وقف "جين" في الفراغ.

أمامه كان نفس الرجل ذو الشعر الأسود الطويل—مكبلاً بسلاسل صدئة وثقيلة. كان جسده يرتجف من الإرهاق، وكأن روحه قد تم سلخها، ولم يتبقَ سوى قشرة من الألم.

وقبل أن يتلاشى، همس الرجل—بصوت بالكاد يُسمع:

"لقد نجوت... حتى الآن."

ثم، وبما تبقّى له من قوة، جذب جين إلى عناق هش، وهمس:

> "استعد.

عاصفة تقترب—عاصفة ستغرق الوجود كله في الفوضى.

لقد انتهى وقتي...

حظاً موفقاً."

أفلت قبضته.

وتحول جسده إلى رماد، كأنه يُمحى من الوجود ذاته.

ظل جين واقفًا، متجمداً.

الدموع ترقرقت في عينيه.

ألم شديد لفّ صدره كالمِعصرة.

لم يكن يعلم لماذا.

لم يفهم ما الذي حدث لتوه.

لكن قلبه كان ينوح—وكأن شيئًا ثمينًا قد فُقد.

شيء لا يمكن تسميته.

شيء لا يستطيع تذكره.

"لقد حملت عبءك."

ظل الصدى يتردد—مؤلمًا، وحنونًا.

ثم—

بعد أن تم ابتلاع كل شيء، ومُحي الوجود—

في غرفة بيضاء نقية لا يجرؤ فيها الظل على الظهور، وقفت امرأة فاتنة الجمال.

شعرها انساب مثل حرير فضي. وعيناها الذهبيتان تلألأتا بضوء مقدس. كانت هناك علامة لوتس متوهجة على جبينها، وشفاهها حمراء داكنة—مخيفة وسريالية.

زهور ذهبية طافت حولها كأنها شموس تحتضر، ورداؤها—"رداء ضوء اللوتس"—كان يتلألأ بضوء الشمس الناعم.

كان جمالها غير بشري. لا مغريًا، ولا ملائكيًا. بل… غير قابل للفهم.

جلس جين بتوتر، واتخذ مقعدًا مقابل الطاولة الطافية، دون أن يزيح نظره عنها.

—"من أنتِ؟" سأل.

ابتسمت برقة، وصوتها هادئ كالماء الساكن.

—"أنا خالقة الرواية التي دمّرتها لتوك."

تغيرت ملامح وجه جين.

الغضب انفجر في داخله. حاول قلب الطاولة، ضربها—أي شيء.

لكن لا شيء تحرك.

ولا حتى جسده.

صرخ:

—"لقد غسلتِ أدمغة الجميع! عذبتِني! حولتِ حياتي كلها إلى كذبة!"

ضحكت المرأة—ضحكة موسيقية، مرعبة، ترددت في اللانهاية.

—"كيف كانت التجربة، جين؟" همست بسخرية.

—"تسع سنوات داخل وهمي. هل استمتعت بمأساتك الصغيرة؟

كنتَ تجربتي المفضلة."

انكسر شيء ما في روح جين.

أصبحت نظرته خاوية، كدمية قُطعت خيوطها.

ثم، وهي تبتسم بخبث، رفعت يدها—وشكلت إشارة غريبة بإصبعها الأوسط والخنصر.

> "تحقق."

وفي تلك اللحظة، اختفى كرسيه.

سقط جين أرضًا.

انفجر الألم في عموده الفقري وجمجمته، لكنه لم يستطع الصراخ. لم يستطع الحركة.

اقتربت منه، وجلست بجانبه، ثم لمست جبينه بإصبع واحد.

ارتطم وجهه بالأرض مجددًا.

ثم اقتربت وهمست:

> "لن أقتلك. ليس بعد. ما زلتَ مفيدًا."

صفّقت بيديها.

وتحطم العالم.

وفي نبضة قلب، شهقت وأنا أستيقظ.

رأسي كان يدور، وأفكاري مبعثرة.

حدّقت في المرآة المتشققة أمامي، أتأمل انعكاسي بعينين تملؤهما الحيرة.

شعري الأسود اللامع كان يتناقض بشدة مع بشرتي الشاحبة، وعيناي الداكنتان تحدقان بنظرة غير مريحة.

وجهي... كان جميلًا على نحو غير طبيعي، بملامح دقيقة بشكل مزعج.

أما جسدي—فكان طويلًا ونحيفًا، يرتدي ملابس خدم رمادية باهتة بالكاد توفر الدفء في هذا البرد القارس.

حتى داخل الغرفة، كان الهواء جليديًا.

كل نفس أخرجه يتحول إلى ضباب أبيض، يلتف للحظة قبل أن يتلاشى في البرد.

لم يكن هناك شك—لقد تم تناسخي في جسد ذلك الخادم الذي يُدعى "لين".

أخذت نفسًا عميقًا، أحاول استيعاب الكارثة التي حلت بي.

أصبحت الآن في سن الثالثة عشرة، محبوسًا في جسد فتى بلا قوة، ولا مكانة... وكأن ذلك لم يكن كافيًا، وُزرع بداخلي نظام.

نظام يهدد بتدميري إن فشلت في تنفيذ مهامه.

—"اللعنة..." تمتمت، وأنا أنظر حولي لأحاول فهم موقعي.

الغرفة كانت صغيرة ومثلجة—لا تتسع إلا لشخصين بالكاد.

جدران حجرية مغطاة بطبقة رقيقة من الصقيع تعكس البرودة المتشبثة بكل شيء.

نافذة ضيقة في الزاوية سمحت بدخول تيار بارد جعل الغرفة تبدو كقبر.

كان هناك سريران خشبيان ببطانيات مهترئة، وخزانة قديمة بدت وكأنها نجت من حرب.

حتى المرآة كانت نصف متجمدة، وكأن البرد نفسه يحاول محو وجودي.

اقتربت من النافذة ونظرت إلى الخارج.

ما رأيته أكّد أسوأ مخاوفي.

ساحة تدريب واسعة مغطاة بطبقة رقيقة من الصقيع.

فرسان في دروع بيضاء لامعة يتحركون بتدريبات متزامنة.

على صدورهم يلمع رمز زهرة اللوتس المتجمدة.

ومع كل نفس يخرجونه، يرقص الضباب البارد في الهواء.

السماء كانت رمادية.

الشمس بالكاد تبعث دفئًا في هذا الجحيم المتجمد.

—"... اللعنة،" همست، وأنا أقبض على إطار النافذة المتجمد.

لقد كنت في أراضي "فروست".

مملكة سحرة الجليد.

أسياد الماء والصقيع.

أشخاص مشهورون بطموحهم البارد وقسوتهم.

وهذا يعني شيئًا واحدًا:

أنا في ورطة كبيرة.

وكأن النظام كان يقرأ أفكاري، إذ انبعث صوت آلي بارد داخل رأسي:

> [النظام: فشل في نقل المضيف إلى جسد أنثى. بسبب رفض الروح، تم ربط المضيف بجسد الخادم لين.]

تجمدت في مكاني.

مهلاً… ماذا؟

كنتم تحاولون جعلي فتاة؟!

انفجرت ضاحكًا—ضحكة ساخرة مُرّة ترددت في الصمت.

—"إذًا هذه كانت الخطة الأصلية؟ إعادة تجسيدي كفتاة؟ تبًّا لكم..."

لكن النظام لم يتركني ألتقط أنفاسي.

> [النظام: روح المضيف مرتبطة حاليًا بالنظام. الفشل في إتمام المهام سيؤدي إلى التدمير الذاتي.]

انحبس نفسي في صدري.

ثم صرخت بغضب:

—"تدمير ذاتي؟! أي نظام مريض هذا؟!"

هذا ليس مجرد تناسخ—بل حكم بالإعدام!

استنشقت بعمق، أحاول التمسك ببصيص أمل. لا بد أن هناك شيئًا إيجابيًا في وسط هذه الفوضى… أليس كذلك؟

نعم. هناك شيء.

على الأقل، لم أكن مجرد شخص عادي.

هذا الجسد… ينتمي إلى سلالة قديمة.

عشيرة "نُكتاريِن".

وهذا يعني شيئًا واحدًا:

لا زالت لدي فرصة للنجاة.

وربما حتى قلب هذا العالم رأسًا على عقب.

والآن، عن العالم الذي سقطت فيه...

بقدر ما أتذكر، كانت هذه القصة الملعونة تنقسم إلى خمسة عوالم مميزة:

1- عالم السحر والمانا — موطن العائلات النبيلة، الشياطين، التنانين، والعشائر القديمة... وهو العالم الذي أوجد فيه الآن.

2- عالم الموريم، يحكمه فنانو القتال وتقنياتهم القاتلة.

3- عالم الصيادين، المليء بالزنزانات، الوحوش، والنقابات.

4- العالم السماوي، المأهول بكيانات أسطورية وُلدت من الأساطير.

5- وأخيرًا، العالم الخالد—وهو الأقوى على الإطلاق، والمختوم خلف خمسة أختام قوية.

الختم الأول سينكسر خلال خمس سنوات، مما سيتسبب في اندماج العالم السحري مع الموريم، واصطدام عالم الصيادين بالعالم السماوي.

وبعد خمس عشرة سنة، سيستيقظ العالم الخالد بالكامل.

بمعنى آخر… لدي خمس سنوات فقط للاستعداد.

خمس سنوات للبقاء.

خمس سنوات للهروب.

أصبحت أولويتي الجديدة واضحة:

يجب أن أوقظ دمي قبل أن يكتشف أحد من أنا—أو ما أنا عليه حقًا.

لأنه إن اكتشف أحد في عائلة فروست الحقيقة...

فسوف يقتلونني.

لكن من أجل إيقاظ دمي… ساحتاج إلى معلومات.

ولم يكن هناك سوى مكان واحد للحصول على ذلك:

مكتبة عائلة فروست.

المشكلة الوحيدة؟

لن يتركوني ادخل بتلك البساطة.

كنت ما أزال أحاول إيجاد خطة، حينما انفتح باب غرفتي ببطء.

دخلت كامليا، وملامح القلق تغمر وجهها.

—"لين؟ هل أنت بخير؟ سمعتك تصرخ!"

استدرت بسرعة لمواجهتها، محاولًا التظاهر بالهدوء.

كامليا.

كانت هي من نشأ مع "لين"—الشخص الذي اعتنى به منذ كان رضيعًا.

بمعنى آخر... هي الشخص الذي يعرفه أكثر من أي أحد في هذا القصر.

وهذا يجعلها خطيرة.

لا يمكنني أن أدعها تشك في شيء.

وضعت يدي على رأسي وقلت بصوت متعب،

—"أنا بخير... مجرد صداع."

نظرت إليّ بعدم اقتناع، لكنها لم تزد في السؤال.

بدلًا من ذلك، قالت:

—"هل أنهيت تنظيف غرفة السيدة فروسيتا؟"

تجمدت.

...أين تقع هذه الغرفة بالضبط؟

عبست بسبب ترددي.

—"ما بالك تتصرف بغرابة؟"

اللعنة... لا يمكنني كشف أمري بهذه السرعة!

أجبرت نفسي على الإيماء، وتمتمت:

—"بالطبع. أنا ذاهب الآن."

أمسكت بالمكنسة، وتوجهت إلى الطابق الثالث، وذهني يدور كالإعصار.

يجب أن أدخل تلك المكتبة.

ويجب أن أغادر هذا المكان... قبل أن يبدأ أحدهم بالشك.

2025/06/28 · 38 مشاهدة · 1102 كلمة
Dark horse
نادي الروايات - 2025