غريبة، عتيقة.

وعندما نطق أخيرًا، كان صوته قد تغيّر—أعمق، أبرد، كأن شيئًا منسيًا قد تذكّر نفسه أخيرًا.

كان يحمل وزنًا جعل الهواء من حوله يرتجف.

> "إرفاس."

في لحظة، بدأ العالم يتفكك.

ورأته—ليس جسده، بل ما سكن داخله الآن.

روحٌ شاسعة، آكلة، مشبعة بالكراهية لدرجة أنها أحرقت أطراف روحها.

لم يكن لين بعد الآن.

كان شيئًا تم محوه من الوجود—شيئًا لا ينبغي له العودة.

تشققَت أرض الحمم.

انحلّت السماء إلى دخان.

اختفت الثعابين، تبخّرت إلى العدم.

وارتفع هيكل واحد من وسط الفوضى—

عرش، أسود مسنن، مصنوع من العظم والظل.

ترنّحت أزارين إلى الخلف، وساقاها لم تعودا تحتملانها.

سقطت على الأرض، عيناها متسعتان من الرعب.

تقدّم لين نحو العرش—ببطء، بثبات.

وجوده الآن كان طاغيًا، مهيبًا، غير طبيعي على الإطلاق.

جلس—بصمت واتزان—فوق المقعد المظلم، كما لو كان ملكه منذ البداية.

وفي تلك اللحظة، غرق العالم في صمت خانق.

لم يبقَ سوى صوت أنفاس أزارين المتقطعة.

2025/07/09 · 37 مشاهدة · 890 كلمة
Dark horse
نادي الروايات - 2025