دمية الطاغية العزيزة
الفصل 41
"را- رايتان، أخي!"
صرخت سيث بصوتٍ مرتجف وهي تناديه بقلق. لكن رايتان لم يتحرّك. ظل ممسكًا بياقة ماثياس، يحدّق فيه بنظرة قاتلة.
"سألتك، ماذا كنت تفعل؟"
وحين لم يأتِه أي جواب، كرر رايتان سؤاله بصوت بارد وخطير.
بدا ماثياس مرتبكًا، وكأنّه يحاول تحليل الموقف قبل أن يرد بهدوء:
"صاحبة السمو الأميرة سيث التوت كاحلها، فاستأذنتُ لأتفقّده. أرجو المعذرة."
ارتعشت حاجبا رايتان.
"إنه يقول الحقيقة، أخي! عندما كدت أقع وأنا أخرج من قاعة الاحتفال، هو من ساعدني..."
تدخّلت سيث بسرعة لتدافع عن ماثياس. لم يكن غريبًا، فقد بدا رايتان على وشك ضربه، ولو فعل، فستقوم كارثة لا تُحمد عقباها. كان عليها إيقافه بأي ثمن.
"....."
صمت رايتان لبرهة، ثم نظر إلى سيث. رأى كاحلها المتورم يطل من تحت ثوبها. ترك ماثياس جانبًا بفظاظة، واقترب منها.
"آه... يؤلم..."
همست سيث حين أمسك رايتان بكاحلها فجأة. بدت عليه علامات الغضب، وقال بصوت منخفض:
"من فعل بكِ هذا؟"
"هاه؟"
"قلت من الذي جعلكِ بهذا الحال؟"
رايتان بدا مقتنعًا أنّ أحدهم آذاها. لكنه، لو أردنا الصراحة، هو السبب في إصابة كاحلها. فلو لم تخرج للبحث عنه، لما تعرضت لهذا. لكن لم يكن بإمكانها قول ذلك له مباشرة، فلوّحت بيديها وقالت:
"لقد تعثرت فقط... الكعب كان عاليًا جدًا."
"....."
"لكن الإصابة بسيطة! الطبيب قال إنه يمكنني وضع كمادات وسأتعافى بسرعة."
قال ماثياس وهو لا يزال واقفًا بهدوء:
"الرباط قد تمدد قليلاً، لكن لا يوجد كسر، لحسن الحظ."
أدركت سيث حينها أن ماثياس شخص أكثر رُقيًا مما ظنت. حتى وإن كان رايتان أميرًا، إلا أن ماثياس لم يغضب حين أمسكه من ياقة سترته. لم يُظهر أي انزعاج.
"أنا آسف. لو انتبهت أكثر، لما أصيبت صاحبة السمو."
"…انتباه؟"
كرّر رايتان الكلمة بنبرة مشككة، وهو يحدّق بماثياس.
"تشرفت بلقائكم، سمو الأمير رايتان. أنا ماثياس كاريم. آسف على تأخّر التحية."
"….."
"كنت فقط أؤنس صاحبة السمو لأنها كانت وحيدة."
حدّق رايتان بعينيه الحمراوين في ماثياس. ماثياس كاريم... نعم، كان يعرف هذا الاسم. ابن دوق كاريم الوحيد، معروف بذكائه وسلوكه الرفيع.
لكن رغم ذلك، لم يرتح له. لم يعجبه.
"يبدو أنني تصرفت بطريقة وقحة."
كانت هذه جملته الوحيدة كنوع من الاعتذار، لكنها خرجت ببرودٍ تام، وكأنّه غير نادم. فشعرت سيتسو بالحرج الشديد.
أما ماثياس، فابتسم بلطف، وكأنه لم ينزعج أبدًا.
"سمو الأمير…"
التفتت الأنظار فجأة إلى مصدر الصوت. كانت كارولين، قد خرجت من القاعة للتو.
ظهرت الدهشة على وجهها تمامًا كما كانت على وجه سيث. فقد رأته يترك النخب فجأة ويركض خارجًا دون أن يقول شيئًا. توقعت أن شيئًا خطيرًا قد حدث، لكنها فوجئت بأن كل ما جرى كان بسبب الأميرة سيتسو.
كارولين انحنت بأدب وقالت:
"تشرفت بلقائكم، صاحبة السمو. اسمي كارولين ريجينت."
"أوه، نعم... تشرفتُ بلقائكِ."
عقلها لم يكن معها. ماثياس اقترب منها فجأة، رايتان أمسكه بعنف، والآن كارولين ظهرت... سيث كانت تعرفها. رأتها عدة مرات في حفلات الشاي التي تنظمها ليليان. وهذا ما جعلها تشعر بعدم الارتياح، لأنّ فتاة قريبة من ليليان لن تنظر إليها نظرة طيبة.
رايتان رمق كارولين بنظرة سريعة، ثم أعاد تركيزه على سيث.
"هل تستطيعين المشي؟"
ساعدها على الوقوف برفق، ثم التفت إلى ماثياس:
"سنأخذ إذننا. تحتاج الأميرة للعلاج."
"بالطبع."
أجاب ماثياس بأدب.
"كان من دواعي سروري، صاحبة السمو. آمل أن نلتقي مجددًا."
"لقاء آخر؟" فكرت سيث. لا يبدو أنّهما سيلتقيان مرة أخرى. هذا اليوم كان مجرد حدث خاص، ولن تتكرر الظروف. ابتسمت ابتسامة مصطنعة والتفتت إلى كارولين.
لكن قبل أن تتحدث، سبقتها كارولين قائلة:
"سمو الأمير... يبدو أنكَ تهتم بصاحبة السمو كثيرًا."
"…ماذا؟"
"لا شيء. سعدتُ بلقائكم. عودوا سالمين."
وما إن أنهت كلامها، حتى وضع رايتان ذراعه حول سيث وبدأ بالسير دون أن يلتفت خلفه.
"….."
كارولين، التي بقيت مع ماثياس، تابعت الثنائي بنظرات خضراء مليئة بالحيرة.
---
"لو كنت أعلم أن الأمر سيصل لهذا، لكنت طلبت عربة..."
قالت سيث في نفسها وهي تمشي وهي تترنح قليلاً، تنظر إلى رايتان بحذر. كان يمسك بها ليسندها، لكن بدا عليه التوتر. تُرى، ما الذي أغضبه؟
"ماذا؟"
نظر إليها فجأة وسأل:
"إن كان يؤلمكِ كثيرًا، فلنأخذ استراحة."
"لا، ليس الألم..."
"لا تجادلي."
ثم جرّها برفق إلى أحد المقاعد. لحسن الحظ، كان الطريق مليئًا بالحدائق والمقاعد. خلع سترته، فرشها على المقعد، وأجلسها فوقها.
"أين كنت؟ لقد انتظرتك وقلقت."
"كنت مشغولًا بأمر ما."
"أمر؟" مالت برأسها في استغراب. هو بالكاد وافق على حضور الحفل، والآن يقول إن لديه عملاً؟ ربما... كما اقترب منها ماثياس، ربما أحدهم أوقف رايتان أيضًا؟ كارولين مثلًا... فكّرت ثم سألت:
"وهل أنهيت ذلك الأمر؟"
"....."
"أخي؟"
لم يكن قد أنهى شيئًا. لقد ترك كل شيء وركض إليها.
"كيف حال قدمكِ؟"
غيّر الموضوع متعمدًا.
"بخير. قال ماثياس إنه لا يوجد كسر. سأطلب من لونا أن تضع كمادات عند عودتي."
"هل بقيتِ معه طوال الوقت؟"
"هو من بدأ الحديث، وكان لطيفًا جدًا! حتى أنه اهتم بي كثيرًا."
تجمّدت ملامح رايتان قليلاً. تذكّر كلمات ماثياس: "آمل أن نلتقي مجددًا." وتذكّر وجهه حين أمسك بكاحل سيتسو، ووجنتيها المتوردتين...
"وهل أعجبكِ أيضًا؟"
"ماذا؟"
لو فكّر بالأمر... فهذا سنّها، طبيعي أن تبدأ بلقاء الآخرين، وتُعجب بشخص ما. هي أميرة، نعم، لكن أيضًا فتاة...
(يتبع...)