المغادرة!

~ بعد تسع سنوات ~

* ضرب...*

" توقف!".

" أتركني...!".

" هاهاها...! يالها من غنيمة!".

كانت أصوات ضجة، صراخ وضحك تتردد في المكان. تنوعت الأصوات بين صراخ نساء وضحك رجال.

في مكان معزول من الغابة الكثيفة، كانت تتواجد جماعة من الناس واقفين بالقرب من عربة كبيرة.

بعد التأكيد جيدا، كانت مجموعة من نساء وبعض أطفال الإيلف تحيطهم مجموعة رجال يحملون سيوفا وأسلحة مختلفة.

كان الرجال يظهرون تعابيرا مقززة بينما ينظرون للنساء وبناتهن، كل من كان إيلفا هناك كانوا نساءا أو إناثا بكلمة أخرى.

بدت أحوالهم سيئة للغاية. عيونهن كانت فاقدة للحياة تماما، على رقابهم كانت توجد أطواق حديدية، لم تبدو عادية، غطت معظمها نقوش عديدة وغريبة.

" دعني! أيها الوغد الحقير! أتركني!".

صرخت شابة، شعرها كان أشقر، عيناها خضراوتان ووجهها جميل، بدت ربما في العشرينات. هي الأخرى لم تكن في أفضل أحوالها، أمسكها رجلان بقوة على ذراعيها، كانت تقاوم بشدة لكنها رغم ذلك لم تستطع الإفلات.

فجأة صرخت بقوة حين أمسك رجل آخر شعرها الجميل وسحبه بقوة، لم يكن الرجل مميزا كثيرا عن البقية، لكنه بدا أكثر قوة عن الآخرين، كان بالتأكيد قائد هذه العصابة.

سحب القائد رأس الشابة بشعرها حتى قابل وجهها الجميل أمامه، أغلقت الشابة عينيها بألم ثم نظرت في عيني الرجل بغضب وهي تصر على أسنانها.

" لا بأس، لا بأس! اللورد يحب الفتيات العنيدات أمثالك، ستسعدينه وسيكافئني كثيرا بالطبع، هاهاها... قاومي! قاومي أكثر إن استطعتي!".

-" هه! بدلا من المال...سترى رأسه على طبق!".

زأرت الشابة في وجه الرجل وهددته، غضب هذا الأخير حتى صار صوت صرير أسنانه يثير الألم في آذان كل من سمعه، أمسك شعر الشابة بقوة ورماها على الأرض.

" سنرى رأس من سيكون على طبق!".

وقف بقوة ثم أشار لأحد رجاله ليقوم بحمل رأسها ويضع طوقا على رقبتها يشبه ما وضع على بقية النساء.

" ضعوهن في القفص داخل العربة! علينا أن ننطلق سريعا قبل أن يكتشفنا أحد!".

أمر القئد بوجه صارم بينما يتحرك نحو أحد الأحصنة المتواجدة حول المكان.

تحرك بقية الرجال وصاروا يقودون الإناث نحو العربة. بعدما فعلوا استعدوا للمغادرة لكن...

* سووووش... سووووش...*

* بوووف...*

" أرررغغههه...! "

" آااهههه...!

" أغغههه...!".

دغدغت تلك الأصوات الرقيقة والمزعجة آذان قائد العصابة، غضبه من كلام الشابة سابقا مايزال يسيطر عليه لذا أدار رأسه غاضبا وصار يصرخ على رجاله.

" ماهذه الصوت؟ ألم أخبركم أن تس-...".

لم يتمكن القائد من إنهاء جملته وهو يرى ذلك المنظر المرعب الذي لن ينساه طول حياته...هذا إن تمكن من متابعتها.

كان المنظر أمامه عبارة عن لوحة متقنة ترسمها ريشة فنان لاتشوبه شائبة.

جسد متوسط الطول يتحرك مع تيار الهواء بسلاسة بينما يترك خلفه ظلا أسودا ولوحة جديدة من الدماء.

كل مكان مر به إلا وترك خلفه رأسا متبورا في الهواء ونافورة من الدماء تزين طريق سقوطه نحو الأرض. بدون أن يدرك ذلك...كان القائد قد جذبه ذلك المنظر الخلاب، لم تلمس ولو قطرة دم واحدة ذلك الجسد الذي رقص في الهواء.

يديه كانتا تشعان بنصلين سوداوين غريبين. كانت الدماء الحمراء تغطيهما، لكن رغم ذلك لم تتمكن من إخفاء حدتهما وروعتهما.

لم يتمكن القائد من العودة إلى الواقع إلا عندما قام رجل بجانبه بهزه.

" مهلا زعيم! مالذي تفعله بوقوفك هكذا؟! هذا الرجل يقتل رجالك!".

-" ه-هاه! أ-أنا... اللعنة! من يكون هذا؟! ...توقف! من تكون يا هذا حتى تهاجم رجالي هكذا؟!".

عندما عاد القائد إلى رشده، كان ذلك الغريب قد قتل بالفعل الجميع تاركا ثلاثة رجال متجمدين مكانهم، بالإضافة للقائد تبقى ما مجموعع خمسة رجال من أصل ما يفوق العشرين رجلا.

توقف ذلك الغريب فجأة بينما يحمل بيده رجلا من بين الناجين الباقين ويرفعه عاليا في السماء، أصدر ذلك الرجل نشيجا متألما وتلوى بمحاولة الهرب لكن دون جدوى.

أمعن القائد نظرته نحو المهاجم، لم يتمكن من رؤية أي سيء من تعابيره، كل شيء من ملابسه كانت عادية، شعره الأبيض كان مناقضا تماما لما أظهره من قتل بلا رحمة قبل قليل، عدى عن بعض الخصلات الحمراء الجميلة، وجهه أنيق ووسيم، عينه الخضراء اليسرى أشعت بضوء حاد، عينه الأخرى غطتها خصلات شعره المنسدل، لقد بدى صغيرا في العمر حقا، لكن تلك النظرة الحادة المميتة على وجهه جعلت كل من ينظر له يرتعش ويعيد التفكير بشأن الإستخفاف به. بدون أي إضافات... فقد كان هذا بطلنا جول البالغ من عمره الرابعة عشر.

" اللعنة! من تكون لتهاجمنا هكذا بدون سابق إنذار؟! عرف بنفسك إن كنت رجلا!".

لعن القائد بعدما أزال الخوف عن قلبه بصعوبة، وبينما هو يأمر الغريب بأن يبوح باسمه.

غير جول نظرته المرعبة نحو القائد الذي إرتعب بشدة، إرتعش وهو يرى كلمة الموت منحوتة فوق رأس جول، تراجع من الخوف لا إراديا. في تلك اللحظة شد جول بقبضته على رقبة الرجل الذي في يده.

" أاارررغغهه...!".

صرخ المسكين بقوة بينما يشعر بروحه تخرج من جسده، دارت عيناه للداخل وخرجت الرغوة من فمه، بدى مثيرا للإشمئزاز حقا.

ترك جول الجثة التي سقطت هامدة على الأرض ونظرته ما تزال مجمدتا على القائد. تمايل جسده قليلا ليتحرك بسرعة مماثلة لسرعة الضوء.

تفاجأ القائد من حركة جول، رفع كفه نحوه وسريعا رتل تعويذة ما.

" كرة النار!...كرة النار!...كرة النار...".

صرخ القائد باستمرار بينما تخرج من يديه كرات نارية بحجم كرة القدم وتطير سريعا نحو جول، تفاداها هذا الأخير بحركات مراوغة كالغزال عندما يهرب من صائده. إستمر الرجل بإرسال المزيد من الضربات السريعة بوجه خال من الأمل، وجول يتفاداها باستمرار وبسهولة.

تحرك سريعا كما يفعل النينجا، وبلمح البصر كان قد وصل أمامه، في تلك اللحظة كان الآخر يرى شريط حياته يمر أمام عينيه، هل كان عليه حقا حقا قبول مهمة اللورد العفن المنحرف؟ لكن الخطأ كان خطؤه هو، لقد غرته تلك العملات القليلة واشتاق لمزيد منها. تلك المهمة التي اعتبرها سهلة -صيد إناث الإيلف- قد باءت بالفشل، بل وأكثر من هذا ...سيموت بسببها.

فكر القائد بوجه مرعوب، تلك المهمة التي لم يسبق له أن قام بمثلها ستؤدي لموته.

" اللعنة!...".

لعن القائد بوجه مرعب وأغمض عينيه برعب لا يرغب برؤية جسده مفصولا عن رأسه. إنتظر على تلك الحال فترة لكنه لا زال لا يشعر بتغيير.

' هل انتهى الأمر؟ هل أنا في النعيم الآن؟... هه! بالتأكيد لا يمكن!'.

" ربما حتى الجحيم لن يتحملني!".

قال القائد بضحكة مستسلمة بعدما فكر.

" لا تقلق! على الجحيم أن ينتظر أكثر!".

فتح الرجل عينيه بقوة وفجأة حينما سمع ذلك الصوت الهادئ.

تغير المنظر أمامه مجددا، لم يكونوا كما في الأول، نظر حوله ليرى منظر بقية رجاله ملقين حوله ميتين، بلع ريقه بصعوبة وهو يرى منظر جول الذي سار هناك بين الجثث بوجه حاد ولم ترمش له جفن. رائحة الحديد القوية ملأت أنفه، لقد كانت رائحة الدماء (معلومة جديدة: الحديد مكون أساسي من مكونات الدم).

بينما يطأطئ برأسه نحو الأسفل ليرى ركبتيه اللتان ترتعشان شعر بشيء أسفل رقبته، تلمسه بهدوء بيدين ووجه مرتعشين، تغيرت تعابيره فجأة لتصير مصدومة تماما.

" ط-طوق...العبودية؟! ه-هذا...هذا مستحيل! أنت...وض-وضعت علي...طوق العبودية؟!".

تحدث الرجل بصدمة وصعوبة كبيرة وعينيه تكادان تخرجان من مكانيهما. على رقبته كان يوجد طوق مشابه للطوق الذي وضعه ورجاله على النساء. كان هذا هو طوق العبودية، يستخدم في جعل العبيد خاضعين سواء مكروهين أم لا.

" همم؟ إذن أنت تقول أنك تفضل موتك؟".

-" هييك ( برعب)...! ل-لا...!".

-" جيد! إذن، فتختفي في مكان ما حتى أنادي عليك!".

كانت عين جول الخضراء تشع بريقا شريرا بينما يأمر الرجل الذي ارتعد وسقط على الأرض من شدة خوفه وركبتيه ترتعشان بشدة.

تسمر على وضعه رجله لا تكادان تحملانه، سار جول قليلا نحو العربة ثم توقف في منتصف الطريق، أعاد رأسه للجثث مقطوعة الرأس الأعضاء وهمس.

" تطهير!".

فجأة من العدم...كل تلك الأجساد البشرية وماتبعها إندلعت فيها النيران، حتى الدماء المنسكبة على الأرض احترقت. نظر الرجل في مكانه بوجه مصدوم ومرتعب لذلك المنظر، لقد رأى جانبا مرعبا حقا من هذا الفتى الذي يبدو أنه لم يصل بعد لعمر الخامسة عشر.

" ألن تنصرف؟".

أعاد صوت جول المرعب وعي الرجل إلى جسده، الأمر ليس بيده إن كان سيغادر أم لا، لكن الخوف من جول جعل كل عضلاته خارجة عن سيطرته، لو كان الأمر بيده حقا لكان قد غادر منذ أمد.

لم يتمكن الرجل من التحرك مهما حاول عضلاته لاتستجيب له. لكن في تلك اللحظة لمع ضوء من الطوق، ليبدأ بعدها في التقلص بشكر غريب، تقلص حجمه ببطئ بينما تعابير الرجل تصير مرعوبة ومصدومة أكثر فأكثر حتى صرخ طالبا لنجاته.

" ل-لا! توقف! أنا سأتبع أمرك! لا تقتلني!!".

عاد الطوق لحجمه السابق سريعا وتوقف عن خنق الرجل، تنفس هذا الأخير الصعداء، ودون أي تأخير حمل نفسه بصعوبة واتجه لداخل الغابة مختبئا بينما يصر على أسنانه.

لم يدم إحتراق الجثث كثيرا حتى إختفت مع الهواء وكأنما لم تكن موجودة. ترك المكان نظيفا تماما حتى جعل الرجل الذي راقب من بعيد يشك في صحة نظره، تلك المجزرة السابقة لم يعد لها أثر.

تابع جول سيره نحو العربة، رفع بقوة الستار الجلدي الذي غطى داخل العربة. كما هو متوقع لقد كانت تحوي قفصا ضخما وداخله كنت نساء الإيلف سابقا يجلسن هناك وينظرن نحو الغطاء بوجه مترقب. لقد سمعن سابقا صوت الصراخ والإنفجارات، لذلك فقد ساورهن الأمل بأن يكون منقذا.

مباشرة عندما فتح جول الستار، دخل ضوء قوي معه جعلهن يغمضن عيونهن. فتح جول القفص بيده فقط، خرجت النساء والبنات الصغيرات من العربة بوجوه تملأها الفرحة والحماسة.

" السيد الشاب! لقد أتيت لإنقاذنا؟!".

قالت الشابة التي سبق وظهرت في البداية بوجه تملؤه الحماسة.

-" نعم! تعلين أن تورييل لن تكون سعيدة إن تأذى أحدكم يارفاق".

رد جول بوجه تعابيره باردة وعادية، لقد زالت تلك النظرة المخيفة من على وجهه تماما. لو قارن أحد بين جول الجزار وجول الهادئ لما كان ليربط بين الإثنين مهما حاول.

" شكرا لك! السيد الشاب!".

" أجل، شكرا لك حقا! ".

" شكرا، السيد الشاب!".

تحدثت جميع النساء بالشكر لجول، <السيد الشاب> هو اللقب الذي كان جول ينادى به، منذ قدومه لأول مرة لغابة الإيلف عاش بينهم كواحد منهم، لقد أخفى حقيقة عينه ونوعه الشيطاني، لكنهم يعلمون حقيقة كونه هجينا بين إيلف وبشري. نظرا لأن جول كان صديقا لحفيدة أقوى إيلف ساحر، وابنة الحاكم الحالي لمملكة فوميونت وأميرتها، فقد تم معاملة جول سواء مثلها، لكن جول قد استحق هذا اللقب بالفعل نظرا لمساهماته الكثيرة في الدفاع وتدريب الصغار.

طوال التسع السنوات كان جول يعيش هنا، لم يخرج من غابة الإلف مرة واحدة ولم يقابل غيرهم غير هذه اللحظة، لقد كان يمضي الوقت بتدريب جسده وقوته بعدما تمكن من كسر الختم على مهاراته وعناصره باستعمال صقل التشي، قام بصيد الوحوش في الغابة باستمرار لزيادة مستواه.

هذه المرة بينما خرج كعادته للصيد سمع صوت صراخ النساء وقام بمتابعة الحادثة من حينها.

" السيد الشاب؟! مذا حدث لأولئك الغرباء؟!".

-" لقد نصبت لهم فخا، لا تقلقوا ! المكان آمن الآن، بإمكانكم العودة".

-" شكرا لك، لكن...لن نستطيع العودة ومقابلة أحد وهذه الأطواق على رقابنا".

تحدثت الشابة بهدوء لكن بوجه يظهر تعابير حزينة وهي تتحسس الطوق على رقبتها.

نظر جول نحوها بفراغ، رفع يده نحو رقبتها ووجه كفه بينما يرتل بترتيب وبهدوء ويترك وقتا بينها.

" تحليل...فحص...تفكيك!!".

لم يحدث شيء بينما جول يهمس بأول كلمتين، لكن لما قال الأخيرة سمعت الشابة فجأة صوت طقطقة وتكسير صادر من الطوق، وفجأة انفصل جانبي الطوق وسقطا على الأرض.

لمعت عيون الشابة بفرحة وهي تتأكد من ذلك، لقد تم حل الطوق، الطوق الذي كان معروفا أن لا أحد يستطيع نزعه مهما حاول ومهما كانت قوته إلا ا في حالة موته، لكن الآن فقد حله سيدها الشاب بسرعة ودون بذل أي مجهود.

" أطلبي من كل من على رقبتها طوق بالتجمع حتى أفككه لهن!".

-" بالتأكيد! شكرا لك سيدي الشاب!".

ومجددا شكرت الشابة جول بعينان تدمعتن من الفرحة، لم تستطع تخيل وضعها لولا جول، لقد أنقذ حياتها ومستقبلها والآن أنقذ كرامتها من طوق العبودية. لم تنتظر أكثر وركضت لتنفذ أمر جول.

جمعت الشابة النساء والفتيات جميعا أمام جول، نظر جول ببرود نحوهن قليلا ثم رفع كفه كما في المرة السابقة وعاد ليرتل.

" تحليل...فحص... مضاعفة...تفكيك!".

* كرراااك...*

على خلاف السابقة فقد أضاف جول كلمة أخرى وهي المضاعفة ليضاعف تأثير تعويذة التفكيك، ونتيجة لذلك فقد تفككت جميع الأطواق على رقاب النساء، كان رد فعلهن مشابها للشابة، فرحتهن كانت عظيمة حقا.

" لنعد الآن!".

أمر جول وسار في المقدمة يقود النساء للعودة.

ㅡㅡㅡ

بعدما أعاد جول النساء لعاصمة المملكة، اتجه نحو أحد متاجر الحدادة لشراء خناجر وما شابهها، لا يمكنه الإعتماد دائما على أنصال المانا، ففي حالة ما استنفذ المانا خاصته لن يكون لديه ما يدافع به عن نفسه.

بعدما أنهى جول شراء الأدوات والملابس، عاد للقصر، عليه إعلام تورييل وزويباك بقراره.

ذهب مباشرة لحلبة التدريب داخل القصر، لقد اعتادت تورييل التدرب هناك برفقة جدها.

* بوووم. بوووم...*.

" جدي تمهل قليلا! ماذا لو أصبت أحدا آخر؟!".

-" هاهاها...! لا تختلقي أعذارا! لن يوجد أحد بذلك الغباء ليقترب منا! عليك بالتدرب! هاهاها...!".

-" جدي! لقد تعبت!".

-" لا تتكاسلي! لم تمر سوى ساعتين".

-" وهذا تماما ما أقصد، الأمر مستحيل أن أستمر!".

-" هاهاها...!".

-" لا تضحك!".

بينما جول يقترب أكثر كان يسمع الصوتين السابقين يتناقشان وسط أصوات الإنفجارات، تنفس بنوع من الشفقة بينما يفكر بصوت الفتاة المنزعج، بالتأكيد كان من سوء حظ تورييل كونها حفيدة هذا الجد القاسي، هو ليس قاسي في الواقع لكن إهتمامه الشديد بحفيدته جعله يصعب التدريبات عليها.

" أيها الجد زويباك! لدي ما أخبر-".

" هوااه! إنتبه!".

* بوووم *.

لم يتمكن جول من إنهاء جملته حتى تتجه إليه فذيفة مضيئة، قبل أن تصل لوجهه سمع صوت تورييل المحذر.

عندما وصلت القذيفة التي كانت بقطر المتر تقريبا أمام وجه جول، كرد فعل طبيعي قام بتغطية قبضته اليسرى بالمانا وضرب القذيفة ليغير مسارها فطارت عاليا في السماء، الحلبة رغم كونها داخل القصر إلا أنها كانت بدون سقف، لذا فالقذيفة طارت في السماء لفترة قصيرة لتنفجر بعدها بقوة وتنير فوق القصر.

" جول! هل أنت بخير؟"

داعب صوت جميل آذان جول، حول نظرته من الإنفجار فوق نحو مصدر الصوت، فتاة تبدو في مثل عمر جول، شعر فضي جميل مربوط لأعلى على شكل ذيل الحصان، عينان خضراوتان واسعتان، بشرة بيضاء نقية، وجه صغير ومستدير وجمال فائق، كانت ترتدي ملابس خضراء تبدو عادية وخذاء أبيض طويل. رغم جمالها الفائق، إلا أنها لم تصل لمستوى جمال كاتيانا، لكن لا يمكن الحكم بعد فتورييل ماتزال صغيرة.

" أجل، رغم أن الأمر كان مفاجئ، إلا أنني تمكنت من النجاة".

قال جول مطمئنا تورييل التي ركضت إليه بوجه قلق.

" كلا! أنت لست بخير! يدك تنزف!".

-" لا...لابأس، بإمكاني علاجها!".

-" لا تستطيع! أعطني يدك!".

-" أنا حقا بخير، سأعا-...إتيتيتتت! تمهلي، هذا يؤلم!".

-" همف!".

زاد قلق تورييل وهي ترى كف جول التي ضرب بها القذيفة تنزف، لذا -رغم محاولات جول- فقد أصرت على تضميدها برباط شعرها الأخضر.

" إذن، ما سبب قدومك؟".

قال زويباك فجأة بينما يتقدم نحو جول وتورييل التي ما تزال مستمرة في ربط الشريط.

" لقد اتخذت قراري، سأذهب!".

-" همم...إذن فقد تقرر الأمر، لقد مر الوقت سريعا حقا".

رد جول على سؤال زويباك بوجه جاد، فابتسم هذا الأخير بوجه معقد وهو ينظر للغيوم التي تزين السماء.

جول قد قرر أمره بالفعل وعزم على مغادرة غابة الإيلف، الفترة التي قضاها هنا كانت لاسترجاع قوته، رغم قدرته على استخدام البوابة والعودة مباشرة للمنزل، لكنه قرر العودة بشكل طبيعي والمرور برحلة العودة، عليه زيادة قوته أكثرد والأهم من هذا عليه جمع المعلومات، معلومات عن أحوال البشر والشياطين وطبيعة العلاقة بينهم، وأكثر من هذا...عليه المعرفة أكثر بشأن المجلس الذي تحدث عنه بارتاس، وحقيقة الناب الأسود ووالدته.

" تذهب؟ هل ستصطاد مجددا؟ لكن لما تخبر جدي بهذا؟".

فجأة سألت تورييل بوجه مترقب لطيف وقطعت حبل أفكار جول، لم يرد جول بل اكتفى بالنظر بعيدا ومحاولة عدم جعل عينيهما تلتقيان. الأمر سيكون صعبا على تورييل التي عاشت مع جول لأقل من عقد، لم يعد مجرد صديق بالنسبة لها، بل صار حتى بمثابة الأخ الأكبر.

" صغيرتي! أنت تعلمين أن جول ليس منا، ولقد افترق عن عائلته فترة طويلة، عليه العودة ليعيش في كنفهم".

شرح زويباك بابتسامة بينما يداعب رأس حفيدته بحنان، تغيرت تعابير هذه الأخيرة لتصير مصدومة نوعا ما، هي حقا لم تتوقع هذا.

" ي-يعود؟ لكن لما؟ لقد اطمئن على أحوالهم صحيح؟ هل لأنني كنت أزعجك أثناء تدريبك سترحل؟ أعدك أنني لن أفعلها مجددا، أرجوك فقط...فلتبق!".

-" لا يمكنني البقاء، تورييل كانت لطيفة معي، ولم تزعجني أبدا بل كنت سعيدا عندما كانت تأتي لتلعب معي".

-" إذن لماذا؟! بامكان جدي أن يستعمل الاستبصار ليطمئنك على عائلتك مجددا، لا! أنا سأتعلمها بنفسي وسأريهم لك كلما تريد، لذا لاتذهب!".

-" صحيح أنني اطمأننت عليهم، لكنهم لم يفعلوا بالنسبة لي، علي إخبارهم أنني بخير أيضا!".

كانت تورييل تحاول بشدة إبقاء جول لكنه لم يفعل، بالفعل هو عليه التأكد بنفسه من أمانهم ورؤيتهم شخصيا لطمأنتهم كذلك.

" هذا ليس عدلا!".

-" تورييل...".

صرخت تورييل بقوة وهي تمسك جول من قميصه، رفع جول رده ليمسك يدها وهمس باسمها بوجه حزين.

" غير عادل!".

صرخت تورييل مجددا وهي تبعد يد جول قبل تلمسها. رفعت وجهها نحو جول الذي تفاجأ وهو يراه، من عينيها كانت شلالات من الدموع تنهمر، حول جول نظرته الحزينة نحو الجانب.

" أكرهك!".

صرخت مجددا يتلك الكلمة بينما تركض خارج الحلبة، أمسك جول صدره وشعر بتلك النبضة، لقد شعر بالحزن، لم يسبق له وأن شعر في كلتا حياتيه السابقتين بأي مشاعر مهما كانت، لكن في هذه الحياة كانت عائلته من أعادت له المشاعر، والآن شعر بالحزن تجاه شخص آخر.

قبض جول على يده المربوطة بشريط تورييل ومحى هذه الأفكار، حول نظرته الحازمة لزويباك.

" لقد جهزت كل شيء لذا سأغادر الآن".

-" فهمت، شكرا لأنك كنت صديقا لتورييل وأبعدتها عن وحدتها".

بعدما تحدث جول، رد زويباك بابتسامة دافئة وربت على كتف جول.

ㅡㅡㅡ

كان جول حاليا متواجدا على حدود الشمالية للمدينة العاصمة، أمامه كانت غابة الإيلف، وخلفه وقف زويباك وعدة أناس آخرين كان جول قد كون علاقات مختلفة معهم، سواء كان الطباخ الذي علمه جول عدة وصفات لحلويات مختلفة أو حتى أناس آخرين. كانوا واقفين هناك ليودعوا جول.

مشى جول خطوة للأمام بعدما شد قبضته على حقيبة جلدية حملها على كتفه. تبع الخطوة الأولى بعدة خطوات أخرى بطيئة وثقيلة، لقد ارتبط حقا بهذا المكان على خلاف ماتوقع، لم يقم جول علاقات عميقة مع الإيلف في حياته الأولى، لذا كان الأمر جديدا عليه.

بدأ جول يدخل في جو الغابة عندما سمع ذلك الصوت المنادي خلفه.

" جوووول! سألحق بك يوما ماااا!".

كانت تورييل التي نادت والدموع ماتزال تزين عينيها.

لم يوقف جول مسيرته ولم يستدر إكتفى فقط برفع يده مودعا.

" غبي!".

همست تورييل بابتسامة بعدما مسحت دموعها.

ㅡㅡㅡㅡ

" تعال!".

كان جول حاليا واقفا أمام العربة السابقة، لم يكن في المكان غير خيلين يجران العربة وهو. لكن وقف هناك ونادى بنظرة حادة في الفراغ.

* خشخشة*.

بين بعض الأجمات خرج شخص ما، لقد كان قائد تلك المجموعة التي هاجمت النساء سابقا. كان وجهه يحمل تعبيرا معقدا بين الغضب والرعب، كان غاضبا من جول كونه صار عبدا له لكنه مرعوب منه في الآن ذاته.

سار ببطئ نحو جول ووقف بعيدا عنه بمسافة.

" ما اسمك؟".

-" إ-إسمي...هو شيرالك!".

-" من أي مملكة؟".

-" من مملكة زيوس!".

-" لما جئت هنا؟".

-" لقد أرسنا لورد المدينة الحدودية جيرغيلان للإمساك بنساء الإيلف مقابل مكافأة".

-" هل تستطيع قيادة أحصنة العربة؟".

-" ه-هاه؟ العربة؟ لما؟".

-" لقد سألتك!".

-" ن-نعم، أستطيع".

-" جيد، إستعد!، وجهتنا هي مدينة جيرغيلان!".

تحدث جول مع شيرالك كما ذكر بحوار سؤال وجواب، وعندما استفسر هذا الأخير عن سؤال جول الأخير، تلقى تلك النظرة المرعبة من جول فأجابه سريعا.

وفي الأخير عندما أمر جول لم يقم شيرالك بأدنى تأخير وجهز العربة للمغادرة، جلس في مقعد قيادة العربة وجول جلس داخلها بعدما أخرج محتواها.

ㅡㅡㅡㅡㅇ ㅡㅇ ㅡㅡㅡㅡ

إنتهى الفصل ~ ~

آمل أن يعجبكم. أعتذر على التأخير لكن إختباراتي الرسمي قد إقتربت

لا تنسوني من دعائكم الصالح بالنجاح إن شاء الله.

2020/02/19 · 712 مشاهدة · 3068 كلمة
Abir Bell
نادي الروايات - 2024