دمية الطاغية العزيزة – الفصل الأول
"سيُفسد الوحش ذو الشعر الأسود كالليل والعينين الحمراوين كالدم كلَّ شيء!"
كانت تلك أسطورة متوارثة في إمبراطورية دينهيلدر، داخل العائلة الإمبراطورية لروين. بعضهم قال إنها نبوءة خلفها ساحر عظيم، وآخرون قالوا إنها وصية إمبراطور عظيم ساد عصره.
لكن في الواقع، لم يهتم أحد كثيرًا بأصلها. اعتُبرت مجرد خرافة قديمة، حكاية من الزمن الغابر، قصة يرويها الأجداد لأحفادهم عندما يلحّون عليهم بسماع حكاية مسلية قبل النوم. لم تكن أكثر من ذلك، ولا أقل.
إلى أن جاءت الراقصة السوقية التي نالت رضا الإمبراطور روين الثالث، ودخلت القصر الملكي ببطن منتفخ كأنها تحمل جبلًا.
الطفل الذي أنجبته تلك الراقصة كان يحمل شعرًا أسود كظلام الليل، وعينين حمراوين كالدم، تمامًا كما جاء في الأسطورة. فجأة، اجتمعت الأصوات من كل حدب وصوب، مطالبة بقتله. قالوا إنه يجب تمزيقه إربًا، وتقطيع جسده ودفنه بعيدًا.
ولمّا ضاق الإمبراطور روين الثالث ذرعًا بضغوط النبلاء، استجاب لمطالبهم. ألقى بالرضيع الذي لم يُفطم بعد في النهر، وتركه وحيدًا في غابة تعجّ بالأسود والوحوش. لكنه لم يمت.
حتى عندما رُبطت به صخرة وأُلقي في الماء، لم يغرق. وعندما غُمّس بجثث الحيوانات وأُلقِي في الغابة، لم تلتهمه الوحوش.
لقد نجا، وكبر، وصار يُعرف باسم رايتان، وهو اسم يعني "الملعون".
كان كل أفراد العائلة الإمبراطورية في دينهيلدر ذوي عيون زرقاء وشعر أشقر—علامة وراثية للعائلة المالكة عبر الأجيال. وسط هؤلاء الأشقر أصحاب العيون الزرقاء، كان وجود رايتان أشبه بجسم غريب.
لم يقبله أحد. اضطهدوه وسخروا منه. عاش كغريب، منبوذ لا يمكن أن يندمج مع أيٍّ منهم.
وحشٌ مروّع.
بعضهم قال: "سيأتي اليوم الذي يدمر فيه كل شيء، تمامًا كما ورد في النبوءة". وبدا أن الجميع مقتنعون بتلك الفكرة، فهم لم يفوتوا فرصة للحديث عن طرده من القصر قبل أن يُحدث كارثة.
لكن، وبعكس كل تلك التوقعات، لم يفعل رايتان شيئًا. نشأ بهدوء، بطريقة غير متوقعة مقارنةً بظروفه. عاش كأنه غير موجود. لا يرد على الأذى، ولا يعترض. رغم ما لقيه من إخوته غير الأشقاء، لم يعارضهم مرة.
كأنه دمية حيّة.
مهما فُعل به، ظل ساكنًا وصامتًا.
ملعون.
مهما فعل، لم يستطع أن يحظى بقبول أحد.
هذا هو رايتان.
لكن عندما بلغ الثالثة والعشرين، تغيّر كل شيء بعد مقتل والدته ليجيه.
القاتلة كانت إحدى الخليلات أيضًا، تُدعى يرنا. في الواقع، لم تكن ليجيه أول ضحايا يرنا، فقد قتلت العديد من النساء في القصر. لكن لو أنها تجنّبت قتل ليجيه، لما اندلعت الثورة. ربما كان رايتان سيواصل العيش بهدوء كما اعتاد، مهما لقي من احتقار.
لكن كل شيء انقلب فجأة—تمامًا كما ورد في الأسطورة.
تحوّل القصر إلى جحيم حيّ في ليلة واحدة. رايتان قتل الجميع بجنون: يرنا، والخدم المخلصين للإمبراطور، والجواري، والنبلاء...
وأيضًا إخوته غير الأشقاء.
سيتس روين كانت واحدة من أولئك الإخوة. أو بشكل أدق، كانت ابنة يرنا الوحيدة—المرأة التي قتلت ليجيه.
"هاه... هاه..."
بينما كانت سيتس تهرب مذعورة، لم تستطع تصديق ما يحدث. انقلاب؟ من رايتان؟! بدا الأمر كالحلم، بل كالكابوس. لكنها لم تكن تتوهّم. أولئك الذين دخلوا جناحها وقتلوا وصيفاتها وخدمها كانوا فعلًا من طرف رايتان. لو لم تكن محظوظة، لكانت قد ماتت معهم.
ومع ذلك، شعرت سيتس بالظلم. صحيح أن الجميع كانوا يعرفون ما يتعرض له رايتان من تعذيب، وهي لم تكن استثناءً، لكنها لم تؤذه يومًا بيدها.
مثلاً، عندما علم النبلاء أن رايتان في المكتبة وأشعلوا فيها النار، أو عندما أجبروه على السقوط في البحيرة، أو عندما رموه بالحجارة وأصابوه في رأسه... لم تفعل شيئًا.
صحيح أنها لم تحاول إيقافهم، لكنها أيضًا لم تكن مشاركة.
في الحقيقة، حال سيتس لم يكن أفضل بكثير. ربما عانى رايتان أكثر بسبب "لعنته"، لكن سيتس أيضًا عانت من الإهمال والنبذ.
أمها يرنا لم تحبّها يومًا. السبب؟ فقط لأنها أنثى.
"كل شيء بسبَبِك! لولاكِ، لما كنت أعيش هذا الجحيم! لماذا وُلدتِ فتاة؟!"
تلك كانت كلمات تكررها يرنا على مسامعها باستمرار.
حتى أولاد الخليلات الأخريات كانوا يحتقرونها، ويصفعونها لمجرد أنها نظرت إليهم. لم يكن لسيتس أي سند، ولا حتى أمها.
سيتس كانت مثل الأرز البارد، ورايتان كالخُبز الفاسد.
كلاهما منبوذ. لذلك لم يكن لديها الوقت أو القدرة لتساعد رايتان. بالكاد كانت تستطيع النجاة بنفسها.
كلما رأت رايتان يُعذّب، فكرت: "غدًا سيأتي دوري". ولم تخطئ مرة.
كل ما كانت تريده هو الهرب من ذلك الجحيم المسمى "القصر". خبّأت بعض المجوهرات التي لم تعد أمها ترغب بها، وتدرّبت سرًّا على كيفية طلب الإذن بالخروج من القصر.
… لكن لو كانت تعلم أن رايتان سيشعل القصر ثورة، لهربت منذ زمن، حتى لو اضطرّت لتسلق الأسوار.
"يبدو أنك مشغولة للغاية."
هاه! توقّفت سيتس فجأة، كأن الزمن توقف. صوتٌ خلفها جعل قلبها يهبط إلى قدميها. التفتت ببطء متيبّسة، لترى رايتان يقف خلفها.
عينيه الحمراء بدت أكثر توهجًا من أي وقت، كأن الدم يقطر منهما. وجهه ملطخ بدماء حمراء فاقعة.
"مرحبًا، سيت."
"را، رايتان... أخي..."
"إلى أين تظنين أنك ذاهبة؟"
إلى أين؟ إلى الهرب، طبعًا...