لم اعتقد يوما ان الاحلام تدوم طويلا و لا ارى الان سوى أنني غارق في حلم لا مخرج منه

عبور تلك البوابة ذات النور الساطع جعلت الأمور تتوتر قليلا و تقودنا لمجرى آخر من الأحداث

حيث كان الجميع في مرحلة ما من الدهشة و الذهول التي اجتمعت على وجوه الحاضرين كان التركيز على نفسي أكثر صعوبة

اني لا ادرك حتى ما أنا بفاعل في هذا الحلم المشوش للأذهان واعيني التي انعكس عليها اللون الأحمر حين رأيت ذلك المرج الممزوج بغيوم كانت قد اسرت كياني و جعلني اتذكر لون شعرها البني ذاك و كم انا اشتاق لها...

امامنا و بعد أن بدأ الركاب على القوارب باجتياز البوابة العظيمة المتصلة بذاك السور ذو اللون الرمادي الملطخ بألوان الاحمر و الغيوم برتقالية قد انخرطوا في سراب النور البديع كنت قد جمعت شتات نفسي و وكزت كتف نورمون الجالس أمامي

_أين نحن؟!

سألته بلهجة مستغربة سؤالا غبيا بدا له

_ إنها الطريق الملكية لمبنى الأمم

أجاب بسهو وهو يبحلق في كل الارجاء بعجب

_هل هذه الطريق عادية جدا لكم؟!

أعدت السؤال بنبرة كانت حقا متعجبة محافظا على أكبر قدر من الاحترام له لكن فحيح قد استدارت لي بعدما كنت جالسا في اخر القارب و هي واقفة تراقب حركة تلك الحيتان برتقالية اللون التي من تحت القارب تسحبه على ضهرها كموج البحر و قد نظرت بهدوء تغرق في جمال المنظر المحيط بنا و اجابت على سؤالي دون ان تزيح اعينها الصفراء

_ انها ليست عادية فقط بل إنها ضرب من خيال…فقط طلاب المدرسة التابعة للنظام من يمرون عليها في بداياتهم و لا يمرون عليها سوى مرة واحدة في حياتهم هذه المناظر لا نراها في كل مكان و زمان لا ادري من اين اتيت لكني اجزم انك لا تفقه شيئا مما يحدث في عالمنا الحالي و كأنك فقط…. شخص من زمن اخر.. او بعد اخر و هذا يزيدني شكا فيك من انت!

كانت لهجتها صارمة تميل للجمود لكن من أعماقها قد تتربص بذاك التعاطف المخفي و الاستغراب الممزوج بالفضول عن ماهية انا..

و ها نحن ذا نعبر كأمثالنا ذاك النور الأبيض القوي الذي لم تتحمله اعيني و انغلقت كردة فعل حتى فتحت مجددا في ذلك الميدان ذو المبنى الضخم و الكبير الذي دل على مظهر مبنى عتيق بطلاء اخضر زمردي

و سقف من القرميد النيلي الفخم

تحوم حول المبنى حديقة شاسعة واسعة متملكة للقلوب تغطيها عدد لا يحصى من أشجار الصنوبر التي قد سبق ورأيتها أما الصنف الثاني فكان ذو لون وردي يميل للبياض كالثلج الممزوج بالحلوى فحتى أراضيها يكسوها اللون الاخضر للعشب و قد رسونا على حافة البحيرة مثلنا كمثل تلك المخلوقات الغريبة.. تبدو مزيجا بين الطاووس و تنين من صنف ما؟

تجمع الجميع في صفوف طويلة ذات عدد لا يتجاوز عشرين شخصا واحدا وراء الآخر في صمت تام وهدوء اين سمح لي ان ارى وجوها عديدة مختلفة لم ارها بشكل واضح قبلا و قد بدى الاختلاف واضحا جدا في المظهر و شكل و الجينات بأكملها و تواجد بعض من القواسم المشتركة

عم الصمت في المكان لمدة طويلة و قابلنا عدد من الرجال و النساء على حد سواء

مصطفين في الامام بطريقة دبلوماسية يوحون بمظهر الاساتذة الذين خرجوا من احد الابواب التابعة لذلك المبنى فأحاط بنا عدد مهول من الاشخاص بمظهر الحراس يحملون بأيديهم رماح يرتدون بذلات غريبة الشكل لم ارها من قبل

تلتصق بجلودهم ذات لون أسود

الجو موتر قليلا و السماء كانت قد مالت لأن تصبح داكنة بلون رمادي كئيب و نسمات عاتية تلامس وجوهنا دون ان تلتقط شيئا من ضوء النهار لا أحد يجرؤ على الحديث اثناء خطاب يلقى بكل شموخ وهيبة اين كان يقول بصوت أجش عجوز يحمل كمية كبيرة من الرهبة

"أحييكم في هذا اليوم العزيز أيتها الدفعة 299 لدخولكم الأول للمجتمع كطلاب رسميين في المدرسة النظامية احب ان اخبركم انكم الان تسلكون طريق النجاح الوظيفي والحياتي بصفتكم خدما لحاكمنا الموقر و العالم ككل لستم الان مدنيين و لا حتى سفليين عبيد الان انتم جنود ينتمون للنظام مستعدين لدفع الغالي والنفيس من أجل كل قرار يصدر جيدا كان أم سيئ لستم مخيرون و لا أحرار و باتخاذكم خطوات كهذه فاعلموا أن الموت يقترب منكم أسرع بأضعاف من قبل فأذ كنتم مستعدين فالطريق واضحة لكم و ان لا فأنتم مجددا لستم مخيرون و الهرب من النظام كالهرب من الموت كلاهما لهما نهاية واحدة مهمتكم الوحيدة هي الطاعة التامة و الخدمة الابدية للحفاظ على نظام عالمي سلمي يسوده الوئام تحت شعار «سلام ابدي» "

لم يكد هذا الخطاب ان ينتهي الا و الجميع يصغي بهدوء في سكون تام و لا اسمع غير قلبي الذي يدق ينتظر أن يعود لواقعه في ظل هذه التوترات الغير المسبقة قد لمحت حصى صغيرة اخدت بالاهتزاز مرتجفة معها بعض من اوراق الاشجار رغم عدم وجود الرياح الجو كان غريبا حقا فالصمت لم يعد عاديا البتة و أضحى موترا بمرور كل جزء من الثانية

بعض الاساتذة في الزاوية كانوا قد تبادلوا الحديث بينهم بغرابة

_هل سمعت هذا؟

كانت امرأة تقصد بكلامها رجلا بجانبها ذو بشرة سمراء و جسم معضل مفتول

_اسمع ماذا؟!

سأل باستغراب و هو ينظر في الارجاء لعله يلتقط شيئا مما تقصده

_ لا عليك يبدو انني اهلوس لكن

وما إن ارادت ان تتفوه بشيء آخر حتى اهتزت الأرض هزة واحدة و بغيوم داكنة عاصفة كانت السماء قد تغيرت احوالها تماما فمن الغائم اضحى الجو عاصفا بقوة يهطل من بينه ليس مطرا انما دخان لا يكاد يصل للأرض حتى يتبخر برائحة غير مميزة خانقة جعلت الجميع يسعل بقوة

تشكل اعصارا هائجا تزينه ثنايا البرق الحارقة مخلوطة بأنغام الرعد التي لا تأبى عن التوقف و قد رفع الجميع برؤوسهم لتلك السماء المميزة التي ظننته شيئا اعتياديا غير مدرك أن الأمر بدأ يميل للخطورة و وميض ازرق انفجر من القبة الموجودة بالمبنى يأخذ طريقه نحو الأعلى بين السحب

_ مالذي يحدث....

كان احد الاساتذة المصطفين قد سأل بنبرة مستغربة حائرة للذي أمامه الذي ابدى نفس التعابير و توازنهم يكاد يفقد أثر تلك الحركات الهائجة للأرض

_لا دراية لي بحق.. انها اول مرة..

كان الرجل ذو الشارب الابيض من الشيب و صلعة الرأس الواقف يلقي الخطاب قد توقف ثم تلك التعاليم التي رسمت على ثنايا وجهه جعلت الأوضاع في لحظة صمت عميقة بعد أن اردف دون وعي في مكبر الصوت الذي امامه

_ كارد..ل

صوته كان متقطعا بشدة مرعوبا بقوة و من بعده تغيرت علامات الاستغراب للرعب على وجوه الجميع من بينهم أنا الذي لا افهم شيئا انما شددت على بنطالي اضرب نورمون الواقف امام بخفة ليستجيب لنداء

_ مالذي يحدث يا نورمون لما الجميع في هالة من الرعب!! اني لا افهم شيئا!!

_ النبوءة..تتحقق

لم افهم شيئا مما قاله لم يكن مرعوبا بشكل واضح حقا لكن توتره كان باديا على نبرة صوته و لم اكد ان احرك جنبا مني الا و ان البرق قد ضرب سقف المدرسة الذي تساقطت منه الحجارة على كل تلك الحديقة الواسعة و في لحظة غريبة مختلطة بين الصراخ و فزع الجميع الغير المتوقع اذ اني ظننتهم ابطال خارقين لا يخافون شيئا

كان المنظر مهولا وقد تزامن معه بنفس اللحظات أن الجميع دخلوا في حالة من الهلع و الثوران و راح يتجارى لإخلاء المكان و من بعيد فرقة الأساتذة تلك كانوا قد توجهوا مندفعين ناحية الخطر برفقتهم ايضا عديد من الجنود المسلحين بأسلحة غريبة و مياه؟ رمال!! نيران!!! و حتى ذهب؟؟ من بينهم كان في المقدمة نورمون رفقته فحيح و بعض الأشخاص من الدفعة الجديدة التي من المفترض بهم الرجوع للوراء

كنت متصنما بمكاني لا اعرف ما افعل و ارجلي تأبى الحراك عن مضجعها اسمع صراخ الأساتذة بقوة تخاطبنا فيه نحن الذين لم يهبوا للمساعدة

_إما أن تخلوا المكان و تنجوا بأفئدتكم و حياتكم ام ترمون نفسكم للهلاك و تموتون محاولين إيقاف هذه الكارثة!!!

كان صراخ مدويا حقا حتى ان بعض الاشخاص قد انفجرت طبلة آذانهم وكان هذا النداء قادم من امرأة بشعر أحمر مجعد ذو تجاعيد تملأ وجهها و نضارات عريضة تليق بتنورتها الطويلة المنقطة كانت المثال الوحيد للاستاذة النمطيين بهذا المكان و قد كان عدد كبير ممن هربوا و قليل من من بقوا و دون ان اعي مع اهتزاز تلك الأراضي رفعت رأسي للسماء اخيرا بعد ان نهضت من شرودي العميق و انقطاع نفسي عما يجري من حولي حتى بي ارى تلك الخشبة الكبيرة قد اتجهت بسرعة اكاد لا أراها حتى أغلقت اعيني ردة فعل لما حدث

فتحتهما إذ بي مسحوبا للطرف الاخر من طرف نورمون ذو الشعر الأبيض الذي وجهه كان في أغرب حالاته إذ لم يكن بشوشا ابدا كأول لقاء و لا الومه و انما متوترا و جادا كثيرا

بلهجة صارمة صرخ بوجهي يعيد رابطة جأشي مجددا و اتضح ان الحلم الذي ظننته لن ينتهي كان واقعيا جدا و الهاني عن معرفة الواقع من الخيال كل انش مني يهتز رعبا لما أراه في حياتي التي لم تعد هادئة بتاتا و قد غفلت عن حديثه معي

‏_ما خطبك بحق الجحيم!! اتريد الموت أم ماذا! إن كانت هذه نيتك فأهرب سيكون أرحم من عرقلتنا بغبائك هذا!!

_هاه..

_ اخبرتك ان تذهب ايها الضعيف الجبان!

لقد امسك يدي و جعلني اقف من على الارض دافعا اياي للوراء كي اسلك طريق الخروج و لا يتردد في صدى وعيي سوى كلماته القاسية التي لا تدل ابدا على انه هو نفسه من أنقذني من الموت بفترة

كمية الاختلاف الظاهرة على صاحب الجسد الضخم و العضلات المفتولة بجسد انيق منقوش كانت تصيبني بالصداع و ارجلي راحت تلقائيا تجرى نحو المخرج مثلي مثل اخرين الذين نعتوا بالجبناء ايضا في ظل تلك الاحداث الكارثية التي شقت الأرض و بعثرت تلك المناظر الخلابة و مظهر الحزن الطاغي على سماء يجعل الأمور أكثر كآبة و عصبية

فتلك القبة ذات الهالة الزرقاء اخدت تكبر شيئا فشيئا تمتص الناس لداخلها حيث تتبخر اجسادهم بثانية واحدة و تصبح كرماد يحوم في فضائها الأمر كان مرعبا للتعامل معه حقا و الاساتذة يبدوا عليهم الهلع بعد رؤية شيء ظهر من خلف جدارها الشفاف و قد كانت دقات قلوبهم تتعالى شيئا فشيئا رعبا و هيبة لما يرونه

كنت فقط اجري للإمام احاول الهروب من كل مايحدث هنا لكن و لسوء حظي الآخر فأن شخصا ما ذو بنية قوية و شعر احمر قصير جدا قد امسك بيدي جارا اياي خلفه

لم افهم ما يحدث و ارجلي استجابت لحركته المباغتة فلا ارى نفسي سوى اتبعه اين قادني لمكان القبة تماما

لم استطع التفوه بكلمة وأنا غارق في أفكاري المشتتة تلك و امامي عدد كبير من الاشخاص الذي يموتون بأشنع الطرق و جنود يتساقطون من السماء خائرين القوى حتى أعادني لصوابي ذاك الحقل الكهرومغناطيسي من القوة ذو المظهر المهيب في ظل كل هذه الكارثة أين أصبحت كساحة معركة دموية حتى أن عند البوابة هناك من كان يتضارب و يقتل سافكا للدماء كي ينجوا من هذه الفوضى بعد ان اخدت القبة تكبر شيئا فشيئا و زلازل أضحت اقوى و اقوى بمرور الثواني

الحراس المقاومون قد خارت قواهم و نورمون قاد زمام الأمور باستخدام الاسلحة الموجودة بالقسم الجنوبي كان قياديا بأمتياز و علامات الجدية جعلت الجميع ينصاع له دون اية معارضة حتى لو كانوا اعلى منصبا منه

‏ هناك ايضا بعض الأساتذة الذين قاموا بالإخلاء و تهدأت الأمور التي لم تكن على خير اما انا الواقف قرابة هذا الشخص ذو البشرة الحنطية و العيون الصفراء كالصقور ذو ملامح الحادة الذي أخذ زمام المبادرة و تكلم ناطقا اخيرا

_إنها مهمتنا تدرك هذا جيدا صحيح؟!

_مهمة؟ اي مهمة بحق الخالق تتحدث؟!!

سألته مستفسرا بحاجب مرفوع مستغربا من اي هراء يتفوه بهذا الوجه الجاد

_الم تصلك التعليمات!!! يجب أن يتم قتله!! يبدو انه هناك خطأ بالنظام الارسالي سيتم إيصال لك البرمجة الحديثة لاحقا اما الان الاولية للمهمة سنتقدم

كان هناك جهاز ذو لون أسود معلق على اذنه ذات الشكل الغريب و كأنها اذن جني طويلة بشكل نحيل و جميلة بشكل عجيب ايضا

و قد راح يتحدث لذلك الجهاز و انا لا افقه شيئا مما يقوله هذا الذي أمامي

_أية مهمة يا رجل؟؟ عما تتحدث!!

كانت اطوالنا متقاربة لكن فرق البنية كان هائلا جسدي النحيل ذاك لم يقاوم السحب مرة اخرى و دون اية انذار او خوف قد رمى بأجسادنا لداخل الوحش بحذ ذاته أغلقت اعيني متقبلا مصيري الشنيع و انا لا ازال مستغربا ان الامر ليس حلما بتاتا لكن تلك النسمات الباردة قد جعلتني استفيق و انظر عما حولي في ذالك الفضاء الأزرق الواسع و الهادئ و كأن الدنيا عيد في ثواني قليلة كان الأمر بهيجا مربكا و لطيفا بنفس اللحظات يعود لي السكينة لجسدي و يجعلني انسى ما يحدث بالخارج حتى اذ بي ابصر طيفا ابيض قصير القامة يحوم و يطوف من حولي في دوائر يرمي علي تلك الضحكات

لقد نظرت له و نظر لي و بيننا مرج من الحقول الخضراء

احس اني اعرفه احس بالحنين له

ادار بوجهه للجهة اليمنى و تلقائيا فعلت مثله إذ بي اراه نفسه ممددا على سرير اسعافي في تلك الغرفة المخربة و من بين قلبه كان منبع القبة يخرج انه السبب في هذه الكارثة

لم اتردد ابدا في الاقتراب منه و ما إن ابصرت وجهه المستدير ذو الشعر المنزل على عينه البنفسجية كان الزمن قد توقف بي وذاك الوجه رأيته في مكان ليس ببعيد عن ذهني أنه نفسه هو... الطفل من التمثال في مكان العبادة..

كولن..

.

.

.

.

_هااااااه!!!

شهقة عميقة خرجت مني بعد ان استقمت بظهري ناهضا من على ذاك الفراش و السعال بعدها لم يفارقني

رحت ابحث على المياه من على المنضدة فأمسكت قنينة زجاجية و اخدت بشربها كليا!!

كان حلما...

اردفت بها غير مصدقا و اعيني راحت تنظر في ذاك الفراش الذي لم يكن لي البتة و اول ما طرأ برأسي اني بالمستشفى

ذاك الصداع زاد على رأسي و قد أمسكت به اتفحصه و قد وجدت ذاك الشاش يلفه كالمومياء

لا أتذكر جيدا ما حدث سوى تلك الضوضاء و الكوارث الطبيعية التي داهمت حلمي الذي لم اعتقد انه قد ينتهي البتة

اشعر بالراحة الان و اعتقد ان حياتي ستعود كما كانت من قبل هذا اكثر ما اتمناه بحق

استقمت من على ذلك الفراش مرتديا بيجامة طبية ذات لون اخضر معتدل

و اول ما اردت حقا رؤيته هو ما الساعة؟ انحن في الصباح أم المساء؟! اقرب مكان للتحقق كان النافذة ذات الستائر الخضراء الغامقة أيضا التي تجعل إدراكك بالساعة يمر دون أن تعي

فتحتها و ياليتني لم افعله..

الكابوس لم ينتهي ابدا...

2024/07/09 · 33 مشاهدة · 2221 كلمة
نادي الروايات - 2025