مرة ثالثة؟

كان المكان مظلما وهادئا، لم يصدر لا صوت ولا أدنى شعاع من الضوء.

"آااااه! ماكان ذلك الألم المبرح سابقا... إن هذا الموقف مألوف نوعا ما... على كل حال أين أنا؟!".

فجأة داخل الظلام الدامس والهادئ بشكل غريب، ظهر جسم ما وتحدث بعدما تأوه، جسد شاب يبدو في العشرينيات من عمره، مع بنية جسدية جيدة ووجه وسيم يستطيع خطف قلب أي فتاة، كان ذي شعر أسود فاحم حريري ومنسدل على عينيه الذهبيتان، عيناه كانت قاسية وحيوية في ذات الوقت، الشاب نظر بهدوء في المكان حوله، ودون أي قلق باد على وجهه سأل نفسه ببساطة.

"لحظة! هل يعقل وأن حدث وتم خطفي؟".

قال مجددا بقلق أكثر وهو يفكر.

" لا! هذا غير معقول، من سيجرؤ على ذلك؟".

ومجددا نفى كلامه بعدما طمأن نفسه بجرأة وثقة، ثم وضع يده على ذقنه وصار يفكر ويحاول التذكر.

"هممم...! علي أن أذكر ما حدث بالترتيب؛ أولا، إستيقضت مبكرا وكعادتي جريت عدة كيلوميترات، همم...؟آه صحيح! عندما توقفت لأرتاح في حديقة قريبة إلتقيت <ميكو> إبنة جاري الصغيرة وهي تلعب مع جروها، لكنه هرب عندما حاولت مداعبته، يبدو أنه خاف مني لأني أطلقت زخمي هفوة، وعندما حاولت ميكو اللحاق به قاطعة الطريق ظهرت شاحنة شحن وكادت تودي بها، ههههه...! ولكن بفضلي أنا البطل قمت بإنقاذها ونجت،هههه...! ".

ضحك الشاب بغباء وهو يتفاخر بإنقاذه للفتاة الصغيرة.

"ولكن ماذا حدث بعدها؟ هممم...! آه! عندما أبعدت ميكو الصغيرة بدفعها من أمام الشاحنة حللت مكانها وصدمتني الشاحنة بدلا عنها، وبسبب هذا مت! هاهاها..!".

ضحك الشاب بغباء من جديد رغم أنه صرح بموته بسهولة كما لو أنها لم تكن حياته.

ضحك لفترة بغباوة داخل ذلك الفضاء المظلم. ثم فجأة ودون سابق إنذارتغيرت تعابير وجهه الغبية مائة وثمانين درجة وصرخ بكل ما أوتي في الفضاء مؤنبا.

"ما هذا بحق الجحيم؟!؟ كيف أموت هكذا؟!؟ شاحنة؟ بسبب شاحنة؟!؟ أنت تقول لي بسبب شاحنة شحن صغيرة أموت؟!؟ حسنا ربما ليست صغيرة، لكني واثق من أن شاحنة لايمكنها قتل أقوى وأذكى رجل بهذه السهولة حتى <غوتو-سان> لم يفعلها لتقول أنت شاحنة! لا تمزح معي بحق الجحيم!!".

(نوعا ما أشعر بأن بطل القصة الذي أنشأته بنفسي يوبخني أنا، أنا آسفة حقا أيها البطل لكن كان علي قتلك لخلق الدراما المناسبة وحبكة القصة، رجاءا تفهم الأمر).

بعدما أفرغ الشاب عما في صدره لاعنا في الفضاء، سقط على ركبتيه عاجزا.

"لا أصدق! بعدما حصلت على فرصة أخرى، ودون إستغلالها، أموت بهذه السرعة؟".

(صرت أشعر أني أجرمت بحقه ): ).

فجأة قبض بطلنا على صدره ناحية قلبه بقوة، وتقلص بؤبؤا عيناه التان فتحتا على مصراعيهما بقوة، لم يصدر منه صوت سوى بعض النشيج والأنين.

'لا أستطيع... التنفس!...مالذي يحدث لي؟ ... قلبي يكاد يتمزق...'.

فكر الشاب في خاطره، بينما يخدش صدره بقوة في محاولة منه ﻹدخال الهواء وإيقاف ألم قلبه، لكنه مهما حاول لم يستطع حتى الشعور بالألم الذي تحدثه خربشاته على صدره.

تكور على نفسه والألم الذي يفتك به تضاعف حتى لم يعد بإمكانه الحراك، لم يقل الألم الجحيمي حتى شعر بضغط هائل كما الجبل يضغط عليه.

'م-ما-هذا؟... لما هذا...الألم؟ '.

" صغيري؟ *بكاء* ... لما؟ لما حدث هذا لك أنت؟...*بكاء..*".

فجأة تردد صدى صوت امرأة في ذلك الفضاء، رفع الشاب عينه للأعلى باتجاه الصوت، سمعه لكن لم يبالي به كثيرا.

" هذا يكفي يا عزيزتي! لا تفعلي بنفسك هكذا! هو قدره !".

"لا!...*بكاء*... هذا ليس قدره! إبني لايجب أن يموت هكذا!"

صرخت المرأة نافيا كلام الرجل الذي تحدث سابقا.

' أصمتوا!... أصمتوا ودعوني أتألم براحتي فقط!'.

صرخ الشاب في خاطره في الفراغ، بعدما سمع المحادثة القائمة والقادمة من حيث لايدري.

'اللعنة!'.

لعن مجددا عندما أدرك أن كلامه مناقض لنفسه؛ كيف له أن يرتاح أثناء تألمه، لكن تلك المحادثة غير المفهومة زادت الطين البلة على آلام الشاب وخاصة وهو لا يعلم مصدرها أو حتى مقصدها.

إستمر صوت نشيج المرأة وبكاءها في الفضاء والرجل الذي يحاول تهدئتها، إستمرت آلام الشاب حتى فقد مفهومه للزمن، لم يعد يعلم منذ متى وهو يقاوم الألم الغريب لدرجة نسي نفسه فيها، ورغم كل محاولاته في خدش صدره لنزع الأوجاع ومعرفة سببها إلا أن هذا لم يؤثر فيه بأدنى درجة.

وطوال تلك المدة إستمر نشيج المرأة وبكاءها -اللعين كما وصفه الشاب- وصوت الرجل الذي يحاول مواساتها.

*عاااااه!!*

أطلق الشاب صرخة مدوية في الفضاء، صرخة تنين رافض للموت، صرخة أخرج في عن كل ما كتمه من مشاعر الغيض، المشاعر التي ولدتها فيه الآلام الغريبة اللعينة.

مباشرة عندما أطلق عنانه للسماء إنزاح عنه الجبل الوهمي الذي ضغط بكل قوته وما يفوقها لمدة طويلة، وتلك الآلام التي لم تقل ولا للحظة إختفت الآن كالسراب، وذلك الجدار الذي حجب الهواء عن حنجرته تلاشى هو الآخر ، تلاشت جميعها لدرجة جعلت الشاب يكذب نفسه غير مصدق.

تمدد الشاب على الأرض وراح يتنفس بقوة، وقطرات العرق الكبيرة الباردة تغطي وجهه، شعر بها وهي تسير بمحاذات عموده الفقري، شعر بها أبرد من الجليد.

لم يكلف الشاب نفسه عناء التمحيص في مضى عليه من آلام ولم يبال حتى بصوت النشيج المستمر والذي صار أقوى، كل ما يهمه الآن هو التنفس!، التنفس والتنفس والتنفس بكل ما أوتي من قدرة وكل مايستطيع.

التنفس طالما يستطيع.

تنفس حتى هدأ تدريجيا، وضع مرفق على وجهه وغطى به عينيه، ومجددا عاد للعن.

"اللعنة!...ما كان هذا بحق الجحيم؟... هوووه..هووه...ومن كان يتحدث سابقا؟... بدأت أعيد النظر في موضوع الخطف ".

تبادرت جميع أنواع الأسئلة وحازت على تفكير الشاب، كل ما حدث له حتى الآن جعله يعيد النظر في موضوع الخطف؛ لربما خطفه رجل خارق ما وأراد الإنتقام.

ماحدث تاليا جعل تفكير الشاب مشوشا تماما، جلس بسرعة وهو يحدق عاليا في الفضاء مندهشا، في الفضاء عاليا ظهرت نقطة بيضاء صغيرة، ضوء صغير أبيض بعيدا في الأفق، رغم صغره أو بعده فإنه كان يستطيع بث الأمل والحياة مجددا في قلوب شعوب أنهكتها الحروب.

كبرت نقطة الضوء قليلا قليلا، حدق فيها الشاب بدهشة وفرحة غير مفهومة بدون إنقطاع، لقد شعر بدفئها يتزايد كلما كبرت النقطة المضيئة.

" ياللهول! ياللهول! ماركوس إنه ينبض! قلبه ينبض! صغيري عاد للحياة! هاهاها...!".

سمع الشاب تهليل المرأة وهتافها وهي ضاحكة، رغم أنه لم يعرفها ولم يرها لكنه شعر بسعادتها، وهذه السعادة شعر بها في روحه فابتسم لا إراديا لفرحة المرأة.

" مذا؟... ه-هذا مستحيل!...لا يمكن!... عزيزتي أنت متأكدة؟ لربما الصدمة جعلتك تتوهمين؟ دعيني أنادي على الخادمة لت-".

عندما غطى الضوء نصف الفضاء الداكن من الأعلى، سمع الشاب صوت الرجل مترددا، عند هذه اللحظة وصل إدراك ما إلى عقل الشاب.

"مالذي تقوله يا ماركوس؟ بما أني قلت أن ابني حي فهو كذلك، تفحص قلبه بنفسك! إنه ينبض، وكذلك الهواء يخرج ويدخل من أنفه".

قاطعت المرأة المتلهفة الرجل الحائر بغضب، سمع الشاب هذا الحديث جيدا، شحب وجهه وتوسعت عيناه كما في السابق وصار يبلع ريقه بصعوبة.

" م-مهلا! هذا الموقف...لقد...تذكرته الآن، ل-لا...لا تخبرني!...".

"ياللهول! قلبه فعلا ينبض!... هههه!... قلبه ينبض! كاتيانا ولدنا حي!...هاهاها!... هو حي!...هاهاها!...".

تحدث الرجل من جديد، لكن هذه المرة بانفعال أكبر وفرحة بادية موافقا كلام المرأة، وضحك مطولا كما لو أن هذه أعظم فرحة في حياته.

" ل-لا... هذا المكان!...وهذا الموقف!... لا!..".

ومجددا علق الشاب وصدمته أكبر، في ذلك الحين كان الضوء قد غطى كامل الظلام حتى لم تعد تبدو في الفضاء غير الصورة الظلية للشاب المصدوم وهي تختفي ببطئ من شدة الضوء الذي يغطيها.

تبدد الضوء القوي تدريجيا لتظهر صورة غير واضحة في البداية لظلين، تبدد الضوء أكثر حتى إختفى ليجعل الظلين السابقين أكثر وضوحا؛ الظلين كانا لجسدين، جسد قريب لمرأة، وبوصف أدق إمرأة غاية في الجمال، آية من آيات خلق الله عز وجل، ببشرة بيضاء نقية كالأطفال، وشعر أسود فحمي حريري طويل ينسدل على كتفيها، وعينان حمراوتان كالدماء، كبيرتان وتلمعان كالنجوم، منها إنهمرت قطرات شفافة وسالت على خديها الراسمين لابتسامة عريضة بديعة.

الصورة البعيدة كانت لرجل هذه المرة، رجل رغم كبر سنه إلا أن علامات الوسامة التي كانت في وجهه من شبابه ماتزال بادية عليه، شعر أصفر مذهب كسنابل القمح الجميلة، عينان خضراوتان بديعتان، لقد روتا ما عاشه الرجل من عمر ومشاكله رغم ذلك فإن حيويتيهما ماتزال قائمة، وقف الرجل بثبات بينما الفرح يكاد يفيض من وجهه.

حدق كلا من الرجل والمرأة بسعادة لامتناهية في الجسد الصغير الموجود بين أحضان المرأة، ذلك الجسد الواهن الضعيف لرضيع صغير ومميز، بعينان مختلفتان ومميزتان؛ عين يمنى خضراء كبيرة، وعين يسرى حمراء دموية مع بؤبؤ أسطواني، وبشعر أبيض ناصع نصاعة الثلج النقي وخصلات صغيرة حمراء في المقدمة، نظر الملاك الصغير للشخصان القابعان أمامه بصدمة غير بادية.

' أنا... ولدت من جديييييييد!!! '.

صرخ الرضيع في خاطره بقوة، في الواقع لا يمكن لرضيع قول هذا، لذا ولكي نختصر الكلام...

< الشاب سابقا قد بعث من جديد، وهو الآن هذا الرضيع!!>.

_ _ _ _ _ _ _ -_- _ _ _ _ _ _ _

~~إنتهى الفصل~~

آمل أن يعجبكم. أعتذر مقدما لأن جميع الفصول الأولى مملة حتى الفصل السابع، لكنها تمهيد لذا...تعلمون.

لاتنسونا من دعائكم الصالح بالنجاح (^3^)

في أمان الله.

2020/01/21 · 1,024 مشاهدة · 1370 كلمة
Abir Bell
نادي الروايات - 2024