الجولة القصيرة!

تواجدت بضعة أرانب بنية وبيضاء مختلفة، يقارب عددها السبعة إلى ثمانية أرانب، كانت كأي أرانب عادية ترعى في منطقة عشبية صغيرة، في دائرة محيطها محمي ببضع شجيرات وأشجار مختلفة.

أرانب عادية...لكن شيء وحيد يجعلها تختلف عن الأرانب المعتادة، ذلك الشيء يكون... قرن، قرن طويل ومخروطي كقرن أحادي القرن الأسطوري (يونيكورن)، لدى هذه الأرانب قرن في منتصف جبهتها.

فجأة رفعت إحدى تلك الأرانب رأسها وراحت تحدق في الشجيرات، تحرك أنفها الصغير وأذناها قليلا، نظرت للشجيرة القريبة منها، وفجأة إهتزت هذه الأخيرة، إنتفضت جميع الأرانب وهمت بالفرار، لم تكد تمس أقدام بعضها -التي قفزت- على الأرض حتى إخترقت حناجرها جميعا ماتشبه البلورات الجليدية، بدت كإبر ضخمة.

سقطت الأرانب جميعها على الأرض، وجميعها أصيبت في نفس المكان والإتجاه، لقد ماتت جميعها، فجأة أمام جثثها ظهر كيان صغير، إرتدى رداءا أسود بقلنسوة، حوله طافية في الفضاء، حامت تلك الإبر الضخمة كالتي أصابت الأرانب

أزال ذلك الكيان القلنسوة عن رأسه، ليبرز تحتها بشعره الأبيض النقي وخصلاته الحمراء فتى صغير، نظر بعينه الخضراء اليمنى إلى أجساد الأرانب، بينما عينه الأخرى غطتها خصلات شعره الأبيض، رغم صغر سنه إلا أنه وبوضوح قال أنه سيكون شابا وسيما في المستقبل، كان هذا الوسيم الصغير هو بطلنا جول <جوليان فون فيلدمينت>.

نظر جول للأرانب مع ابتسامة شريرة نوعا ما.

"ياللهول! ياللهول!... إنها أرانب ذات قرون! لا أصدق أني اصطدت ثمانية منها!، مذا علي أن أفعل؟ ماذا علي أن أفعل؟...".

صرخ جول مباشرة وراح يدور في حلقات مفكرا، الأرانب ذات القرون كانت تعتبر نادرة في هذا العالم، سيكون الإنسان محظوظا إذا ما لمح أحدها، فما بالك إذا ما اصطادها، هذا النوع من الأرانب يعد من أندر الأنواع وألذها مذاقا بين أي حيوان آخر، في حياة جول الأولى أفلح ذات مرة في صيد واحد، بعد طهوه تناوله، لا يزال جول إلى الآن يذكر ذاك الطعم الشهي الذي بسببه في حياته الأولى صار يبحث عنه كالمهوس بين أسقاع الأرض لكنه لم يفلح في صيدها مجددا، لكن الآن تمكن جول من صيد ثمانية منها، وهاذا ما جعله يفقد صوابه تماما، وفوق كل هاذا كانت في حديقة منزله الخلفية.

إستدار جول بقلق حول الأرانب لا يجد ما يفعل، ثم فجأة خطرت بباله تلك الفكرة.

" صحيح! علي الإحتفاض بها للوقت المناسب. سأعد بها أفضل الوجبات بالأرانب من حياتي الثانية! ".

تحدث جول بينما ضرب قبضة يده بكفه الآخر عندما واتته هذه الفكرة.

بعدما علم جول أن الملك والعديد من النبلاء مهمي المقام سيزورونهم الليلة في حفل المساء، أدرك جول أن أهله مشغولون كثيرا ليتذكروه في كل شيء، عندها قرر جول الخروج من القصر قليلا وتنشق الهواء المنعش، وبينما هو يتجول في غابة حديقتهم وجد الأرانب والتي كاتت كصدمة بالنسبة له.

عندما أضاءت الفكرة دماغ جول، رفع يده فأضاءت تلك الإبر وإختفت في الفراغ بشكل غريب، أمسك جول الفراغ وسحب بيده قليلا ليخرج منه ( أي الفراغ) خنجر منقوش بكتابات ورموز غير مفهومة، أخذ جول الخنجر بيده بقوة وصار يقترب من جثث إحدى الأرانب ببطء، واللعاب بدأ يسيل من فمه غير مدرك للأمر، أمسك جول بالأرنب ليذبحه فأخرج الإبرة من حنجرته وبدأ العملية، بعدما فعل ذلك لكل الأرانب، صارت يديه تقطر بدمائها، على الفور فعل عنصر الماء وراح يغسلها.

أعاد جول الخنجر في الفراغ وإختفى كما لو لم يكن.

" دعنا نخزنها!".

قال جول فجأة بينما صار يمسح بيده في الفضاء فوق الأرانب، كل مكان مرت فوقه يده إختفت منه الأرانب، في الواقع كانت هذه مهارة تخزين إكتسبها جول مؤخرا، هذه المهارة تتيح لجول تخزين أي مادة في فضاء خاص دون شروط، بل ذلك الفضاء كان مكان لا يمكن للزمن المرور عبره؛ مثلا إذا ماخزن فيه جول رغيف خبز ساخن يظل كذلك طوال الأمد مالم يخرجه جول.

بعدما خزن جول الأرانب، نظر للسماء قليلا، قرر زيارة المدينة التي لطالما رآها عبر النافذة.

كانت المدينة عادية؛ الناس تسير هنا وهناك، الباعة ينادون، الأطفال يركضون، لاشيء مميز بشأنها، غير المنظر الغير مألوف فيها، لقد مر أمام جول رجل طويل القامة، وسيم وأخضر العينين، ميزه بسبب أذانه المدببة والطويلة.

" إيلف؟!".

تساءل جول وهو ينظر إليه بينما يسير غير منتبه أمامه، فجأة إصدم بكيان أمامه.

" هاي! ألا ترى أمامك ياصغير؟!".

صرخ ذلك الكيان على جول المرتبك، جسد خشن رغم قصره، بعينين بنيتين، ولحية بنية كثيفة، إرتدى عدة أشياء حديدية بينما يحمل في يده مطرقة والأخرى يمسك بها قطعة حديد طويلة فوق مسند أسود، كان الكيان أمامه حدادا، أو... قزم حداد.

"آه! أنا آسف للغاية سيدي! لم أنتبه!".

إعتذر جول بسرعة للقزم أمامه، نظر له هاذا الأخير بنظرة غريبة ثم طقطق لسانه.

" تسك... لا يهم، إبتعد من هنا وإلا قد تصاب!".

أمر القزم، وعلى الفور إبتعد عنه جول بوجه بريء.

'يا للهول! لقد فاجأني ذلك! إيلف؟ أقزام؟ مالذي يحدث هنا بحق الجحيم؟ لاتخبرني فقط أن تلك الكائنات النادرة سأراها هنا أيضا؟'.

تحدث جول في خاطره بنوع من الرعب والفجأة، بعد كل شيء ماذا تفعل تلك الأجناس في أرض للبشر؟، وفي الأخير تحدث بنوع من الإستسلام بينما يصف.

' ياللهول! إني أراها بالفعل!'.

قال جول بصدمة بالغة وهو يرى إمرأة تبيع في أحد الدكاكين، كأي امرأة عادية، لكن ما رآه جول فيها هو ما زاد صدمته، كان لتلك المرأة آذان، أذنا دب أعلى رأسها و خلفها شيء بني يهتز من مكان لآخر، كان ذيلا، تلك المرأة كانت نصف وحش، بسرعة إستنتج جول.

' أيها الحكيم! مالذي يحدث هنا؟ لما أرى هذه الأجناس المختلفة تعيش بين البشر؟'.

سأل جول الحكيم لايطيق الإنتظار، لتبدأ أصوات الإشعارات ترن في رأس جول.

[ بعدما حل السلام على هذا العالم، لم تقع أي مناوشات واختلافت بين مختلف الأجناس، لا تزال مختلف الأجناس تعيش في الأراضي التي حددها الملك الأسطوري، لكن لم يعد من المستحيل رؤية نوع مختلف يتجول بين أراضي البشر].

'هل كل الأراضي تتواجد بها مختلف هذه الأجناس؟'

[ الممالك البشرية هي الوحيدة المستضيفة لمختلف الأجناس، أما أراضي الأجناس الأخرى لم تطأها قدم بشرية، وذلك عائد في الأصل إلى البشر].

'ماذا... بشأن الشياطين؟'.

[ بعد معاهدة السلام قبل مئتي عام، لم يحدث أي اتصال بينهم وباقي الأجناس].

' حمدالله'

تنهد جول ضمنيا بعدما أجابه الحكيم على كل أسئلته السابقة، تقدم نحو دكان المرأة ليرى ماتبيع، وقف على أطراف أصابعه متئكا على المنضدة، كما الأطفال الصغار.

" أووه! مرحبا بك يا صغيري! أهناك ماتبحث عنه؟".

سألت نصفية الوحش بحنان وهي ترى جول، رفع هذا الأخير عينه نحوها وقال بابتسامة متكلفة.

" آاه! ههههه... لست أبحث عن شيء محدد، إنما أردت فقط معرفة ماتبيعين".

" هكذا إذن! لابأس، أنظر! أنا أبيع قطعا مختلفة لحلي صنعها زوجي، رغم قلة سعرها إلا أن قيمتها الفنية كبيرة، لقد صنعها زوجي بروحه".

قالت المرأة بطريقة الباعة المعروفة في التسويق.

"واااو! يبدو هذا رائعا!".

قال جول بنبرة منفعلة مزيفة، ثم فحص بعينيه كل ما يوجد هناك من دبابيس للشعر، لزينة الملابس وغيرها، رغم بساطتها إلا أن جمالها أخاذ بالفعل، لفت نظر جول دبوس صغير، الدبوس كان فضيا، في أعلاه كرة بلورية زرقاء صغيرة، شعر جول نحوها بشعور غريب ومألوف.

' حجر الماء!!'.

فجأة ضربت الصاعقة رأس جول وصرخ في خاطره، على الفوى سارع بالسؤال للبائعة.

" المعذرة سيدتي! لكن ماذلك الشيء الأزرق في أعلى الدبوس هناك؟".

" الشيء الأزرق؟ أوه! في الواقع إنه حجر غريب وجده زوجي في إحدى البحيرات، ولم يعثر على إستخدام له لذا دمجه بالدبوس كما ترى".

' كما توقعت! إنه هو بالفعل، حجر الماء لايتشكل إلا في وسط مائي'.

"سيدتي أريد شراءه".

قال جول بسرعة للمرأة خوفا من يأتي أحد آخر لسرقته.

وهذا ما حصل بالفعل، فجأة خلف جول صرخ شخص ما، كان شابا يرتدي درعا حديديا وعلى خصره سيف طويل معلق، خلف هذا الشاب كان هناك آخران يرتديان نفس ما يرتديه صديقهما، أحدهما كان نحيلا والآخر كان بدينا.

" مالذي يحدث هنا؟ أليس هذا ستيف؟ مالذي يفعله؟".

"يبدو أنه يعاند هاذا الصغير هذه المرة!".

" إنه يستغل لقبه كفاس لقصر الدوق ويقوم بأفعال شنيعة".

" لقد سمعت أنه هدد فتاة بقطع رزق عائلتها إن لم تصبح حبيبته".

" ياللهول! أفعل ذلك حقا؟ ألا يعلم الدوق بأفعالهم؟".

"لا أضن! يبدو أنهم يتكتمون حول الأمر ويمنعون أي خبر من الوصول له".

على الفور إندلعت بلبلة داخل الحشد وهم يرون الشاب، سمع جول كل كلامهم واستنتج منه أن هاذا الفارس يعمل تحت إمرة والده ويستغل لقبه في ذلك، وكذلك سمعه الشباب لكنهم تقدموا نحو الدكان برؤوس مرفوعة كما لوأنهم يسمعون مديحا لا شتائم، بحركتهم هذه بدا أنهم يقولون للناس:< بما أنكم تعلمون هاذا، يستحسن أن لا تعبثوا معنا>.

تقدم ستيف ومر بالقرب من جول الذي أظهر علامات على الغضب، لكنه لم يكترث بذلك بدل من ذلك أظهر ابتسامة فخورة، وصل للدكان وانحنى يتفحص الدبوس.

" أوووه! رغم بساطته إلا أنه جميل، أكيد أن حبيبتي ستحبه، كم سعره أيتها البائعة؟".

" إ-إيه؟...س-سعره... عشر برونزيات".

"قفط عشر؟ لا بأس سأشتريه بمائة".

سأل ستيف البائعة فأجابته بتردد، وبينما كان يقول آخر جملة كان يخرج من كيس جلدي قطعة برونزية كتب عليها الرقم 100 ويقدمها للبائعة، لم تجد البائعة ما تفعله لكنها قبلت بها بكل بساطة.

*طاك*

فجأة قبل أن تلمس البائعة العملة، سمع صوت ضرب الصلب ببعضه، إنتبه جميع الحشد نحو مصدر الصوت ليجدوه جول وقد ضرب عملة على الطاولة الخشبية، لم تكن أي عملة بل كانت عملة ذهبية، عملة جميلة تشع باللون الذهبي قد نقش على أحد وجوهها الرقم واحد، قدمت البائعة كلتا يديها ببطئ، ثم أمسكت العملة وتفحصتها حتى أنها قضمتها خوفا من أن تكون مزيفة.

" سآخذ الدبوس بها!".

قال جول بحزم، ساد الصمت قبل أن تصرخ البائعة وتبدأ القفز والدوران داخل دكانها.

"وااااه! إنها عملة ذهبية، عملة ذهبية حقيقية، لن نحتاج أي مال بعد الآن وسنعيش برخاء كالنبلاء، وااااه!!".

~~~

" وااه! أقالت عملة ذهبية؟ ذلك غير معقول!".

"إن أخرج هذا الصغير عملة ذهبية على مجرد دبوس عادي، فيعني أنه إبن أحد النبلاء فاحشي الثراء واللذين لن تهمهم مجرد ذهبية".

" هاهاها!... لايهم من يكون، ما يهم حقا هو أنه قد أهان هذا الوغد، هاهاها!...".

" هاهاها!...ذلك صحيح، هاهاها!...".

ومجددا عادت الفوضى داخل الحشد، جميعهم خمنوا هوية جول، لكن الشيء الأهم بالنسبة لهم هو أن جول قد أفحم الفارس المزعوم، على الفور أخذت البائعة الدبوس وغلفته بعناية كبيرة، ثم قدمته لجول كأنما تحمل أغلى كنز في هذا العالم، أمسك جول الدبوس وألقى نظرة خاطفة على الشبان الثلاثة الذين صاروا ينظرون للحشد بغضب ليوقفوا ضحكهم، تفرق الحشد بعدها عندما تقدم جول خطوتين مغادرا، لم يكد جول يتم الخطوة الثالثة حتى أوقفته يد ستيف على كتفه، توقف جول ثم أدار وجهه ليجد ستيف ينظر له بغضب.

-" إسمعني أيها الفتى! في هذه المدينة لايهم كونك إبن نبيل أو فقير، من يشتري شيئا أولا يكون له، لذا الدبوس يعود لي!".

-" أولا؟ بالتأكيد! لقد اشتريت الدبوس قبلك كما ترى وأنا أول من دفعت".

-" م-مذا؟ إسمع! ذلك لايهمني في الواقع، فلتعطني الدبوس!"

أمر ستيف عندما أدرك أنه خسر قتالا لفضيا مع طفل، مد يده نحو جول ضنا منه أنه سيخاف ويقدم له الدبوس، لكن بدلا من ذلك ثارت الرياح حول جول، صار المكان مظلما عندما فقد جول أعصابه، أطلق زخمه وضغطه، غلف الضغط الشباب الثلاثة فصاروا يحضنون أنفسهم رعبا لا يدركون أن جول هو مصدر الضغط.

" لا تتحداني... أيها الصغير!!!!".

قال جول بشكل مظلم وصوت غليض، إضطربت الرياح أكثر على إثر كلام جول، فأبعدت الرياح خصلات شعره التي غطت عينه اليسرى الحمراء، وانبعث عنها شعاع قاتل، إرتعش الثلاثة عندها.

عندما أدرك جول أنه تسبب بالرعب لكل من كان في المنطقة سحب ضغطه وزخمه سريعا، بينما وضع يده على فمه.

' تبا! لقد فقدت نفسي! علي الخروج من هذا الموقف سريعا'.

فكر جول، عندما أمره ستيف مطلقا لطاقته، فقط جول نفسه وتحدث بشخصية الملك آرثر، لكن عندما تأكد أن كل من شهد على ضغطه لم يعلموا أن السبب هو جول قرر استغلال الفرصة.

" واااه! أنظروا! هناك شيطان يطير!".

صرخ جول فجأة مستغلا لحظة إرتباكهم، أشار للسماء خلف الشباب، عندها كل من شهدوا ضغط جول نظروا حيث أشار جول.

" شيطان؟ هذا يفسر ذلك الضغط الكبير".

"لكن لايوجد شيء في السماء!".

" يبدو أنك لا تعرف أن الشياطين لا يتفقون مع البشر، لذلك قد يكون إختفى عندما صرخ الصبي".

قال الناس، نظر الشباب الثلاثة في وجوه بعضهم البعض، ثم أعادوها حيث كان جول واقفا، لفجأتهم لم يجدوا جول في مكانه، فحصوا المحيط بأعينهم لكن لم يكن هناك أثر له.

" هيا ستيف! دعك من الصبي!".

قال البدين، فوضع النحيل كفه على كتف صديقه.

" صحيح! لقد تفوق علينا تماما، فوق كل هذا حتى الدبوس لايستحق كل هذا!".

قبض ستيف على قميص صديقه النحيل وصار يوبخه بغضب.

" ألا تفهم أيها الغبي؟ الأمر لا يتعلق بالدبوس وحده، هذا الصبي قد أهانني، وأنا لن أدع الأمر يمر مرور الكرام".

" حسنا حسنا، لنبحث عنه لا يمكن له أن يبتعد كثيرا".

وهدأ النحيل، ليبدأ الثلاثة بالتقصي عن جول.

-----

في أحد الأزقة الخالية، ظهر ظل لكيان صغير فجأة من اللامكان، ذلك الظل كان لجول، تنفس جول الصعداء بعدما مسح قطرات العرق الكبيرة على جبهته من التوتر، لقد خشي حقا من أن يتم كشف حقيقته كونه قد حضي بعدة حيوات، لذا بدون إدراكه تحرك بسرعة شديدة وإختبأ في هذا الزقاق، عندما أدرك أن الأمر لم يستحق فعله لهاذا، غطى عينه الحمراء مجددا ثم رتب هندامه و خرج من الزقاق ليتابع جولته في السوق.

مر الوقت سريعا بينما جول يتجول من محل لآخر يشتري كل ما جذب إليه قلبه من

طعام، عندما أدرك جول أن الوقت قد تأخر قرر العودة للقصر عل الضيوف قد يكونوا وصلوا بحلول عودته.

سار جول في حديقة القصر متجها نحو المنزل، كان الهدوء يغطي المكان بشكل غريب، توقف فجأة عندما داعبت نسمة خفيفة وجهه، إرتفعت أطراف شفتيه قليلا لتظهر ابتسامة قاسية.

" لا أصدق أنكم حقا فرسان يا رفاق! تتربصون بفتى صغير؟ * تسك تسك!*...لقد خيبتم ضني حقا!".

قال جول بينما يطرطق بلسانه وهو في ذات وضعيته، خلفه وراء ثلاث أشجار مختلفة إختبأ الشباب الثلاثة سابقا، عندما سمعوا كلام جول نظروا لبعضهم بدهشة، على الفور خاطب ستيف صديقيه بهمس.

" يبدوا أنه اكتشفنا! سأجره بكلامي، عندما أشير لكما انقضوا عليه وأمسكوه جيدا!".

أومأ الصديقين، ودون انتظار خرج ستيف من بين الأشجار.

" يبدوا أنك فتى موهوب لاكتشافك فرسان المستوى العشرين بسهولة، لابأس إنما أتيت لأسترد حقي منك، أعطني الدبوس وكل مالك لعلي أدعك تغادر سليما".

"* تنهد*... رغم محاولة تهربي إلا أنك تريد الموت بشدة، لست أفهم لما وضف الدوق جبناء مثلكم".

قال جول بعدما تنهد طويلا، لقد أخطأ والده حتما بتوضيف هؤلاء الجبناء، لم يكلف نفسه حتى عناء الإستدارة لرؤية وجوههم.

ظهر الغضب على وجه ستيف وتعاظم كثيرا.

" يالك من فتى وقح! سأعاقبك بنفسي ثم آخذك للدوق كي يعاقبك".

قال ستيف بغضب متسترا بحجة الدوق، أشار لرفيقيه اللذان طارا من بين الأشجار سريعا ومدا يديهما بغية الإمساك بجول.

*سووووش*.

لكن لم تكد يديهما تلمسانه حتى إختفى من مكانه ليظهر في اللحظة التالية فوق رؤوسهم، إستدار جول في الهواء وبركلتين سريعتين ضرب رقابهما، سقطا على الأرض بتعبير جامد، لم يموتا ولم يغمى عليهما، كل ما فعله جول هو شلهما بالمانا خاصته.

نظر ستيف لذلك المشهد لايعي مايحدث أمام عينيه، وبينما جول لا يزال معلقا في الهواء، إختفى مجددا تاركا خلفه ظله، فجأة شعر ستيف بصاعقة تضرب ركبته اليمنى، لم يدرك الأمر حتى سقط على ركبتيه عاجزا.

إرتعش عموده الفقري وشعر بقطرات عرق بارد تنزل عليه عندما رأى ذلك الخنجر الأسود يمر تحت رأسه أمام رقبته.

خلف ستيف وقف جول واضعا خنجره على رقبته، بوجه مظلم خرج الشعاع الأحمر من عينه اليسرى، ودون تعابير قال لستيف.

-" لقد سبق وحذرتك، لكنك لم تصغي، عليك أن تعلم عواقب أفعالك ".

-" أ-أنا لم أدرك أنك خبير، ر-رجاءا سامحنا! لكن إذا ما أ-أصبنا ونحن في أرض الدوق، س-ستتم متابعتك لعقابك!".

-"*تنهد* ومجددا تتحجج بالدوق، برتبة متدنية هددت فتاة لكي تصير حبيبتك، لوكانت رتبتك أعلى أكنت ستدخل بيوت الناس وتغتصب نساءها؟ لست أفهم حقا لما وضف أبي مجموعة حمقى مثلكم!"

-" أ-أبي؟...أ-أ...أنت...الإ...بن ... ا-الثالث... ل-ل...للدوق...فيلد مينت!!؟؟".

قال ستيف بدهشة وعينيه تكادان تخرجان من مكانيهما، حتى صديقيه ظهرت عليهم نفس التعابير لكنهم لم يتمكنوا من قول شيء بسبب الشلل، لم يهتم بتوبيخ جول في البداية لكن ما إن وصف جول الدوق بوالده حتى فهم هو وصديقيه كلامه.

نظر جول بفراغ لهم، شعر أنه قد نسي نفسه مجددا، لقد كاد يقتل أناسا يعملون تحت راية والده، أبعد الخنجر ببطئ بعدما ترك تنهيدة طويلة، بينما يبعد جول خنجره شعر ستيف بروحه تبتعد معه، لكنه تفاجأ عندما شعر بحيوية قدمه المشلولة تعود من جديد، كان جول قد سحب المانا الخاصة به عنهم وأزال الشلل.

" *تنهد*...إسمعوني جيدا! ستأخذون أموالكم وتعوضوا بها جميع من تسلطتم عليهم من أهل المدينة، وستقدمون استقالاتكم، لقد جلبتم العار على اسم والدي".

أمر جول بصفته إبن الدوق، أطلق الحكم سريعا ولم يهتم لسماع رأيهم، لقد شعر بانزعاج شديد من هؤلاء الفرسان المزعومين الذين وضعوا اسم والده بالتراب.

مباشرة عندما أطلق حكمه انتفض صديقي ستيف وراحا يرجوانه.

" سيدي الصغير! رجاءا لاتطردنا! أحتاج العمل لأعيل أسرتي، نعدك أن نعوض أهل المدينة بكل مانستطيع، لكن لا تطردنا رجاءا". (ترجى النحيل).

" لا تفعل رجاءا! والدتي مريضة و تحتاج المال لأجل دوائها، رجاءا". (وترجى البدين)

نظر جول بتعابير خالية للاثنان، ثم حول نظرته المرعبة لستيف، طأطأ هذا الأخير رأسه بحزن وراح يترجى هو الآخر.

" سيدي الصغير، لقد كنت أنا المخطئ، سأعوض جميع من آذيناهم وأقدم استقالتي، لكن رجاءا لا تدخلهما في الموضوع، هما لم يفعلا شيئا سيئا".

نظر جول بفراغ لهم جيعا، وعمم سرا مهارة كشف الحالة وتفحص نسبة صدقهم ليجدها قد بلغت أقصاها.

"*تنهد*... حسنا لابأس، أسامحكم جميعا، لاداعي لتستقيلوا لكن ستعوضون من آذيتموهم جيدا، حسنا؟".

فرح الثلاثة بكلام جول واحتضنوا بعضهم ببهجة وهم يقفزون.

" جيد، تستطيعون الإنصراف الآن! لكن... إذا حدث وسمعت ماحدث هنا على لسان شخص غيركم... لن يبق لي كلام بعدها!".

قال جول بوضوح وعادت نظرته الظلامية، فوقف الثلاثة بثبات وضربوا بقبضتهم اليمنى صدرهم، لكن بينما ينهي جول كلامه بآخر جملة عاد ضغطه وظهرت النظرة المرعبة لعينه الحمراء رغم أنها مغطاة بشعره، إرتعش الثلاثة على إثر نظرة جول، ثم سارعوا بالإنصراف، غادر صديقا ستيف أولا، لكن قبل أن يفعل هو أوقفه جول.

" ستيف! لقد أعجبتني شجاعتك في تحمل اللوم بدل صديقيك، عليك أن تتحلى بها دائما!".

قال جول بابتسامة هادئة لستيف، فابتسم هذا الأخير واعتدل مجددا ليضرب صدره بقبضته كما في السابق.

" لن أخذلك مطلقا سيدي الصغير!"

صرخ ستيف باحترام شديد، لقد أعجب تماما بمدى حنكة سيده الصغير، رغم تفاجؤه -عن كيف يمكن لفتى في الخامسة إظهار هذه القوة والحكمة- إلا أن إحترامه له بات في عنان السماء، ودون أي كلام إظافي غادر خلف صديقيه عودة للمدينة تاركين جول خلفهم.

' تنهدت في يوم واحد أكثر مما فعلت في كلتا حياتي السابقتين كاملة'.

ابتسم جول قليلا وفكر،ثم رفع رأسه نحو السماء البرتقالية لغروب الشمس وأزال الغطاء عن رأسه.

"* تنهد*... لقد تأخرت! "

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _··...··_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

~~إنتهى الفصل~~

----------

سأشرح لكم تصنيفات العملة المستخدمة، وهي العملة الموحدة بين ممالك البشر جميعها.

أدنى عملة هي العملة المعدنية وتسمى الدياليس، تليها العملة البرونزية، ثم الفضية، فالذهبية، وأخيرا الألماسية وهي أندرها، حيث:

1000 دياليس(معدنية) = 1 برونزية

1000 برونزية = 1 فضية

1000 فضية = 1 ذهبية

1000 ذهبية = 1 ألماسية

شكرا على متابعتكم الجميلة وتعليقاتكم المحفزة والرائعة.

أرجو لها أن تصير مضاعفة ;)

2020/01/25 · 819 مشاهدة · 3013 كلمة
Abir Bell
نادي الروايات - 2024