لسع السمّ الأسود يد لورزاك، وتصاعد منها دخان رقيق متلوٍّ من اللحم المحترق.

بحركة بطيئة متعمدة، أزاح شعره للخلف، كاشفاً عن عينين حمراوين متقدتين بنية قتلٍ صافية.

تراقصت عند أطراف أصابعه شعلة رمادية باهتة، وما لبثت أصابعه المبتورة أن بدأت تلتحم من جديد، تلتحم واحداً تلو الآخر.

حدّق في خصمه، ثم تكلّم بصوت منخفض تقطر منه السُموم:

"أتدري… أنت أول من جعلني أرغب في أخذ هذه المعركة بجدية."

ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة باهتة.

"كنت ألعب فقط… لا تندم على ما فعلت، يا لين."

اشتعلت عيناه كجمرتين تتوهجان في الظلام، وتقدم بخطوات يثقلها الحقد.

"سأجعلك تشهد بركة أمير عشيرة الغيلان البيض."

رفع يديه، وأخذ يتلو بلغةٍ قديمة.

فانفجر من جسده نور أبيض كاسح، ملوث، فاسد… نور بدا كأن القداسة نفسها قد تعفّنت.

قال بصوت يجلجل:

"هذه هي قوة بركتي… فساد أول غول أبيض.

يا نوراً فاسداً لم يستطع الصعود، امنحني إشعاعك الملعون، وحطّم أرواح غير المستحقين!"

اهتزت الساحة تحت فوران الضوء الفاسد، وتلوثت المانا في الهواء.

الأرض تزلزلت بنبضات عفنة، والتعاويذ تلاشت كالرماد.

حتى الجليد غطّته طبقات العفن الزاحفة.

أغمض لين عينيه لا إرادياً، رؤيته ابتلعتها بياضٌ صاعق، وألم مفترس مزّق دماغه.

ضرب رأسه بالأرض كالمجنون ليهرب من الألم.

وعندما فتح عينيه، اخترق الضوء شبكيته كإبر نارية.

لم يعد يرى.

لم يمنحه لورزاك فرصة.

بلمح البصر، كان بجانبه.

قبضة متوهجة بالرماد غاصت في معدة لين، فارتطم جسده بالأرض كدمية مكسورة.

لكن لورزاك لم يتوقف.

قبل أن يلتقط أنفاسه، سحقت ركبته أضلاع لين، وارتجّ الهواء بصوت كسرٍ مروّع.

"بطيء جداً…" هسّ لورزاك، ممسكاً رأس لين ومغرساً إياه في الأرض.

مرة.

مرتين.

ثلاثاً.

حتى اختلط الدم بالثلج، وتحوّلت رؤيته إلى غبش وضوضاء.

حاول لين الزحف مبتعداً، أصابعه ترتجف، لكن لورزاك داس على يده وسحقها بالحجر بابتسامة متعجرفة.

"أكنت تظنها مبارزة؟" سخر بصوت بارد. "لا، أيها العبد الصغير… إنها إعدام."

ركلة في العمود الفقري.

ثم أخرى في الوجه.

ثم أمسكه من عنقه، يرفعه كالدمية الخاوية، ساقاه تتدلى في الهواء.

"سأمزّقك إرباً."

اشتد قبضته على عنق لين، ساقا الفتى ترتجفان في الهواء، تتلمسان أرضاً غائبة.

همس لورزاك قرب أذنه:

"ظننتك مميزاً… فانظر إليك الآن، تتلوى كجرذٍ يحتضر."

اندفعت نبضة رمادية من كفه، تسللت إلى عروق لين كجليد يلتهمها.

قنوات ماناه تجمّدت، روحه قُيّدت.

شهق لين… لم يعد يحس بمركزه، ولا بقوة، ولا حتى بالغضب.

ثم أفلته.

فسقط على الأرض كدمية انقطع خيطها، يتقيأ دماً، وجهه ملطخ بالتراب.

لكن العذاب لم ينته.

رفع لورزاك قدمه، وداس على عموده الفقري… ثم كتفه… ثم ركبته.

ارتفع صوت كسرٍ مقزز، وصرخة حادة تمزق السماء.

قال لورزاك ببرود: "موسيقى… أعِدها."

سحب لين من كاحله، يجرّه أمام الجميع، وساقه المكسورة تجر خلفه كاللحم الفاسد.

رفع ذراعه ثم لوّاها بعكس اتجاهها حتى اخترقت العظام الجلد.

"هل جربت تمزّق أعصابك واحدة تلو الأخرى؟" سأله بابتسامة ملتوية. "دعني أعلّمك."

وبإشارة من إصبعه، تكوّن خنجر رمادي من نور ملعون.

أدخله تحت ظفر لين، وبدأ يرفعه ببطء، مستمتعاً بالصرخة التي صدحت.

ارتجف لين، دموعه تختلط بالدم.

بصره قد اختفى.

ماناه مختومة.

أطرافه مهشمة.

وما زاد الطين بلة… أنّ أحداً لم يتدخل.

سقط على الأرض، يتقيأ الدم، جسده يرتعش.

لماذا أنا؟ هل هو ممتع لكم؟ من تلك المرأة الشقراء النجسة إلى عائلة الجليد، إلى تلك الأفعى الحقيرة التي عذبتني، إلى كلكم… لقد اكتفيت.

ضرب الأرض بكفيه المتصدعين، وصوت التحطم دوى كروحٍ تنكسر.

"اللعنة عليكم… جميعاً… اللعنة!"

انهمرت دموع سوداء على وجهه، كل قطرة جرح محفور من الحزن والغضب.

قلبه فارغ، روحه محطمة.

"سأقتلكم… جميعاً، بلا استثناء."

تلك اللحظة كانت القشة الأخيرة، بوابة جنون آخذ في الاستيقاظ.

وقف لورزاك فوقه محبطاً.

"ممل… ظننتك شيئاً."

لكن صرخة فجائية مزّقت حلق لين:

غغغغغغغغغغغغغغآآآآآرررررررررهه!!!

ارتجّ الجليد.

ارتد الصدى في الساحة، غليظاً مشوّهاً، كأن آلاف الأصوات المعذبة صرخت معاً.

تجمّد لورزاك.

والجميع معه.

انتشر ظلام خانق في الأجواء.

شهق إلينياس، وجهه يبيضّ رعباً.

"لا… ليس هذا الوحش مرة أخرى."

بصرخة عظمية، انبثقت نبضتان فقريتان من ظهر لورزاك، متلوّيتان كأنياب مسننة، تنزّان طاقة فاسدة.

اندفعتا نحو لين بسرعة لا تعرف الرحمة.

لكن قبل أن تخترقاه… تحرك.

يده ارتفعت.

اندلعت مانا مظلمة من كفه.

لامست النبضات… فتفككت.

اختفت.

أبيدت.

حلّ صمت أثقل من الموت.

وقف لين، عيناه سوداوان كجوف هاوية.

ثم صدر صوت… غليظ، مشوّه، غير إنساني:

"اقتل… اقتل… اقتل."

ارتجّ عقل كل من سمعه، مخالب الرعب تنهش عقولهم.

حتى إيسفيريلا، التنين في هيئة بشر، شعرت بقشعريرة تزحف على عمودها الفقري.

حذرتها غريزتها ألّا تدع الأمر يستمر… لكن كبرياء التنين أعماها.

وفي طرفة عين… كان لين هناك.

لا ضوء. لا ريح.

مجرد حضور خانق.

صرخت غريزة لورزاك متأخرة.

لكمة قصيرة حطمت أضلاعه،

ثم كوع صاعد مزّق ذقنه للخلف،

قبل أن ترفعه ركبة لين في بطنه وترميه أرضاً بعنف.

بلا توقف.

بلا نفس.

خطا لين، ودارت قدمه،

ركلة منخفضة هشمت فخذ لورزاك،

ثم ضربة جانبية دمرت ركبته،

وتلتها دكة ساق ساحقة على كاحله، تحطمه بصوت مسموع وسط ذهول الجمهور.

قبضت يد لين على عنقه.

تدفقت المانا المظلمة، لا مانا فحسب، بل بركة معوجة.

اللحم تلاشى دخاناً، يتسرب إلى كفه كرمادٍ يحتضر.

حتى البركة نفسها ابتُلعَت.

انهار جسد لورزاك إلى لا شيء.

ومع تلاشيه، تحولت خصلات من شعر لين الأسود إلى الأبيض…

إشارة واضحة أن لورزاك قد خسر بركته… وأن لين قد ابتلعها.

2025/09/07 · 0 مشاهدة · 808 كلمة
Dark horse
نادي الروايات - 2025