فتح ليونيل عينيه ببطء وهو يشعر بالنعاس الشديد، حدّق في السقف لبعض الوقت قبل أن يتخذ قرارًا حاسمًا:
"لن أتحرك اليوم."
كان جسده لا يزال متعبًا من جلسة العلاج الفيزيائي بالأمس، وعقله مرهق من الإزعاج الليلي الذي سببه له النظام. لذا، لم يكن هناك أي سبب منطقي يجعله يغادر السرير.
دسّ نفسه أكثر تحت الغطاء وأغلق عينيه مجددًا، عازمًا على قضاء اليوم في راحة تامة.
لكن كما هو متوقع… لم يكن العالم لطيفًا معه.
الباب فُتح فجأة، وصوت خطوات مألوفة اقتربت من سريره.
"استيقظ."
عرف ليونيل على الفور من كان المتحدث. لم يكن بحاجة حتى لفتح عينيه ليرى وجه راين البارد.
لكن ذلك لم يمنعه من تجاهله تمامًا.
"أنا ميت، عد لاحقًا." تمتم بصوت خافت وهو يغطي رأسه بالبطانية.
راين لم يرد. لكنه سحب البطانية من فوقه بكل بساطة، مما جعل الهواء البارد يلامس جلده.
ليونيل ارتجف قليلاً، لكنه لم يستسلم. أدار جسده للجهة الأخرى وتكور على نفسه، متظاهرًا بعدم الوجود.
"اليوم هو أول يوم لك في الأكاديمية، لا تتصرف كالأطفال." قال راين بهدوء، لكن كان هناك تحذير مخفي في نبرته.
ليونيل عبس. أكاديمية؟
أوه، صحيح… كان من المفترض أن يذهب يومين في الأسبوع.
لكنه لم يكن في مزاج يسمح له بذلك اليوم.
"ليس اليوم، سأذهب غدًا." قال بكسل.
"بل اليوم."
"لا، لن أفعل."
"ستفعل."
"راين، أنا بالكاد أستطيع المشي، كيف تتوقع مني الذهاب إلى الأكاديمية؟"
"سنأخذك بالعربة."
"ما زلت أرفض."
"ليونيل."
"راين."
تبادلا النظرات، أحدهما بإصرار والآخر بعناد، لكن ليونيل لم يكن مستعدًا للاستسلام بهذه السهولة.
ثم، فجأة، شعر بيد قوية ترفعه من السرير.
"—انتظر! ماذا تفعل؟!" صرخ وهو يتلوى محاولًا الهروب، لكن راين كان أسرع، حمله بسهولة وكأنه لا يزن شيئًا.
"بما أنك لا تريد النهوض بنفسك، فسأفعل ذلك بدلاً عنك."
"ضعني! أيها المتجمد عديم المشاعر!"
لكن راين لم يستمع، وخرج من الغرفة وهو لا يزال يحمل ليونيل المتذمر، متجاهلًا تمامًا احتجاجاته وشتمه المستمر.
وهكذا، رغمًا عنه… بدأ صباحه بنشاط أكثر مما أراد.
...............
بعد معركة طويلة من الشتم والمقاومة، وجد ليونيل نفسه محاصرًا بين ذراعي الإمبراطور، جالسًا في حضنه كما لو كان طفلًا صغيرًا، وملعقة تُجبر على دخول فمه مرارًا وتكرارًا.
"كفى! أنا أستطيع الأكل وحدي!" حاول التملص، لكن الإمبراطور تجاهله تمامًا وأجبره على تناول المزيد.
"إن كنت تستطيع، لكنت فعلت ذلك دون الحاجة لهذا العناء." قال الإمبراطور ببرود.
ليونيل كتم غضبه وهو يحدق في والده. كان يعرف أنه لا فائدة من المقاومة الآن، لذا قرر الاستسلام مؤقتًا.
بعد دقائق من الإجبار القاسي، أنهى وجبته أخيرًا، لكنه لم يكن راضيًا أبدًا.
..............
ساد الصمت للحظات بينهما بعد أن أنهى ليونيل طعامه، ثم رفع رأسه لينظر إلى الإمبراطور بتعبير غريب، وكأنه متردد فيما سيقوله. تنهد بصوت خافت، ثم قال بصوت منخفض بالكاد يُسمع:
"احملني... وأرني القصر."
رفع الإمبراطور حاجبًا، متفاجئًا قليلًا من هذا الطلب. لم يتوقع أبدًا أن يطلب ليونيل شيئًا كهذا، خاصة مع عناده الدائم ورفضه لأي مساعدة.
"سأطلب إحضار الكرسي المتحرك." قالها بصوت هادئ، لكن حين لاحظ كيف خفتت عينا ليونيل فجأة، وكيف انخفض رأسه وهو يحدق في يديه بتعبير خالٍ من أي مشاعر، شعر بأن هناك خطبًا ما.
ظل صامتًا للحظات، يراقب هذا المشهد الذي لم يره من قبل. ليونيل الذي دائمًا ما يواجهه بلسان حاد ونظرات متحدية، بدا الآن وكأنه فقد طاقته تمامًا، بل كان هناك شيء أشبه بالحزن في ملامحه.
ليونيل لم يتحرك، فقط ترك نفسه بين ذراعيه، مستندًا إلى صدره دون مقاومة. للحظة، بدا وكأنه عاد طفلًا صغيرًا يحتاج إلى شخص يحمله، لكن لسانه لم يفقد وقاحته بعد.
"قلتَ إنك ستطلب الكرسي المتحرك." تمتم ببرود، دون أن يرفع رأسه.
أجابه الإمبراطور بصوت هادئ، لكن يحمل شيئًا من الحنان الذي نادرًا ما يُظهره: "قلت ذلك، لكني لم أفعل."
لم يرد ليونيل، فقط بقي مستندًا إلى الإمبراطور، بينما خرج به الأخير من الغرفة.
كان القصر هادئًا في هذا الوقت، الممرات الطويلة مضاءة بإضاءة ذهبية دافئة، والنوافذ الكبيرة تكشف عن السماء التي بدأت تتلون بلون الغروب الخفيف.
ليونيل نظر إلى الجدران، الأعمدة المزخرفة، اللوحات الفنية التي لم يكن قد انتبه إليها من قبل. لأول مرة، رأى القصر ليس كمجرد سجن ذهبي، بل كشيء يمكن أن يكون... منزلاً.
لكن بالطبع، لم يكن ليونيل ليبقى هادئًا طويلًا. بعد دقيقة، قال بتذمر:
"أنت طويل جدًا، هذا مزعج. أشعر وكأنني قطعة أثاث محمولة."
الإمبراطور لم يرد، فقط واصل السير بهدوء. لكن ليونيل لم يتركه وشأنه.
"هل ستبقى صامتًا طوال الوقت؟ هذا ممل."
أجابه الإمبراطور ببرود: "أنت تتحدث بما يكفي عن الجميع."
تأوه ليونيل بضجر: "كم أنت بارد. ألا يمكنك أن تكون أكثر ودًا؟"
الإمبراطور نظر إليه بطرف عينه وقال بلهجة جافة: "ألم تكن تصرخ وتشتم قبل ساعة؟"
ليونيل ابتسم بخبث وقال: "وهل هذا يعني أنك لا تستطيع أن تكون ودودًا؟"
لم يرد الإمبراطور، لكنه ضغط على ليونيل قليلاً، وكأنه يعاقبه بطريقة غير مؤلمة، مما جعل الأخير يتأوه بخفة، ثم يضحك لأول مرة منذ فترة.
ظل الإمبراطور يحمله، يتجول به عبر أروقة القصر، بينما ليونيل ينظر حوله بصمت، وكأنه يستكشف مكانًا جديدًا لأول مرة في حياته.
كان ليونيل مستندًا على كتف الإمبراطور، لكنه لم يكن ينوي البقاء هادئًا لفترة طويلة. بدأ يتململ قليلًا في ذراعيه، ثم رفع رأسه ونظر إلى الإمبراطور بنظرة ماكرة قبل أن يقول بصوت يحمل سخرية واضحة:
"أتعلم؟ لم أتوقع أبدًا أن تكون قويًا بما يكفي لحملي بسهولة. أليس لديك شيء آخر تفعله غير التجول بي في القصر؟ ماذا لو شاهدنا أحد الخدم؟ سيظنون أنك أصبحت خادمًا شخصيًا لي."
الإمبراطور لم يرد، فقط واصل السير بصمت، متجاهلًا تمامًا تعليق ليونيل، لكن هذا لم يثبط عزيمة الأخير.
"أنت دائمًا بهذه الجدية؟ لا عجب أن الجميع يخافون منك. أتساءل، هل سبق لك أن ضحكت من قلبك؟ لا، لا، لا أستطيع حتى تخيل ذلك. وجهك متجمد أكثر من جبل جليدي!"
ظل الإمبراطور صامتًا، لكنه شد قبضته قليلًا حول ليونيل، مما جعل الأخير يشعر ببعض الضغط.
"أوه، هل هذا يعني أنك غاضب؟" قالها ليونيل بمرح، ثم تمتم بصوت منخفض، وكأنه يتحدث مع نفسه، لكنه تعمد أن يسمعه الإمبراطور: "من يدري، ربما لديك تجاعيد مخفية تحت هذه الملامح الجليدية."
توقف الإمبراطور فجأة. للحظة، فكر ليونيل أن تعليقه الأخير قد تسبب في ردة فعل فعلية، لكنه أدرك خطأه عندما شعر بالإمبراطور يرفعه قليلاً في الهواء ثم... يتركه!
"ووه—!"
قبل أن يصرخ، وجد نفسه يهبط برفق على أقرب أريكة في أحد الممرات. لم يكن سقوطًا عنيفًا، لكن المفاجأة جعلته يحدق في الإمبراطور بصدمة.
"هل رميتني؟!"
الإمبراطور نظر إليه ببرود وقال بصوت هادئ: "قلت إنني أصبحت خادمًا لك، أليس كذلك؟ إذن، انتهت فترة عملي."
ليونيل لم يستطع تصديق ما حدث. لقد ألقى به فعليًا على الأريكة!
حدق به لوهلة، ثم بدأ يضحك ضحكة خافتة تحولت إلى ضحكة كاملة، وكأنه لم يضحك هكذا منذ زمن طويل.
"هاه... لم أتوقع منك ذلك. هل يمكن أن يكون لديك حس فكاهة مدفون في مكان ما؟"
الإمبراطور لم يرد، فقط أدار ظهره وواصل السير، لكن ليونيل لم يكن مستعدًا لتركه يذهب بسهولة.
قفز ليونيل من الأريكة—أو بالأحرى، سقط عنها بصعوبة، لكنه تمكن من التوازن في اللحظة الأخيرة. ثم هرع ليمسك بطرف معطف الإمبراطور، متظاهرًا بملامح جادة.
"حسنًا، حسنًا، أعتذر. عد إلى عملك كخادم لي، أحتاج إلى جولة أطول!"
الإمبراطور لم ينظر إليه حتى، فقط قال ببرود: "امشِ بنفسك."
ليونيل عبس: "كم أنت قاسٍ... لم أستعد قوتي بعد، هل ستدعني أتجول وحدي وأتوه؟"
توقف الإمبراطور قليلًا، وكأنه يزن كلماته، ثم التفت إليه وقال:
"لا بأس، سأتأكد من أن لا أحد يعيدك إن تهت."
ليونيل فتح فمه ليعترض، لكن الإمبراطور واصل سيره، تاركًا إياه في منتصف الممر.
تأمل ليونيل الموقف لثانية، ثم ابتسم بخبث وقال لنفسه:
"يبدو أن هذا الرجل ليس باردًا تمامًا بعد كل شيء... مثير للاهتمام."
.....
استلقى ليونيل على الأريكة، متأكدًا تمامًا أن والده تركه هنا كعقاب، فهو يعلم جيدًا أنه لا يستطيع المشي بمفرده بعد. أغمض عينيه لثوانٍ، لكنه شعر فجأة بأن أحدًا يرفعه بلطف. فتح عينيه ليجد الإمبراطور قد عاد، مما جعله يبتسم بسخرية خفيفة.
"أوه؟ هل اشتقت لي بهذه السرعة؟ لم أكن أعلم أنك عاطفي لهذه الدرجة، يا والدي العزيز."
لم يرد الإمبراطور، بل واصل السير في القصر حاملاً ليونيل كما لو كان مجرد طفل صغير، متجاهلاً تمامًا تعليقاته المزعجة. لكن ليونيل لم يكن ليتركه وشأنه بسهولة، فتابع بنبرته المستفزة المعتادة:
"هل تعلم؟ لو رآنا أحد هكذا، قد يعتقد أنني مدلل للغاية، وربما يبدأ الحراس في التفكير بأنني الوريث المفضل لديك."
لم تصدر أي ردة فعل من الإمبراطور، لكن ليونيل لاحظ أن خطواته أصبحت أكثر ثباتًا، وكأنه يعاقبه بالصمت القاسي.
أثناء سيرهم، مروا بالمطبخ الملكي، حيث فاحت رائحة الحلوى الطازجة. في اللحظة التي ضربت فيها الرائحة أنف ليونيل، شدّ جسده قليلاً ثم بسرعة دفن وجهه في صدر الإمبراطور، محاولًا تجنب استنشاقها.
الإمبراطور توقف للحظة، ناظرًا إلى ليونيل، الذي بدا وكأنه طفل يحاول منع نفسه من الوقوع في إغراء محظور. رفع حاجبه ببطء، ثم قال بصوت هادئ لكنه يحمل نبرة ساخرة نادرة:
"ما الأمر؟ أليس هذا مجرد هواء؟ لماذا تدفن وجهك هكذا؟"
لم يرد ليونيل، فقط تمتم بصوت خافت لم يكن من المفترض أن يسمعه الإمبراطور:
"الطبيب قال لا أستطيع أكل الحلوى…"
ابتسامة صغيرة، بالكاد ملحوظة، مرت على وجه الإمبراطور للحظة قبل أن يخفيها بسرعة. لكنه قرر أن ينتقم من مضايقات ليونيل السابقة.
"أوه، يا للخسارة… الحلوى اليوم تبدو شهية للغاية. الشوكولاتة المذابة تتدفق من الكعكة الدافئة، ورائحتها وحدها تكفي لجعلك تتذوقها قبل حتى أن تأكلها…"
ليونيل شدّ قبضته على معطف والده أكثر، وهو يغرز وجهه أعمق في صدره، محاولًا تجاهل كلماته.
لكن الإمبراطور لم يتوقف، بل واصل بنبرة متعمدة الإغراء:
"أوه، وما هذا؟ يبدو أنهم يضيفون الفراولة الطازجة فوق الكريمة المخفوقة، مع قليل من السكر المكرمل… من المؤسف أنك لا تستطيع تناولها."
شهق ليونيل، رافعًا رأسه بسرعة ليحدق في الإمبراطور بصدمة:
"أنت تفعل هذا عن قصد!"
الإمبراطور لم ينظر إليه، فقط أكمل سيره وكأن شيئًا لم يحدث، بينما زاوية فمه ارتفعت بشكل خفيف.
ليونيل، الذي أدرك أن والده كان يرد له الصاع صاعين، شعر بالغضب، لكنه لم يستطع فعل شيء وهو في ذراعيه. أغلق عينيه واستسلم، متمتمًا بغضب:
"هذا ليس عدلاً… أنت إمبراطور، ولست طفلًا، توقف عن مضايقتي!"
لكن بدلاً من الرد، انعطف الإمبراطور فجأة ناحية المطبخ الملكي مباشرة، متعمدًا السير ببطء بجوار الطهاة الذين كانوا يعدون الحلوى، حتى وصلت الرائحة القوية إلى أنف ليونيل من جديد.
ليونيل صرخ بانزعاج، محاولًا تغطية أنفه بيده:
"أوه، تعالٍ! هذا تعذيب رسمي!"
ضحكة خفيفة بالكاد سُمعت خرجت من الإمبراطور، لكنها لم تمر على ليونيل، الذي حدّق فيه بصدمة حقيقية.
"هل… هل ضحكت للتو؟! مستحيل!"
الإمبراطور تجاهل تعليقه، لكنه استدار به أخيرًا مبتعدًا عن المطبخ، مما جعل ليونيل يتنهد براحة… حتى سمع والده يتمتم بصوت منخفض:
"ربما في المرة القادمة سأجعلك تشاهدني أتناولها أمامك."
ليونيل شهق مرة أخرى، مدركًا أن هذه لم تكن نهاية مضايقة الإمبراطور له، بل مجرد البداية!
بعد مغادرتهم منطقة المطبخ، ظل ليونيل ينظر إلى الإمبراطور بنظرات مليئة بالغضب والاستياء، لكنه لم يستطع فعل شيء وهو لا يزال محمولًا بين ذراعيه. حاول أن يهدأ لكنه لم يستطع منع نفسه من التمتمة:
"لقد قضيت حياتي كلها أعتقد أنك رجل بارد ومخيف… والآن أكتشف أنك مجرد مستفز!"
الإمبراطور، دون أن يلتفت إليه، أجابه بنبرة هادئة كعادته:
"وأنت؟ تظن أنك لست مزعجًا؟"
ليونيل فتح فمه للاعتراض لكنه توقف، وكأنه أدرك أن الرد سيجعله يبدو وكأنه يقرّ بالتهمة. عبس وقرّر تغيير الموضوع بسرعة، فرفع يده ليضغط على خد الإمبراطور قليلاً، متمتمًا:
"كيف تشعر وأنت تحملني طوال هذا الوقت؟ ألا تؤلمك ذراعاك؟"
الإمبراطور لم يظهر أي تأثر، وكأن حمله لم يكن يشكل أي عبء عليه، ثم ردّ بلا مبالاة:
"أنت خفيف الوزن بشكل مثير للشفقة. هل كنت تأكل جيدًا قبل أن تمرض؟"
ليونيل عبس أكثر، ونظر إليه وكأنه تلقى طعنة في كرامته.
"ماذا؟ مثير للشفقة؟! هل تهينني الآن؟!"
لم يرد الإمبراطور، لكنه تحرك فجأة ليعدل وضع ليونيل في ذراعيه، مما جعله يشعر وكأنه مجرد طفل صغير يتم التعامل معه بسهولة.
"هذا ليس عدلًا… حتى وأنت تحملني لا أشعر أنني أملك أي سيطرة هنا!"
الإمبراطور أخيرًا نظر إليه للحظة، ثم قال ببرود:
"لأنك لا تملك أي سيطرة، ليونيل."
ليونيل تجمد، ثم أطلق تنهيدة طويلة وهو يدير رأسه إلى الجهة الأخرى.
"أنت ظالم…"
لكن رغم اعتراضه، شعر براحة غير متوقعة. لم يكن يتذكر متى آخر مرة شعر بهذا القدر من الأمان، وكأنه طفل لا يحتاج للقلق بشأن أي شيء.
لكن بالطبع، لم يستطع البقاء هادئًا لفترة طويلة. ابتسم فجأة ابتسامة خبيثة، ثم همس بصوت منخفض لكنه متعمد:
"إذا كنت ستحملني في كل مرة أطلب فيها منك، فقد أصبح هذا وسيلة تنقل جديدة لي في القصر!"
الإمبراطور توقف للحظة، ثم نظر إليه نظرة تحذيرية، لكن ليونيل كان مستعدًا مسبقًا وردّ بتحدٍّ:
"أوه، لا تحاول تهديدي الآن. أنت من بدأ هذا."
الإمبراطور تنهد بصمت، مدركًا أن هذه المضايقات لن تنتهي قريبًا، لكن بطريقة ما… لم يكن يمانع تمامًا.
واصل الإمبراطور طريقه عبر ممرات القصر الواسعة، غير مكترث بحماس ليونيل الواضح لاستغلال الموقف لصالحه. كان القصر هادئًا في هذا الوقت، ولم يكن هناك سوى عدد قليل من الخدم الذين انحنوا باحترام أثناء مرورهما. لكن ليونيل لم يكن مهتمًا بأحد منهم، بل ركز على مضايقة الإمبراطور قدر الإمكان.
"أتعلم، والدي العزيز؟" قال ليونيل بابتسامة متكلفة. "أعتقد أنني يجب أن أطلب منك حملي كل صباح، سيكون ذلك أكثر راحة من ذلك الكرسي المتحرك المزعج!"
الإمبراطور لم يرد، لكنه ألقى عليه نظرة جانبية باردة جعلت ليونيل يشعر بقليل من التوتر… لكن فقط قليلًا.
"أوه، لا تقلق، لن أثقل عليك كثيرًا، فأنت من قال إنني خفيف جدًا، أليس كذلك؟"
تجاهله الإمبراطور تمامًا، وبدلًا من ذلك، زاد من سرعة خطواته قليلًا، مما جعل ليونيل يشعر وكأنه محمول مثل حقيبة أكثر من كونه شخصًا ذا كرامة.
"آه! تمهل! هذا ليس عدلًا! أنا لست شيئًا يمكنك رميه متى شئت!"
"إذن توقف عن الثرثرة." قال الإمبراطور ببرود.
ليونيل عبس، لكنه لم يستسلم، بل قرر تكثيف مضايقته. رفع يده وربّت على كتف الإمبراطور بنبرة مسرحية:
"حسنًا، حسنًا، سأكون جادًا الآن، لكن لدي طلب بسيط جدًا—"
"لا."
ليونيل تجمد، ثم نظر إليه بدهشة.
"ماذا؟ لم أطلب أي شيء بعد!"
الإمبراطور أخيرًا التفت إليه قليلاً وقال بصوت هادئ لكنه حازم:
"أيًّا كان ما تفكر فيه، الجواب هو لا."
ليونيل شهق وكأن قلبه قد كُسر، ثم تمتم:
"أنت قاسٍ جدًا… أليس من المفترض أن تعامل ابنك المريض بلطف؟"
لم يتلقَ أي رد. الإمبراطور ببساطة واصل المشي وكأن ليونيل لم يقل شيئًا، مما جعله يشعر بالإحباط أكثر.
"تبا، هل أنت مصنوع من حجر؟! أعطني ردًا على الأقل!"
لكن الإمبراطور ظل ثابتًا، والهدوء الذي كان يحمله جعله يبدو وكأنه لا يتأثر بمضايقات ليونيل على الإطلاق.
أخيرًا، وصلا إلى شرفة كبيرة تطل على حدائق القصر. شعر ليونيل بنسيم الهواء البارد يلامس وجهه، مما جعله يهدأ قليلًا. لكنه لم يستطع مقاومة إطلاق تنهيدة درامية وهو يتكئ على صدر الإمبراطور أكثر.
"على الأقل، بما أنك لا تهتم بكلامي، فاحملني جيدًا… إن كنت سأكون أسيرًا في ذراعيك، فلنجعلها تجربة مريحة، أليس كذلك؟"
الإمبراطور، دون أن ينظر إليه، رفع حاجبه قليلًا وقال ببرود:
"إن لم تغلق فمك خلال خمس ثوانٍ، سأتركك هنا وحدك."
ليونيل اتسعت عيناه قليلًا، ثم ابتسم ببطء وقال بصوت خافت:
"…أنت لن تفعل."
الإمبراطور لم يرد، لكنه توقف للحظة… مما جعل ليونيل يتوتر.
"انتظر، كنت أمزح! لا تتركني هنا!"
أخيرًا، لم يستطع الإمبراطور منع نفسه من إطلاق تنهيدة خفيفة وهو يعيد تعديل وضعية ليونيل في ذراعيه.
"أنت مزعج للغاية."
ليونيل ابتسم بسخرية:
"وأنت بدأت تتعود على ذلك."
الإمبراطور لم يرد، لكنه استمر في حمله… ولم يُسقطه.
.....................
بعد انتهاء جولته القصيرة التي لم تحقق أي شيء، وجد ليونيل نفسه يُقاد إلى خارج القصر. الإمبراطور، دون أن يمنحه فرصة للتهرب، رفعه بسهولة إلى داخل العربة الملكية، وجلس مقابله بهدوء.
نظر ليونيل من النافذة، محاولًا التصرف بلا مبالاة، لكنه شعر بتسارع دقات قلبه.
"أنا… خارج القصر."
كانت هذه أول مرة يخرج فيها منذ أن تجسد. رغم كل شيء، لم يغادر القصر الإمبراطوري قط.
العاصمة الإمبراطورية كانت مختلفة تمامًا عما تخيله.
شوارعها الواسعة مرصوفة بالحجارة، تتلألأ تحت ضوء الشمس، وأبنية شاهقة تجمع بين الفخامة والنقوش المعقدة. على الجانبين، انتشرت المحال التجارية الفاخرة، بينما كان النبلاء والتجار يسيرون بثقة، يرتدون أقمشة زاهية تدل على مكانتهم.
في إحدى الساحات، رأى فرقة موسيقية تعزف ألحانًا مبهجة، وأطفالًا يركضون بين الحشود. حتى العربات التي تجرها الأحصنة كانت منظمة بشكل مثالي، تعبر الشوارع في مسارات محددة دون أي فوضى.
لكن أكثر ما لفت انتباهه كان الأعلام الإمبراطورية الضخمة التي ترفرف فوق المباني، حاملة رمز العائلة الإمبراطورية—تنين ذهبي يلتف حول سيفٍ عظيم.
رغم دهشته، حرص ليونيل على إخفاء تعابيره، مستندًا إلى النافذة بذراعين متقاطعتين وكأنه غير مهتم.
الإمبراطور، الذي لاحظ كل حركة منه، رفع حاجبه بابتسامة خفيفة.
"إن كنت منبهرًا، فلا بأس بإظهار ذلك."
أدار ليونيل رأسه نحوه ببطء، ثم قال ببرود: "منبهر؟ لا، كنت فقط أفكر في مدى ضياع أموال الضرائب على هذه الزينة المبالغ فيها."
قهقه الإمبراطور بصوت خافت، لكنه لم يرد عليه.
مع استمرار العربة في التحرك، كان ليونيل يدرك شيئًا واحدًا—العالم الذي قرأ عنه في الرواية لم يكن مجرد كلمات على ورق، بل كان نابضًا بالحياة أمامه الآن.