الاستسلام لم يكن يوماً خياراً متوفراً في حياة مارا. لطالما كانت الراحة ترفاً بعيد المنال بالنسبة لها . والدها "توماس" شخصٌ ميالٌ للكمال . لايحب شيئاً في العالم أكثر من نفسه، ولا يغفر أيّ خطأ قد " بنظره" يؤذي سمعته.

قد تكون الطريقة التي تربت فيها مارا على يد هذا الرجل القاس هي السبب الأساسي في هدوئها المرعب تجاه مايحصل معها الآن.

في صباح يوم الأحد حين استيقظت في المستشفى مرة أخرى بعد فقدانها وعيها نتيجة خوفها الشديد من رؤية الدم على يدها، تصرّ على ذهابها للمنزل مجادلة ألكسندر

إيتانا: ما الفائدة من بقائي متقوقعة في هذه الغرفة أتعفن منتظرة نتائج تحاليل أعرفها مسبقاً؟ ما الذي سينتج عن حبسي هنا ؟ ليس وكأن الأطباء -بمعجزة ما- سيكتشفون المشكلة التي ليس لها وجودٌ أساساً.

ألكسندر: أعرف أن وجودك هنا ليس شيئاً تفضلينه، ولكن لا يجب أن تتجاهلي ماحدث معك. قد..

إيتانا بنبرة غضب وإحباط: وما الذي حدث معي؟ لقد بقيت هنا لثلاثة أيام، قابلني كل أطباء المشفى، خضعت لكل أنواع الفحوصات . والآن أريد الذهاب للمنزل. لقد مللت وتعبت من كل هذا الهراء.

د.آدم متدخلاً: في الحقيقة سيد بيرسي، أظن أن الآنسة محقّة. كطبيبها الذي يتابع حالتها منذ الحادث وحتى الآن ، أتجرأ أن أقول أن العامل النفسي هو أهم شيء بالنسبة لها. وبالنظر لحالتها الصحية لا أظن أن بقائها هنا يفيدها بأي شيء. بل عل العكس.. أظن أن وجودها في بيئة مريحة قد يكون أفضل لها في ظل الظروف الراهنة. كما أنها شخص بالغ.. ولا يمكننا إجبارها على البقاء في المشفى إن لم يكن هناك داع طبي.

يأذن د.آدم لإيتانا بالخروج من المشفى.. غير مدرك بما يدور في بالها أو أنها قد استعادت ذاكرتها.

..

لاحقاً ذاك اليوم.. وفي تمام الساعة الخامسة

تجلس إيتانا على كرسيّ في غرفة الانتظار شعرها الأسود الحريري منسدلاً على كتفيها يصل حتى ركبتيها حين تقف عند سماع اسمها وتدخل إلى غرفة الطبيبة لوسي تيرنر المختصة بعلم النفس والتي كانت تتابع حالة إيتانا منذ الحادث وتساعدها على استعادة ذاكرتها.

إيتانا: مساء الخير..

لوسي: تفضلي بالجلوس عزيزتي.. كيف حالك اليوم؟

إيتانا : لا بأس .. بخير

بعد تجاذب أطراف الحديث بودّ تتطرق الطبيبة إلى الموضوع الأهم

لوسي: حسناً.. هل هنالك شيء عليّ معرفته عن الأسبوع الماضي؟

تقف إيتانا وتذهب لتتكأ على الحائط بجانب النافذة محدقة في الفراغ.. مدركة تمام الإدراك أنها لا يمكنها الكذب على طبيبتها النفسية .. ومتأكدة تمام التأكد أنها لا يمكن أن تخبرها الحقيقة.. فكيف تخبرها أن جهودها أثمرت وأنها استعادت ذاكرتها .. كيف تخبرها أن ذاكرتها ليست بالضبط الذاكرة التي كانو يخاولون بجد استعادتها.. فهي ليست إيتانا ..بل مارا ..

تتنهد تنهيدةً طويلة معبرة عن إحباطها وتقرر عدم الكذب .. وعدم قول الحقيقة أيضاً

إيتانا: لستُ بخير .. ليس تماماً.. تخرجت اليوم من المشفى .. كنت قد لبثت هناك ليومين .. أظن أنه أمر مثير للسخرية .. لقد أعجزت الأطباء .. لا أحد يعرف ما المشكلة .. أو إن كان هنالك مشكلة ..*

ثم تكمل بسخرية*

على حد علمي .. قد أكون أنا المشكلة

لوسي: ولم تظنين ذلك؟

إيتانا: كلّ شيء منذ الحادث كان مبهماً وغير منطقي. ولكن الأمور تقع في نصابها الصحيح أخيراً..

لوسي: هل يمكن أن أسأل عن ما تقصدينه بهذا؟

تعود إيتانا للجلوس في مقعدها الجلديّ مقابل الطبيبة .. محاولاً بجهد ابتلاع دموعها .. هي لم تبك قط منذ أن استيقظت في ذلك المشفى .. ولا حتى عندما استعادت ذكرياتها .. قد يكون الذعر هو العامل المسبب في ذلك.. من يعلم .. ولكن .. لسبب ما.. هي لا تستطيع التحكم بتلك المشاعر أمام طبيبتها التي كانت داعمة لها منذ البداية .. تتساقط دموعها على خديها الذين تحولا إلى اللون الوردي ..فتمسحها بيديها الرقيقتين المرتجفتين ..

إيتانا: أشعر أنني أختنق .. كل ما يفعله ألكسندر وإيف لأجلي .. وموف .. إنه يشعرني بالأختناق .. لا أزال أنظر إليهم وأرى أشخاصاً غرباء .. ولكن .. أكثر ما يؤلمني هي الطريقة التي ينظرون بها إليّ وكأنني إطار صورة مكسور .. أو قنبلة موقوتة في انتظار أن تنفجر ..

لوسي: هل خطر ببالك أن تحاولي التحدث معهم بهذا الشأن؟ قد تكونين أسأتي فهم اهتمامهم بك.

إيتانا: لا فائدة من ذلك .. كما أنني اتخذت قراري .. سأعود إلى شقتي .. سأتكلّم معهم اليوم عن الموضوع ..لقد قمت بتوضيب أغراضي .. سأنام وحدي الليلة .. هذا أفضل للجميع

تستمر الجلسة لساعتين كاملتين تفضي بها إيتانا بكل مشاعرها لطبيبتها التي تثق بها .. ولكنها تغفل عن بعض التفاصيل المهمة .. تجنباً لتشخيص بالجنون والهلوسات..

...

تصل إيتانا للمنزل في تمام الساعة السابعة والنصف لتستقبلها إيف بحماسة ودفء

إيف: لقد حضرت طبقك المفضل .. الكركند .. هيا غيري ملابسك بسرعة وساعديني في تجهيز الطاولة

هي في الحقيقة تكره الكركند كثيراً ..لا بد أنه كان طبق ابنتهم المفضل .. ياله من ذوق غريب .. يبدو أنها تكره كل ما كانت تحبه إيتانا الحقيقية .. حتى بدون قصد وبمحض الصدفة .. إنهما متضادتان في كلّ شيء

إيتانا: يمكن للعشاء أن ينتظر .. أين أبي؟ هنالك شيء مهم أريد الحديث معكما بشأنه

يجيب أكسندر بشيء من الأسى بينما يخرج من غرفة إيتانا

ألكسندر: هل الشيءالمهم له علاقة بالحقيبة التي تحتوي على جميع حاجياتك وملابسك؟ أضعت شاحن هاتفي وأرتد استعارة خاصتك . .ولكنني لم أتوقع ما وجدته

لقد كانت إيتانا مدركةً تماماً أن هذه ستكون محادثةً متعبة وموترة.. ولكنها شيء لا مفر منه .. وجودها في هذا المنزل يجعلها تشعر أنها عبء ثقيل على شخصين غريبين لم يريها شيئاً غير بالغ اللطف والحب .. ولا تظن أنها تستطيع الكذب عليهما والعيش معهما في نفس الوقت..

..

في شقتها تستلقي على سريرها في العتمة .. معلنةً إرهاقها التام بعد كل ذلك الإقناع الذي كان عليها تأديته والرفض القاطع الذي واجهته من ألكسندر وإيف

في هذه الليلة الخالية من وجود أي قمر في السماء .. عيناها العسليتان مثقلتان بالتعب بينما تحدق في سقف الغرفة

ماراا .. آه .. يا له من اسم مليء بالأسى .. حتى اسماءنا متعاكسة يا إيتانا .. أين أنتِ؟ هل انتهى بك المطاف بين يدي ذلك الوحش عديم الرحمة في مكاني؟ هل ستظهرين فجأة هنا وتطردينني خارجاً مطالبة باستعادة كل ما هو ملكك؟ .."

يقاطع صوت طرق الباب أفكارها المشؤومة .. تنظر للساعة فتجدها التاسعة مساءً .."من سيأتي في هذا الوقت؟ هل هو شخص تعرفه إيتانا؟تباً .. ليس لدي الطاقة الكافية لهذا الآن"

يستمر الطرق على الباب بإصرارٍ أكبر مع قرع جرس الباب مراراً وتكراراً ..

تقرر أخيراً فتح الباب لتتخلص من صوت الطرقات المزعجة .. تنظر في المرآة قبل خروجها من غرفة النوم .. إنها ترتدي بنطالاً أسوداً بخصر عالٍ وقميصاً أبيض يعكس شحوب وجهها .. ربما لم يكون اليوم الأمثل لارتداء الأبيض .. "سأقصّ شعري حتماً .. أكره الشعر الطويل" تحمل خطواتها المتثاقلة إلى الممر متجهة نحو الباب ..

تفتح الباب لتجد شاباً فارع الطول .. بعينين زرقاوين كالمحيط .. شعر أسودٌ داكن كالفحم .. جسدٌ مفتول العضلات .. إلا أن تعابيره التي توحي بالغضب تكاد تخفي ذلك الجمال الملائكي ..تنظر له بتمعّن و فرق الطول بينهما يجعلها تبدو كقطة صغيرة في حضرة نمر ..

أخيراً تخرج الكلمات من فمها مبعثرة مرتبكة: من .. من أنت؟!!

2023/04/08 · 35 مشاهدة · 1109 كلمة
Tara B.M
نادي الروايات - 2025