انطلقت الأفعى البيضاء عبر الغابة بسرعة خاطفة، تتلوّى بدقة متناهية تكاد لا تترك فرصة لالتقاط تفاصيل المشهد.
لكن "لين" لم يستطع منع نفسه من التحديق في المناظر الخلابة—شلالات متدفقة، وأشجار نابضة بالحياة تتلألأ تحت الضوء.
ورغم كل شيء… كان المشهد جميلاً.
في النهاية، اتكأ إلى الخلف واستسلم للنوم فوق ظهر الأفعى الناعم.
إلى جانبه، كانت "أورالينا" تستريح. مدت يدها برفق، جذبت جسده نحوها، ولفّت ذراعيها حوله، وأسندت خدها إلى كتفه، وهمست بصوت حانٍ:
«حبيبي…»
انتفض "لين" فزعًا، كاد أن يسقط عن ظهر الأفعى، ولكن "أورالينا" كانت قد أمسكت به في اللحظة الأخيرة وأعادته إلى جلسته.
هذه المرة، شدّت احتضانها أكثر.
سألته بابتسامة عذبة:
«لِمَ أنت متوتر هكذا؟ أما اشتقت إليّ؟»
بصوت بالكاد يُسمع، تمتم:
«لا.»
ردّت على الفور بقرصة حادّة في خاصرته قرب أضلاعه.
قبض "لين" على أسنانه، يحبس الألم والغضب المتصاعد.
قال وهو يبتسم ببرود:
«اهدأ يا لين. أعلم أنك تشتاق إلى أختي… لكن انتظر حتى تنتهي فترة حملها. عندها ستحظى بفرصتك.»
يا ابن الـ للعين قال "لين" في أعماقه. لا أريدك أنت ولا أختك الملعونة. لو كان الأمر بيدي لقتلتكما معًا في هذه اللحظة.
بدأت أفكاره تتسارع:
ماذا لو هاجمت عيني الأفعى، وأجبرتها على الانقلاب، واستغليت الفوضى لأقفز نحو "أوريليانا" وأمزقها إربًا في الهواء؟ ثم أنقضّ على البقية وأُنهيهم…
لكن… هل سينضم الآخرون إليّ؟
لا—الأفعى سريعة للغاية. لن أنجح، وسأموت قبل أن أتحرك.
ثم إنها تمسكني بإحكام وهذا يمنعني من الإفلات، وفوق ذلك، قالت إن اللعنة التي وضعتها على قلبي ستقتلني إن ماتت.
هذه مقامرة خاسرة. وستكون فشل محتوم.
أغمض "لين" عينيه، مناديًا في صمت:
أزاريـن … هل تعرفين كيف أفك لعنة الملكة؟
أجاب صوتها:
«لو فعلت، لمتُ أنا. فهي مرتبطة بعقد أبرمه أجدادي مع الملكة الأفعى الأولى.»
اللعنة… فرصة ذهبية ضاعت سُدًى.
قبل أن يغوص في التفكير، تلقّى ضربة مفاجئة.
ركلته "أوريليانا" عن ظهر الأفعى.
ارتطم بالثلج بقوة، وانتفخ وجهه من الصدمة. وفي اللحظة التالية، هبطت "أوريليانا" فوق رأسه بهدوء قاتل.
التصق الثلج بوجهه، بينما كان يكتم الغليان في صدره.
هبط الآخرون عن ظهر الأفعى، واقفين على الثلج.
التفتت "أوريليانا" نحو الأفعى الضخمة:
«تقلّصي.»
بأمرها، تقلّص حجم الأفعى والتفّت حولها بحراسة يقظة.
مدّ "إيلينيوس" يده لـ"لين" وساعدته على النهوض.
وقال:
«هيا. سندخل الآن.»
لكن صوتًا ساخرًا دوّى من حافة الساحة:
«يا لها من مفاجأة… أوريليانا بنفسها. وعشيرة الأفاعي.»
خرجت من الظلال امرأة طويلة، ذات مخالب حادّة، وشعر أبيض يتطاير في الريح، وعينين حمراوين متّقدتين بنزعة سادية. كان ندب غائر يشطر وجهها قطريًا، ورداؤها الأسود الطويل يتماوج كالدخان.
قالت باستهزاء:
«سمعتُ أنكِ تزوجتِ… وحملتِ. هاها.»
قبضت "أوريليانا" على يدها بعصبية.
فهذه ليست أراضيها، وأي بادرة ضعف قد تكلّفها غاليًا.
أرسلت نظرة حادّة نحو الأميرات الثلاث.
إحداهن خانتها—وربما جميعهن. كان ذلك مؤكدًا.
لكن عينَي ملكة الغيلان الحمراء اتجهتا نحو "لين" فجأة:
«وما هذا؟ فتى الأفاعي؟ رائحتك تفوح بالنجاسة.»
قبل أن يخبو ضحكها، ارتسمت على وجه "لين" ابتسامة حادة كالشفرة:
«احترسي أيتها الملكة… رائحة أنفاسك تشي بأنها منقوعة في نعش منذ قرون! أتستعملين ماء المستنقع كغسول للفم، أم أن هذا تقليد ملكي؟»
انفجرت "أوريليانا" ضاحكة—ضحكة حادّة صادقة.
أسندت رأسها على كتفه قليلًا، تمسح دمعة من عينها.
قالت بامتنان منخفض:
«حقًا افتقدتُ هذا.»
زمجرت الملكة، لكنها لم ترد.
خلفها، كان شابان من الغيلان يراقبانه.
أحدهما معصوب العينين بابتسامة تكشف أسنانًا مسنّنة كالقرش، والآخر يخفي عينيه بشعره الأبيض المتموّج.
أمال الأعمى رأسه وقال:
«سمّك ضعيف لدرجة أنني لا أستطيع حتى شمّه، أيها الأفعى.»
سخر "لين":
«لطيف. واحد مهرّج صامت، والآخر شبح فاشل من صالون حلاقة. هل عشيرتكم تجمع أدوات الرعب الآن، أم أنكما هربتما من سيرك مسكون؟»
تقدم الغول المعصوب غاضبًا—لكن الملكة أوقفته بإشارة من يدها.
ثم دوّى وقع خطوات ثقيلة على الثلج.
ظهرت ملكة الذئاب البيضاء.
عيناها خضراوان كالجواهر، ورداء من الفراء الفضي يكسوها، وهيبة ممزوجة بالموت. كان على جانبيها حارسان ضخمان نصف بشر ونصف ذئاب، وخلفهم ذئب أبيض هائل يتحرك كطيف.
نظرت إلى "لين" بازدراء:
«أشم في دمك رائحة الضعف.»
رفع حاجبه وقال بجفاف:
«حقًا؟ أما أنا فأشم رائحة كلب مبلل. لكن لكلٍّ منا مواهبه.»
ثم نظر إلى الحارسين الضخمين:
«رؤوسكما جميلة بالمناسبة. هل خسرتما رهانًا، أم أن أمكما حقًا نامت في قفص كلاب؟»
ارتجف فك الملكة، وارتعص جفنها—شرخ نادر في قناع كبريائها.
«أتجرؤ…»
لكن "أورالينا" قاطعتها بضحكة أعلى هذه المرة.
قالت وهي تروّح بيدها:
«أوه يا لين… نسيت كم أنت مسلٍّ.»
نعم… مسلٍّ. سأرسل الجميع هنا إلى الجحيم معي. انتظروا فحسب، سيتذوّق الجميع جنوني.، تمتم بسخرية.
وفجأة، أضاء ضوء قادم من الخلف، يغمر الساحة.
لقد وصل الإلف.
هادئون، مهيبون، مترقبون.
تقدمت زعيمة الإلف، امرأة ذات شعر ازرق وعينين ذهبيتين، ترتدي ثيابًا مذهّبة، وبروز كتفها العاري يضفي على حضورها أناقة آسرة. كانت متفرّدة—يكفي جمالها لتهشيم إرادة أي شخص، ومع ذلك بقيت ثابتة، لا تهتز.
إلى جانبها، وقف رجل إلفي ذو شعر أزرق طويل، يبتسم ابتسامة هادئة، عيناه الخضراوان الحادتان تعكسان نضجًا وحكمة، وثيابه الخضراء الممزوجة بالسواد تتألق تحت الضوء.
أما الفتاة ذات الضفيرتين فقد غطّت فمها محاولة كبح ضحكتها، حتى الابنة الكبرى ابتسمت بتواطؤ وهي تتبادل النظرات مع والدتها.
ظلّ "لين" واقفًا دون ابتسامة أو سخرية.
قال ببرود:
«تعلمون… أنتم جميعًا تشبهون السنافر.» ثم أضاف بلا اكتراث: «ليس أنكم ستعرفون ما يعنيه ذلك أصلًا.»
لم يردّ أحد، وكأنهم لم يفهموا معنى "السنافر".
«على الأقل هناك من يعرف كيف يغلق فمه.»
عندها، دوّى صوت نسائي قوي من الضباب—حادٌ وآمر.
اهتزّت الأرض بعنف، ودوّى هدير عميق شقّها، لتنفتح طريق مخفية أمامهم.
وفي نهايتها، ارتفع باب قصر هائل محفور في وجه الجبل، نُحت الحجر على هيئة رأس تنين بفم مفتوح.
أمام البوابة، تجسدت خمسة رئؤؤس جبارة مجمّدة في لحظة أبدية:
أفعى بيضاء ملتفّة في وضع الهجوم.
غول أبيض عملاق بمخالبه الممدودة.
ذئب أبيض مهيب مكشّر الأنياب.
إلف قمر ياقوتي، عيناه متسعتان بسحر آخذ في التلاشي.
جميعهم حُبسوا في جليد صافٍ، كما لو جُمّدوا في لحظة موتهم الأخيرة.
سكنت البرودة الجوّ، وكأن هذا المكان نهاية لا مفر منها.
خالط مشاعر الجميع حول "لين" مزيجٌ من الكراهية والحزن.
دخلوا الممر الطويل ذي الصدى، وجدرانه تتلألأ بصقيع قديم، وأنفاسهم تتجمد في الهواء البارد.
وفي آخره، على عرش منحوت من حجر جليدي، جلست امرأة برداء شفاف يتلألأ كسقوط الثلج.
انحدر شعرها الأبيض الطويل على ظهرها كسيل من الحرير، وعيناها—بيضاوان تمامًا بلا بؤبؤ—توهجان بسكون مريب. على جبينها علامة متلألئة، قديمة، لا تُقرأ.
لم تنطق بكلمة.
أمالت رأسها… ونظرت إلى "لين".
ارتسمت ابتسامة بطيئة وموحشة وهي تميل أكثر.
شعر "لين" بدمه يبرد أكثر من برودة الكهف. ثم أطلق ضحكة قصيرة، مائلًا عنقه وكأنه يبتلع شيئًا.
لم يدرك أنه كان يواجه تنينًا، لا فارسًا ولا أفعى.
لم يكن هذا قتالًا عاديًا مع فرسان—بل دمارٌ مطلق.
لقد أدرك أنها "إيسفيرييلا"، ملكة التنانين البيضاء.
شيء لا يمكنه مجابهته…
لكن كان لديه ورقة خفية، قادرة على نشر الفوضى بين الجميع هنا.
وهذا ما منحه شيئًا من الأمل والهدوء؛ فالرعب وحده كفيل بجلب الموت له.
—----------------------
أرشيف القرّاء
التنانين في عالم السحر:
ترى التنانين نفسها أسمى المخلوقات جميعًا—الأعلى في القوة والمجد والنسب.
وتنقسم فيما بينها على أساس القوة، ونقاء الدم، وسلالة الأصل.
أقوى التنانين غالبًا ما تتجنب التدخل في السياسة أو النزاعات على الأراضي، وتفضل اتباع مسارات شخصية:
بعضها يحمي العالم من الأخطار الكارثية، وبعضها يسعى وراء المعارف القديمة، والقليل منها يركن إلى النوم أو الكسل.
لكن، بعد تنحي ملك التنانين السابق، ظهر حاكم جديد بفلسفة مختلفة.
اعتقد أن قرونًا من السلبية والعزلة أفقدت التنانين هيبتها وحضورها المرعب.
وبتوجيهه، بدأت التنانين في المطالبة بأراضٍ محددة ضمن أقاليم العالم، معلنًا أن عصر السبات قد انتهى—وأن على التنانين أن تنهض من جديد، لا كحرّاس، بل كحكّام.
أعادت فلسفته إشعال كبرياء العِرق التنيني، وبدأت عشائره بالعودة إلى الواجهة بقوة لا يمكن تخيّلها.
بعض أقوى التنانين دعموه، والبعض الآخر رفض لكن اختار عدم التدخل، مكتفيًا بالمراقبة من الظلال.
ومن بين من تحركت، كانت "إيسفيرييلا"—ملكة التنانين البيضاء.
ورغم أنها تُعد من متوسطي القوة، فإنها استولت على بوابة هاوية الجليد الأبدي (نيڤارا)—منطقة كانت مهجورًة طويلًا من قِبل التنانين.