إيتانا: من.. من أنت؟

يرفع حاجبه متجاهلاً سؤالها، وبينما ينظر إليها ببعض الاستغراب يتحدث بكل برود

كيليان:أعلم أنك لا ترغبين برؤيتي .. ولكنني حاولت الاتصال بك كثيراً في الأسبوعين الماضيين .. كما أنني مررت هنا مرتين ولم أجدك في المنزل .

إيتانا: ماذا تريد؟

كيليان: أتتذكرين الرواية التي كنت أعمل عليها ولكنني لم أكن قادراً على إيجاد نهاية مناسبة لها .. ولم أستطع حتى وضع عنوان يرضيني .. حسناً .. قد كنت أبحث عنها في كل الأرجاء ولم أجدها من ثم تذكرت أنني قد جلبتها معي إلى شقتك في أحد المرات، وأظن أنني نسيتها هنا . كنت آمل أن تبحثي في الأرجاء علّك تجدينها.

إيتانا: همم.. كيليان؟

كيليان: إن لم تريدي ذلك يمكنك البحث عنها متى تشائين وأرسليها لي حين تجديها .. ولكنني أتمنى أن تسرعي فقد وجدت النهاية المثالية للقصة.

تدلّك راحة كفها بأناملها وتتحدث بلهجة رتيبة.

إيتانا: أظن أنك لم تسمع بما حصل .. في الحقيقة.. قد تعرضت لحادث سيارة منذ شهرين وفقدت ذاكرتي ..

يعاينها كيليان ببعض الشك ولكن تعابير وجهه قد خفت حدتها بشكلٍ واضح .. بل ويظهر عليه بعض القلق والتعاطف أيضاً

كيليان: ولكنك ناديتني باسمي منذ لحظات.

تتمنى إيتانا لو تتمكن من صفعه فبسؤاله هذا كأنه يدعوها بالكاذبة .. مع ذلك تنظر له بكل براءة وهدوء وتكمل

إيتانا: سألت موف عن بعض التفاصيل الشخصية في حياتي وأخبرتني عنك وكانت قد وصفتك لي قليلاً كما أنها أخبرتني أنك روائيّ

..لم لا تدخل لبعض الوقت؟ سأعد الشاي ويمكننا البحث عن روايتك.

يتجمد في مكانه لبرهة بينما يصرّ على أسنانه ويشد قبضته "كيف لها ألا تتذكر" . تشير له إيتانا بالدخول وتغلق الباب خلفه بعد دخوله ..تقف للحظة بجانب الباب تنظر إلى تلك الكتفين العريضين وما يخفيانه عن إيتانا الحقيقية .كيف كانت علاقتهما؟ ولماذا انفصلا؟

إيتانا: اجلس في أي مكان تحب.. اعذرني على الفوضى فقد عدت اليوم إلى هذه الشقة ولم يكن لدي الوقت لترتيبها بعد.

هل تفضل الشاي الأخضر أم الأحمر؟

كيليان: لا بأس بالقهوة.

إيتانا: اوه .. لم أشتري القهوة في طريقي ..قد نسيت الموضوع تماماً فأنا لا أحبها.

يحدق فيها كيليان بدهشة

كيليان:أنتِ لا تحبين القهوة؟!!

إيتانا: اوه .. أجل لقد أخبرني الجميع أنني اعتدت أن أحب القهوة كثيراً .. يبدو أن الكثير من الأشياء تغيرت بعد الحادث

تنتهي إيتانا من إعداد الشاي وتضعه على الطاولة الخشبية المطلية باللون الأسود بينما تجلس على مسافة بعيدة قليلاً عن كيليان ..

ربما وجهه الذي يوحي بالغضب، أو حقيقة أنه قد يعرف الكثير عن إيتانا الحقيقية باعتباره حبيبها السابق قد أوحيا لها بضرورة الحفاظ على مسافة أمان بينهما

تتحرك أناملها بخفة بينما تسكب الشاي في الكوب وتسلمه له

إيتانا: إذاً.. هل من الضروري أن تأخذ النسخة الموجودة هنا؟..أعني .. لم لا تستخدم أي نسخة احتياطيةٍ مثلاً بدل البحث عنها هنا؟

يعدل كيليان من جلسته ليأخد كوب الشاي منها ويتنهد بينما يجيب

كيليان: حسناً .. بما أنك لا تتذكرين ففي الحقيقة هي عادة مزعجة بعض الشيء لديّ.. أنا أميل للكتابة بيدي على الورق بدلاً من استخدام الحاسوب.. إن ذلك يساعدني على التركيز أكثر .. لذلك عادةً لا أملك نسخاً احتياطية لأي من أعمالي قبل أن أنهيها.

إيتانا: اوه .. ولكن ماذا إن لم تجد الرواية التي تبحث عنها .. أظن أنه من الأفضل لك لو خزنتها على الحاسوب بعد أن انتهيت من أي جزء.

كيليان: أنتِ محقة .. ولكن ذلك يتطلب الكثير من الوقت الذي لا أملكه

يتبع محادثتهما القصيرة صمتٌ غريب

إيتانا: احم .. أنا سأقوم بالبحث في الأرجاء عليّ أجدها ..أنت استمتع بالشاي

كيليان: سأبحث معك .. إنها روايتي أنا بعد كل شيء

تذهب إيتانا لتبحث في غرفة النوم و يبحث كيليان في أنحاء غرفة المعيشة ...وبينما يبحث في جوارير طاولة المكتب يناديه صوت خجول من الداخل

إيتانا: كيلياان .. هلا أتيت للحظة

يحمل خطاه الواثقة باتجاه الغرفة ليجد إيتانا جالسة فوق خزانة الملابس تحمل مصنفاً أبيضاً بين يديها ،كرسيّ صغير يتموضع بجانب الخزانة. تنظر إليه بعيناها الواسعتان كطفلٍ وقع في مأزق ويكاد يبكي لرؤية والديه..

ينفجر كيليان ضاحكاً على المنظر الذي أمامه ويستند بساعده على جانب الباب مقهقهاً

إيتانا: هلا ساعدتني أولاً ثم يمكنك الضحك

كيليان: آسف آسف ..ولكن، كيف انتهى بك المطاف هناك؟؟

يحاول بجهد ابتلاع ضحكته بينما ترتسم ابتسامة عريضة على وجهه

تحدق به إيتانا وكأنها تريد أن تمزق تلك الابتسامة البلهاء

إيتانا: رأيت طرف مصنف فوق الخزانة وأردت أز أتفقده ولكنني لم أستطع الوصول له حتى مع وقوفي على الكرسيّ فتسلقت لأعلى الخزانة لجلبه ولكنني لا أجرؤ على النزول وحدي.. خزانة غبية

كيليان: أجل .. أنا متأكد أن العيب في الخزانة

إيتانا: ماذا تقصد؟

كيليان: لا شيء هيّا اقتربي قليلاً سأمسك بك

إيتانا: كيف ستمسك بي؟؟

كيليان مبتسماً: كيف برأيك؟ فقط اقتربي إلى حافة الخزانة وأنا سأقف على الكرسي وأحملك إلى الأسفل .. *

يكمل متلاعباً*

لا تقلقي فبالرغم من وزنك الثقيل سأتمكن من حملك

إيتانا: ماذا تقصد بوزني الثقيل أنا..

كياااااااا

تميل الخزانة قليلا وتكاد إيتانا تقع إلا أن كيليان يمسكها ..ولكن بالرغم من ذلك يختل توازن الكرسيّ ويقع كلاهما على الأرض

تفتح إيتانا عينيها لتجد نفسها بين ذراعي كيليان فتقف بسرعة مبتعدة عنه

إيتانا: أنت وروايتك الحمقاء .. لولاك لما حدث هذا

يجلس كيليان على الأرض وينظر لإيتانا التي تحولت لفراولة من شدة الخجل

كيليان: لو أنك قد ناديتني منذ البداية لأجلب المصنف لم يكن ليحدث هذا ..ولكنني أظن أن القطط تحب التسلق

إيتانا: من تدعو بالقطة؟

يقف كيليان ويلتقط المصنف عن الأرض .. ينظر له بتمعن.. ويبدو وكأنه قد تذكر شيئاً .. ويعود للهجته الباردة مجدداً

كيليان: حسناً ..لقد وجدت روايتي ..علي الذهاب الآن قد تأخر الوقت

إيتانا: أجل .. أظنها فكرة سديدة

يخرج من الغرفة باتجاه باب الشقة وتتبعه إيتانا ..

يمد يده الكبيرة وقبل أن يفتح الباب يقف في مكانه مطأطأ الرأس

كيليان: هل حقاً لا تتذكرين أي شيء؟؟

يفاجؤها سؤاله وتتجمد في مكانها تنظر إليه من الخلف بعينين واسعتين

إيتانا: أجل .. أنا لم أتذكر حتى اسمي حين استيقظت في المشفى

وقبل أن تحاول سؤاله عن سبب هذا السؤال المفاجئ ..أو عن سبب بروده الغريب معها .. يفتح الباب ويخرج مسرعاً ويغلقه خلفه بقوّة

تتكأ إيتانا برأسها على الباب وبدون أن تدرك تبدأ بالبكاء .. يؤلمها أن تشعر أنها تعاقب على خطأ لم تقترفه .. يؤلمها أنه يظنها شخصاً يستحق هذا البرود في التعامل .. ليست عادة من الأشخاص الذين يهتمون بالآخرين كثيراً.. ولكن.. يبدو أن كل ما تقاسيه في الآونة الأخيرة قد نال منها أخيراً .. فتنهار على الأرض بجانب الباب .. شعرها الحريري ينسدل على وجهها .. جسدها بأكمله يرتعش ويتسلل البرد إلى قلبها وكأنها في وسط عاصفة ثلجية

"ماذا عليّ أن أفعل؟"

2023/04/08 · 35 مشاهدة · 1029 كلمة
Tara B.M
نادي الروايات - 2025