الشيء الغريب.

~بعد خمس سنوات~

في وسط رواق طويل، سارت فتاة شابة ذات شعر بني كعينيها، بملابس خادمة سوداء، سارت الخادمة بثبات بينما تحمل بين يديها صينية إحتوت على كوب شاي صغير فارغ بجانبه إبريق، وبالقرب منهما وضع طبق متوسط نسبيا وعليه حلوى البودينغ مزينة بحبات توت بري في الأعلى وفواكه مختلفة أخرى على الجوانب.

سارت الخادمة بثبات إلى أن وصلت أمام باب خشبي مزركش وكبير، توقفت الخادمة لترفع يدها وتطرق هذا الباب.

"أدخلي".

فجأة صدر صوت طفولي قليلا خلف الباب قبل أن تلمسه يد الخادمة، فتحت الخادمة فمها قليلا بتفاجؤ، لكن على الفور حل محلها إبتسامة خفيفة، فتحت الباب بهدوء، وخلفه قبعت العديد من أكوام الكتب المكدسة بجانب رفوف المكتبة الكبيرة، كانت هذه هي مكتبة هذا القصر.

تقدمت الخادمة نحو طاولة كبيرة معظمها مغطى بالكتب المكدسة، وضعت الصينية على الطاولة، ثم أمسكت إبريق الشاي وبدأت تسكب منه في الفنجان بينما تتحدث.

" سيدي الشاب، لقد أحضرت لك الشاي وحلوى البودينغ التي تحبها".

"آه! شكرا لك صوفي".

قال الصوت السابق بهدوء، فجأة خلف أحد الأكوام القريبة من الطاولة خرج جسد صغير. فتى صغير بدا في عمر الخامسة، إرتدى ملابس نبلاء سوداء على خلاف لون شعره الأبيض، مع بعض الخصلات الحمراء عليه كلون إحدى عينيه؛ إحداها حمراء كلون الدم الفاقع الجميل والثانية خضراء كلون العشب النظر. مشى الفتى بهدوء بينما يتصفح كتابا ضخما. هذا الفتى كان هو 'جول'، أو 'جوليان فون فيلدمينت'.

"سيدي الصغير، أليس الكتاب ثقيلا قليلا عليك؟ هل تريد مني حمله لك؟".

قالت صوفي بعدما إنحت قليلا كعلامة إحترام.

"آه! لا عليك كل شيء على مايرام، بالإضافة هو خفيف للغاية".

قال جول بإبتسامة بينما يلعب بالكتاب وهو يديره على أحد رؤوسه بسبابته وبمهارة، إبتسمت صوفي الخادمة بهدوء وهي تتأمل جول الذي تقدم نحو أحد الكراسي وجلس عليها، وضع جول الكتاب جانبا حينما ناولته صوفي الشاي فشرب منه رشفة رشفة، ثم قدمت له البودينغ، قطع جول منه قطعة بالملعقة وتناولها بطريقة الأطفال ثم صار يتلذذ بها.

"سيدي الصغير، لقد طلب مني السيد والسيدة أن أخبرك أنهما يطلبان منك الحضور لاحقا عند وقت الغذاء".

قالت صوفي بابتسامة هادئة وهي تراقب جول يتلذذ بالبودينغ ككل مرة عندما يتناولها، وهي تفكر كيف أن سيدها الشاب يظهر أحيانا علامات تدل على أنه رجل حكيم عاش العديد من السنين وأحيانا أخرى يتصرف كأي ولد في عمره.

"هم! بالتأكيد، شكرا لك صوفي".

أومأ جول وهو يمسح فمه بمنديل بعد أن أنهى الحلوى كاملة.

"إذن، أستأذنك بالإنصراف الآن سيدي الصغير".

"هم!".

قالت صوفي من جديد بعدما حملت الصينية وهي تتجه صوب الباب، لكن في ذلك الوقت جول كان قد وضع الكتاب سابقا أمامه وبدأ في تصفحه، لذا أومأ فقط بينما تظهر على وجهه تعابير جادة، إبتسمت صوفي قليلا؛ هي تعلم بالفعل أن سيدها الصغير هذا ينسى الوجود تماما عندما يتعلق الأمر بالكتب، لولا حلوى البودينغ التي يتناولها كل فترة لنسي حاله تماما ولمات جوعا بسبب أنه قد يصل به الأمر دون تناول الغداء أو العشاء، خرجت الخادمة وجول إستمر في قراءة الكتاب بإهتمام.

'آه وأخيرا وجدت الكتاب المقصود، بأمكاني أن أعرف الآن كم مر من الزمن منذ نهاية حياتي الأولى وأعرف ما كتب عني التاريخ'.

قال جول في خاطره، لمعت عيناه فجأة وهو يقرأ تلك المعلومات.

"لقد مات أقوى رجل في العالم وجالب السلام للأمم الخمسة والملقب بالملك آرثر في ضروف غامضة قبل مائتي سنة وكل تراثه وأمجاده إختفت معه ومنذ ذلك الحين كتب التاريخ عنه كالملك الأسطوري. بعد إختفائه سقط البشر في الفوضى فظهر أصدقاء الملك الأسطوري ولقبوا بالأبطال السبعة جالبين النضام بعدما تفرقو حول ممالك البشر الستة، تزوج البطل روي من البطلة لونا وعاشا في خفاء في مملكة بلاكستون، البطل فرناند عاش في مملكة بورغو في خفاء حتى مات فيها، والبقية كل في مملكة ولكن لايزالون على قيد الحياة".

قال جول بهدوء وهو يقرأ الكلام السابق من أحد الكتب القديمة.

"ههههه هاكذا هو الأمر إذن؟ أتمنى لو أنني ارى وجوههم جميعا إذا علموا أنني قد ولدت من جديد!"

قال جول بابتسامة ماكرة قليلا.

"أيها الحكيم هل المعلومات المذكورة في الكتاب صحيحة ؟".

قال جول فجأة بينما ينظر في الفراغ، ودون أي انتظار رن صوت الإشارات ، لكن هذه المرة لم تظهر نافذة كما العادة، بدلا من ذلك تحدث صوت امرأة في عقل جول.

[حسب تأريخ الكتاب ونظرا لمصداقية طبعته فإن المعلومات المذكورة صحيحة بنسبة ثمانين في المائة].

قال الصوت الأنثوي؛ في الواقع ^الحكيم^ مهارة اكتسبها جول قبل أيام بينما يقرأ كتابا، وهي مهارة تمكن من معرفة جواب أي سؤال مالم يتخطى الواقع ، بكلمة أخرى كان كما الأنترنت في حياة جول الثانية.

"هممم؟ ثمانين بالمائة إذن!"

قال جول بتعابير المفكر ثم على الفور أبعد الكتاب من أمامه وتمدد ثم قال بينما وقف واتجه نحو الباب.

"لا بأس أنهيت بحثي، الآن يجب علي مصارحة الأمر مع أمي"

دلك جول طرف رأسه الأيمن وهو يفتح الباب ثم يغلقه بعد أن خرج من المكتبة.

بعد مدة كان واقفا أمام باب غرفة أخرى ، فطرق عليه بثبات ثم دفعه ودخل إلى الغرفة.

في الداخل جلست أربعة كيانات مختلفة حول طاولة مستطيلة كبيرة، على رأس الطاولة جلس رجل تجاوز الخمسين من عمره لكن علامات الشباب ماتزال بادية عليه، بوجهه المعتدل الوسيم وعينيه الخضراء التي تنبعث منها الحياة قال بوضوح أن الحياة ماتزال أمامه، ارتدى ملابس فخمة دلت على أنه نبيل ذو مقام عالي، كان هذا والد جول *ماركوس تشامبور فون فيلدمينت*. مقابله من الطاولة جلس كيان آخر جماله تعدى المفهوم البشري عن الجمال، سيدة شابة جميلة بشعرها الحريري الأسود كالفحم وعيناها الحمراوتان النادرتان بلون الدماء، قسائم وجهها الجميلة وشفتاها الصغيرتان الورديتان، رشاقة جسدها الذي بمثل رشاقة شابة في العشرين وفستانها الأحمر الجميل المتناسب مع عينيها، قالت وبكل ثقة ووضوح أنها أجمل نساء العالم، هذه السبدة التي عمرها حوالي الأربعين ولكن مظهرها يقول أن عمرها عشرون هي والدة جول *كاتيانا فيلدمينت*.

في الجانب الأيمن للطاولة جلست فتاة جميلة المظهر رغم أنها ماتزال صغيرة إلا أن أناقتها وهي تشرب من الفنجان وتعابير وجهها الجميلة قالت بوضوح أنها أبنة أمها، فتاة جميلة في الثانية عشر من عمرها بشعر أصفر مجعد وعيون خضراء جميلة، ارتدت فستانا ورديا مزركشا بشرائط خضراء وصفراء تناسبت مع عينيها وشعرها.

"جول! أخي الصغير!"

قالت الفتاة فجأة وهي تقف من الكرسي و تتجه نحو جول، كانت هي أخت جول *جوانا فون فيلدمينت*.

إحتضنت جوانا جوليان بقوة وصارت تدلك خدها بوجهه بينما تقول بتعابير مظلومة.

" ياإلهي! جول، أتعلم كم اشتقت إليك؟ منذ عودتي إلى الأكاديمية قبل أشهر وأنا أفكر فيك كل ليلة؛ مالذي يفعله؟ هل يتناول طعامه بانتظام؟ هل مايزال يطالع في المكتبة؟ هل يحتاجني لأدربه على استخدام السحر؟... هل تعلم كم كنت دائمة التفكير بك؟ وعندما عدت أخيرا أجدك في المكتبة لا ترغب برؤية أختك؟، ها؟! ها؟! هااا؟"

نظر جول لها بنظرة استسلام بينما تقول كل ماسبق في نفس واحد.

'يالها من فتاة قوية! قالت كل هذا بنفس واحد! نوعا ما تبدو لي كفتاة واقعة في حب محرم، عليك أن تعرفي أن سبب عدم رغبتي برؤيتك هو هذا، ويل! أخي الحبيب أنقذني!'

قال جول في خاطره معلقا على كل ماقالته جوانا، وفي الأخير نادى بينما ينظر إلى شاب وسيم يتقدم نحوهما، الشاب بدا في الخامسة عشر من عمره، أرتدى ملابس رسمية فخمة وضع يده على شعره الأسود الفحمي وأبعد الخصلات المنسدلة على عينيه الخضراوتان كعيني أخته ووالده بينما ينظر إلى الكتاب بين يديه، كان هاذا هو أخ جول الأكبر *ويليام فون فيلدمينت*

"حسنا جوانا، هذا يكفي دعي جول يتنفس"

قال ويليام بينما يتابع قراءته للكتاب.

"ويل أيها المزعج! لا تتدخل فيما أفعله فأنت لا تعلم كم أعاني كل يوم بعيدا عن جول حبيبي"

ردت جوانا بسرعة وبغضب

"جوانا أنت فتاة نبيلة لايجب أن تحدثي أخاك الأكبر بهذه الطريقة"

فجأة تحدثت كاتيانا وهي تأخذ رشفة من الشاي بهدوء

"هيييه؟! أمي أنت دائما تقفين بصفه"

"همم؟!"

فتحت كاتيانا إحدى عينيها الحمراوتان قليلا والفنجان في فمها.

" جوانا، هل أسمع تذمرا؟".

قالت كاتيانا بطريقة مرعبة وأشعة حمراء تنبعث عن عينها إرتعد على إثرها جميع من في الغرفة من الخدم حتى ماركوس، فتحدث هذا الأخير محاولا تغيير الجو.

"ل-لابأس جوانا بإمكانك اللعب مع جول لاحقا، الآن إجلسوا على الطاولة لنتاول الغداء"

"حاضرة"

قالت جوانا باستسلام وعادت لمقعدها، بينما وقف ويليام وجول بالقرب من بعضهما يتأملا جوانا، ثم نظر الإثنان لبعضهما وابتسما إبتسامة أخبرت عن كل شيء.

"أخي الأكبر!"

"جول!"

نادى كل منهما الآخر بينما ضربا قبضتهما بهدوء، ثم توجه الإثنان نحو مقعدهما وجلسا بجانب بعضهما في الجهة المقابلة لمكان الجوانا الحزينة، فأشار ماركوس على الخدم أن يحضروا الطعام.

~ أثناء تناول الطعام جرت محادثات بين أطراف العائلة، فتحدث الجميع عما يشغل بالهم كأي عائلة طبيعية.

"صحيح! ويل لم تخبرني عن أحوالك في الأكاديمية".

سأل ماركوس فجأة ويليام فقطع حديثه هو وجول.

"أه!... الأمور ممتازة أبي، أنا أحرز درجات عالية في جميع المواد، وإن شاء الله سأصير في المرحلة الإعدادية الشهر القادم"

"هاهاهاهاها...! هذا ممتاز! كما هو متوقع من ولدي، ماذا عنك ياجوانا كيف أحوال دراستك بما أن هذه سنتك الثانية في الأكادمية؟"

"هم؟ آه!... هههههههه...! كيف ستكون؟ بالتأكيد أنا أعتبر الأفضل بينهم جميعا في مواد السحر"

قالت جوانا بطريقة فخورة بعد أن سألها والدها.

"في مواد السحر؟ ماذا عن بقية المواد؟"

فجأة تحدثت كاتيانا كأنما اكتشفت تلاعب ابنتها بالألفاض، فترددت هذه الأخيرة وصارت تمتم بينها وبين نفسها بينما تلعب بأصابعها.

" سنتحدث عن هاذا لاحقا"

قالت كاتيانا بطريقة المترصد.

"هيه؟ لا أمي أرجوك! أنا أعدك أنني سأدرس أكثر، أرجوك!"

خافت جوانا وصارت تحاول تهدئة والدتها فهي تعلم علم اليقين أن والدتها لاتمزح في هاذا الشأن.

تعالت الضحكات بين أطراف العائلة والكل يضحك على تصرفات جوانا الشقية، ضحك جول معهم أيضا، شعر بالأمان والدفء، لم يكن يدرك أن العائلة التي جربها أول مرة من مئات السنين ستغير في قلبه بعد أن كان خالي من الإحساس.

طأطأ رأسه وصار ينظر في طبق الطعام أمامه بنوع من الحزن، شعر بأن كل تلك السنوات التي عاشها في كلتا حياتيه كانت دون معنى.

' لا أصدق! تلك القرون العديدة ضاعت هباءا، لاأصدق أن كلتا حياتي السابقتان كانتا دون معنى '.

تحدث جول في خاطره بنوع من الأسى، فجأة لمست يده اليمنى الممسكة بالشوكة يد ناعمة ودافئة، كانت يد والدته -كاتيانا-، فرفع عيناه نحوها فوجدها تبتسم له بدفء.

"جول، صغيري! هل أنت بخير؟ لما نظرات الحزن هذه؟"

قالت له كاتينا بنبرة قلقة، فرد جول ابتسامتها بأخرى لطيفة للغاية حتى بدت كأن الزهور تزهر خلفه والضوء ينبثق عن ابتسامته بينما يقول:

"لا تقلقي أمي! أنا بخير"

فجأة شعرت كاتيانا كما لو أن سهما يخترق قلبها، فتراجعت بنوع من الصدمة وهي تضع يدها على فمها.

تعجب جول من تصرف أمه، ثم أدار رأسه ليسأل والده فتفاجأ من تصرفهم بنفس الطريقة؛ والده وشقيقه يضعون كفوفهم على قلوبهم، بينما جوانا سقطت على الطاولة كأنها قد أغمي عليها.

"م-مالأمر جميعا لما تتصرفون بهذه الطريقة؟!"

تساءل جول عما يفعلونه، فتحدثت والدته بنوع من المرض والصدمة، تلاها بقية العائلة:

"م-ماركوس! يبدو...أنني سأموت مبكرا!!"

"ربما...لن...أشهد على ذلك!" . قال ماركوس بنفس الوضعية والطريقة ردا على زوجته.

"أ-أبي، أشعر...أني مريض، وجوانا أغمي عليها!". قال ويليام ثم أشار ﻷخته المغمى عليها فوق الطاولة.

" مابكم جميعا؟ لما تتصرفون هكذا؟"

تساءل جول مجددا بقلق، فجأة وضع ويليام يده على كتف جول وقال:

" جول! لا تفعل هذا فجأة! إتفقنا أخي؟"

" هيه؟! أخي ويل! أنفك ينزف هل أنت بخير؟"

صرخ جول بقلق وخوف كبيرين حينما رأى ويليام ينزف من أنفه وهو يرفع رأسه، ويقول لجول ^إتفقنا؟^ بإبهامه.

"جول! أصغي لما يقوله أخاك!".

قال ماركوس بنفس الوجه وأنفه ينزف.

"أبي أيضا؟، مالأمر؟"

تساءل جول بعدما تحدث ماركوس بابتسامة لاتلائم موقفه.

" جول! لا أصدق أنك تريد منا الموت سريعا!"

"أمي؟!، جديا! ما خطبكم؟"

*"لطافتك ستقتلنا!!"

صرخ الجميع في وقت واحد على جول بعدما تساءل سابقا وهم يمسحون نزيف أنوفهم.

" هيه؟! ل-لطافتي؟ أه... ل-لقد فهمت، أ-أنا آسف... جميعا!"

قال جول بتردد وصدمة لا يفهم الأمر، ثم فهمه لاحقا عندما تذكر طريقة تصرفهم بعدما ابتسم لوالدته فاعتذر منهم.

" آااه! ياولدي ألا تدرك ما الناتج من مزج الجمال والوسامة؟ اللطافة المطلقة بالتأكيد"

" قال ماركوس فجأة بينما يشير لنفسه وكاتيانا التي ابتسمت بخفة، لقد أدركت تماما ما أراد قوله، ماركوس وبكل وضوح غازل زوجته أمام أولاده.

ضرب ويليام جبهته بكفه دون حيلة، فهو يعلم تمام العلم أن ما أن يبدأ والداه بهاذا النوع من الحديث فلن يتوقفا هنا أبدا.

"أتعلمون؟ سأذهب لأخذ جوانا إلى غرفتها فجرعة اللطافة الكبيرة سابقا لم تتمكن من تحملها".

قال ويليام فجأة بينما يتجه نحو أخته الصغيرة ليحملها بين يديه والدماء التي نزفتها من أنفها قد لطخت معظم وجهها.

'لا! أخي ويل! لاتتركني معهما!'

صرخ جول في خاطره طالبا المساعدة من ويليام بينما يرفع يديه نحوه مستنجدا.

'آسف أخي الصغير! هذا عقابك على ما فعلته معنا سابقا، أعانك الله!'

رد ويليام في خاطره رافعا إبهامه لجول بينما يتراجع حاملا أخته ويخرج من الباب بينما يقول في خاطره ^أعانك الله!^.

'لا أخي! أنا لن أعيد فعلتي مجددا أرجوك، لاااا!'

ومجددا صرخ جول على ويليام لكن هذا الأخير قد خرج من الغرفة بتعبير متأسف على حال جول.

"أووه! إذن أنت تراني جميلة؟"

"هاهاهاها... بتأكيد! هل تضنين وسيما مثلي قد يقبل بغير الجميلات؟"

بدأ الزوجان التغازل من جديد لايعيران اهتماما لوجود جول الجالس بينهم بتعبير خجول، لم يجد مخرجا من هذه الورطة.

'يجب أن أجد حلا! ... صحيح تذكرت!!'

فكر جول، ثم فجأة تذكر كمن قد ضرب البرق رأسه وقاطع الوالدان.

" القرون!!!"

صرخ جول فجأة ليوقف الإثنان الآخران عن الحديث، فتساءلا لا يفهمان شيئا مما قال جول.

*"ماذا؟"

" القرون! أمي أريد أن أسألك عن القرون"

"بالتأكيد تفضل إسأل"

ردت كاتيانا لا تفهم شيئا.

"لقد قرأت في أحد الكتب عن الأجناس المختلفة، يتميز الأقزام بقصر طولهم ولحاهم، الإيلف معروفون بجمالهم الأخاذ وأذانهم الطويلة وعيونهم الخضراء كالعشب، البشر لهم العديد من الميزات، وأيضا... الشياطين يتميزون بقرونهم و... عيونهم الحمراء"

قال جول بينما يشرح بيديه وفي الأخير قال بنوع من التردد، تفاجأ كلا من كاتيانا وماركوس بينما يسمعون ما يقوله جول.

"أبي وسيم وطويل، وعيناه خضراء، أمي جميلة وعيناها حمراء، إذن ألا يعني هذا أنكما لستما بشريين؟".

أردف جول مترددا، فنظر الزوجان إلى بعضهما متفاجأين، ثم إبتسما باستسلام، فقالت كاتيانا:

"يبدو أننا لا نستطيع اخفاء أمر كهذا أمام ولدنا الذكي، صحيح ماركوس؟"

"بالتأكيد! إبن من تضنينه؟"

قال ماركوس بثقة بينما يضرب صدره بقبضته بفخر.

"ياللهول! يالك من نرجسي! حسنا، جول... لا تخف ولا تقلق بهاذا الشأن، نحن لسنا بشريين، لكننا لسنا وحوشا، والدك نصف بشري ونصف إيلف، أما أنا فشيطانة، لكن رغم ذلك مازلنا عائلة، صحيح؟".

قالت كاتيانا واصفتا ماركوس، ثم تحدثت لجول وصارحته بكل شيء.

"إذن ماذا عنا؟". تساءل جول.

"لا تقلق لن تكونوا شياطين، نوعكم كوالدكم".

حاولت كاتينا تهدئة ولدها بعدما عرف بهذه الحقيقة، لكن جول أردف كلامه بينما يضع كفه على رأسه.

" أنا لا أضن أن الأمر سيان بالنسبة لي، أعني... أنظرا إلى عيني؛ واحدة خضراء كعينا والدي، والأخرى حمراء كعيني والدتي، وفوق كل هذا... هنا! لدي قرنان!".

تفاجأ الوالدان من كلام جول حول عينيه، ولكن صدما تماما وهما يريان ذلك الشيء الأسود البارز من طرف رأس جول.

شيء صغير أسود كالفحم بارزا من الجانب الأيمن لرأس جول حيث أبعد خصلات شعره، ثم رفع يده الأخرى وأبعد بها شعره من الجانب الأيمن.

"م-مستحيل! هذه... قرون! هذه قرون حقا!"

"ماذا؟ كاتيانا هل أنت واثقة من كلامك؟ قرون؟"

قال ماركوس بعدما سمع تصريح كاتيانا وهي تقف مصدومة تتفحص رأس جول، راحت تبعد خصلات شعره وتعيدها، تتلمس رأسه وخاصة تلك اﻷشياء السوداء واحدة تلو الأخرى. وقف ماركوس هو الآخر وصار يفحص رأس جول.

"هاذا مستحيل! ألهاذا السبب اختلف لونا عينيك؟ أليس نوعك مثل ماركوس؟"

"يفترض بالهجنين بين شيطان وجنس آخر أن لايوجدوا، فالتناقض بين نور باقي الأجناس وظلام الشياطين يخلق دوامة وقوة كبيرة لا نظير لها، وبالتالي فإن حدوث هاذا للكائن الحي سيجعله ينفجر! إذن كيف حدث هاذا؟"

تساءل ماركوس بعدما سمع مصادقة زوجته حول نوع جول.

" أبي، أنا أملك مهارة تمكنني من معرفة مثل هذه الحالات، وأنا واثق من كوني نصف شيطان، ربع بشري وربع إيلف"

تحدث جول.

" مهارة؟ هاذا مستحيل لايمكنك هاذا؟"

صرخ ماركوس على جول بينما يهزه من كتفيه.

"ل-لما؟"

"أي إنسان عادي لايستطيع إيقاض سحره إلا في عمر العاشرة، والطفل العبقري يستطيع فعل ذلك في الثامنة أوأكثرفما بالك باكتساب المهارات والتي تعتبر نادرة، ياولد! لا تكذب على والدك!"

شرح ماركوس لجول، ثم وبخه ضنا منه أن جول يكذب.

"أبي! أنا لا أكذب، إن لم تصدقني سوف أثبت لك ذلك!"

صرخ جول على والده بقوة فتفاجأ الإثنان -كاتيانا وماركوس- من إصرار ابنهما الذي وقف من مكانه بسرعة وركض نحو النافذة، فتحها ثم فجأة رفع يديه نحو السماء المشرقة وأدار وجهه ناحية والديه المحتاران وصرخ.

"سأثبت لكما أني لا أكذب وسأجعلها تمطر بالسحر!".

قال جول ثم أعاد وجهه للسماء، فجأة بضع نقاط مضيئة صارت تحوم حول يديه بانتضام، فتح جول عينيه بقوة مركزا فانطلقت تلك النقاط المضيئة بسرعة إلى أعالي السماء حتى لم يعد من الممكن رؤيتها، لم يستمر إنتظار الوالدين كثيرا حتى تلبدت الغيوم السوداء حيث إختفت النقاط المضيئة سابقا، وسريعا غطت السماء تماما حتى لم يعد من الممكن رؤية أشعة الشمس.

" ه-هاذا-هاذا مستحيل!!"

صرخ ماركوس بدهشة وهو يسمع هدير الرعد الذي تلاه قطرات خفيفة من المطر ثم صارت كثيرة وقوية حتى صار عاصفة كبيرة.

وفي الخارج والناس لا يفهمون شيئا مما يجري -تحول الجو فجأة من مشمس ودافئ إلى عاصفة ممطرة وباردة- صاروا يركضون في كل الإتجاهات هربا من المطر. وقف بينهم كيان لرجل يرتدي قلنسوة سوداء من رأسه حتى أخمص قدميه، رفع الرجل رأسه للسماء الممطرة وتأملها بعين حمراء قاسية.

"مثل هذه القوة!..."

همس الرجل ذو الملامح المبهمة بدهشة، وفجأة إختفى من مكانه -كأنه لم يكن موجودا- تاركا خلفه إبتسامة قاسية.

وبالعودة لقصر الدوق وقف جول قرب النافذة في مكانه السابق مغمضا عينيه ووجهه للسماء، ترك قطرات المطر تنهمر على وجهه، شعر جول بالراحة كأنما المطر يغسل همومه.

إستمر على تلك الحال فترة من الزمن، ثم رفع يديه للسماء، ومباشرة إختفت الغيوم بسرعة وعادت أشعة الشمس ولون السماء الصافي ليظهر بعد المطر قوس مطر جميل مجسدا لعبارة 'هدوء ما بعد العاصفة'.

بعدما عاد الجو الجميل، تراجع جول قليلا وأغلق خلفه النافذة، أدار وجهه نحو والديه بضحكة جميلة وهو يقول: " أرأيت؟".

توقع جول ردة فعل متفاجئة من والديه، لكن ما أن أدار وجهه حتى وجد وجه والدته متجمدا من الصدمة، واقفة دون حراك وكفها على فمها حتى ضاق بؤبؤاها من شدة صدمتها. بينما والد جول لم تستطع ركبتيه تحمله فارتعدتا قليلا ومع *بوف* سقط جالسا بنفس تعابير وجه كاتيانا المصدومة.

"م-م-مستحيل!... ج-جول! ... أنت...فعلت هذا؟"

"أبي؟"

سأل جول قلقا على ردة فعل والده الذي كان يتحدث بتردد مبالغ فيه.

"ج-جول!... فعل...، جول؟...جول! جول صغيري! جول! هل أنت بخير؟... ياللهول! أنت لم تصب بأذى، صحيح؟"

قالت كاتيانا بصدمة في البداية، ثم عندما أدركت أن لابنها جول علاقة في الأمر، صرخت بخوف وسارعت نحوه لاتكاد تقوى على الحراك، أمسكته بسرعة على وجهه المبلل وهي تتفحصه ضنا منها أنه قد أصيب بسوء.

فجأة فتح الباب بقوة دخل منه ويليام وجوانا وخلفهما العديد من الجنود وفي أيديهم السيوف والرماح والدروع.

"أبي! أمي! جول-! ".

صرخ ويليام بينما الجنود يركضون في الغرفة ويحوطونها ولكنه سكت فجأة وهو يرى المنظر البادي أمامهم

تجمدت كاتيانا وجول الذي بين يديها وهم يرون ويليام والجنود يدخلون بقوة. ركض جنديان نحو ماركوس الساقط على الأرض وراحا يحاولان رفعه، وقف ماركوس بصعوبة والصدمة لازالت تعتلي وجهه، حين أدرك الوضع أمامه إستجمع قوته وركض هو الآخر نحو جول وأمسكه من كتفيه بقوة وراح يفحصه كما فعلت كاتيانا.

" جول! هل أنت بخير؟ لم تصب بأذى صحيح؟"

"أبي، جديا! كيف يصاب مستخدم السحر من سحره؟، مالم يخطئ بالتأكيد"

قال جول محاولا تهدئة والديه.

"هاااه! لحسن الحظ لم تصب!، لكن سحر بقوة كهذه! وفوق كل هذا دون ترتيل!... جول! أنت لست بشريا ولا أي جنس آخر بالتأكيد، كيف فعلت هذا بحق الجحيم؟"

تساءل ماركوس بعدما هدأ وتنفس الصعداء.

"هاه؟ مالذي تعنيه بقوة كهذه؟"

"آه! في الواقع لايمكن للإنسان العادي مالم يكن ضليعا في السحر، وخاصة طفل إستدعاء عاصفة بهذه القوة ودون ترتيل"

"إذن أنت تعني أنه حتى أنت أو أمي لايمكنكما فعلها؟"

"أجل، في الواقع حتى إن حاولت لن أستطيع إستدعاء عاصفة بمثل هذه القوة، وفوق هذا لو أخطأت في حرف واحد من الترتيلة فلن أتمكن من استدعائها أبدا".

"إذن فما فعلته للتو كان..."

هذا صحيح، كان إعجازيا بمعنى الكلمة".

"فهمت!".

وضع جول يده على ذقنه مفكرا بعدما شرح له والده كل ماسأل عنه حول السحر.

' باعتبار أن هذه المملكة تصنف ضمن أقوى ممالك البشر، وحسب ماقاله لي والدي الآن فإن مستوى السحر قد تدنى بشكل كبير. أيها الحكيم! مامستوى السحر اليوم مقارنة به قبل مائتي سنة؟'

فكر جول في خاطره ثم سأل مهارة الحكيم، رن بعد سؤاله صوت الإشعارات كما في السابق لتتحدث المرأة ببرود في عقله من جديد.

[بعد مرور مائتي سنة فإن مستوى السحر قد تدنى بشكل كبير وذلك راجع إلى سواد السلام في العالم. فبعد حلوله لم يحدث إتصال كبير بين مختلف الأجناس، وهذا لم يولد أي تنافس من أجل القوة، بالتالي حدث ما حدث للسحر].

"مهلا أبي، مالذي حدث هنا؟"

فجأة جاء ويليام بجانب والده برفقة جوانا وسأله وفوق رأسه علامات استفهام كثيرة.

"آه! أنت تقصد العاصفة؟ لقد كان هذا جول".

قال ماركوس.

"هاه؟ إذن أنت تقول أن موجات السحر العظيمة قبل قليل كان مصدرها جول؟".

"هذا صحيح!"

سأل ويليام مجددا غير مصدق لكلام والده الذي أجابه، أدار ويليام رأسه نحو جول والحيرة تغمره، فابتسم له هذا الأخير محاولا إخفاء معرفته.

"ل-لكن...هذا مستحيل! كيف يعقل هذا؟".

قال ويليام مجددا بتردد، فرد ماركوس ليطمأن إبنه.

"نحن أيضا لم نفهم الأمر لكن بما أن جول ذو صنف فريد ونادر تماما، فهذا يفسر قدرته على إستخدام سحر الماء بطريقة ما، على كل حال، بإمكانكم جميعا العودة إلى أعمالكم".

صرف ماركوس الخدم والجنود، ثم تنهد بينما يحك رأسه قليلا، استدار لبقية عائلته بابتسامة بينما يحدثهم بحماسة.

"حسنا جميعا! تعلمون أهمية اليوم وضيق الوقت، عليكم الإستعداد جيدا، جول، فلتحضر لاحقا لمكتبي".

قال ماركوس في البداية مخاطبا زوجته وابناه ويليام وجوانا، ثم أدار رأسه لجول وأمره بجدية، ثم إستدار وغادر الغرفة مع بقية العائلة تاركين جول محتارا خلفهم. ظل جول وحيدا في الغرفة مع نظرات مستغربة، ثم هز كتفيه بدون حيلة واقترب من طاولة الطعام وحمل طبق بودينغ وتناوله بتلذذ.

~لاحقا وقف جول أمام غرفة أخرى بدت أصغر قليلا حسب بابها لكنها بالتأكيد كانت فخمة مقارنة بباقي الغرف وذلك بدى من بابها المزركش فقط.

تنفس جول قليلا قبل أن يطرق الباب ثم إنتظر قليلا ليجيب صوت رجولي خلف الباب.

"تفضل!".

كان هذا والد جول، فتح جول الباب بهدوء بينما يطلب المعذرة.

"المعذرة!"

كانت الغرفة فخمة وأنيقة كما أخبر عنها بابها، كانت متوسطة الحجم مقارنة بباقي الغرف، دهنت جدرانها باللون الذهبي الخفيف، مقابل الباب تماما وجد مكتب كبير نسبيا وخلفه نافذة كبيرة بجوارها شرفة واسعة، على المكتب جلس ماركوس المركز على الأوراق أمامه بينما يكتب عليها بريشة حبر، حينما انتبه أن الداخل هو جول ترك ما في يده ووقف بينما يتقدم نحو أريكة مقابلة لمكتبه بابتسامة.

"آه، جول لقد جئت! تقدم إجلس"

قال ماركوس مشيرا ﻷريكة مقابلة لﻷريكة الواقف بقربها.

أومأ جول بتردد ثم إتجه حيث أشار والده، جلس فوق الأريكة ثم تفحصها بعينيه،كانت هذه أول مرة يستدعيه فيها لمكتبه بغية مناقشة موضوع ما، ولكن بسبب ماحدث أثناء الغداء من صنف جول إلى المهارة وقدرته على استعمال السحر جعل جول متأكدا أن هاذا هو موضوع المناقشة، لكن رغم ذلك فإن حماسة عائلته بشأن اليوم زرعت فيه بذرة فضول تكبر بسرعة كل ثانية.

"هناك عدة مواضيع لمناقشتها، لكن لنبدأ بالترتيب".

قال ماركوس بعدما جلس في الأريكة المقابلة لجول، رفع جول رأسه نحو والده بسرعة ترقبا.

"أولا دعنا نتحدث عن مهارتك، مذا عنيت سابقا عندما قلت أنك عرفت جنسك بفضل مهارتك؟ وماهي؟"

سأل ماركوس بهدوء، نظر جول نحوه بنظرة معقدة ثم تنهد وبدأ بالشرح لوالده المنتظر.

"كما قلت سابقا فإني لدي مهارة تمكنني من معرفة حالات الناس؛ أسمائهم، أعماره، مستوياتهم، أجناسهم، مهاراتهم، قدراتهم وحتى حالتهم النفسية والجسدية، هذه المهارة هي ^مهارة كشف الحالة^، وكلما إستعملتها أكثر كلما زاد مستواها وتمكنت من معرفة أشياء أكثر دقة وتفصيلا، لكن رغم ذلك هناك البعض ممن لا أستطيع رؤية حالاتهم وقد يكونون متعمدين ذلك أو ربما لأن مستواهم أعلى مني، فلذا كل ما استطيع رؤيته هو الإسم، العمر، الجنس، الصنف، وأحيانا مشاعرهم وحالتهم النفسية".

شرح جول، وكلما فعل جعل صدمة والده تزيد، ففتح هذا الأخير عينيه على مصرعيها، ثم وضع يده على ذقنه مفكرا.

"مهارة كشف الحالة؟ إمتلاك هذه المهارة نادر جدا بنسبة واحد من المليون، وفوق كل هذا إستخدامها في هذا العمر!... على كل، أنت قلت أن بإمكانك رؤية حالات الآخرين، هذا يعني أنك تستطيع معرفة حالاتي، صحيح؟"

فكر ماركوس قليلا ثم سأل جول.

"أجل كما قلت، أستطيع رؤيتها"

صادق جول على سؤال والده.

"إذن فلتخبرني عنها!"

أمر ماركوس بنوع من الحماسة، في الواقع هو يعلم حالاته جيدا لكن ليس بدقة، فأراد معرفتها كهدف خفي لكنه مبديا جديته، أراد من جول أن يرى أن والده جاد بشأن هذا الموضوع.

'*تنهد*'... تنهد جول داخله، هو يعلم تماما ما يريد والده منه، سواءا هدفه المعلن أو الخفي.

"كما تأمر أبي"

قال جول باستسلام، لكن هذه الإجابة أشعلت حماسة ماركوس فأضاءت عيناه واعتدل في جلسته مترقبا كلام ابنه.

أغلق جول عينيه وتنفس بعمق، ثم رفع يده وأشار بباطن كفه نحو والده الذي كانت حماسته تزيد كل ثانية، لم يحتج جول في الواقع لا إلى التنفس بعمق أو رفع يده، أو حتى التمتمة بكلمات غير مفهومة كما صار يفعل، فقط أراد رفع أدرينالين والده وخلق بعض الدرامة ليجعل من الأمر صعبا، لم تكن لهذه الحركات أي معنى، فكل ما يحتاجه جول هو مجرد التفكير بتفعيله للمهارة.

'كشف الحالة'

فكر جول في نفس الوقت الذي فتح فيه عينيه ويركز نحو والده الذي يكاد يطير من شدة الترقب.

*دينغ* رن صوت الإشعارات لتظهر نافذة زرقاء شبه شفافة ككل مرة أمام وجه جول.

الحالة:

الإسم:ماركوس تشامبور فيلدمينت، العمر:50، المستوى: 87، القوة:91، السرعة:80، الخفة:59، الرشاقة:60، الذكاء:90، المانا:98، البديهة:70،العناصر:3 (رئيسية:الريح؛ ثانوية:الغابة، الضوء).

الفئة: محارب.

هالة القتال:100

الألقاب:الرجل الأقوى في المملكة، فارس البلاط الملكي، البطل العظيم، السياف الأقوى.

المهارات:...(لن يتم ذكرها نظرا لأنها كثيرة).

القدرات:...( نفس الملاحظة).

الحالة الجسدية: جيدة (الهدف يعتني بلياقة جسده جيدا، يتناول طعاما صحيا بانتضام، يتدرب دوريا، لكنه يطيل السهر ويركز بشكل مفرط خاصة في الليل، ينصح بإراحة عقله وجسده جيدا في الليل).

الحالة النفسية: لابأس بها (سابقا لم تتعرض نفسية الهدف لأي شيء قد يضر بها، لكنه مؤخرا تعرض لصدمات عديدة قوية، ينصح بعدم التعرض لصدمات مماثلة).

المشاعر الحالية: الحماسة، الدهشة، الفرح.

..

قرأ جول حالة والده بتمعن، سابقا لم يكن بإستطاعته رؤيتها بسبب دنو مستواه، لكنه الآن بعدما زاد من قوته لم تعد حالة أي من والديه مجهولة، وخاصة بما أن مستوى مهارة كشف الحالة قد ارتفع كثيرا.

حك جول خده بابتسامة متهربة وهو يقرأ الحالة النفسية لوالده، بطريقة أو بأخرى شعر بأنه المسؤول عنها، مباشرة دون تأخير تلا مارآه في النافذة لوالده المتحمس والذي كلما أعلمه ولده عن حالته زادت حماسته وهو يصرخ في دماغه بدهشة محاولا السيطرة عليها داخله.

"أووو!! ياله من أمر مبهر! لم أعلم أن هذه المهارة دقيقة لهذا الحد".

علق ماركوس بدهشة وابتسامة كبيرة، فابتسم جول لا إراديا له، لقد شعر بنوع من السعادة التي لم يجربها في حياتيه السابقتين من قبل، شعور كالإعتزاز والفخر.

"إذن انتكلم الآن عن الموضوع الثاني، ألا وهو السحر، قبل قليل أضهرت لنا سحرا يعجز عنه حتى السحرة الملكيون وربما الدوليون، هل تستطيع القيام بغيره؟".

فجأة زالت التعابير المندهشة والمتحمسة من على وجه ماركوس كأنها لم تكن قط، وغير إلى الموضوع الثاني بينما يخاطب جول بوجه جاد.

تعجب جول من التغير الجذري الذي حل على والده، فبعد كل شيء أن تغير مزاجك بهذه السرعة والمهارة أمر لايقدر عليه معضم الناس، ثم حك رأسه بتردد، لا يعلم إن كان من الصواب إخبار والده عن الحقيقة، فبعد كل شيء هذه المرة الأولى التي يحضى فيها جول بعائلة حقيقية، وخسارتها والعيش وحيدا مجددا أمر لا يحبذه جول، بل لا يرغب حتى بالتفكير بذلك، فبعدما علم أن سحرا من أدنى الأنواع صار شبه مستحيل القيام به جيدا، جعل جول يوقن أنه إذا أرى والده سحرا من مستوى أعلى قد يعده وباقي أسرته وحشا، وإذا حدث ذلك سيتم نبذ جول عن العائلة التي لم يسبق له أن حضي بها.

"جول، ولدي! لا تضن أنك إذا كنت مختلفا عنا سنعدك وحشا، بل على العكس تماما، سواء كنت شاذا أو لا يهم ما تكون، أنت إبني وستظل دائما، وفي الواقع سأكون فخورا بك، سأفخر بك وأحارب العالم لأجلك إن ضادك"

قطع ماركوس حبل أفكار جول السلبية مطمئنا إياه، شعر بأن لابنه أسرار أكثر من عمره، فحاول طمأنته، فكبرياءه وإنسانيته لاتسمح له أن يدعو نفسه بالأب أو الإنسان إن كان سيتخلى عن إبنه بهذه السهولة.

ابتسم جول بدفء، شعر بصدق والده في كلماته، لم يجد ما يصف به والده في هذه اللحظة إلا بالمثالية، خاصة وهو يرى أن والده قد إكتسب لقب ^الأب المثالي^ في حالته، والتي تظهر أن مشاعره صادقة كليا.

'هل علي إخباره بحياتي السابقتين أيضا؟'

تساءل جول في خاطره لا يعلم الخيار الصائب.

'لا! فالندع الأمور في نصابها'

"لا بأس أبي، أنا سأريك كل ما أقدر عليه".

قال جول بابتسامة ليزيل قلق والده بعدما نفا فكرة إخباره عن سره الأكبر، وهو حياتيه سابقتين، فكما يقول المثل ^هناك بعض الأسرار يجب أن تبقى أسرارا^.

"ما أريتكما إياه سابقا كان دمج لعدة عناصر سحرية، ولم تكن تعويذة".

"مذا؟ إذن لم تكن تعويذة؟ لهذا السبب لم يكن عليك الترتيل، لكن عدة عناصر، إذن هذا يعني أنك متعدد العنصر؟ ياللهول! يبدو أني أنجبت نابغة حقا!".

رد ماركوس على المعلومة التي أفاد بها إبنه بدهشة كبيرة، هو لم يصدق في البدأ أن جول بإمكانه إستعمال السحر فما بالك بما إن كان متعدد العناصر، لذا فأول ماتبادر إلى ذهنه أنه أنجب طفلا نابغة.

"هذا صحيح، أنا متعدد العنصر".

أقر جول بوجه جدي.

"إذن ما هي عناصرك؟".

تساءل ماركوس بحماسة.

-" سابقا لإظهار العاصفة، قمت بدمج عنصر الماء، البرق و الريح".

-" ماذا؟ أنت ثلاثي العنصر؟".

-"أه! في الواقع... ليس هذا فقط، ولكنني أستطيع استعمال جميع العناصر".

-"م-مذا؟... ج-جميعها؟... هذا مستحيل!". (بتردد وعدم تصديق)

-" كلا! هذا ليس مستحيلا، أعني...أنت تذكر الملك اﻷسطوري قبل مائتي سنة، كان بإمكانه إستخدام العناصر الأساسية كلها، وهذا لايعني أني يستحيل علي ذلك أيضا".

-" هذا صحيح لكن يظل هذا نوعا ما... م-مهلا! قلت أن الملك الأسطوري يستطيع إستعمال جميع العناصر ^الأساسية^، أما أنت فقلت ^جميع العناصر^، إ-إذن... أنت لاتعني...أنك...".

قال ماركوس كمحاولة له لإقناع نفسه وطمأنتها، لكنه تذكر فجأة كلام جول السابق وعاد التردد ليملأ محياه من جديد ودهشته كانت أكبر هذه المرة كذلك.

"أجل، بشأن هذا... بإمكاني استخدام العناصر -الأساسية والثانوية- السبعة جميعها".

قال جول بينما يحاول جعل عينيه ووالده لاتلتقيان، قالها بابتسامة متهربة من ردة الفعل المتوقعة.

"*تنهد*...كما توقعت، متأكد أن ابني شاذالقوى أكثر الآن، لربما قد فعلت شيئا جيدا حقا في حياتي، أعتقد بدءا من اليوم أني سأحترم الملك".

قال ماركوس بهدوء واستسلام على خلاف ما توقعه جول، بدا وكأنه سيموت في أية لحظة. ضحك جول في خاطره بقوة على ردة فعل أبيه؛ لقد قال وجهه بوضوح أنه استنفذ حماسته.

' في الوقع إنها ليست سبع عناصر بل إحدى عشر عنصرا، لحسن حضي أني عشت هنا من قبل لذلك لن أتفوه بشيء خاطئ'.

علق جول في خاطره بينما يرفع علامة النصر.

للشرح؛ فإن العناصر هي القوى المستخدمة من قبل الأرواح، الأرواح هي مخلوقات خفية تعيش بين أحضان الطبيعة، الأرواح ومن أجل حماية الطبيعة تمكنت من تسخير قوتها، وبذلك إستطاعت إستخدام العناصر، وهي بالترتيب من الأضعف نحو الأقوى والأندر تكون في العناصر الأساسية: الأرض، الماء، النار، والرياح. أما الثانوية: الضوء، الغابة والظلام. أما المحذوفة فهي: الفولاذ، الجليد، البرق والزمان. لاحقا تمكن البشر من السيطرة على ذات العناصر وتسخيرها بطلب ذلك من الأرواح، لكن مع مرور الزمن -كما رأينا بعد مئتي عام- ضعف السحر وبذلك تم حذف عدة عناصر لم توجد أرواح لتسخرها. أما بالنسبة لعنصر الظلام فلا يمكن إلا للشياطين السيطرة عليه.

" حسنا، جول أرني هذه العناصر جميعها!".

أمر ماركوس، أومأ جول على أمر أبيه، رفع يديه قليلا وبسطهما للأعلى، أغلق عينيه للحظة وما كاد يفتحهما حتى ظهرت بضع نقاط مضيئة ملونة بمختلف الألوان، حامت تلك النقاط حول كفي جول المركز عليها، ومعها خطفت قلب ماركوس بتلألؤها الجميل، فجأة حامت عدة عناصر مختلفة في دائرة فوق كفي جول؛ شعلة صغيرة، كمية ماء قليلة، صخرة صغيرة، نقطة بيضاء مستديرة، عشب رقيق، وهبة من الرياح في أنحاء الغرفة.

حامت العناصر مرتبة في حلقة والريح تدور داخل الغرفة وحولها، نفض جول كفيه ومعه اختفت جميع العناصر. نظر ماركوس بتمعن في الفراغ، ثم بادر بالكلام بتردد.

" مذا عن عنصر الظلام؟"

" حسنا، لكن عليك أن تجهز نفسيتك قليلا، فأنه عنصر صاخب من الصعب السيطرة عليه".

رد جول بوجه جاد، ومجددا رفع كفيه، نظر في الفراغ قليلا وركز، تنشق الهواء بقوة حينما سال العرق البارد على ظهر ماركوس، أغلق جول عينيه كما في السابق، وفطأة ظهرت عدة نقاط مضيئة أخرى، لكن الشيء الغريب بشأنها أنها لم تضئ بألوان زاهية كما سابقتها، بل أضاءت بلون أسود، وهذا ما ناقض نفسه، فكانت نقطة مضيئة مظلمة.

تعجب ماركوس للتناقض البادي أمامه، لكنه رغم ذلك لم يصدر أي شكوى بشأنها، تابع التحديق لا يجد ما يقول.

دارت تلك الجزيئات بخفة وعشوائية حول يد جول التي بدأت ترتعش قليلا، لا حظ ماركوس الإضطراب البادي على إبنه، أراد إيقافه لكن عدل عن تلك الفكرة عندما فتح جول عينيه بقوة مركزا، مباشرة عندما فتح جول عينيه إضطربت الجزيئات أكثر وصارت تتحرك بسرعة أكبر وتصدر صفيرا صاخبا ومزعجا، إنزعج ماركوس من ذلك الصخب وقطب حاجبيه.

عندما لم يعد بالإمكان رؤية الحركة الجزيئات، توقفت فجأة، توقفت حركتها لكن الصفير زاد لأقصى حد، وبصوت *بوووم* خرجت هالة سوداء كثيفة فوق يد جول الذي بدا مركزا بشكل لا نظير له، تكثفت تلك الهالة بسرعة، نظر لها ماركوس بدهشة وعدم إرتياح في الوقت ذاته، حاول تقريب يده للمسها فأوقفه صوت الجول الذي صرخ عليه يقوة ليمنعه.

أبعد ماركوس يده بسرعة متفاجئا، إستغل جول لحظة إرتباك والده وأخرج عنصر النور بخفية ليسيطر على الطاقة الظلامية والتي إختفت فجأة كما لو لم تكن، عندما تأكد جول من زوالها، سقط على الأريكة مرهقا وراح يتنفس بسرعة، نظر ماركوس إلى إبنه المجهد بتعابير معقدة، لم يعلم أحد ماكان يفكر فيه، لم يستمر تفكيره طويلا وراح يطمئن على جول.

" جول، هل أنت بخير؟".

"*هوه...هووه*!... أجل... أنا كذلك، لكن من الصعب السيطرة عليه، كان سيهاجمك إذا ما لمسته".

"لابأس... الآن، فلتخبرني الحقيقة، ماهو مستواك الآن؟".

سأل ماركوس بوجه جدي بعدما تطمأن على ولده. حك جول خده مجددا بمحاولة التهرب، قد يصاب والده بسكتة قلبية إذا ما علم.

"ف-في الواقع... أنا... أنا في المستوى... السابع... والخمسين!!".

تحدث جول بتردد بينما يحاول إبعاد عينيه حتى لايلتقيا، فرد ماركوس بطريقة مصدومة ومندهشة لدرجة أن عينيه تكادان تخرجان من مكانيهما.

"م-م-....مذا؟... ه-ه...هذا...غير...معقول!..أ-أنت... في...الم-الم-المس-توى... الس... السابع...والخم-خم-خمسيييييين؟!؟!؟".

تحدث ماركوس بكلام متقطع وغير مفهوم بينما من شدة صدمته قفز من الأريكة فانقلبت على ظهرها وسقط معها، وبقي على ذلك الوضع بتعابير وجهه المصدومة ينظر للسقف.

تفاجأ جول من رد الفعل المبالغ فيه لوالده، وقف بسرعة وذهب إليه لمساعدته على الوقوف، نفض ماركوس رأسه قليلا ثم وقف وأمسك برأسه دائخا، رفع جول الأريكة بيد واحدة وأعادها كما كانت، فنظر له والده بنظرة مستسلمة وغاضبة في الوقت ذاته، عندما إنتبه جول لنظرة والده رد إليه النظرة بأخرى مستغربة وكأنه يقول 'ماذا؟'، إستسلم ماركوس وجلس على الأريكة مع *بووف*.

" ياللهول! لا أكاد أصدق هذا، لكن... لا أضنني أملك خيارا، أنا بالفعل والد محظوظ بهاذا الإبن الشاذ"

قال ماركوس بعدما تنهد، وفي اﻷخير بينما يقر بفخره لابنه نظر له بدفء كبير، فهم جول مغزى تلك النظرة وشعر بدفئها وحنانها فابتسم لا إراديا هو كذلك.

"حسنا، لا أضنه الوقت المناسب لي للإستراحة، ياله من يوم متعب!، جول بإمكانك المغادرة إذاما كنت مشغولا".

تحدث ماركوس لنفسه بينما يقف بسرعة ويعدل هندامه، ثم وجه الخطاب لابنه وهو يتجع لمكتبه عائدا، تذكر جول هذا الموضوع وعى الفور بادر بالسؤال.

" أ-أبي! بالمناسبة لما هذا اليوم مهم هكذا؟ أعني... منذ وقت الغداء تصرفتم جميعكم بغرابة".

" إيه! آاه! اهههه... ا-اليوم؟...إ-إنه مناسبة خاصة، لذا قد دعوت العديد من النبلاء ومن بينهم الملك لحضور حفلة سنقيمها الليلة، لذا عليك أن تجهز نفسك لها!".

قال ماركوس بارتباك بعد ضحكة وجدها جول غريبة، ثم شرح لولده المستغرب.

~~~~~~~~~~~~

' الملك؟'

تساءل جول في خاطر بينما يده على ذقنه.

الآن كان خارج مكتب والده، سار في الرواق ثم توقف فجأة قرب أحد النوافذ التي تظهر منظرا جميلا للطبيعة بأشجارها ووديانها ومختلف التضاريس المحيطة بالقصر والتي تعتبر حديقة له، بعيدا عنها قليلا تواجدت مدينة كبيرة، المدينة كانت تشبه المدن من القرون الوسطى، بنى بسيطة وجميلة، الناس يتجولون في الخارج، والباعة يحاولون إستقطابهم لبيع سلعهم المختلفة.

نظر جول للسماء المشرقة قليلا، لتظهر بعد ذلك على وجهه البريء ابتسامة ماكرة.

" لنفعل ذلك!".

_ _ _ _ _ _ _ ♥_♥ _ _ _ _ _ _ _

~~إنتهى الفصل~~

سأعرض لكم حالة جوليان:

الحالة:

الإسم:جوليان فون فيلدمينت،العمر:5، المستوى:57، القوة:205،السرعة:220، الخفة:219،الرشاقة:220،الذكاء:350،المانا:200،البديهة:205،العناصر:11.

الفئة : لاشيء.

هالة القتال:غير محدودة.

الألقاب:الإبن المعجزة، الإبن الثالث لعائلة الدوق فيلدمينت.

المهارات:غير محدودة.

القدرات: -الذاكرة المعجزة.

-النظام.

-عين العالم...(توجد قدرات كثيرة لن أذكرها!).

الحالة الجسدية:ممتازة.

الحالة النفسية:ممتازة.

صورة جوليان ذو الخمس سنوات وكاتيانا. في أول تعليق(رسمتها بنفسي رغم عدم براعتي في ذلك لكن آمل أن تعجبكم).( صورة كاتيانا مستعارة من مانجا، لكن لابأس بها).

أعلم أنه فصل طويل وممل، لكن سيكون الأمر هكذا الفصل الثامن، لأنها تمهيد للأحداث.

أيضا لما تتركون تعليقات، لقد تعبت كثيرا في تأليفها كما تعلمون، لذا فشكري لكل من علق كبييييير .

2020/01/24 · 976 مشاهدة · 5835 كلمة
Abir Bell
نادي الروايات - 2024