كنت أعرف، تحول أمل نان إلى عقم.
لم يأتي كارنون لرؤيتي كما توقعت، رأيته فقط في مناسبات قليلة حيث التقت أعيننا من بعيد في بعض الممرات، ترجع إجتماعات الصدفة الى أننا نعيش في نفس القصر، وأنني كنت أتنقل كثيراً كلما كبرت.
كانت تلك الإجتماعات تافهة أكثر من مصادفة فراشة ترقص عبر الحديقة، لذلك لم يكن سبب لتدوينها في يوميات، أو إخفائها بعيداً في ذاكرتي.
قضيت أيامي بمفردي في قصر كونبيرتا الذي كان أبعد ما يكون عن القصر الإمبراطوري و الواقع في الزاوية، وبذلك بلغت الثامنة من عمري.
" لو كان الأمر كما كان في السابق، لكنت قد عوقِبت من قبل كارنون مراراً وتكراراً ".
تذكرت الأيام التي كنت أتسبب فيها بالفوضى، وأصرخ لأضهر أنني أفضل من راي، فقط لأجذب أنتباهه.
كم كنت مخزية حينها، أرفع آمالي مقابل لا شيئ، اتأذى وأبكي بمفردي.
أعتقد أن معرفة المستقبل شيء جيد، إذا لم يكن لدي المعرفة في هذه الحياة، فمن المحتمل أن أكون قد تشبثت بكارنون مرة أخرى، كان سيجعلني أخدع نفسي كما لو أنني لست محبوبة بدرجة كافية، هو ووجهه المتعالي.
" العيش بصدق، يعني عدم القيام بأي شيئ ".
في اللحظة التي سأجرب فيها شيئا ما، سينتهي بي الأمر بتنمية الكراهية والغضب، مما يؤدي إلى قتل راي وفقدانه مرة أخرى.
عندها قطع صوت غبي أفكاري.
" دوروثي! ".
هذا الصوت المقيت، كم هو مزعج.
كان من السهل جد إخراج كارنون من مؤخرتي، لكن لماذا هذا الشخص مهووس بي؟ لا أعلم.
" نان أنا لست هنا ".
إختبأت في الغابات القريبة والكثيفة للتهرب من راي، وفعلت ذلك في اللحظة الأخيرة عندما دخل حديقة كونبيرتا.
" نان، أين دوروثي؟! ".
" لا أعرف، أتساءل إلى أين ذهبت ".
لعبت نان دور الأحمق كما طلبت إنطلاقا من نبرة صوتها، يبدو أنها تعتقد أنني العب الغميضة مع راي.
" إنها ليست....غاضبة مني لأنني لم آت لرؤيتها مؤخرا، أليس كذلك ".
" هذا مستحيل! ".
نعم مستحيل، لماذا سأكون غاضبة لأنك لم تأتي؟ سأكون سعيدة بدلا من ذلك.
هززت رأسي في تكهنات راي المضحكة، تم الإعتراف به رسمياً وريثا للعرش، لذلك كان مشغولًا بسبب مراسم التتويج التي ستقام بعد أيام قليلة.
ولهذا السبب كنت أقضي وقتاً ممتعاً من الاسترخاء ولكن.
" كنت سأريها عنصري الخفيف أيضًا ".
تمتم راي بإكتئاب.
ليصبح المرشح لخلفة الإمبراطور، وكذلك التأهيل ليصبح الإمبراطور ميلانير، عليه تفعيل عنصر الضوء.
كانت هناك أسطورة عن كيفية تأسيس إمبراطورية أوبيرا، من قبل عنصرين من العناصر،ميلانير وفريد.
منذ زمن بعيد، إستعار العنصر الأولي ميلانير القوة من عنصر الضوء وجعل الشمس تشرق، في حين إستعار العنصر فريد القوة من عنصر الظلام وجعل الليل يسقط.
كان ميلانير يبث الحياة في الخلِيقة، بينما أهدى فريد تلك الإبداعات بالراحة الأبدية، حيث أحاط ميلانير العالم بضوء دافئ، ومنح فريد المأوى من وهج وحرارة النهار.
هكذا نشأ العالم و إمبراطورية أوبيرا.
العائلة الإمبراطورية لميلانير من نسل ميلانير، وعائلة فريد من نسل فريد، وهما الركيزتان الأساسيتان التي تدعم الإمبراطورية.
لكن كل هذا مجرد أسطورة قديمة جداً.
" لم أستدعي عنصرً من الضوء من قبل ".
مع مرور الزمن، ضعِفت الرابطة بين العائلتين والعناصر تدريجياً، أصبحت قوة ميلانير في جعل الشمس تشرق ظعيفة للغاية، لدرجة أنها أصبحت قادرة على إشعال حريق صغير فقط الآن، ماهو أكثر من ذلك أن الأطفال غير القادرين على التواصل مع العناصر الأولية تماماً، أصبحوا يولدون مؤخراً.
لم يكن أحد هؤلاء الأطفال سوا دوروثيا ميلانير، الفتاة التي لم ترث قوة وموهبة ميلانير، لطالما كان تقليداً أن مفعلي العناصر فقط لهم الحق في الخلافة ليصبحو إمبرطوراً، وقد أستُبعِدت من ذلك تماماً، من ناحية أخرى كان راي قادراً على إستدعاء عنصر في سن مبكرة، ومع نمو سيطرته على هذه القوة أعتبره الإمبراطور أخيراً جديراً بصفته ولي العهد.
مع ذلك، كان لدى الناس سبب آخر لعدم حبهم لي. لقد تخلصت من الأمل في أنه في يوم من الأيام، يمكنني أيضًا الحصول على عنصر الضوء الخاص بي، لم أتمكن مرة واحدة من إستدعاء إي منهم حتى يوم وفاتي، وقد أدى ذلك فقط إلى زيادة حسدي تجاه راي.
باه ، ما الضوء، وما العنصر. من المفترض أن يتحكم الميلانير القديم في الشمس ويجعل الحياة تنمو، ولكن الآن ، حسنًا، ربما يمكنهم إستبدال الفانوس لإضاءة الطريق في ليلة مظلمة؟ تكون ذات فائدة عند البحث عن مخزن تحت الأرض؟.
اليراعات غير المهمة هي ما هي عليه، بالكاد تحافظ على حكمها من خلال الإعتماد على التاريخ القديم.
لم أستطع قبول سلطة ذلك الضوء، ولم أستطع تقبل راي الذي وقف فوقي باستخدام تلك القوة التي لا قيمة لها.
لهذا السبب قررت أن أحمل السيف، لسرقة القوة التي كانت تمتلكها العناصر على العالم، لقد قدمت تصريحي بشفرة دموية في يدي: سآخذ التاج بنفسي، وأنهي عصر الأسطورة وأبدأ عصرًا جديدًا للبشر!.
لكنني فشلت في النهاية، غير قادر على إستخدام قدرة العناصر، لم يمض وقت طويل منذ أن صعدت إلى السلطة عندما تم إعدامي كطاغية.
ربما يكون صحيحًا أن العناصر الأولية هم من يقررون من يصبح إمبراطورًا، ربما كانت نهايتي البائسة هي العقوبة التي وجهتها الأسطورة العظيمة نفسها، نتيجة لغطرستي.
" نان، الا تعرفين إلى أين ذهبت دوروثي؟كنت سأقدم لها صديقاً ".
عندما كنت مختبئة في الغابة، منخرطة في الذكريات، بدا صوت راي في الجوار تماماً.
صديق؟ صديقه سيكون في نفس عمره على أي حال، سوف أتعب من الإجتماع.
لم أرغب في رؤية عنصر غير مسموح لي برؤيته، ولا صديق راي، لذلك قررت الإبتعاد عن المنطقة.
"....دوروثي ".
وهكذا بدأت لعبة غير متوقعة بتاتاً، إختبأت عن بصره وزحفت بعيداً شبراً شبراً، الشيئ الجيد في كونك صغيرا أنه مفيد للإختباء، خدشت أغصان الغابة جلدي الرقيق وآلمتني، لكن التعرض للخدش أفضل بكثير من اللعب مع راي.
بعد التحرك بحذر عبر الغابة لبعض الوقت، تمكنت أخيرًا من الهروب من الحديقة.
آسفة نان، سأترك راي لك، سأضطر إلى الصعود وأخذ قيلولة في غرفتي.
أنطلقت بخطوات خفيفة لكن....
رطم!
كان عقلي منشغلا بالبحث عن راي، لذلك أنتهى بي الأمر بالإصطدام بشيئ أسود خرج من الزاوية وأرتد بعيداً، وسقطت على أردافي.
" أوووه.. ".
فقط من في قصري غير نان؟نادراً ما يأتي الخدم والعاملون هنا إلا عندما يتعين عليهم صيانة المبنى.
" آسف، هل أنتي بخير؟ ".
مدت يد فجأة أمام وجهي عندما رأيت اليد، كانت بيضاء وجميلة وصغيرة جداً حيث لا تنتمي لشخص بالغ، رفعت رأسي للنظر إلى من قابلت....وتجمدت ببساطة، لم أستطع اخذ يده.
" هل تأذيتي بشدة؟ ".
عيون قرمزية جميلة وشعر أسود نفاث.
" ثيون.....".
لأنه كان هو....
خرج أسمه من شفتّي كالغريزة التي لا يمكن السيطرة عليها، وأصبح مفتوناً بعيون واسعة للحظة قبل أن يبتسم إبتسامة عريضة، كل تغير ضئيل وثمين لم يغب عن عينّي.
" أنت تعرفين أسمي؟ ".
كان صوته رقيقاً، لا يزال صغيراً، لكن مع ذلك لقد مر وقت طويل منذ أن سمعت صوته هذا.
" لماذا أنتي هنا؟ ".
فكرت أن أهرب منه، لكن جسدي لم يستمع إلي، كان قلبي ينبض بصوت أعلى من أي وقتٍ مضى، أتوق للذهاب إليه.
ثيون فريد، الرجل الذي علم قلبي كيف ينبض، رجل ذو شعر أسود أنيق وعينان قرمزيتان قويتان كانتا على النقيض من ذلك، ناهيك عن الجو الفكري حوله الذي كذّب جسده القوي الذي بدا قادراً على الجري طوال اليوم.
لكن الشيئ الذي هز قلبي أكثر من أي شيئ.
" مسرور بالتعرف عليك، الأميرة دوروثيا ميلانير ".
كان صوته المحترم والدافئ، لقد كان رجلاً قليل الكلام، ترقى إلى مستوى كونه محرراً إعتبر الصمت فضيلة، لقد كان شخصاً يتألق بمهارة مثل القمر الذي ينير ضلام الليل.
وحتى الآن، يتألق بشكل جميل أمام عيناي.
" آه...أنا متأسف جدا! لابد أنه يؤلم كثيرا! ".
ركع بجانبي وهوَ في حيرة من آمره وأخرج منديلا أبيض ليربت برفق على خدي.
عندها أدركت أنني أبكي، كانت الدموع تتساقط دون علمي، تغرق مقدمة ثوبي.
" تلوثت ملابسك أيضا، هل يمكنكي الوقوف؟ ".
بقلق، نفض ثيون الأوساخ والأوراق العالقة بتنورتي بعناية.
لقد أنهرت عند كلماته الرقيقة، ضغطت على فكي لإيقاف البكاء، لكني لم أستطع كبح جماح مشاعري.
شعرت بالإستياء والألم المؤلم، لكن في الوقت نفسه شعرت بفيض من الفرح.
" ...ثيون...ثيون ".
كنت خائفة من مقابلته، فحاولت أن أعيش متناسية إياه، ومع ذلك، على الرغم من ذلك، أشتقت إليه كثيراً وشعرت أنني أصاب بالجنون.
لقد كان حبيبي وزوجي....و الشخص الذي تخلى عني بإنهاء حياته.
' تذكري هذا....جشعك هو الذي قتلني '.
كانت كلماته الأخيرة لي قبل موته عبارة عن غضبه وإستيائه.
لكن ها هو الآن أمام عيني، حي جميل جداً.
لم يسعني إلا أن أمسك جعبته وألقي عارية شوقي المؤلم، كنت أعلم أنه سيعتقدني غريبة، لكني شعرت أنني سأنفجر خلاف ذلك.
" ....أفتقدك ".
بعد أن تركتني، حُكِمت كالطاغية وتم إعدامي، ومنذ ذلك اليوم الذي عدت فيه بالزمن، لم أتخيل سوا رؤية وجهك طوال تلك السنوات.
لم يستطع ثيون فهم معنى كلامي، لكن مع ذلك يمسح دموعي بلطف من أجلي.
كيف يمكنك أن تكون دافئا جدا، حتى في الوقت الحاضر؟.
أنت، الذي لم يلقي نظرة واحد إلي طوال طريقي، أنت الذي لم تأخذ يدي التي مددتها إليك.
اتسائل، كم من الناس عرفوا، أن الطاغية العظيمة دوروثيا ميلانير لم تقبل زوجها مرة واحدة من قبل؟
" أممم...لا تبكي ".
أخذني ثيون بين يديه بهدوء وربت على ظهري، حتى وأنا أغمغم كلامي، عناقه الدافئ، ذراعاه الناعمتان ملفوفة حولي.
آه ثيون....من فضلك.
لقد كانت أول مرة لي بين أحضانه.
هذا الدفئ جعلني أبكي بصوت أعلى مثل الأطفال.
" هااي، هااي ".
شعرت كأني أتممت واجبي الوحيد في الحياة، فقط بحقيقة أنه كان على قيد الحياة، قد يكون السبب وراء عودتي بالزمن.
" دوروثي! ".
ضهر صوت لامع من بعيد في تلك اللحظة.
إنطلق راي من الحديقة قبل أن يتوقف، نظر إلي ثم إلى ثيون وعبس.
" ثيون، هل جعلت دوروثي تبكي؟ ".
حدق راي في ثيون بعيون باردة تختلف عن طبيعته المعتادة.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
حسابي انستا تابعوني فيه ⬐
@evaa.81194
*****************❀