" ماذا؟! مات؟!".


ارتعب الرجل وأخفض رأسه نحو الأرض متجنبا أي اتصال بالعين مع صاحب الصرخة السابقة.


" إهدئ! ليس وكأنه كان سيعيش ليوم آخر".


توجهت نظرة الرجل المرتعب نحو صاحب الصوت الآخر وأخذ لمحة منه.


كان رجلا بدى من شحوب وجهه وذبول عينيه أنه في أواخر حياته، لكن رغم ذلك كان يبعث بهالة جعلت أي شخص عادي يجثم بسهولة دون أن يتمكن من التحرك من شدة الخوف.


شحب شعره لتقدم عمره كثيرا، لكن عينيه ذات اللون السماوي حافضتا على برودهما وحيويتهما.


كان رداؤه الأسود فضفاض يجعل أي شخص يراه يضنه عجوزا مسالما، رغم ذلك علم الرجل المرتعب أن تحت ذلك الرداء أسلحة مخفية ملطخة بدماء عدد لا يحصى من الناس.


" كيف يمكنني أن أهدأ وقد تم قتل ذلك الغبي من شخص مجهول؟! أنت تعلم أن كل ما بنيته طوال هذه السنوات سيهدم إن وجدت أي علاقة لي به، كان عليك قتله بنفس-".


لم يتمكن صاحب الصوت الأول من متابعة تأنيبه حين التقت عيناه بعيني القاتل مقابله.


لقد شعر بالموت يناديه إن استمر في الصراخ، تلك العيون الباردة جعلت روحه تهتز من الصميم. لم يشك بموته ولو لثانية إن استمر أكثر من ذلك.


لقد جلس خلف مكتبه مرتديا زيا فاخرا، لكنه صار مجعدا الآن عندما علم بمقتل لورد مدينة جيرغيلان ليلة أمس.


رغم أنه كان بالفعل يخطط لقتله بطلب أحد أقوى المغتالين في البلاد، إلا أن مجهولا قد سبقهم. والآن لا يعرفون هويته أو ما يعلمه عنهم.


راقب الرجل المرتعب ذلك من الجانب خلف القاتل العجوز الذي هدأ سيده الجالس خلف مكتبه.


كانوا حاليا في مكتب شبه مظلم، هو وسيده خلف المكتب، القاتل المقابل له و...


حرك المرؤوس عينيه ليواجه زوجان من العيون الباردة تراقب من خلفه. رجلان ملثمان يرتديان ملابسا سوداء لايمكن تمييزها غالبا من الظلام المحيط بهما.


لمعت عيناهما كما لو كانا يراقبا أدق التفاصيل والمتغيرات لحماية سيدهما العجوز.


نظرات القتلة الثلاث التي ملأت الغرفة جعلت قلب الرجل يدق بجنون كما لو أنه يريد الهرب والإفلات من جسده. وضع يده على قلبه في حين سمع الصوت البارد والهادئ لأقوى شخص في الغرفة؛ القاتل العجوز صاحب الرداء الأسود.


" إنتبه للسانك! لا تنس أنني متضرر من هاذا أيضا... على أي حال، سأحقق في ذلك جيدا وأجد من قتل ذلك الخنزير. في تلك الأثناء ... التزم بالهدوء حتى أتواصل معك مجددا!".


رغم أنه هادئ، إلا أن نية قتله الكبيرة والنظرة الدموية في عينيه جعلت الرجل الصاخب سابقا يهدأ بدون صوت كالفأر الصغير.


" ف-فهمت... سأتوخى الحذر!".


أراد أن يطالب أكثر لكن عقله وقلبه الفوضويان جعلاه يوافق بهدوء.


" إذن كما العادة! لم أكن هنا! أتمنى لك يوما سعيدا ... حضرة الماركيز!".


التفت العجوز وسار حتى مر خلف مرؤوسيه اللذان تبعا خلفه بينما يلوح نحو الماركيز.


شاهد كل من الماركيز ومرؤوسه -إختفاء الثلاثة الآخرين في الجو كالغبار- بتعابير متناقضة؛ لقد طغى الرعب والخوف وجه المرؤوس، بالمقابل غمر الغضب وعدم الرغبة وجه سيده.


" اللعنة عليه! إنه يستمر بجعلي لعبة بين يديه!".


كما اختفى القتلة الثلاثة تاركين نفخة هواء صغيرة، لعن الماركيز كما دعاه العجوز.


" س-سيدي...ماذا نفعل الآن؟".


-" مالذي قد نفعله؟ ما أن نمسك القاتل...علينا استجوابه ومعرفة مقدار معلوماته عنا!".


-" إذن...هل تضن أن وثائق التبادل والإتفاقيات قد وقعت بيده؟".


-" لنأمل فقط أن ذلك لم يحصل، وإذا حدث... سيتحتم عليه الموت!".


ارتعب المرؤوس من سماعه هذه الكلمة المخيفة تخرج من فم سيده ذو العيون الغاضبة. هو يعلم بالفعل أن ذلك ليس مجرد كلام. بالإستناد لأفعاله الماضية... فقتل أي شخص لا يمثل فائدة له شيء عادي.


لم يجرؤ حتى على تخيل مقدار معاناة المجهول الذي قتل لورد مدينة جيرغيلان، فقط اكتفى بالتزام الصمت.


لم يخطر في باله قط أن سبب معاناتهم يتجول بين أكشاك الطعام في المدينة محاولا تجربة جميع أنواع الطعام التي تقع عليها عيناه.


كان جول قد خرج لتوه من النقابة بعد أن سلم معلومات أن مهمته قد تمت، تاركا خلفه آيلا وزعيم النقابة مصدومين حتى الصميم.


في البداية لم يصدقانه وظلا يعتبرا كلامه مزحة، لكن بمجرد سماعم خبر موت اللورد من موضفة أخرى تغيرت نظرتهما نحو جول تماما.


`م-مستحيل! غير معقول! ليلة واحدة؟... لايمكن ذ-ذلك!!`


لايزال يتذكر كيف كان فيليب يمسك رأسه بين يديه وهو يتمتم لنفسه بصدمة. وبالمثل كانت آيلا ترمقه بنظرة فارغة وهي تمتم بكلمة واحدة: `مخيف!`.


خرج جول بعد استلام مكافأته وهي عملة ذهبية واحدة، بإمكانه فعلا أن يتفهم سبب صدمتهما.


في العادة تحتاج عمليات الإغتيال لتخطيط شهر على الأكثر، من تجهيزات وجمع معلومات عن الحراس ونوبات عملهم إلى خريطة للمباني ومحاولة معرفة سلوك الهدف جيدا قبل اغتياله.


ذلك ما جعل فيليب يسأله باستماتة أن هويته لم تكتشف، فإذا علموا عن كونه مغامرا وخاصة من الرتبة * أس * ستتورط معه كامل النقابة.


بعد الإعلان عن خبر موت اللورد، وقعت المدينة بأكملها في احتفالات. لكن لم يجهروا ذلك بشكل كبير على أمل أن لا يعارضوا سلطة بلادهم.


" أنا أستمر في تبذير المال وتضييع الوقت".


تمتم جول لنفسه وهو يرى مختلف أنواع الأطعمة وأسياخ اللحم التي يحملها في يديه.


في تلك اللحظة اجتاحت قشعريرة غريبة جسد جول.


في زقاق على جانبه، أدار رأسه ليلمح هرا أسودا صغيرا وهزيلا يرمقه بنظرة غريبة، في الواقع كان يرمق أسياخ اللحم في يده.


لاحظ جول اللعاب السائل على طرف فمه. لقد انتابه احساس غريب من هذا القط.


اقترب جول وقرفص نحوه، فجفل هذا الأخير واتصل بعينيه. جفل مجددا وهو ينظر لذلك البرود في عينيه، لقد شعر بنفسه نملة تقف أمام فيل. (هذا القط)


أراد الهرب لكنه لم يتمكن من التحرك، أراد أن يحرك أطرافه ويتراجع لكن أطرافه فقدت الحياة.


" همم...مثير للإهتمام!".


في تلك اللحظة سمع صوت البشري ذي العيون الرمادية الباردة، لم تعد عيناه باردة حقا لتلك الدرجة، واختفى شعوره بالصغر نحوه. فحاول تهدئة نفسه. ومجددا سمع صوته.


" لم تهرب حتى بعد أن أطلقت جزءا من هالتي!".


' أتلك هالته؟ لا! جزء منها؟!'.


فقد الهر الكلمات، لايزال يذكر هالة وقوة أقوى فرد في قبيلته؛ قبيلة القط الوحش. رغم شعوره بالقمع من رئيس قبيلته... لم يمر أبدا بهاذا الخوف الذي يجعله يرى الهاوية والظلام.


" يالها من شجاعة!".


' لا! ليست شجاعة! لم أتمكن حتى من التحرك في الواقع'.


أجابت أفكاره مجددا على كلمات البشري 'المخيف' أمامه. ثم رآه يحرك شيء أمام عينيه، لقد حرك أحد أسياخ اللحم. في تلك اللحظة تذكر ماجذبه له من البداية.


تذكر عدم تناوله شيئا طوال أيام، فخرج صوت قرقرة بطنه وسمعها جول.


" تفضل إذن، إنها مكافأة شجاعتك".


قدم جول السيخ للقط بابتسامة هادئة. لكن هذا الأخير لم يتمكن حتى من تحرك قيد أنملة وأخذ الطعام الذي يريده.


" يبدو أنك خائف، آسف لجعلك تمر بذلك، لقد كنت أفكر لذا لم انتبه".


تحدث جول مجددا للقط.


' إنه يتحدث معي كما لو كان يعلم أنني أفهمه'.


-' ما خطبي أتحدث لقط كما لو أنه يفهم حقا ما أقول؟'.


كلاهما يملكان أفكار متناقضة، القط يحملق في جول بنظرة غريبة، بينما جول يحمل نظرة هادئة على وجهه.


" هاااااه...! لابأس، خذ كل شيء فقط، ليس وكأنني سأتناولهم كلهم"


قدم جول كامل الطعام في يديه ووضعه أمام القط بعد تنهيدة طويلة تنم عن أفكاره. ثم وقف وأخرج ورقة من جيبه وتأملها قليلا.


تفاجأ القط من تصرفات البشري أمامه، ثم حول نظرته نحو الطعام المكوم أمامه، وأعاده للبشري.


" عمل المغامرة مرهق حقا، هل علي العودة مباشرة للمنزل أم أستمر بجمع المعلومات؟".


بمجرد أن همس جول بآخر كلمة، لمعت عينا القط بشكل غريب. لم يلحظ جول ذلك حيث هم في السير بعيدا.


تابع الهر ظهر جول المغطى بالسيف الكبير بنظرة معقدة، ثم عاد للطعام المليء باللحوم أمامه. بعد ثواني من التفكير جره داخل الزقاق وغادر.


كان جول يتأمل ورقة المهمة في يده وهو يتابع المسير.


بعد يومين.


كان جول يقف مقابل الزقاق كما اعتاد اطعام القط طوال اليومين الماضيين. لقد صارت عادة له أن يطعم القط.


هذه المرة لم يكن القط بمفرده. وقف على كلا جانبيه قطين أصغر متباينتين بلون الفراء الأبيض والأسود.


تجعلك تفكر بالباندا وخصوصا ببقع الفراء الأسود حول إحدى عيني كليهما. بامكان أي أحد أن يحزر أنهما توأم.


" ماهاذا؟ هل أحضرت أطفالك الآن؟".


سأل جول بتعبير مستهزئ، فعبس الهر.


" أم ربما هما شقيقيك؟".


" مييياااوو".


أطلق الهر مواءا هادئا ينم عن الموافقة.


" هذه وجبتك لليوم إذن. تذكر أن تتقاسمها مع شقيقيك!".


-" مييياااوو".


بعدما ناول جول الطعام للقطط، تابع مسيره لإنجاز مهمات إخضاع الوحوش.


تبادلت القطط النظرات وتابعت ظهر جول بنظراتهم.


لاحقا ... كان جول واقفا على غصن إحدى الأشجار العملاقة بينما يتابع خلف أحد الوحوش.


كان أورك كبيرا بطول المترين، بوجه الخنزير والجسم الكبير، كان يمسك في يده هراوة كبيرة بينما يسير ببطئ على قدميه مطلقا زخمه وهالته.


المهمة التي أخذها جول هذه المرة، كانت مهمة إخضاع عش أورك متواجدا قرب أحد القرى، تستغرق الرحلة حوالي نصف يوم بالعربة من المدينة للقرية.


لكن بفضل إحصائياته التي تجاوزت الألفين في السرعة...تمكن من الإندفاع للقرية في ساعة واحدة.


وبعد المناقشات اللازمة مع زعيم القرية دخل الغابة. وهو الآن يتابع هذا الأورك نحو مخبئه.


فجأة تحولت عينا جول الهادئة، وفتحها في فجأة. حرك كفه نحو الفراغ وأمسك عليه بعين باردة ترسل شعاعا قاتلا.


قد يبدو ذلك الإجراء غريبا، لكن في اللحظة التي استولت فيها يده على الهواء، تذبذب الفراغ حول كفه وظهر جسد متوسط الحجم وخرج من الفراغ.


" حسناً إذن! ماذا لدينا هنا؟".


قال جول بهدوء تام، رغم صوته الهادئ، إلا أن نية قتل جول قد تخطت عنان السماء.


كان يمسك رقبة صغيرة في يده، وتعود لفتى يبدو أنه لا يتجاوز الخامسة عشر من عمره، يعلو شعره الأسود الفحمي أذنا قط سوداوتان.


كان يفتح عيناه الذهبيتان بصعوبة، وانعكست الصورة الباردة للشاب أمامه في بؤبؤيه الأسطوانين. وفي أسفل ظهره كان يتلوى ذيله الأسود الكثيف.


" مالذي قد يفعله فتى نصف وحش هنا؟".


سأل جول بتعبير بارد وهو يزيد من ضغطه على رقبة الفتى في يديه.


' إنه يشعرني بالألفة نوعا ما'.


فكر جول بينما يحاول التذكر.


" دعه من يدك!".


" أفلت أخانا!".


في تلك اللحظة سمع جول صراخا قريبا. عندها خرج جسدان صغيران من الفراغ خلف الفتى القط.


" أنتما...!؟".


تفاجأ جول حقا هذه المرة بالقادمان الجدد، لقد كانا القطان المشابهان للباندا اللذان كانا مع القط الأسود في الصباح.


زمجر القطان على جول بعدما صرخا سابقا.


" هذا يعني...".


إستنتج جول حينما عادت نظرته للفتى القط يبن يديه.


" قبيلة القط الوحش...لما قد يتبعني أفراد من قبيلة التجسس والإغتيالات هنا؟"


سأل جول مجدداً وهو يزيد قبضته على رقبة الفتى.


" ما مدى المعلومات التي لديكم عني؟ من أرسلكم؟ وما هدفكم؟".


زاد مجددا من نية قتله حين سأل مرة أخرى، بدى من عيناه الباردته أنه مستعد حقا لتقطيع الفتى أمامه للحصول على أجوبة.


" لا! أفلت أخي! هو لم يفعل لك شيئا سيئا!".


" لم يفعل شيئاً سيئا! أردنا أن نتبعك فقط لنرى ما تفعل!".


صرخ التوأم مجددا وهما يذكران حججهما. لكن رغم ذلك لم يهتم بهما جول واستمر في التركيز على الفتى بين يديه.


ثم اندفع القطان من فوق الغصن الكبير عندما أدركا عدم جدوى صراخهما.


* بوووم *


لكن صدمهما حاجز شفاف ورماهما للخلف. وسقطا على الأرض أسفل الشجرة التي وقف عليها جول.


" س-...!".


' همم؟'


حاول جول تخفيف قبضته قليلا عندما انتبه على صوت الفتى القط في يديه.


" س-سيدي...!".


-" هااه؟".


-" ن-نحن...نريد...أ-أن ن-نتبعك!".


-" ماذا؟".


تعجب جول من الجملة التي تمكن الفتى بالكاد من قولها.


*بااام*


سقط الفتى القط على الأرض قرب شقيقيه بعد أن أفلته جول.


قفز جول أمامه ووقف بينما أطلق ضغطه لقمعهم.


" أشرح!".


إرتعد الثلاثة ونظروا لجول برعب قبل أن يخفضوا رؤوسهم نحو الأرض.


" ف-في أول يوم... لقد شعرت بالرعب من هالتك، لكنك تصرفت معي برفق وحتى أنك أعطيتني الطعام عندما كنت جائعا لعدة أيام-".


" كان تصرفا عفويا!".


قاطع جول ببرود فاجأ الفتى، غممت عينيه قليلا قبل ان يستمر.


" رغم ذلك، لقد انقذت حياة ثلاثتنا من الموت جوع-".


-" ما شأن هاذا بكونك تريد أن تتبعني؟".


قاطع جول مجددا الفتى الذي بادر بالإستجابة لأمر جول. أعطى لمحة لشقيقيه التوأم قبل أن يتابع.


" ف-في الواقع... في قبيلتنا نتعلم مهارات التجسس والإغتيال منذ الصغر. ولفعل ذلك علينا أن نتبع سيدا للقيام بهماتنا. في الوضع العادي نتبع زعيم القبيلة كسيد، لكن قبيلتنا تعرضت لهجوم من قبل أشخاص ملثمين".


توقف الفتى عن الحديث. لاحظ جول إهتزاز بؤبؤ عينيه واستنتج أنه كان غاضبا.


" حاول الكبار منعهم لكنهم... قتلوا!".


توقف الفتى مجددا وأخذ نفسا قبل المتابعة.


" لقد قتلوا جميعا في سبيل توفير طريق لهروبنا للنساء والأطفال، لكن صدمنا بقطاع طرق بشكل غريب في منطقة لا يفترض تواجدهم بها. رغم أن الهروب قد بدى سهلا... إلا أن لا أحد منا تمكن من استخدام مهاراته بشكل غريب".


" أخي...!".


" أخي...".


همس التوأمان بأخيهما الذي اتصل بهما بصريا بنظرة هادئة وابتسامة حزينة.


لم يبدي جول أي رد فعل. لكن في الواقع كانت أفكاره فوضوية.


' قبيلة تجسس واغتيالات لم تتمكن من الهرب؟!'.


رغم انه يعلم ان قبيلة القط تعتبر من بين الأضعف بدنيا مقارنة مع انصاف الوحوش الآخرين، إلا أنهم الأفضل فيما يتعلق بالخفة الحركة والتسلل. والهروب ليس باستثناء.


في ذلك الوقت تابع الفتى القط كلامه.


" كان الوضع غريبا بحيث لم نتمكن سوى من استعمال قدراتنا الفطرية... حثتني بقية قبيلتي باستعمال قدرتي للهروب بشقيقي".


لايزال بإمكانه استرجاع الذكريات عن كيف كانت والدته تهزه من كتفيه وتطلب منه الهرب والإعتناء بشقيقيه.


" أردت الهرب مع الجميع...لكن قوتي كانت محدودة. بعد أن هربت بأخوي عدت لأساعد البقية، لكنهم...إختفوا!".


-" إختفوا؟".


أومأ الفتى برأسه على سؤال جول بنظرة حزينة ومعقدة، ثم تابع.


" صحيح، لقد اختفوا تماما دون أي أثر من أي نوع".


-" تعويذة إنتقال عن بعد؟".


-" ليس ذلك! لقد حدثت معركة بين الجانبين وأدت لخسائر عديدة. لكن عند عودتي لم أعثر حتى على أثر لجثة ولا لقطرة دم واحدة، بدى الأمر وكأنه لم يحصل شيء كذلك!".


-" ألم تخطئ بمكان آخر؟".


-" لا يمكن! قدرتي دقيقة ولا يمكن أن أخفق في شيء بسيط كهاذا!...".


هدأ المكان للحظة عندما وضع جول يده على ذقنه مفكرا.


' لم أسمع قط بشيء كهذا'.


فكر جول محاولا تذكر الأحداث من حياته الأولى عله يجد تفسيرا لذلك. لكنه لم يفلح.

" ... متى وقع الحادث؟".


-" قبل خمس سنوات... وطوال ذلك الوقت كنت أستمر بالبحث عن تفسير ماحدث. لكني لم أجد شيئا لأني لم أعلم من أين أبدأ البحث".


-" ماهي قدرتك؟".


-" في الواقع نملك أنا وشقيقي نفس القدرة، وهي الفراغ!".


تحدث الفتى بثقة وهو يعلن عن قدرته كما الإعلانات عن المشروبات الغازية في التلفزة.


صارت أفكار جول فوضوية تماما.


' الفراغ؟! هل هذا ممكن حقا؟ أيمكن حدوث المصادفات بهذه الطريقة؟'.


كانت أفكار جول فوضوية بمجرد أن علم عن هذه القدرة.


الفراغ! لقد كانت القدرة التي كادت أن تودي بحياته الأولى من قبل.


لايزال بإمكان جول أن يتذكر أحد أقوى الأعداء من حياته الأولى؛ ملك المغتالين!.


لقد كان كالذبابة التي تحوم حول الجثث، كان يظهر فجأة في أي مكان حول آرثر (جول) بينما يهدف لحياته.


' لولا خطؤه الغبي آن ذاك لتمكن من قتلي!'.


في الوقت الذي قاتله فيه، كان يظهر نية قتله كلما استعد للهجوم، وذلك ما مكن آرثر في ذلك الوقت من التنبؤ بمكان هجومه المقبل.


' رغم أنه لقب بملك المغتالين إلا أنه كان مجرد رجل غبي'.


كاد جول أن يطلق ضحكة وهو يتذكر كيف حصل ذلك الغبي على اللقب بالصدفة عندما قتل ملك المغتالين السابق، وفي الواقع قدرته ضعيفة كانت أحدى الأسباب لذلك أيضا.


لكن أن يرغب ثلاث أفراد يملكون نفس القدرة التي كادت تقتله أن يتبعوه... تلك هي المصادفة الغريبة حقا.


' لكن... ربما تكون هذه صدفة في محلها!'.


ظهرت ابتسامة ماكرة على وجهه وهو يطلق العنان لأفكاره الخطيرة.


" هل بإمكان شقيقيك إستعمال القدرة حاليا؟".


-"ل-لقد تعلما استعمالها قبل سنتين تقريبا".


تعلثم الفتى وهو يجيب على السؤال الذي طرحه جول بتعبير شرير كما رآه.


صارت ابتسامة جول أوسع، ثم عاد لتعبيره الهادئ بينما يطرح سؤال آخر.


" لما قد تود إتباعي في هذه الحالة؟".


-" في الواقع... نحن نريد أن نعرف حقا ما حدث في ذلك الوقت، والأهم من ذلك... نريد إنقاذ عائلاتنا، وإن لم يكن... نريد الإنتقام!".


-" لما قد تضن أن بإمكاني أن أساعدك في ذلك؟".


-" لقد علمت مؤخرا أنك مغامر في الرتبة * أس *، سأطلب مساعدتك كمهمة مباشرة!".


-" والمقابل؟".


-" سأعمل تحت إمرتك حتى تحقيق هدفي!".


صارت النظرة في عيني الفتى مصممة بشكل غريب وهو يعزم قراره.


" ألم يخطر في بالك أي فكرة على إمكانية إيذائي لكم؟ خاصة لكونكم من أنصاف الوحوش؟".


أظهر الفتى ابتسامة دافئة لم تعجب جول بينما يجيب.


" بما أننا من سلالة قطط فغريزتنا قوية بما يتعلق بالناس، أنا واثق أنك لم تكترث حتى لنوعنا أو تفكر بأذيتنا".


-" ذلك بالنسبة لك فقط!".


-" همم؟".


تحول تعبير جول من الهدوء للبرود وهو يتابع.


" البشر لا يملكون مثل هذه الغريزة كما تعلم!".


تراجع الثلاثة في رعب من إجراء جول التالي. لقد عاد جول لرفع ضغطه وهالته وحتى نية قتله، عيناه الباردتان أشعت بضوء قاتل بينما يحدق بقوة في الثلاثة.


" لا يمكنني تصديق كلامك وقصتك بهذه السهولة!... كيف يمكنني إذن الثقة بكونك مخلصا حقا؟ ألست جاسوسا أو مغتالا أرسل لقتلي؟!".


تحدث جول بصراحة عما يجول في خلده. في تلك اللحظة.


* بام*


ضرب الفتى ذو الشعر الأسود قبضته على الأرض حينما جلس على ركبة واحدة. أخفض رأسه بينما بدأ بالصراخ.


" أتعهد لك أنني سأتبع أوامرك مهما كانت في مقابل مساعدتك لي على إنجاز طلبي!".


* بام . بام*!


* "ونحن أيضا!".


قام التوأم بعد تحولهما للشكل البشري بنفس الفعل. لقد كانا فعلا توأم؛ فتى وفتاة بعمر ال12 تقريبا، وبخلاف شقيقهما الأكبر، كان شعرهما متباينا بين الأبيض والأسود.


إبتسم جول بينما يتأمل المنظر أمامه. لقد عقد أمره فيما يتعلق بما عليه فعله في المستقبل.


" لكن عليكم معرفة أن المهمة لن تتم بسرعة".


-" حتى لو استغرقنا قرونا من الزمن لن نهتم!".


ابتسم جول مجددا وهو يتلقى هاذا الرد القوى من الأخ الأكبر.


فحص جول مستوياتهم ليجد أن الأخ الأكبر في المستوى ال60 بينما التوأم في ال49 .


' من المدهش حقا كيف لم أتمكن من اكتشافهم بسرعة!'.


فكر جول بينما يسترجع ذلك الوقت، لولم يقتربوا منه لتلك الدرجة لما اكتشفهم. وذلك على الرغم من أن مستواه أعلى عدة مرات.


" في تلك الحالة...".


قال جول بهدوء بعدما رفع ضغطه وخفف من هالته ونية قتله.


رفع الإخوة رؤوسهم ناحيته بينما يواصل حديثه بطريقة هادئة.


" جهزوا أنفسكم...".


ابتسم بهدوء قيل ان يواصل.


" ...للتدريب الجحيمي!".


بمجرد أن قال ذلك، إرتعش الثلاثة وهم يجدون أن ابتسامة جول الهادئة...ابتسامة مرعبة حتى بالنسبة للأشرار.


لم يجد ملك المغتالين سابقا إستعمال قدرته بشكل جيد، لكن هذه المرة عزم جول على تدريب الإخوة بشكل ممتاز لأجل أداء متطور.


' سأجعلهم فرقة التجسس خاصتي حتى يحين موعد تنفيذ طلبهم!'.


" هههههه...".


أطلق جول ضحكة مكتومة وهو يضع يده على ذقنه مفكرا.


فقط التفكير بذلك يجعله لا يطيق صبرا حتى إكتشاف كل الخيوط حول حقيقة الأوضاع في هذه البلاد.


' فجأة...شعرت أن قراري كان سيئا...!'.


' مخيف!'.


' مرعب!'.


فكر الأكبر بوجه مرعوب، وتبعه تفكير أخويه.


...


" بالمناسبة...ثلاثتكم!...ماهي أسماؤكم؟".


قال جول فجأة عندما عاد الهدوء لوجهه.


" في الواقع تلك مهمة السيد!".


-" السيد؟".


-" رجاءا إمنحنا أسماءا كما تراها مناسبة!".


عاد الثلاثة لوضعية الإحترام بينما يطلبون من جول.


" في تلك الحالة..."


أشار جول للأخ الأكبر كما قال، ثم للتوأم؛ الفتى والفتاة.


" ستكون 'ألفا'...وأنت 'أوميغا'... أما عنكي ف'بيتا' ...!".[1]


نظر التوأم لبعضهم البعض في حين حملق الأكبر -أو ألفا- في جول. ثم ابتسم ثلاثتهم وقالوا في صوت صارخ واحد.


*" كما تأمر سيدي!".


ابتسم جول قبل أن يهم في السير


" جيد...لنبدأ إذن!".


* شاااا...شااا شااا شااا*


قفز جول نحو الشجرة وتبع خلفه الإخوة.


عليه أن يتأكد من مهاراتهم وقدراتهم قبل كل شيء، لذا في مهمة نقابته سيكون المراقب هذه المرة، في حين يتولى الثلاثة كل شيء حتى يدربهم كما اللازم.


ㅡㅡㅡㅡㅡㅡㅠㅅ ㅠㅡㅡㅡㅡㅡㅡ


فييييووووووه.


كانت فترة طويييلة.


بلنسبة لأسماء الإخوة...قد يلاحظ بعضكم أنها مقلدة؛ لقد اقتبستها من مانجا لأجل الحبكة الجيدة، كما أنه من الصعب حقا التفكير بأسماء مناسبة لفرقة تجسس واغتيالات.


سووو... فقط من أجل المصداقية وحتى لا أتهم بالتقليد والسرقة والتزوير.

كنت اريد نشر دفعة فصول كتعويض عن التأخير لكن الكسل غلبني خاصة بعد نهاية الاختبارات

غومينا ساااااي


شكرا مقدما على التعليقات ولا تنسوا الدعاء بالنجاح لي كما أدعوا لكم .


في أمان الله.


thank's


2020/09/20 · 297 مشاهدة · 3165 كلمة
Abir Bell
نادي الروايات - 2024