جلس ليونيل أمام طبقه، يحدق في الإمبراطور بغضب وكأنه يحاول حرقه بنظراته وحدها.

الإمبراطور، كعادته، لم يبدُ عليه أي تأثر، لكنه التقى بنظرات ليونيل وقال بصوت هادئ: " إن استطعت الوقوف وحدك لمدة دقيقة، سأسمح لك بتناول وجبة بشرية."

ليونيل تجمد. " هل… هل هذا تحدٍ؟"

"إنه عرض."

أخذ ليونيل نفسًا عميقًا، ثم نظر إلى ساقيه، ثم إلى الإمبراطور. " حسنًا، سترى الآن!"

وضع يديه على الطاولة، ثم بدأ بدفع نفسه للأعلى. ركبتيه ارتجفتا، وشعر بجسده يصرخ احتجاجًا، لكنه عضّ شفتيه واستمر بالمحاولة.

"هيا… فقط دقيقة واحدة…!"

وقف أخيرًا، ظهره مستقيم، قدماه ثابتتان… لكنه لم يكن لديه أي نية للبقاء مكتوف الأيدي!

بسرعة، وقبل أن يدرك أي شخص ما يخطط له، مدّ يده إلى الطاولة المجاورة، حيث كانت توجد صينية مليئة بالحلوى الفاخرة!

بسرعة مذهلة، أمسك بقطعة حلوى وسحبها إلى فمه!

"هاها! لقد نجحت!"

لكن… لم يدم انتصاره طويلًا.

الإمبراطور نهض فورًا، وقبل أن يتمكن ليونيل من التهام قطعة أخرى، أمسك بمعصمه وأبعده عن الصينية.

"هذا يكفي."

"ماذا؟! لا! لم أكتفِ بعد!" حاول ليونيل المقاومة، لكن الإمبراطور لم يبدُ عليه أي نية للتراجع.

"إن أكلت الكثير دفعة واحدة، سيؤذيك ذلك."

عبس ليونيل، لكنه لم يستسلم بسهولة. " كفى من هذه المبالغة! إنها مجرد حلوى!"

"جسدك لا يزال ضعيفًا. الطبيب قال إنه من الأفضل تناول الأطعمة الخفيفة لمدة ستة أشهر على الأقل."

ليونيل جمد في مكانه. " ……ستة شهور؟"

"نعم."

نظر ليونيل إلى الإمبراطور بصدمة، ثم إلى الحلوى التي لم يستطع الوصول إليها.

ثم… فتح فمه وأطلق صرخة مليئة بالقهر والإحباط:

"هذه قسوة لا تُغتفر!!"

........................

"وجبة النصر!"

نظر ليونيل إلى الإمبراطور بعينين متألقتين وهو يشير إلى نفسه بفخر. "لقد وقفت لمدة دقيقة! الآن أعطني وجبتي كما وعدت!"

الإمبراطور لم يرد على الفور، لكنه تأمل في ليونيل للحظة قبل أن يرفع يده ويأمر الخدم: " أحضروا وجبة مناسبة له."

عيون ليونيل اتسعت بفرح، وكأنه طفل حصل على كنزه المفضل. "أخيرًا! طعام حقيقي!"

لم يستغرق الأمر طويلًا حتى عاد الخدم حاملين صينية طعام وُضعت أمامه. نظر ليونيل إلى الطبق بحماس… لكن عندما رأى ما بداخله، تجمدت ابتسامته.

"ما هذا؟"

أمال رأسه وهو يحدق في الطبق الذي بدا وكأنه نسخة محسنة من طعامه الصحي المعتاد. كان هناك لحم، نعم، لكنه كان مشويًا بطريقة خفيفة، مع خضروات مطهية بالبخار وأرز مسلوق بدون أي توابل واضحة.

"أين الطعام الحقيقي؟ أين الدسم والدهون والتوابل؟!"

رفع رأسه لينظر إلى الإمبراطور بعيون مليئة بالخيانة. "هذا ليس ما تخيلته!"

الإمبراطور، دون أن يظهر أي تأثر، قال ببساطة: "هذه وجبة مناسبة لك."

ليونيل شعر بأن العالم قد انهار حوله. "هذه خيانة عظمى! لقد كافحت من أجل هذه اللحظة!"

ورغم اعتراضه، لم يستطع إنكار أنه كان جائعًا. لذا، مع تنهد طويل مليء بالإحباط، التقط الملعقة وبدأ في تناول الطعام.

وبعد اللقمة الأولى… تجمد.

"…إنه لذيذ؟!"

نظر إلى الطبق، ثم إلى الطهاة الواقفين، ثم إلى الإمبراطور، وكأنه لم يفهم كيف يمكن أن يكون الطعام الصحي ممتعًا.

لكن بدلاً من الاعتراف بذلك، تمتم بعبوس: "لا يهم… سأأكل فقط لأنني مضطر لذلك!"

الإمبراطور لم يرد، لكنه رفع كوبه وأخذ رشفة، بينما نظر إلى ليونيل وكأنه يقول: " بالطبع ."

..................

استمر ليونيل في تناول الطعام وهو يعبس، محاولًا إخفاء حقيقة أنه يستمتع به بالفعل. لكن الإمبراطور لم يكن بحاجة إلى سماع اعترافه، فقد كان تعبير وجهه يكشف كل شيء.

بعد بضع دقائق من الصمت، أنهى ليونيل طعامه أخيرًا، ثم دفع الطبق بعيدًا وهو يتنهد. " لقد أكلت. الآن، لا تتوقعوا مني أن أشكر أي شخص!"

إليوت، الذي كان يراقبه طوال الوقت، ابتسم بسخرية. "أوه، كنا ننتظر كلمات الامتنان منك بفارغ الصبر."

ليونيل حدق به ببرود. "أنت تملك وجهًا مزعجًا، هل تعلم ذلك؟"

إليوت ضحك بخفة، لكنه لم يرد، بينما رفع الإمبراطور حاجبه قليلاً. "بما أنك أنهيت طعامك، فقد حان وقت العودة إلى جناحك."

ليونيل شدد قبضتيه فورًا. "مستحيل! أريد البقاء هنا قليلاً! على الأقل، اسمحوا لي بالاستمتاع بهذا المكان قبل أن تعيدوني إلى تلك الزنزانة!"

لكن الإمبراطور لم يرد عليه بالكلمات. بدلاً من ذلك، نهض من مقعده، وسار نحو ليونيل، قبل أن ينحني ويحمله كأنه طفل صغير.

"ل-لحظة! ماذا تفعل؟!"

"آخذك إلى جناحك، بالطبع."

"ضعني أرضًا! أستطيع المشي!"

الإمبراطور لم يبدِ أي نية لتركه. "لقد قضيت دقيقة كاملة بالكاد واقفًا، والآن فجأة تستطيع المشي؟"

ليونيل صرخ محاولًا التخلص منه، لكن دون فائدة . "هذا اختطاف! انتهاك لحقوقي الإمبراطورية!"

إليوت، الذي تبعهم، ضحك وهو يضع يديه في جيبه. "حسنًا، عليك أن تكون ولي العهد أولًا حتى تمتلك حقوقًا إمبراطورية."

ليونيل استدار إليه بغضب. "أنت أيضًا! توقف عن الاستمتاع بهذا!"

لكنه لم يتلقَ أي تعاطف، فقط نظرات مسلية من الاثنين.

وبينما كان يُحمل خارج القاعة، فكر ليونيل بمرارة…

"تبًا، لماذا الجميع هنا أقوياء جدًا؟!"

...................

بينما كان الإمبراطور يسير حاملاً ليونيل بين ذراعيه، توقف للحظة أمام صورة كبيرة تزين أحد جدران القصر. كانت صورة امرأة ذات شعر أبيض كالثلج وعينين ذهبيتين تتوهجان بهدوء ملكي.

نظر الإمبراطور إلى الصورة بصمت، ثم تنهد.

أما ليونيل، فقد ضيق عينيه وحدق في الصورة . "لقد رأيت هذه المرأة من قبل."

إليوت، الذي كان يسير خلفهما، رفع حاجبه. "بالطبع، إنها والدتنا، الإمبراطورة إيرينا."

لكن ليونيل لم يكن يستمع إليه. كانت عيناه مثبتتين على ملامح المرأة في الصورة، وشيء في داخله أخبره أن هذه ليست المرة الأولى التي يراها فيها.

"أعلم أنني رأيتها أثناء عودتنا من الحديقة، لكن…"

أدار رأسه وحدق في الإمبراطور وإليوت، ثم قال ببطء: "لقد رأيتها في مكان آخر أيضًا… لكن أين؟"

ساد الصمت للحظة، قبل أن يعبس ليونيل. كان هناك شيء في ذاكرته، شيء غامض… لكنه لم يستطع تذكره.

الإمبراطور نظر إليه بنظرة غامضة، بينما إليوت عبس قليلًا.

"ماذا تعني بأنك رأيتها في مكان آخر؟"

لكن ليونيل نفسه لم يكن يعرف الجواب. كانت مجرد غريزة، شعور غريب يزعجه.

لكنه تجاهل الأمر بسرعة، ثم تمتم بضيق وهو ينظر إلى الإمبراطور: "على أي حال، هل يمكنك أن تضعني أرضًا الآن؟ لم أعد طفلًا صغيرًا!"

الإمبراطور لم يجب، لكنه استدار وأكمل سيره بهدوء، متجاهلًا احتجاجات ليونيل المستمرة.

........................

بهدوء، دخل الإمبراطور جناح ليونيل ووضعه برفق على السرير. رغم احتجاجاته المستمرة، لم يكن جسد ليونيل قادرًا على المقاومة أكثر. حدق الإمبراطور به للحظات، ثم غادر الغرفة بصمت.

كان الظلام يلف الغرفة، والجو هادئًا بشكل مخيف.

لكن الهدوء لم يدم طويلًا.

في منتصف الليل، غاص ليونيل في كابوس آخر، كابوس أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.

وجد نفسه واقفًا وسط ساحة معركة، الرياح تعصف برائحة الدم والرماد. جسده كان أكبر، أقوى، لكنه كان مثقلًا بالجروح والكدمات.

أمامه، وقف مجموعة من الأشخاص، مجهولي الملامح، لكن ما ميزهم جميعًا هو الشعار المحفور على ملابسهم السوداء—هلال أحمر يتوسطه خنجر مقلوب.

كانوا يتحركون بسرعة، كأنهم أشباح، يهاجمونه من كل اتجاه دون أن يمنحوه فرصة لالتقاط أنفاسه.

"تبًا… هؤلاء ليسوا أعداءً عاديين."

أمسك بسيفه وصد هجومًا جاء من اليسار، لكن في اللحظة التي تصدى فيها، شعر بحد شفرة تخترق جانبه الأيمن.

الألم كان حقيقيًا.

حدق في الدماء التي سالت منه، ثم رفع رأسه ورأى واحدًا منهم يبتسم من خلف قناعه القرمزي قبل أن يهمس بصوت بارد:

"هذه نهايتك يا أمير الظلال."

ليونيل لم يتوقف، رغم الألم، رغم النزيف، رغم الإرهاق الذي أثقل جسده.

استدار بسرعة ووجه ضربة قاتلة نحو خصمه، لكن قبل أن يتمكن من رؤية النتيجة—

استيقظ وهو يصرخ .

شهق، واضعًا يده على جانبه، لكنه لم يجد أي جرح. العرق البارد غطى جسده بالكامل، وصوت دقات قلبه كان يصم الآذان.

"ذلك لم يكن مجرد كابوس… لقد شعرت بكل شيء."

حدق في يده المرتجفة، ثم تمتم: "من هؤلاء؟ ولماذا أطلقوا عليّ أمير الظلال؟"

...........................

بعد أن هدأ تنفسه، استلقى ليونيل مجددًا، مُحاولًا تجاهل الشعور الغريب الذي خلّفه الكابوس.

لكن النوم لم يكن رحيمًا به.

وجد نفسه يسقط.

الماء البارد احتضنه بقوة، سحبه نحو الأعماق بلا رحمة. حاول التحرك، لكنه كان عاجزًا، وكأن وزنه تضاعف فجأة. كان الضوء يتلاشى تدريجيًا، والمياه تحيط به من كل الجهات.

ثم فجأة—

فتح عينيه ليجد نفسه في مكان مختلف تمامًا. لم يكن تحت الماء، بل في مساحة غريبة، وكأنها امتداد لا نهائي لضباب رمادي باهت.

وفي وسط هذا الفراغ…

وقف طفل صغير.

كان مألوفًا بشكل مرعب.

شعره الأبيض الفوضوي، عينيه الزرقاوين الباهتتين، النظرة الباردة التي تحمل استسلامًا غير مفهوم.

ليونيل لم يكن بحاجة إلى التفكير مرتين.

"هذا… ليونيل الأصلي؟"

لكن الطفل لم يتحدث. استدار ببساطة وبدأ بالمشي ببطء، وكأنه يتلاشى وسط الضباب.

"انتظر!"

ركض ليونيل خلفه، لكن المسافة بينهما لم تتغير. كلما زاد سرعته، كلما ابتعد الطفل أكثر.

"تبًا، توقف! لدي أسئلة! من أنت؟ لماذا أنا هنا؟!"

لكن لا إجابة.

ثم، قبل أن يتمكن من اللحاق به—

اختفى الطفل تمامًا.

وفي اللحظة التي اختفى فيها، اهتز المكان كله، وكأن الأرضية نفسها تتكسر من تحته.

ثم—

استيقظ.

شهق بقوة، واضعًا يده على صدره، وهو يشعر بقلبه يكاد ينفجر من قوة النبضات.

نظر حوله… لا ماء، لا ضباب، لا طفل يشبهه.

لكنه لم يستطع التخلص من الإحساس الذي تركه الحلم في صدره.

"ذلك لم يكن مجرد حلم عادي."

......................

لم يكن لدى ليونيل وقت ليستوعب ما حدث، لأن شاشة النظام اللعينة ظهرت فورًا أمامه، وكأنها كانت تنتظر لحظة استيقاظه.

— [إشعار النظام] — تم اكتشاف ظاهرة غير معروفة. تحليل البيانات… اكتمل التحليل بنسبة 12%...

حدّق ليونيل في الشاشة بحذر. "ظاهرة غير معروفة؟"

لكن قبل أن يتمكن من التفكير أكثر، ظهرت نافذة أخرى—لكن هذه المرة، لم تكن من النظام.

بل من كارثة.

ظهر الكائن الصغير المحاكي فوق رأسه، يطفو في الهواء بينما يحدّق فيه بعينيه المتوهجتين باللون الأزرق الباهت.

"يبدو أن شيئًا مثيرًا للاهتمام يحدث هنا."

رفع ليونيل حاجبًا. "أوه، هل لاحظتَ أخيرًا أن حياتي أصبحت سلسلة من الكوابيس التي لا تنتهي؟"

"لا، أقصد الحلم الذي رأيته."

عبس ليونيل. "أنت تعلم بشأنه؟"

كارثة أومأ ببطء. "ليس بالكامل، لكني استطعتُ الشعور به. ذلك المكان… لم يكن مجرد حلم عادي، صحيح؟"

ليونيل تردد للحظة، ثم أطلق تنهيدة. "لا، لم يكن كذلك."

نظر إلى كارثة، متجاهلًا الشاشات الأخرى التي بدأت بالتكدّس أمامه، ثم قال بصوت منخفض:

"أنا متأكد أن ذلك الطفل… كان ليونيل الأصلي."

لكن كارثة لم يرد مباشرة. فقط استمر في التحديق به، وكأن عقله كان يعمل بأقصى طاقته لمعالجة هذه المعلومات.

ثم ظهر إشعار جديد على شاشة النظام—

— [إشعار النظام] — اكتمل التحليل بنسبة 25%...

ليونيل شعر بقشعريرة باردة تسري في جسده.

"ماذا تحاول إخباري به هذه المرة…؟"

......................

— [إشعار النظام] — تحليل البيانات بنسبة 35%... 50%... خطأ! تعذّر تحميل البيانات! خطأ غير معروف! النظام يواجه عطلًا!

ظهرت سلسلة من الإشعارات أمام ليونيل بسرعة جنونية، قبل أن تتوقف فجأة ويظهر سطر واحد وسط الشاشة—

[فشل تحميل البيانات.]

"...ماذا؟"

حدّق ليونيل في الشاشة، انتظر للحظة، لكنه لم يحصل على أي تفسير. لا تحذير، لا إشعار جديد، فقط الفراغ التام وكأن النظام نفسه قد تجمّد.

"...هذا اللعين تعطل؟!"

شعر بالغضب يغلي داخله، قبض على غطاء السرير بعنف وهو يصرخ: "أيها النظام المزعج! كيف يمكنك التوقف عن العمل في أهم لحظة؟!"

لم يحصل على أي رد.

كارثة، الذي كان لا يزال يطفو بجانبه، أمال رأسه ببرود. "أوه، يبدو أنك دمرت النظام أخيرًا."

"أنا؟! لا تلمني على هذا، إنه هو الذي تحطم من تلقاء نفسه!"

لكنه توقف فجأة، حدّق في الفراغ أمامه، قبل أن يتمتم: "...انتظر، هل يمكن أن يكون هذا بسبب الحلم؟"

كارثة لم يرد، فقط نظر إليه بصمت، لكن هذا وحده كان كافيًا لجعل ليونيل يشعر بالانزعاج.

شتم بصوت عالٍ، ثم ركل الغطاء بعيدًا. "تبًا لك أيها النظام! وتبًا لك أيضًا أيها المؤلف اللعين! لماذا لا تستطيع كتابة قصة طبيعية مثل البشر؟!"

كان يتنفس بغضب، لكنه تجمد عندما ظهر إشعار جديد وسط الشاشة—

— [تحذير النظام] — النظام يعيد التشغيل... 1%...

"...انتظر، ماذا؟"

"أوه، هذا سيكون ممتعًا." همس كارثة بينما ينظر إلى الشاشة بفضول.

لكن ليونيل لم يكن يشعر بأي متعة على الإطلاق. في الواقع، كان على وشك تمزيق رأسه من شدة الإحباط.

"إذا انفجر هذا النظام في وجهي، فأقسم أنني سأقتل المؤلف حتى لو كان ذلك آخر شيء أفعله!"

...........................

— [تحذير النظام] — النظام يعيد التشغيل... 5%...

نظر ليونيل إلى الشاشة وهو يشعر برغبة في البكاء. إعادة تشغيل؟! هل هذا جهاز كمبيوتر أم ماذا؟

كارثة، الذي بدا وكأنه يستمتع بمشاهدته يعاني، طاف حوله قبل أن يسأل ببرود: "هل هذا طبيعي؟ أعني... ألا يُفترض أن يكون نظامك قويًا بما يكفي ليعمل دون أعطال؟"

ليونيل أطلق ضحكة جافة. "هل يبدو أي شيء طبيعيًا في هذا العالم؟ لديّ نظام يعطيني مهامًا تعسفية، وإمبراطور مهووس بحملي، وكوابيس تجعلني أستيقظ وكأنني تلقيت طعنات حقيقية! الشيء الوحيد المفقود هو ظهور تنين يخبرني أنني 'المختار'!"

كارثة رفع حاجبه بسخرية. "من يدري؟ ربما تكون التالي على القائمة."

قبل أن يتمكن ليونيل من إطلاق موجة جديدة من الشتائم، ظهرت نافذة جديدة—

— [إشعار النظام] — النظام يعيد التشغيل... 30%... خطأ! تم اكتشاف بيانات غير متوافقة!

"...ماذا الآن؟!"

ظهر سطر آخر—

تحليل البيانات... تم العثور على ذكريات غير مسجلة!

تجمد ليونيل. ذكريات غير مسجلة؟

كارثة قرأ الإشعار بصوت عالٍ، ثم نظر إلى ليونيل ببطء. "يبدو أن النظام وجد شيئًا لا ينبغي له العثور عليه."

"...اللعنة، لا تقل هذا وكأنني سأموت بعد لحظات!"

لكن عقله لم يستطع التوقف عن التفكير— ذكريات غير مسجلة؟ هل هذا يعني أنه كان هناك شيء لم يكن من المفترض أن يتذكره؟

بدأ النظام بالوميض بعنف، وكأن شيئًا ما كان يحاول اختراقه.

— [تحذير النظام] — إعادة التشغيل... 50%... خطأ! خطأ! تعذّر استعادة البيانات!

ثم ظهر إشعار أخير—

[إجبار المستخدم على الاستقرار.]

قبل أن يتمكن ليونيل من استيعاب معنى ذلك، اجتاحه شعور رهيب بالدوار، وسقط بلا حول ولا قوة على السرير.

كارثة أطلق صفيرًا منخفضًا. " يبدو أن النظام قرر أن يمنحك استراحة إجبارية... أو ربما عقابًا؟"

لكن ليونيل لم يسمعه.

لقد غرق في الظلام مجددًا.

........................

شعر ليونيل بجسده يغرق في ظلام كثيف، وكأنه يسقط في أعماق بحر لا نهاية له. لم يكن هذا مجرد نوم… بل شعور بالاختناق، كأن هناك قوة خفية تجبره على الغرق أعمق وأعمق.

وفجأة، وسط الظلام، بدأ ضوء خافت يتشكل أمامه.

كان ذلك طفلًا صغيرًا… طفلًا يحمل ملامحه، لكنه بدا مختلفًا في الوقت نفسه. شعره الأبيض كان أكثر خفوتًا، وعيناه الزرقاوان تحملان بريقًا غريبًا… مزيجًا من الحزن والاستسلام.

"أنت… ليونيل الأصلي؟"

فتح الطفل فمه وكأنه سيقول شيئًا، لكن صوته لم يصل إلى ليونيل.

تحرك الطفل مبتعدًا، وبدأ يركض داخل الظلام، وكأنه يهرب من شيء ما.

"انتظر!"

حاول ليونيل اللحاق به، لكنه شعر أن جسده ثقيل، كأن شيئًا كان يقيده. كلما تحرك خطوة، ازداد الظلام كثافة من حوله، وأصبح التنفس أكثر صعوبة.

وفجأة، ظهر أمامه ظل ضخم. لم يكن طفلًا هذه المرة، بل شيء آخر… شيء يرتدي عباءة سوداء، وعيناه المتوهجتان تتطلعان إليه بصمت.

"أنت لا يجب أن تكون هنا."

كان الصوت عميقًا ومخيفًا، كأن شيئًا ما يحاول سحبه للخلف.

"ماذا؟ من أنت؟!"

لم يجب الظل. بدلًا من ذلك، رفع يده، وعندما فعل ذلك، شعر ليونيل بألم حارق في رأسه. انفجرت الصور في عقله—مشاهد غامضة، أصوات مشوشة، وألم لا يمكن وصفه.

ثم، تمامًا كما ظهر، اختفى كل شيء.

— [إشعار النظام] — تمت إعادة التشغيل بنسبة 100%... تم استعادة البيانات المفقودة!

— [تحذير] — تم العثور على بيانات مجهولة المصدر… جاري التحليل…

استيقظ ليونيل فجأة وهو يلهث، جسده متعرق بالكامل وكأن قلبه على وشك الانفجار.

"...ماذا كان ذلك؟"

نظر من حوله، متوقعًا أن يجد كارثة يسخر منه، لكنه لم يكن هناك. كانت الغرفة مظلمة وهادئة.

لكنه لم يكن وحده.

هناك ظل يقف عند نافذته.

شعر ليونيل بقلبه يتوقف للحظة.

"لقد استيقظت أخيرًا."

الصوت كان مألوفًا بشكل غريب… لكنه لم يكن لإليوت أو الإمبراطور.

كان شخصًا آخر.

شخص لم يكن من المفترض أن يكون هنا .

تجمد ليونيل في مكانه، أنفاسه غير منتظمة وهو يحدق في الظل الواقف عند النافذة. لم يكن الظلام يساعده في رؤية ملامح الشخص بوضوح، لكنه كان متأكدًا من شيء واحد—هذا ليس خادمًا، وليس أحد أفراد عائلته.

"من أنت؟" سأل ليونيل، محاولًا أن يبقي صوته ثابتًا رغم ارتجاف جسده الخفيف.

لم يجب الظل مباشرة. بدلًا من ذلك، تحرك بخطوات بطيئة داخل الغرفة، مما سمح للقمر بإلقاء ضوئه عليه.

كان شابًا طويل القامة، شعره الأسود الطويل مربوط خلف رأسه، وعيناه الحمراء تلمعان في الظلام. كان يرتدي زيًا أسود بسيطًا، لكنه يحمل هالة خطيرة بشكل لا يصدق.

"لقد استيقظت أخيرًا." كرر الشاب بصوت هادئ، لكن ليونيل شعر بقشعريرة تسري في جسده.

"... من أنت؟ وماذا تفعل في غرفتي؟"

رفع الشاب حاجبه، وكأن السؤال أزعجه. " هذا سؤال غريب، بالنظر إلى أننا نعرف بعضنا البعض بالفعل، الأمير ليونيل."

اتسعت عينا ليونيل. "ماذا؟"

ثم فجأة، ظهر إشعار أمامه.

— [تحذير من النظام] — تم تحديد كيان غير مسجل في قاعدة بيانات العالم. تم العثور على صلة مجهولة المصدر بذكريات ليونيل الأصلية. تحليل الكيان... 30%... 50%... فشل التحليل. الكشف عن خطأ غير معروف... جاري إعادة التشغيل!

اختفت الشاشة في لحظة، تاركة ليونيل في حالة صدمة أكبر. حتى النظام نفسه لا يعرف من يكون هذا الرجل؟

ابتسم الشاب وهو يرى تعبير ليونيل. "يبدو أنك مرتبك. لكن لا بأس، سنجد الوقت الكافي لتوضيح كل شيء قريبًا."

اقترب أكثر، ثم انحنى قليلاً نحو ليونيل، عينيه تلمعان بخطورة. "لكن أولًا… هل تذكرتني الآن؟"

شعر ليونيل بقلبه ينبض بعنف. لم يكن يعرف هذا الرجل، لم يكن من المفترض أن يعرفه… ولكن لماذا شعر وكأن هذا الصوت مألوف بشكل غريب؟

ولماذا، عندما نظر إلى عينيه، شعر بخوف لم يعرف سببه؟

2025/04/20 · 227 مشاهدة · 2677 كلمة
روزي
نادي الروايات - 2025