الفصل 40....
على عكس قاعة الاحتفال المزدحمة بالناس، كانت الشرفة هادئة وخالية نسبيًا. من حين لآخر، كان أحدهم يدخل إليها، لكن ما إن تقع عيونهم على كارولين حتى يغادرون بسرعة، وكأن حضورها وحده يكفي لطردهم.
كارولين بدت ناضجة أكثر من عمرها، ولم تكن مثل باقي الناس الذين يشعرون بالرهبة من رايتان. بل على العكس، كانت تنظر إليه مباشرة بعينين يملؤهما الفضول. لكنها لم تكن فظة أو وقحة كما كانت الأميرة ليليان، بل مختلفة بطريقتها.
لقد كان من الواضح أن كارولين لا تشبه الفتيات النبيلات العاديات. ربما لأنها ابنة دوق عظيم مثل دوق ريجنت، تساءل رايتان في نفسه.
قالت كارولين بابتسامة هادئة: "على كل حال، أنا سعيدة حقًا بلقائنا."
كانت جميلة تحت ضوء القمر، لكن جمالها لم يجذب انتباه رايتان حقًا. عينيه كانتا مشغولتين بشخص آخر، بشخص يقف وحيدًا في مكان ما... "سيث".
ثم قالت كارولين وكأنها تقرأ أفكاره: "سمعت من الخادمات أن علاقتكم بالأميرة سيث قريبة جدًا."
حدّق بها رايتان بحدة عند ذكر اسم سيث المفاجئ.
تابعت قائلة: "أنتم حتى أتيتم سويًا إلى الحفلة. يبدو أن ما سمعته لم يكن مجرد إشاعة."
فردّ رايتان بنبرة باردة: "ليست مرتبطة بأحد بعد. لا بأس أن يرافقها شقيقها، أليس كذلك؟"
ابتسمت كارولين وقالت: "لم أقصد أن ألومكم. أردت فقط أن أقول إنكم تهتمون بها كثيرًا. أليس كذلك؟"
لم يرد رايتان، فاكتفت هي بغمغمة خفيفة: "ربما كنت أتوقع أن ترافق الأميرة ليليان، لا سيث."
كلماتها كانت مغطاة بالسم، لكن رايتان لم يظهر عليه التأثر سوى بتعبير بارد وجليدي.
قالت: "الجميع تفاجأ بظهوركم في الحفلة، وأنا أيضًا. لم أكن أظن أنكم ستحضرون، والأقل أن تأتوا برفقة أميرة."
ضحك رايتان بابتسامة جانبية وقال ساخرًا: "لم أكن أتصور أن ابنة دوق ريجنت، بعد كل هذا، ستبدأ في طرح الأسئلة عني وعن ما يحدث في القصر."
ردّت كارولين بهدوء: "ربما، لكنني عرفت أشياء كثيرة بفضلكم."
اقترب منها رايتان وخفض صوته ونظر إليها بعينيه الحمراوين تحت ضوء القمر، وقال بنبرة غامضة: "بما أنك تعرفين الكثير... لماذا تهتمين بي إذًا؟"
الجميع يعرف تاريخ رايتان مع المعاناة، وكل ما عاناه داخل القصر. كارولين تعرف ذلك بالتأكيد. ومع ذلك، لم يكن هناك سبب منطقي لأن تهتم به، خصوصًا وهي تنتمي إلى أقوى عائلة في الإمبراطورية.
لكنها ردت بجواب مفاجئ وجريء: "أصبحت مهتمة بك."
"مهتمة؟"
قالت مبتسمة: "سمعت أنكم لا تبكون ولا تنكسرون مهما تعرضتم للإهانة. ليليان لا تحب هذه القوة. أما أنا، فأعجبت بها."
"كل هذا بسبب إشاعات؟"
"بدأ الأمر بالفضول، لكنه تطوّر إلى اهتمام. وبعد رؤيتكم بعيني، أصبح أكثر من مجرد فضول."
ابتسم رايتان بسخرية وقال: "غريب ذوقكِ بالنسبة لفتاة نبيلة. ألا تخافين من الأساطير التي تُقال عني؟"
فأجابته: "أنا لا أؤمن بالخرافات."
"خرافات؟"
زمّ رايتان حاجبيه باستياء.
قالت: "كلام فارغ اخترعه الضعفاء. أنا فقط أحب الرجال الأقوياء. مثل أبي."
عرف رايتان عن والدها، دوق ريجنت، الذي وُلد من زوجة ثانوية، وتعرّض للنبذ، لكنه ورث العائلة بعد موت شقيقه فجأة، وصنع لنفسه مجدًا في الحرب. البعض يقول إنه قتل شقيقه بنفسه، لكن لم يجرؤ أحد على قولها علنًا... لأن الجميع يخافه.
نظر رايتان إليها وقال ساخرًا: "إذاً يعجبكِ الرجال المجانين. مثل والدك."
ابتسمت كارولين برقة وقالت: "ربما... لكن أليس الجنون جميلًا أحيانًا؟"
بالنسبة لرايتان، لم يكن السبب مهمًا. اهتمام كارولين به قد يكون مفيدًا. لم يكن يحتاج كارولين نفسها، بل عائلتها. كما قالت ليز، كارولين كانت فتاة يمكن استغلالها جيدًا. وإن كانت هي من اقتربت منه أولًا، فهذا أفضل له.
نظر إليها بابتسامة باردة، ثم قالت: "بما أننا التقينا اليوم، لمَ لا نحتفل بكأس نخب؟"
تناولت كأسًا من النبيذ وسكبت لنفسها وله، النبيذ بلون الدم تمامًا، يشبه عينيه.
"أتمنى أن أراك كثيرًا من الآن فصاعدًا."
"......"
"يمكننا ذلك، أليس كذلك؟"
أجابها بهدوء: "...ربما."
ابتسمت وهي تمد له الكأس، فتناولها منه، وصدمها بكأسه.
وقبل أن يشرب، رأى شيئًا في الأسفل، في الحديقة، لم يكن يتوقعه إطلاقًا.
ماتيا وسيث.
---
في الحديقة
رغم أن سيث قالت إنها بخير، كان ماتيا قلقًا للغاية. ساعدها على المشي وخرج بها من القاعة المزدحمة، ليأخذها إلى الحديقة أمام مكان الاحتفال.
أجلسها بلطف على صخرة كبيرة وسألها: "هل تؤلمكِ قدمكِ كثيرًا؟"
كانت سيث على وشك أن تجيبه بأنها بخير، لكنها عبست من الألم دون قصد. يبدو أنها التوت كاحلها بقوة. الألم كان لا يُطاق، وبدأ التورم بسرعة. كانت مصيبة.
قال ماتيا وهو ينهض: "سأرسل خادمًا ليحضر طبيبًا فورًا."
صرخت سيث: "لا، لا حاجة! سأعود إلى جناحي وأتلقى العلاج هناك. ما زلت أستطيع التحمل..."
كذبت. لم تكن تستطيع حتى تحريك قدمها دون ألم. لكنها لم ترد أن تزعج ماتيا أكثر من ذلك، خاصة بعدما لاحظت نظرات الناس لهم عندما ساعدها على الخروج. لا تريد جذب الانتباه أكثر.
قال ماتيا: "على الأقل، دعيني أوصلك إلى جناحك؟"
هزّت رأسها. لو رآها أحد في الطريق، ستصل الأخبار إلى ليليان، وربما إلى رايتان أيضًا. لا يمكنها تركه بعد أن جاء معها من أجلها. لا، لن تتركه وحده.
قالت له بلطف: "أنا بخير، يمكنك العودة. ألم تقل إنك أتيت مع قريبك؟ لا تجعله ينتظر أكثر."
لكن ماتيا لم يبدُ مستعدًا للمغادرة. نظر إلى كاحلها المتورم، ثم انحنى أمامها وقال:
"هل تسمحين لي بفحص قدمك؟"
"هاه؟"
ابتسم وقال: "أنا لست طبيبًا، لكن يمكنني تقديم إسعافات أولية..."
---