-منظور فراي ستارلايت-

بقي يوم واحد فقط .

جالسا فوق أحد أعتى المباني داخل طائفة الظلال ، تأملت المكان بأعين فارغة ، و وجه أظلمت تعابيره ..

الطائفة أصبحت شديدة الضخامة الآن ، أكبر حجما من بلغراد عاصمة الامبراطورية حتى ..

بأسوار عالية ، و دفاعات هائلة جعلتها بمثابة حصن .

المهندس أنهى عمله هنا ، ثم إختفى بعد ذلك مباشرة و كأنه لم يكن موجودا من الأساس .

إختفاؤه بهذا الوقت بالذات ، جعلني اشك أنه فعلها عن عمد .

لقد ساعدني طوال الأيام الماضية بسهولة تامة دون أي مقابل ، لكن بالتفكير بالأمر .

لربما كان الأمر بأكمله مجرد خطة منه ، و تحضير لحفرة يأس اعمق بكثير من أي وقت مضى كنت على وشك الوقوع بها ..

بل لربما وقعت بها بالفعل ..

علاقتي مع المهندس لم تكن متساوية مطلقا ، فهو يستطيع الظهور أمامي بأي وقت يريد ، أما أنا .

فلن أجده مهما حاولت مالم يسمح هو بذلك .

لكنني كنت متأكدا ، من أنه لا يزال يحوم بالقرب مني مراقبا إياي .

لطالما كان قريبا ، منذ البداية .

في النهاية ، كل خطوة قام بها ، و كل سؤال اجاب عليه من أسئلتي ..

كل شيء قام به خدم هدفاً محدداً رسمه منذ وقت طويل .

و لعل وضعي الحالي هو أحد تلك الأهداف التي سطرها من أجلي ..

شعرت و كأن هاوية مظلمة قد بدأت تتشكل بداخلي ، ملتهمة إياي من الداخل .. بمزيج معقد من المشاعر ..

كان الأمر خانقا .

لكن و بطريقة ما ، وجهي لم يعكس أيا من تلك المشاعر و الاحاسيس التي نهشت قلبي مع كل ثانية تمر .

لم أستطع فعل شيء سوى الجلوس بهدوء ، بلا حول ولا قوة غير قادر على الإتيان بأي حل لمعضلتي هذه .

لكنني لم أستطع البقاء جالسا هكذا إلى الأبد ، فلم يعد لدي سوى يوم واحد بين يدي .

الوقت ..

"فقط لو كان لدي المزيد منه .."

فكرت بذلك للحظة ، ثم سرعانما نفيت ..

"لا ، حتى لو إمتلكته .. لم يكن ليتغير أي شيء "

بكل الأحوال ، أنا هو السبب وراء ما حدث و بما حل بدانزو ..

و سأكون المسؤول أيضا عما سيحدث من الآن فصاعدا ..

لقد كان عبئا ثقيلا ، ذاك الذي سحق أكتافي باستمرار.

لكنني لم أملك خيارا سوى المضي قدما ، فأنا الوحيد القادر على ذلك .

بهذه الطريقة ، نهضت من مكاني بهدوء ، ملقيا بنظرة أخيرة على الطائفة ..

ثم بالثانية الموالية ، كنت قد إختفيت تماما .. بعدما انتقلت آنيا عائدا إلى الإمبراطورية .

...

...

...

في تلك الليلة ، قمت بزيارة أوريل بالمعبد .

مرشحة القديسة الابرز التي تكبرني ب 5 سنوات كاملة ..

بشعرها الاشقر و هالتها النبيلة ، تألقت كعادتها ما جعلها محط الانظار اينما ذهبت ..

" آسف يا أوريل ، أظل أطلب مساعدتك دون توقف بلا أي مقابل ، و ها أنا آتي إليك مرة أخرى مبتغيا خدماتك مرة أخرى .. أنا آسف حقا"

إعتذرت بصدق لها ، ما جعلها تلوح لي بيديها على الفور موقفة إياي .. و القلق بادي على وجهها ..

"لا داعي للإعتذار ، سأساعدك بأي وقت لذلك لا تصنع هذا الوجه من فضلك "

هذا ما قالته ..

أي وجه كانت تتحدث عنه يا ترى ؟ لم تكن لدي أي فكرة .. فما من مرآة هنا تجعلني ارى ملامح وجهي .

ظننت أنني لم ابدي أي مشاعر ، لذلك لم أعرف مالذي عنته أوريل ..

لكنني أومأت لها على أي حال شاكرا اياها .

بدت اوريل مترددة قليلا ، لكنها أظهرت إستعدادها لمساعدتي ، و هذا ما جعلني أكشف عن الدارك سيستر ..

سيف الكاتانا الأسود الخاص بي .

"الامر بسيط ، أحتاج منك أن تحقني قوتك المقدسة بداخله مرة أخرى ، هذا كل شيء "

قلت بنصف ابتسامة .

"لقد قمنا بالأمر مرة بالفعل ، سيكون أسهل بكثير هذه المرة و لن ياخذ الكثير من الوقت "

كنت متأكدا من ذلك ، فبعد إنقاذي لسانسا بالماضي ، أصبح الدارك سيستر معتادا على قوة اوريل المقدسة ، لذلك سيتجاوب معها بشكل أسرع هذه المرة .

أوريل بلاتيني كانت مدركة للامر هي الأخرى ، لكن الإرتباك لا يزال باديا على وجهها ..

"هل لي أن أسألك ، مالذي تنوي أن تفعله بهذه القوة ؟"

أرادت معرفة الحقيقة ، و كان هذا تطفلا منها .

لكنني لم أمانع ، فهي من ساعدني بعد كل شيء ..

بالمرة السابقة ، إستعملت قوتها من أجل إنقاذ سانسا .

أما هذه المرة ..

فما أبتغيه مختلف قليلا ..

"سأقتل شيطانا "

قلت باختصار ، ما جعل اوريل تحدق بي مندهشة .

اجابتي كانت مبهمة للغاية ، لكنها الحقيقة.

لم أرغب باعطاء أي تفاصيل إضافية ، لذلك لم تحاول أوريل الحفر بالموضوع أكثر من ذلك .

بل قامت فقط بما طلبته منها .

هذه المرة ، لم يأخذ الأمر سوى ساعة واحدة بالكاد ..

لتتألق القوة المقدسة من الدارك سيستر ، و يتوهج هذا الأخير بضوء اخضر و ابيض نقي .

الدارك سيستر يقوم بتضخيم الاورا ، و هذا ما جعل قوة اوريل المحقونة بداخله تتضخم عدة مرات لتصبح اقوى بكثير تماما كما أردت.

"شكرا لك "

شكرتها بصدق ، قبل أن استدير مغادرا مكانها ..

لكنها إستوقفتني ممسكة إياي من كتفي ..

"مالأمر ؟"

"دعني أذهب معك ! ، تحتاج القوة المقدسة أليس كذلك ؟ حضوري سيكون أفضل من استعارة قوتي بواسطة سيفك "

أوريل إلتمست شيئا ما خاطئا مني ، إحساسها أخبرها بذلك .

خصوصا بعد قولي أنني على وشك قتل شيطان .

أعتقد أنه لم يكن علي قول ذلك لها ..

"أنت لطيفة حقا يا أوريل ، و هذا ما يجعلك محبوبة من قبل الجميع حولك "

مبعدا يدها برفق ، تراجعت بضع خطوات بعيدا عنها ..

"لكنني آسف ، فأنا الوحيد الذي يجب عليه فعل هذا "

إنها مسؤوليتي وحدي ، و لم أكن سأسمح لها بتحمل عبئ ما كانت على وشك القيام به معي .

لذلك إعتذرت ، رغم ذلك هي لم تستسلم .

لهذا لم يكن لي من خيار سوى الاختفاء بعيدا ، مستعملا قدرة النقل الآني التي إكتستبها مؤخرا ..

القدرة التي كانت بمثابة تذكير مؤلم لي على فشلي ..

في تلك اللحظة .

تُركت اوريل وحيدة داخل المعبد ، بينما حدقت بالفراغ امامها متسائلة ..

"هل ستكون حقا قادرا على تحمل الامر ؟"

هي لم تعرف ما كان يحدث بالضبط ، لكن ما رأته مني كان كافيا ليعطيها نظرة على مدى صعوبة ما أمر به ..

كنت يائسا حقا ..

...

...

...

خارج المعبد ..

تمشيت بهدوء ، مغادرا حدوده و متجولا بين شوارع العاصمة بلغراد .

"إنها تثلج .."

اخرجت سحابة من البخار الساخن ، بينما وقفت مكاني احدق برقائق الثلج الباردة التي لامست وجهي ..

كنا بعز الشتاء ، لذلك لم يكن من الغريب تساقط الثلوج التي زينت المكان و فرشته بالأبيض .

هذه هي الليلة الاخيرة ، فلم يبقى سوى بضع ساعات و قد حل الليل بالفعل ..

لكن الاجواء كانت هادئة ، و مسالمة جدا لا تختلف عن اي يوم آخر ..

الإمبراطورية كانت مشغولة بالعديد من الأمور ، ابرزها الحرب القادمة و سلسلة الاحداث الأخيرة ..

لكنني لم أكن على دراية بأي من ذلك ، نظرا لإنعزالي عن العالم طوال الشهر الأخير ..

كل ما كان يشغل بالي ، هو صديقي المريض الذي لم تتبقى له سوى ساعات قليلة ..

ساعات تفصلنا عن لحظة الحقيقة ..

استعدادا لتلك اللحظة ، إلتقيت بصديقي الآخر الذي كان بالانتظار ..

داخل الازقة الفارغة المظلمة، التي لم يُسمع فيها نفس ..

وقفت وجها لوجه مع غوست ، الذي جاء بمجرد استدعائي له سابقا .

غوست لم يقل شيئا ، بل وقف هناك بهدوء يحدق بوجهي عاجزا عن قول أي شيء .. و هذا ما أزعجني بشكل خاص ..

"جميعكم تنظرون إلي بهذه الطريقة .. هل هناك شيء ما على وجهي ام ماذا ؟"

سألت بنصف إبتسامة اظهرت ضعفا غير مسبوق ، فإذا بغوست يرد على سؤالي بسؤال آخر .

"مالذي حدث ؟"

بسماعي لذلك ..

وجدت نفسي اضحك دون وعي مني بضعف ..

هل الامر واضح لهذه الدرجة ؟

و أنا الذي ظننت أنني أصبحت قادرا على التحكم بتعابير وجهي ببراعة ..

لكنني كنت مخطئا تماما ..

أنا لازلت نفس الشخص بعد كل شيء ..

مهما عانيت ، و مهما زادت قوتي ، و مهما زاد إدراكي بما هو موجود من حولي .

فلا شيء سيتغير .

بالعكس .

الأمر سيزداد صعوبة فحسب .

وجها لوجه مع غوست .

فتحت فمي ، ناطقا ببضع كلمات ..

فإذا باعين غوست تتوسع دون سابق انذار ، بينما تلوَّت تعابير وجهه .

و هذه كانت المرة الأولى التي ارى بها غوست يظهر هذا القدر من المشاعر ..

غير قادر على تقبل ما سمعه مني قبل قليل ، وجد نفسه يسألني مرة أخرى ..

"هل أنت جاد الأن ؟"

ردا على ذلك ، أومأت له ..

"نعم"

مطأطئا رأسي نحو الاسفل ، واصلت الحديث .

"لا خيار أمامنا ، هذا هو الشيء الوحيد الذي نستطيع القيام به "

قلت بهدوء شديد إستفز غوست على ما يبدو ، و هذا ما جعله يندفع نحوي لاكما إياي بقوة شديدة ..

لكمته استقرت على وجهي ، ما جعلني اتراجع عدة خطوات لامسا الجدار البارد من خلفي ..

ثم مستكملا هجومه ، أوقعني غوست ارضا ممسكا بي من ياقتي باحكام ، متمرغين فوق الثلج الذي بلل ملابسي بالكامل ..

غوست كان غاضبا حقا ..

"أنا لا أفهمك يا فراي .. ظننت أنني أفعل بوقت ما ، لكنني أيقنت الآن أنني كنت مخطئا"

"..."

ببطء ، سال خط بسيط من الدم الذي خرج من فمي نتيجة تلقي لكمة غوست ..

بطعم الدم المر ، و قبضة غوست علي ، واجهته بصمت غير قادر على الرد عليه ..

رد فعله هذا جاء نتيجة لما قلته له سابقا ..

لقد طلبت مساعدته ، فنقابة التنين الفضي تقوم بحماية دانزو .. لذلك من أجل إخراجه دون أن يعلم اي شخص .. إحتجت إلى قدراته كمغتال و إلى محكمة الظلال ..

بمساعدته سنتمكن من اخراج دانزو دون أن يدرك أي أحد ، ثم بعد ذلك سأتمكن من إنهاء الأمر . و سأفعلها .

سأقتله .

في الواقع ..

كنت قادرا على الانتقال آنيا نحو غرفته فحسب ، لكنني لا أستطيع فعلها هناك خوفا من أن تهيج القوة الشيطانية الراقدة بداخله و يتسبب بكارثة .

لهذا السبب ، كنت مضطرا لأخذه إلى مكان بعيد منعزل لإنهاء الأمر ..

و هذا ما لم يتقبله غوست ..

"ألم تقل أنك ستنقذه مهما كلف الأمر ؟ و ستفعل كل ما يتطلبه الامر ؟ هذا إختصاصك اليس كذلك ؟ تحقيق المعجزات و جعل المستحيل ممكنا .."

"النجاة من المونلايت ، الفوز بالفيكتورياد ، الرحلة إلى لوندور ، البقاء حيا وحيدا داخل قارة الالتراس عندما ظن الجميع أنك ميت و هزيمة 1000 رجل .. لقد كنت تجعل الأمر ينجح دوما بطريقة أو بأخرى ، إذا مالفرق الآن ؟!"

صرخ غوست دون وعي منه ، و نادرا ما فعل ذلك ..

علاقته مع دانزو كانت شائكة بالبداية ، و لطالما تجادل الاثنان كثيرا ..

لكن غوست قدر دانزو حقا ، و اعترف به كصديق له ، و هذا ما جعله غير قادر على تقبل ما قلته ..

على الرغم من أنه رأى الكثير من الناس يموتون امامه ، إلا أن الأمر كان مختلفا الآن ..

"لقد حاولت .."

قلت بصوت خافت ..

"لقد حاولت ، بكل ما أملك من قوة .. انا فعلت .."

لكن في النهاية ، فشلت ..

إستخففت ببذرة الشيطان ، معاملا اياها كأداة عادية فحسب ..

لكن .. كان هنالك سبب يجعل النجاة منها امرا مستحيلا .

فمخترع البذرة قد تجاوز قانون الحياة و الموت بدوره ، جاعلا البذرة عبارة عن مخلوق حي بحد ذاته ..

فصلها عن دانزو لم يكن ممكنا ، فهو و البذرة قد أصبحا واحدا بالفعل ..

لانقاذه ، احتجت إلى قدرة هائلة تتجاوز قانون الحياة و الموت هي الأخرى من أجل التعامل مع بذرة الشيطان ، و قد كانت هذه القدرة موجودة بالفعل داخل ذكريات نايملس .

لكن إكتاسبها مستحيل ببساطة .

لأنني بشري .

للحصول على تلك القدرة ، وجب علي فعل ما فعله نايملس ، الذي عاش لوقت طويل جدا يسعى خلف أهدافه ..و درس كل الاجناس و المخلوقات و قتل منها عددا لا يعد ولا يحصى فقط من أجل إنهاء أبحاثه المجنونة ..

في المقام الأول ، حتى لو إمتلكت جسدا خالدا و وقتا لا نهائيا مثله ، فلا أظن انني كنت سأحقق ما حققه ..

فأنا لست نايملس . لا أملكه حكمته ، و لا جزءا من قوته ..

فكيف أطمع باكتساب قدرة كهذه ، عندما لم يكن أمامي سوى بضع ساعات على إنتهاء المهمة النهائية ؟

لا يمكن هزيمة قدرة كاسرة لحدود العالم ، إلا بقدرة مساوية لها على الأقل .

هذا ما قاله المهندس .

الأمر لم يكن ممكنا ببساطة .. و فشلي أمر محتوم منذ البداية .

لربما توجد طريقة أخرى ، كنت سأتوصل إليها لو لازلت محتفظا بسؤال النظام ، لكنني إستعملته بالفعل منذ وقت طويل ..

لهذا السبب قال المهندس يومها ، أنني سأندم ..

و هذا ما عناه بكلامه .

"أيا كان ما سيحدث لدانزو من الآن فصاعدا ، فأنا السبب و لا أحد سواي "

بسماع ذلك ، إلتزم غوست الصمت لبعض الوقت ، قبل أن يتحدث بحسرة ..

"لماذا دانزو من بين الجميع ؟"

حتى لو صدق أمر البذرة ..

لم يفهم غوست ، لماذا تتواجد اداة كهذه بيد الألتراس ..

بذرة الشيطان الكاملة تعتبر شيئا نادرا جدا ، و شديد القوة .

تواجدها هنا بالأرض لم يكن منطقيا ..

و من بين كل الناس ، إنتهى بها الأمر بداخل دانزو ..

"لماذا ؟!"

هو لم يكن مميزا ..

كان بشريا عاديا تماما ، بدون أي شيء خاص ..

"على الارجح .. أنا السبب وراء ذلك أيضا"

إعتقدت سابقا أن الأمر حدث نتيجة الحظ .

لكنني كنت مخطئا .

فشيء كهذا يستحيل أن يحدث بالحظ .

سواءا المهندس ، أو ملك الشياطين ..

أو أيا كان من يتلاعب من خلف الستار .

ما حدث كان متعمدا ، و السبب الذي جعل دانزو الضحية ، هو لأنه كان قريبا مني ببساطة ..

كل هذا مؤامرة تمت حياكتها بعناية من أجل لف هذه السلسلة من حولي ، و قد نجحوا بالفعل .

و قد بلغنا نقطة اللاعودة .

غوست حدق بوجهي لبعض الوقت ، بمزيج مختلط من المشاعر ، كان غاضبا .

أراد تكذيبي ، و إدعاء أن ما أقوله مجرد هراء ، فلا يوجد دليل يؤكد وجود البذرة التي أتحدث عنها .

ثم مجددا ، تذكر القاتل الصامت كل تلك الظواهر العجيبة التي لطالما رآها عندما بقي بجانبي ، هو يعلم أنني لن أقول شيئا عبثا .

لذلك لم يستطع الانكار .

رأيت بعض الازدراء بعينيه ، لكنها كانت مجرد مشاعر مؤقتة فقط نتجت عن حرارة الموقف .

هنا داخل هذه الازقة المظلمة ، و الارض المفروشة بالثلج البارد .

بقينا صامتين لبعض الوقت ، بينما غمرتنا وحدة موحشة و إبتلعتنا هاوية لم نعرف كيف نهرب منها ..

ثم بعد ثواني معدودة ..

نهض غوست ، معطيا اياي ظهره ..

"سأساعدك "

هذا ما قاله ، ما جعلني أتفاجأ للحظة ، فلم اتوقع موافقته بهذه السهولة ..

"غوست .."

قلت دون وعي ، فإذا به يواصل الكلام ..

"قررت أن أكون ظلك منذ وقت طويل ، لهذا السبب .. سأشاركك هذا العبئ ، و هذا الذنب .. لكن يا فراي "

مستديرا نحوي ، قال بعدما استعاد هدوءه المعهود .

"أنت تعلم ما سيحدث بعدها أليس كذلك ؟ بمجرد تجاوزنا للخط ، لن تكون هنالك عودة للوراء بعد الآن ، سنتحمل المسؤولية و نتلقى العقاب عندما يحين الوقت ، فهل انت مستعد لتحمل ذلك يا ترى ؟"

كاجابة على سؤاله ، أومأت .

"سأفعل "

هل سأكون قادرا على العيش بنفس الطريقة يا ترى ؟

بعد أن اقتل دانزو بيدي هاتين ..

محدقا بيدي ، تخيلت دماءه عليهما عدة مرات .

و بكل مرة ، لم أستطع تحمل تخيل الأمر ، ناهيك عن مواجهته بالحقيقة..

لا أعلم مالذي سيحدث بمجرد قتلي لدانزو .

لكنني كنت متأكدا ، أنني لن أكون نفس الشخص بعد الآن ..

حاولت عدم التفكير بالأمر قدر المستطاع ، لكن النهاية كانت تقترب ، و أصبحت مجرد مسألة وقت الآن .

غوست رأى تخبطي هذا بكل وضوح ، لكنه لم يقل شيئا ، بل فقط إستدار مغادرا المكان .

"سأقدم طلبك لمحكمة الظلال ، و سأقود الأمر بنفسي لذلك ابقى مكانك إلى أن أتواصل معك .. حينها .. فالتستعد لتلطخ يديك بالدماء ."

"..."

بقيت صامتا .

بينما إختفى غوست و كأنه لم يكن موجودا منذ البداية ..

بقيت وحيدا ، مستلقيا فوق الثلج البارد.

أردت المغادرة ، لكنني لم أستطع حشد أي قوة بقدماي ، كل ما أستطعت فعله هو البقاء هناك بهدوء ، و الانتظار ..

"لا يحق للضعفاء تقرير أي شيء بهذا العالم "

فقط القوي ، من يمكنه رسم حياته بالطريقة التي يريد ، بل يمكنه أن يتدخل بحياة غيره لو إمتلك ما يكفي من القوة .

أنا ضعيف .. شديد الضعف .

ضعيف لدرجة مثيرة للشفقة ، و هذا ما جعل كل اولئك الاقوياء يتكالبون علي ، مسيرين حياتي بالطريقة التي ارادوها .

لهذا السبب ، مات والدي دفاعا عني .. و مات الكثير غيره ..

و الآن ، أصبحت مجبرا على قتل دانزو .

كل هذا يحدث لأنني ضعيف جدا .

لكن يا ترى ..

"أي نوع من القوة أحتاج ، إذا ما أردت تحطيم هذا القفص ؟"

هل يجب أن أصبح وحشا عديم المشاعر مثل النايملس ؟

أو وحشا من نوع آخر بقوة طاغية مثل آغاروث ؟

إذا كانت هذه هي الإجابة..

أي ثمن يجب أن أدفعه لتحقيق ذلك ؟ و هل أنا قادر على تحمل الأمر اساسا ..

"لا أعلم .."

أنا لا اعلم اي شيء على الإطلاق ..

لطالما كنت هكذا ..

في النهاية ، لم يتغير أي شيء ..

"إستمرارية السعي ، لا تعني حتمية الوصول "

مهما بذلك المرأ من جهد ، و مهما حاول ، فنجاحه غير مضمون ..

هذه هي الحياة ، ترميك امواجها بالطريقة التي أرادتها هي ، لا التي تريدها أنت .

"ياله من عالم غير عادل .."

متكئا على الحائط ، جلست هناك بهدوء..

انتظر لحظة الحقيقة .

...

...

بتلك الليلة .

أثلجت السماء دون توقف ، بينما أشرقت الشمس بالافق ببطء ، معلنة بدأ يوم جديد على الامبراطورية.

الوقت المتبقي على انتهاء المهمة : ساعة واحدة .

إنعكس هذا الاشعار باعين فراي ، الذي سار ببطء و هو يجر كرسيا متحركا متجها لقمة احد التلال ..

محكمة الظلال و كما هو متوقع منها ، تحركت بسرعة و دقة شديدة بقيادة غوست منهين المهمة التي كلفهم بها فراي ستارلايت .

بسهولة تامة ، إخترقوا مقر نقابة التنين الفضي ، و اخرجوا دانزو من هناك جالبين اياه إلى فراي .

دانزو قد كان نائما فوق كرسيه المتحرك ، مرتديا ملابس دافئة غطت جسده بعناية ، بالإضافة إلى اغطية وضعت فوق ساقيه المشلولتين لجعله مرتاحا قدر الإمكان .

فكر فراي ، أن هذا من صنع غوست على الأرجح .

هذا الأخير كان قريبا ، لكن فضل عدم الظهور .. تاركا فراي لوحده مع دانزو .

من جهة أخرى ، احاط مغتالوا محكمة الظلال بالمكان من أجل ضمان سير كل شيء بشكل صحيح .

فرغم انهم كانوا بعيدين جدا عن العاصمة بلغراد الآن ، إلا أن نقابة التنين الفضي قد اكتشفت أمر خطف دانزو بالفعل ، لذلك يمكن القول أن العاصمة قد أصبحت بحالة فوضى و ما هي سوى مسألة وقت قبل أن يبلغوا مكان تواجدهم الحالي .

لم يتبقى الكثير من الوقت .

و مع كل ثانية تمر ، كان وجه فراي يظلم أكثر و أكثر ، و ما هي سوى مسألة وقت قبل أن يصل رفقة دانزو نحو القمة ، بينما اشرقت عليهما الشمس من بعيد .

دانزو بدا متعبا جدا ، و طوال الرحلة كان يستيقظ احيانا ثم يغمى عليه على الفور ..

لربما كان مخدرا إستعمله عليه غوست و من معه لضمان سير كل شيء بشكل صحيح .

فراي فضل الأمر بهذه الطريقة ، فهو لم يرد النظر بأعين صديقه.

لكن و لسخرية القدر ، و بعدما لم يتبقى سوى أقل من ساعة ..

دانزو فتح عينيه ، مستعيدا وعيه .

بمجرد حدوث ذلك ، اظهر وجهه تعبيرا دل على عدم الفهم .

فبمنظور دانزو ، هو كان نائما بغرفته قبل ثواني معدودة فقط .

لكن ها هو الآن يجد نفسه بمكان منعزل غريب لا يتذكره .

ثم يتلك اللحظة ، لمح فراي الذي جر كرسيه المتحرك أخيرا ، ما جعل قلبه يطمئن مدركا لوجود صديقه ..

"فراي .. أين نحن ؟"

قال دانزو بضعف ، بعدما لم يتعافى من تأثير المخدر .. و هذا ما جعله مثيرا للشفقة أكثر من أي وقت مضى ..

لم يحصل على أي إجابة على سؤاله ، لذلك حاول السؤال مرة أخرى ..

"فراي ، مالذي يحدث ؟ لماذا نحن بهذا المكان؟ "

واصل دانزو طرح الاسئلة مرتبكا ، لكن فراي لم يجبه مطلقا.

بل واصل السير بصمت ، بوجه أظلمت تعابيره و تركت الهالات السوداء اثرا واضحا عليه ..

بدا منهارا ، و متعبا ..

بمجرد وصولهم للقمة ..

ترك فراي كرسي دانزو المتحرك ، بينما بدأ يسير لوحده لبعض الوقت بدوائر ..

بدا ضائعا .

كان يتوقف أحيانا ، يحدق بالشروق ببال شارذ ، بينما شغل الكثير باله ..

دانزو لمح بعض الارتعاش الخفيف الذي كان يصيب اكتاف فراي من وقت لآخر.

لذلك ادرك أن شيئا ما قد حدث ..

"فراي .." فتح دانزو فمه قائلا ، ليقاطعه فراي على الفور ..

"بذرة الشيطان."

معطيا اياه ظهره ، غير قادر على النظر إليه .. تحدث فراي بصوت مرتعش ، و لهجة غير معهودة منه .

"هناك كيان خبيث موجود بداخلك ، يسمى ببذرة الشيطان ، لقد اندمج مع جسدك و اصبح واحدا معك .. "

بدون سابق انذار ، بدأ فراي يتحدث عن البذرة ، و عن ما اصاب دانزو ..

تحدث دون توقف ، بينما حرص على اعطاء دانزو كل التفاصيل ..

مستمعا لذلك ، تذكر دانزو كل تلك الاوقات التي كان يسأله فيها فراي عن حاله ، و إذا ما كان يشعر بشيء غريب بجسده .

وقتها ظن أنه يسأله عن حاله فحسب .

لكن السبب كان مختلفا تماما ، و قد أدركه دانزو الآن أخيرا ..

"الشيطان بداخل البذرة قوي جدا ، و بمجرد إستيلائه على جسدك سيتسبب بكارثة سيموت إثرها الآلاف .. لا يوجد علاج للبذرة ولا يمكن فصلها بمجرد دخولها لجسد الضحية .. "

واصل فراي الحديث بسرعة ، بينما تلعثم من حين لآخر بالكلام .. لكنه تمكن من شرح الأمر بشكل صحيح في النهاية ..

ساحبا الدارك سيستر ، الذي غلفته هالة مقدسة ..

اقترب فراي من دانزو ، واقفا امامه وجها لوجه ..

"لم أستطع علاجك .. لم أستطع إنقاذك ، لذلك لم يعد هنالك من خيار ، إذا ما أردت التعامل مع الكيان الخبيث الراقد بداخلك .. فأنا مضطر لقتلك "

بمجرد قول فراي لتلك الكلمة .. إتسعت أعين دانزو للحظة ، لكنه سرعانما عاد لهدوئه ، بينما واصل فراي الحديث بنفس السرعة ..

"لهذا السبب جررتك إلى هذا المكان ، لكي اقتلك .. بعيدا عن الجميع ، لمكان لن يستطيع أحد فيه الوصول إليك .. بهذا السيف .. سأنهي حياتك "

ممسكا بالدارك سيستر ، حدق فراي بدانزو .. هذا الأخير بقي صامتا بضع ثواني يحاول بها استعاب ما سمعه ..

كان الأمر غريبا بكل تأكيد .

أن يأتي صديقك من العدم ، قائلا أن كيانا شيطانيا يرقد بداخلك ، و أنه مضطر لقتلك نتيجة لذلك ..

من سيصدق هذا الكلام ؟

لكن فراي شعر بحاجة لشرح الوضع لدانزو ، بغض النظر عما إذا صدق الأمر أو لم يفعل ..

اراده أن يعرف ، لماذا اوشك على قتله .

توقع فراي سماع العديد من أنواع الردود ..

سواءا عدم التصديق ..

أو حتى أن ينعثه دانزو بالمجنون ، أو يخبره بأن يتوقف عن العبث .

لكن دانزو لم يفعل أيا من ذلك .

بل اجاب بكلمة واحدة ..

"فهمت .."

إجابته المختصرة تلك ، و الهادئة ..

جعلت اكتاف فراي ترتعش بشكل أكبر مما كانت عليه ، لما صرخ دون وعي ..

"مالذي فهمته ؟!"

رافعا سيفه .. صرخ فراي ..

"انا اخبرك أنني على وشك قتلك ! إذا ما خطب ردك هذا بحق الجحيم ؟!"

تساءل فراي ..

لماذا بدا صديقه متقبلا للامر بهذه السهولة ؟

كان سيجعل الامر اسهل عليه لو ثار بوجهه ، أو كرهه .. أو حتى صرخ عليه ..

لكن أن يتقبل الأمر بتلك الطريقة ..

مالذي يفترض بفراي ان يقوله ؟

دانزو بقي هادئا ، يراقب تخبط فراي لبعض الوقت ..

تاركا إياه يقول كل ما بخلده ، ابتسم دانزو بضعف ..

"كل ما في الأمر ، أنني أصدقك يا فراي ..و لأكون صادقا ، سيكون الأمر أفضل بهذه الطريقة "

"مالذي تقوله .." سأل فراي بصوت أجش .. بينما واصل دانزو الحديث بنفس الهدوء .

الهدوء الذي لم يناسبه مطلقا ..

"لقد سبق و مت مرة بالفعل ، و ما أنا الآن سوى وعاء اجوف .. فقد تركت نفسي داخل ساحة المعركة "

بابتسامة ، حدق دانزو بجسده المشلول ، الذي لا أستطيع تحريكه حتى .

"أتعلم يا فراي ، منذ عودتنا من قارة الالتراس ، لطالما وجدت نفسي أتساءل .. لماذا نجوت ؟"

من بين جميع طلاب النخبة الذين خسروا جميعا ، لماذا هو الوحيد الذي نجا ؟

"لقد تركتها هناك ، دمائي ، قوتي ، نفسي ، و كل شيء عشت من أجله حتى الآن ، تركتهم جميعا هناك داخل ساحة المعركة .. لقد خسرت ، لذلك وجب علي الموت حينها .. لكنني نجوت "

"او بالاحرى ، جزء صغير جدا هو الذي نجا .."

مستمعا لكلمات دانزو ، عرف فراي تماما مالذي كان يتكلم عنه صديقه ..

من هو دانزو سماشر ؟

لقد كان صديقا ، و محاربا .. و رجلا إمتلك دوما تلك الطاقة المتفجرة ، و الارادة الحديدية التي لا تتزعزع .

كان شابا تحدى كل اولئك العباقرة ذوي المواهب الخارقة ، بجهده وحده ..

كان صاخبا ، قويا ، و وجودا ضروريا بحياة فراي ..

لكن ماذا عن الآن ؟

"لقد حرقت شمعة حياتي بالفعل .. حرقتها تماما ... و لم يبقى سوى الرماد "

أصبح ضعيفا ، هادئا ، مقعدا ..

إرادته الحديدية تلك قد تحطمت لقطع ، كما يتحطم الزجاج ..

لم يعد هنالك من هدف بعيش من أجله ذلك الشاب الطموح الذي عرفه ذات يوم ..

بعالم موحش كهذا الذي عاشوا به ، كانت القوة هي كل شيء ..

"أنا أصدقك يا فراي ، فما أنا سوى مجرد شبح لما كنت عليه .. كان يجب علي الموت بذلك اليوم ، لكنني نجوت ..

"لكن أتعلم ، أنا سعيد نوعا ما "

قال دانزو بابتسامة ، بينما تراجع فراي خطوة دون وعي منه ..

"دانزو .."

"الموت بيديك لن يكون بالنهاية السيئة ، إذا كان موتي يعني تفادي كارثة ، فأظن أنه موت يستحق أليس كذلك ؟"

"دانزو .."

"إفعل ما عليك فعله .. فراي ، شكرا لانك كنت صريحا معي حتى النهاية "

بتلك اللحظة ، حدق دانزو بفراي ، لتتلاقا اعينهما .

و هذا ما جعل فراي يتألم أكثر ، فأعين صديقه ، قد كانت أعين رجل تقبل مصيره بالفعل بصدر رحب .

لقد تقبل دانزو الأمر ..

لكنه لا يزال مترددا ..

ممسكا بالدارك سيستر ، الذي تألقت منه القوة المقدسة ..

إرتعش فراي مكانه ، غير قادر على القيام بالخطوة الأخيرة ..

لقد علم أن تردده ذاك ، كان اهانة للتصميم الذي اظهره صديقه ..

لكنه لم يستطع التقدم مهما حاول .

"لا تتردد يا فراي ، هذا ليس خطأك .. "

"أعلم أنك تتألم ، و لربما هو ألم سيعيش معك لوقت طويل .. لكنك تملك من القوة ما يسمح لك بمواصلة المضي قدما فلطالما فعلت ، أليس كذلك ؟"

ضحك دانزو ، محاولا تشجيع فراي ، الذي لم يستطع مبادلة صديقه الابتسامة ..

"أنهي الأمر يا فراي ، ألم تأتي بي إلى هذا المكان لهذا السبب ؟ إفعلها ! "

حاول دانزو الصراخ باعلى صوت له ، لكن حتى بمحاولته هذه ..

كان صوته خافتا ..

"أنهي الأمر ، يا صديقي"

...

ااشمس طلعت من بعيد ، بينما واصل الثلج التساقط فوق اكتافهم كنوع من الرثاء ..

فراي أمسك سيفه ، واضعا اياه أمام قلب دانزو ..

الشيطان بداخل جسد صديقه لم يستيقظ بعد ، لذلك قتل دانزو سيقتله هو الآخر ..

يكفي طعن قلبه باداة قوية تحتوي على قوة مقدسة قوية ..

و هذا ما إمتلكه الدارك سيستر .

واضعا سيفه أمام قلب دانزو ، ارتعش فراي .

و بالمثل ، ارتعش الدارك سيستر بين يديه .

"مقارنة بألمك ، ألمي سينتهي بلحظة ، لذلك لا تتردد "

لم يعد هناك سوى دقائق على نهاية المهلة ..

مدركا لذلك ..

صر فراي على اسنانه ، و شد قبضته حول سيفه إلى أن كاد يمزق جلده .

محاولا دفع نفسه لإنهاء الأمر ، دفع فراي بسيفه ببطء ..

لامسا صدر دانزو .. مخترقا إياه ببطء شديد ..

السيف إستهدف قلبه ..

معولا على إنهاء حياته ..

في تلك اللحظة ، فراي كان على وشك انهاء الأمر..

لكن لم يستطع .

فالفراغ من حوله قد تجمد بشكل سحري .

و كأن ما فعله قد أيقض آلية دفاع من نوع ما ، توقف الزمن نفسه عن المضي قدما ، بينما إنفجر النصف الايمن من وجه دانزو ، بالإضافة إلى رقبته و كتفه الايمن ..

من ذلك الانفجار الدموي ..

إنبثقت يد سوداء دموية من داخل دانزو ، مستهدفة وجه فراي على الفور ..

كل شيء حدث بالحركة البطيئة ..

فراي رأى تلك اليد تتضخم داخل عينه ببطء ، بفضل عين الصقر ..

كانت يدا حملت بداخلها قوة مشؤومة ، قوة تكفي لتفجر وجه فراي و تنهي حياته ..

لقد ادرك ذلك بالفعل ..

لربما شعر الشيطان بداخل دانزو بالخطر ، لهذا قام بهذه الحركة كدفاع اخير ..

هو لم يستيقظ بشكل كامل بعد ، لذلك كان بامكان فراي تفادي ذلك الهجوم بسهولة .

لكنه لم يفعل .

فراي وقف هناك جامدا فحسب .. بينما حاولت تلك اليد انهاء حياته ..

' لا بأس بهذا ..'

فكر فراي للحظة ..

لابأس .

لا بأس من الموت هنا ، على يد دانزو ..

الموت على يد صديقه لم يكن مصيرا سيئا ..

ذلك أفضل بكثير من أن يضطر لقتل صديقه بيديه ، و أن يجبر على تحمل ذلك طيلة حياته ..

كان طريقا سهلا للهرب ..

لكن فراي اختاره دون تردد ..

في تلك اللحظة ، هو لم يهتم مطلقا بما سيحدث لو مات ..

متجاهلا العالم اجمع ، أراد فقط أن يموت ، و أن يضع حدا لكل شيء .. و أن يرتاح أخيرا .

لكن قدره كان محتوما .

و الموت لم يكن خيارا ..

فاليد المظلمة قد توقفت تماما ، على بعد سنتيمترات قليلة من وجه فراي ..

حاولت اليد التقدم ، و قتله .. لكنها لم تستطع.

في تلك اللحظة ، ادرك فراي ما حدث .

فرغ أن نصف وجهه قد انفجر ، الا أن دانزو قد واصل التحديق به بتلك العين الوحيدة المتبقية له ..

بآخر قطرات وعيه ، دانزو تمكن مم ايقاف تلك اليد ، منقذا بذلك صديقه .

لم يستطع دانزو الحديث بوضعه ذاك ، لكن فراي فهمه ..

"فالتنهي الأمر"

هذا ما قاله له ..

لذلك .. هو ابتسم ..

إبتسم فراي إبتسامة اخيرة ، أرادها أن تكون آخر ما يراه صديقه بدل ذلك الوجه المتألم .

بينما طعن الدارك سيستر داخل قلبه .

حدث الأمر بسرعة شديدة ، و سيفه توغل بسهولة .

أخترق اللحم ، و سال الدم .

بينما غادرت الحياة أعين دانزو تماما ، تاركة اياه راقدا هناك بنصف ابتسامة ، و جسد مشوه انبثقت منه تلك الذراع الشيطانية ..

أما فراي ..

فقد إنقلب واقعه رأسا على عقب ..

شعر بصدره يحترق ، و يتجمد بنفس الوقت .. أحس بألم لا يطاق بينما انهار راكعا فوق جثة صديقه .

منقوعا بدمائه التي لم تتوقف عن التسرب ..

جسده لم يتوقف عن الارتعاش ..

في تلك اللحظة الفوضوية ، هو سمع صراخ ، و سمع صوت نحيب ..

و سمع صوت بكاء ..

ثم في النهاية ، و بعدما استعاد بعض احساسه بالواقع ..

إكتشف أن الصوت كان صادرا منه هو ..

بينما انتحب فوق جسد صديقه ..

بكى فراي ..

لقد ظن أن دموعه قد جفت ..

لكنها إنهمرت الآن دون توقف ، لتمتزج بدماء دانزو الميت امامه ..

ثم وسط كل ذلك ..

وصل اشعار النظام ..

لقد إكتملت المهمة النهائية ..

لقد نجح بانهائها ..

لكن بأي ثمن ؟

منهارا تماما أمام صديقه ..

ظهر غوست هو الآخر من العدم ، و سقطت عينه على جثة دانزو ..

ما جعل تعبيرا متألما يظهر على وجهه ، خصوصا عندما رأى تلك اليد الشيطانية المنبثقة منه ..

في تلك اللحظة ، هو ايقن أن فراي كان يقول الحقيقة ..

ثم عندما نظر إلى هذا الأخير ، رأى كم كان متألما ، و كم كان منهارا ..

"علينا المغادرة .. فراي ، ستكتشف الإمبراطورية هذا المكان قريبا "

قال غوست بمرارة ، لكن فراي لم يستمع له ..

كان لا يزال متشبثا بجثة دانزو ، و هذا ما جعل غوست يحاول سحبه بالقوة ..

برؤيته بتلك الحالة ، نشأ ندم شديد داخل قلب غوست ..

'كان علي فعلها بدلا منه ..'

لقد كان معتادا على موت المقربين منه ، لذلك لم يكن عليه ترك فراي يفعلها ..

لكن ما حدث قد حدث .

و لم يكن له من خيار سوى مواساة صديقه المنهار ، بينما قمع الحزن و الالم داخل ص

دره .

بهذه الطريقة ، تراجع كلاهما بعيدا .. تاركين جثة دانزو التي صبغت الثلج الأبيض بالاحمر .. غير قادرين على دفنه بشكل لائق حتى ..

أما فراي ، فقد عانى من ألم شديد ، جعل تلك الهاوية المظلمة داخل صدره تبتلعه بشكل أكبر بكثير ..

أيا كان ما سيحدث من الآن فصاعدا ..

فتلك الحادثة قد القت بظلالها على المستقبل ..

و على فراي خاصة ..

...

...

...

بقي فصل واحد على نهاية المجلد .

للدعم المادي:

Paypal:mohamedmazino134@gmail.com

للدعم المعنوي:

التعليق و دخول الديسكورد الموجود بخانة الدعم.

حاليا مشغول بالترجمة ، لذلك أطلت نوعا ما ، كما أن الفصل طويل .. و لاكون صادقا أردت أن أرى ما إذا كان هناك من يدعم لكن الإجابة واضحة أليس كذلك:)

لا تنسوا والدي الأخ اسامة بالدعاء .

اراكم الفصل القادم.

2025/02/11 · 1,061 مشاهدة · 5427 كلمة
Touch Me
نادي الروايات - 2025