---

الفصل 42

وصلت "سيزو" بسلام، وهي محمولة على ظهر "رايتان".

وما إن أنزلها على السرير، حتى وقف بصمت دون أن يقول شيئًا. في العادة، كان سيرمي بجملة باردة مثل "نامي فقط" ثم يغادر دون اهتمام. لكن هذه المرة، ظلّ "رايتان" يحدّق في "سيزو" بصمت لفترة طويلة.

ظنّت "سيزو" أنه ربما لديه ما يقوله، فانتظرت بصبر... لكن ذلك كان كل شيء. لم يقل حتى "تصبحين على خير"، بل خرج هكذا بكل بساطة.

قالت "سيزو" وهي تلتفت:

"أليس أخي غريب الأطوار اليوم، يا لونا؟"

ردّت "لونا" وهي تميل برأسها قليلاً:

"لست متأكدة...؟ صحيح أن تعابير وجهه كانت جامدة بعض الشيء، لكن... هكذا هو دومًا، أليس كذلك؟"

همهمت "سيزو" متسائلة، وهي تميل برأسها بدورها.

عندها، خطر ببالها فجأة الحوار الذي دار بينهما قبل قليل:

[سأتذكّر هذا اليوم طيلة حياتي. شكرًا لك حقًا، أخي.]

[طالما هذا ما تشعرين به... فهذا يكفيني.]

حتى حينها، كان يبدو على وجهه تعبير غريب... كأنه حزين بطريقة ما.

وظلت "سيزو" طوال الوقت، بينما "لونا" تعتني بقدميها، مشغولة التفكير بـ"رايتان".

بعدها، وضعت الزهرة التي وضعها "رايتان" في شعرها في مزهرية ووضعتها بجانب النافذة، ثم فتحت النافذة وأسندت جسدها للأمام تحدّق بشرود في بتلات الزهرة المتمايلة في الرياح.

كانت نفس الزهرة التي رأتها في حلمها...

وكذلك نفس الكلمات التي قالها "رايتان":

"تناسبك تمامًا."

"لكن "إيتون" قال إن بإمكاني أن أهبّ رياحًا، وربما أرى أحلامًا تنبؤية أيضاً...

لكنني لم أفعل شيئًا..."

ومع حلول الليل واقتراب الفجر، لم تتمكن "سيزو" من النوم بسهولة، فقد كان ذهنها مشغولًا. ومع أن التفكير لم يقدها إلى أي حل، لكنها ظلت تتقلب طويلاً قبل أن تغفو أخيرًا.

لكن حتى ذلك النوم الشاق لم يدم طويلًا، إذ استيقظت مع أول ضوء من الفجر. فقد جاءت "ييرنا" مسرعة ما إن سمعت أن ابنتها ذهبت إلى حفل الديبيوتانت.

---

"ييرنا" جلست بوجه متجهم وهي ترتشف الشاي.

أما "سيزو"، فجلست في الجهة المقابلة تراقب تعابير والدتها دون أن تجرؤ على الكلام.

كانت تتوقّع أن تأتي "ييرنا" بعد ما فعلته... بل توقعت أن تُضرب أيضًا.

لكنها لم تُضرب. حتى بعد أن أنهت نصف كوب الشاي، لم تنبس "ييرنا" ببنت شفة.

طالت الصمت، وبدأت "لونا" تشعر بالتوتر. كانت واقفة عند الباب، شاحبة الوجه، مستعدة للتدخل إن تطور الأمر.

وأخيرًا، بعد صمت طويل، قالت "ييرنا":

"أوسن أخبرني... أنك ذهبتِ إلى حفل الديبيوتانت البارحة."

"نعم."

"من دون أن تنطقي بكلمة واحدة لي..."

"أنا آسفة جدًا، لم أستأذنك مسبقًا..."

أسرعت "سيزو" بالاعتذار.

"كنت أعلم أنكِ لن تسمحي لي... لكنني كنت أتمنى فقط أن أذهب مرة واحدة، ولو لمجرد التجربة..."

خفضت رأسها وهي تتظاهر بتعبيرٍ بائس، لا لأن "ييرنا" كانت تخيفها، بل فقط لذرّ الرماد في العيون.

لم تكن لتُكترث لو غضبت والدتها أو سبّبت مشكلة، لكن لم يكن من الممتع أن تُضرب كالحيوانات.

وظلت "ييرنا" صامتة للحظة. حتى بدت زيارتها بلا فائدة. أما "سيزو"، فظلت تعبث بثوبها بصمت وهي تخفض رأسها.

ثم فجأة، ردت والدتها بكلمات لم تتوقعها:

"حسنًا. بما أنكِ ذهبتِ بالفعل، فلا فائدة من الحديث الآن."

"... ماذا؟"

"يبدو أن البعض رأى أنكِ لم تبدي مظهرًا سيئًا. من ساعدك؟"

"آه، في الواقع..."

"كانت 'ليز'؟"

سألتها "ييرنا" بنبرة حادة. وهي محقة في شكّها، فمن بين من تعرفهم "سيزو" في القصر، لا أحد سوى "رايتان" و"ليز" يمكن أن يقدم لها يد المساعدة. وكان ذلك صحيحًا.

لكن "سيزو" لم ترغب في توريط "ليز"، فكذبت قائلة:

"في الحقيقة، آنسة 'ليز' طلبت مني أن أستأذنك أولاً. أنا من أصررت، وهي ساعدتني رغمًا عنها."

"همف. لا بد أن إرضاءك لم يكن صعبًا عليها. رغم أنها بالكاد على قيد الحياة، ما زالت تفضّل التدخل في ما لا يعنيها."

"سيزو" لم تُعلّق.

ثم تابعت "ييرنا"، غاضبة:

"لكن، هل يعقل أن تتلقّي مرافقة من ذلك الملعون؟! هل تفكرين أصلًا؟!"

"أعتذر... لم يكن هناك من يرافقني، فطلبت منه."

راحت "ييرنا" تهمس بكلمات غاضبة وحدها: "أناس منحوسون"، "امرأة على وشك الموت، لكنهم يتجولون وكأن لا شيء يحدث"... ألفاظ مألوفة.

استمرت في كلامها لفترة، ثم تنحنحت فجأة.

"على أية حال، يبدو أن أحدًا أعجب بك في الحفل."

شعرت "سيزو" بقلق غريب.

"رجل محترم، رغم أن عمره كبير قليلًا."

"..."

"رجل لا يجرؤ أمثالكِ حتى على الحلم بالوصول إليه."

وعندها، أدركت "سيزو" من المقصود بذلك "الرجل المحترم".

نفس الدوق العجوز الذي حاولت "ييرنا" تزويجها له قبل أن تُعدم، في حياتها السابقة.

رغم أن التسلسل الزمني يبدو مختلفًا، إلا أن عمرها كان يقترب من 17، وهو السن الذي حاولت فيه "ييرنا" تزويجها به آنذاك.

"رجل محترم"؟ هراء. صحيح أن الدوق ينتمي لعائلة عظيمة ويملك ثروة، لكنه كان يضرب زوجته، ابنته، وحتى جواريه.

وسمعت "سيزو" يومًا أن زوجته الأولى، بعد تحمّل العنف الشديد، فرت هاربة.

ولا يعقل أن "ييرنا" لم تكن تعرف هذا. لكنها، رغم ذلك، حاولت بيع ابنتها لذلك الرجل. لا يُصدّق.

قالت الأم:

"المهم أن تعرفي هذا. وكوني حذرة بتصرفاتك. إن انتشرت إشاعة ما، ربما يغيّر الدوق رأيه."

وإذا غيّر رأيه، فليكن! سيموت قريبًا على أية حال.

حتى في حياتها السابقة، توفي فجأة بسبب مرضه المزمن.

تذكرت حينها كيف شعرت بالراحة حين وصلها الخبر. ولم تشعر بأي تعاطف، فهو رجل يضرب النساء بلا رحمة.

بل فكرة أنه كان يطمع في فتاة بعمر ابنته، جعلته أكثر قرفًا. مجنون قذر.

نهضت "ييرنا" من مكانها بعد أن أنهت كلامها، دون أن تنظر للخلف. "سيزو" كانت تتمنى فقط أن تغادر بسرعة.

لكنها، قبل أن تخرج تمامًا، توقفت فجأة وقالت:

"توقّفي أيضًا عن تلك الدروس الخاصة."

"عذرًا؟"

"ما زلتِ تأخذين دروسًا من ذلك الرايتان، كل يوم!"

"..."

"أراهن أنكِ ذاهبة إليه اليوم أيضًا. اذهبي وأخبريه بنفسك أنكِ ستتوقفين. لا شيء جيد سيأتي من علاقتك به، وخصوصًا الآن!"

"لكن أمي، أنا..."

"سأتأكد غدًا. وإن اكتشفت أنكِ ما زلتِ تلهين مع ذلك الرايتان، فلن تسري الأمور كما ترغبين."

كانت تجعل "سيزو" تخبره بنفسها حتى لا يُقال إن "ييرنا" تدخلت في أمر "الرايتان" وربما تسببت في نقمة من "ليز" أو الإمبراطور نفسه.

أمرها مكشوف لدرجة تبعث على الخجل.

وغادرت "ييرنا" بعدها بشكل حاد. اقتربت "لونا" وقالت بقلق:

"مولاتي..."

لكن "سيزو" لم ترد. فقط قبضت على يدها بصمت، بوجهٍ قاتم.

---

كانت خطوات "سيزو" في طريقها إلى قصر "ليز" ثقيلة للغاية.

رغم أن تهديد "ييرنا" واضح، فإنها لم تكن تريد التوقف عن تلقي الدروس من "رايتان". بل كانت تتمنى الاستمرار في تعلم الكازاخية معه.

ليس فقط لأنها أحبت اللغة... فقد تحسّن مستواها كثيرًا، وبلغت حدًّا يمكنها فيه الدراسة وحدها.

لكن الوقت الذي كانت تقضيه مع "رايتان"... كان يسعدها.

(يتبع...)

2025/06/03 · 15 مشاهدة · 994 كلمة
Nina Manina22
نادي الروايات - 2025