في قارة الجلالة المقدّسة
أرض تعلو فوق السماوات،
وطن التنانين في عالم السحر.
أرض تحيط بها سلاسل جبال شاهقة وبحر من الطاقة النقيّة—
بحرٌ لا يستطيع عبوره سوى من يحمل دماء التنانين.
جبال عائمة تجوب السماء كالحراس القدماء،
وبحر الغيوم يدور أسفلها.
مملكة تحلّق فيها التنانين بحرّية عبر السماء،
تمزّق أجنحتها الضباب والعواصف كأنّها سيوف مقدسة.
وفي قلب كل هذا العجب والجبروت،
على عرش ملك التنانين
جلس رجل.
شخصيّة ذات هيبة طاغية، مهيبة ومرعبة.
عيناه تشتعلان كالذهب المصهور،
وصوته يهدر كالرعد المقيّد في جسد.
نهض من عرشه، وهالته تبعث قوّة ساحقة أجبرت كلّ كائن على الركوع، وقال:
"لقد استدعيتكم اليوم لسبب واحد: أن نستعيد كبرياءنا وبأسنا. سنغزو هذا العالم. الملك السابق اختار السلام، أمّا أنا فلن أفعل. أنا الحرب. لا مزيد من العنقاء. لا مزيد من الآسترال ولا الفايثَر، ولا المستولدون . لا كسل بعد اليوم. لن نركع. من اليوم يبدأ عهد جديد لجيل التنانين. سندمّر كل شيء. سنحكم العالم. ومن يعصِنا فمصيره الموت.
من الآن فصاعداً، كل تنينٍ متوسط القوّة عليه أن يغزو إقليماً ويجعل نفسه ملكاً أو ملكةً هناك. ابدأوا الآن."
سحب هالته، مشيراً إلى التنانين بأنّ لهم إذنه.
فانطلقت التنانين بزئيرٍ هزَّ السماوات، ثم غادرت، كلٌّ منها يحلّق ليستولي على أرضًا له ويعلن سيطرته على إقليمه الخاص.
وفي السماء، حلّق تنين أبيض فوق الامتداد الجليدي الهائل.
رمق بعينيه الحادتين عملاقين يتقاتلان. فهبط بخفّة مهيبة، وبضربة واحدة من قدميه قطع رأسيهما.
"مخلوقات تافهة وضيعة." همست، وصوتها يتردّد كتكسر الجليد عبر الجبال.
زأرت زئيراً جعل الجبال الثلجيّة ترتجف كما لو ضربها زلزال.
ثم التهمت العملاقين، وتحولت إلى امرأة ترتدي ثوباً شفافاً متدفّقاً يتلألأ كسقوط الثلج.
انحدر شعرها الأبيض الطويل كخيوط الحرير على ظهرها، وعيناها—بيضاء تماماً بلا بؤبؤ—تومضان بسكون مخيف.
وعلى جبينها علامة مضيئة، قديمة وغامضة.
إسفيرييلا—ملكة التنين الأبيض—حطّت على الأرض الجليدية.
سارت ببطء، تتأمل المشهد الساحر.
بلغت جبلاً ضخماً، وبلكمة واحدة أحدثت فيه فجوة عميقة طويلة.
ثم أطلقت سحرها، منقشةً شعار التنين الأبيض في أعماق الجبل، علامةً على سيادتها على كل ما يمتد أمامها.
واستراحت داخل الكهف شهراً كاملاً، كان نومها عميقاً وصامتاً كالأرض المتجمّدة نفسها.
وعندما استيقظت أخيراً، خرج منها تثاؤب بطيء متعمّد، وخطت خارج الكهف، والثلج يتكسّر تحت مخالبها.
"والآن… لنبحث عن المخلوقات الأخرى."
تحوّلت إلى تنين أبيض هائل، وحلّقت فوق الامتداد الجليدي، أجنحتها تثير العواصف عبر الأرض وهي تتفحّص إقليمها.
من السماء، لمحت عشيرة النمور البيض.
بخفة ماكرة، عادت إلى هيئتها البشرية، وهوت من السماء كجبل ساقط، فارتطمت بالأرض بقوة حطّمت الثلج والجليد في دائرة شاسعة، وأطلقت صدمة هائلة قتلت اثنين من رجال النمور تحت قدميها.
بدأت إسفيرييلا تلتهم أجسادهم، وهيبة وجودها تبثّ الرعب في قلوب عشيرة النمور البيض—حتى الأطفال ارتعدوا حدّ أن بالوا على أنفسهم خوفاً.
رفعت يدها، مطالبة الباقين أن يقودوها إلى ملكهم أو ملكتهم.
ولمّا لم يجرؤ أحد على الرد، نفد صبرها. ذبحتهم جميعاً، تقطع رؤوسهم بوحشية قبل أن تلتهمهم.
شعر ملك النمور بشيء غريب في أرضه، فأسرع نحو المصدر… ليرى أبشع مشهد: عشيرته—أطفاله، حتى الرضع—قد قُتلوا جميعاً.
وحدها إسفيرييلا كانت تقف مبتسمة، تمسح الدماء عن شفتيها.
هاجم بكل قوته، لكنها أمسكت بلكمته بيدها العارية.
"أيها القط الصغير… عليك أن تطيع سيدتك الجديدة."
وفجأة قُطع ذراعه اليمنى وسقط أرضاً. حاول أن يعضّها، لكنها قطعت رأسه. سقط رأسه، ودمعة وحيدة لا تزال على خده.
"همم… جسد هذا الملك مليء بالمانا. أظنني بحاجة إلى مزيد من اللحم عالي الجودة."
وسط المذبحة، تجمّد نمر مراهق من الخوف.
وضعت إسفيرييلا يدها على رأسه وقالت:
"اذهب. حذّر العشائر الأخرى. خذ رأس أبيك كرسالة.
وقل لهم هذا، أيها المخلوق الحقير الوضيع:
كلّكم ستركعون أمامي، تصبحون عبيدي، وتقدّمون الجزية… وإلّا فاستعدّوا لجحيم التنانين."
أخذ النمر رأس والده وركض كأن لا غد هناك.
وفي عمق الغابة، أطلق زئيراً مفجوعاً وبكى:
"أبيييي… أمّييي… أخي…
عشيرتي كلّها… لقد ماتوا جميعاً."
حمل رأس والده إلى العشائر الأخرى محذّراً.
عقدت العشائر الأربع الباقية اجتماعاً. وبعد سماع رسالته ورؤية أنقاض عشيرته، أدركوا الحقيقة—الجميع مات.
فبدأوا الاستعداد للحرب.
اتّحدت قبائل الإلف الزرق، الغيلان البيض، الذئاب البيض، وعشيرة الأفاعي، ومعهم النمر المراهق.
جمع كل منهم جيوشه وساروا نحو كهف إسفيرييلا.
هبطت من السماء.
ومن دون إنذار، بدأت تقتل. في عينيها، رفضهم الركوع خيانة.
قاتلت بقوة مرعبة. صار ميدان المعركة عاصفة من الجليد والدماء.
سقط قادة العشائر واحداً تلو الآخر—رؤوسهم تُقطع وتتجمّد بأنفاسها.
اندفع النمر المراهق صائحاً: "سأثأر لعشيرتي!"
فما كان منها إلا أن قطعته أشلاء.
البقية، أمام غضبها، تخلّوا عن فكرة المقاومة. انحنوا صامتين.
حتى أبناء وبنات قادة العشائر استسلموا، إذ قادتهم قد ماتوا.
ذلك اليوم تحطّمت كبرياء العشائر وحكمها، فاختاروا التضحية بأنفسهم للبقاء.
ورؤوس كل ملوك العشائر مجمّدة، منصوبة أمام كهفها—إنذاراً للعالم.
وحين ساد الصمت على البراري الثلجية، نظرت إسفيرييلا إلى الجثث ورفعت صوتها، معلنة:
"من اليوم وحتى موتكم، ستكونون عبيدي. هذه الأرض صارت للتنانين وتحت سلطاني المطلق. ومن يتجرأ على معارضتي سيُقتل.
هذا… هو بداية العبادة."
---
أرشيف القرّاء
الآسترال (أبناء النجوم):
وُلدوا من طاقة النجوم ذاتها، فهم كائنات نجميّة تجسّد قوّة الكون وحكمته. كلّ آسترال مرتبط بنجم محدّد، يستمدّ منه قوّته وحياته. فهم ليسوا بشراً تماماً ولا اسياد خالصة، بل وسطاء بين العالم السحري والكون نفسه.
ينتمي الآسترال إلى الأثيريون، العِرق الأزلي الغامض الذي تنحدر منه كل الكائنات النجمية. وقد اختفى الأثيريون، ولا يُعرف مصيرهم، أمّا غاية الآسترال فهي البحث عن أسلافهم المفقودين وكشف أسرار أصلهم. ارتباطهم يصلهم بأعمق القوى الكونيّة، ويمنحهم حكمة وقوّة تفوق معظم الكائنات الأرضية.
وجودهم وحده قادر على ترجيح كفّة أي أرض. فهم قادرون على إطلاق طاقات نجمية مدمّرة، والتنبؤ بما سيحدث قبل وقوعه، والتلاعب بالقوى الكونية. ولهذا يُبجَّلون ويُخشون في آنٍ معاً عبر العوالم.
إنّهم أبناء النجوم، خاضعون لإرادة الأثيريون، مقدَّر لهم أن يضيئوا—وأن يحرقوا—حيثما شاء الكون، فيما يواصلون بحثهم الدؤوب عن أسلافهم المفقودين.