28 - أحتجاجات ليونيل الأخيرة

في الواقع، لم يكن الإمبراطور ولا راين أو إليوت يقفون مكتوفي الأيدي.

كان الأطباء والسحرة يرتجفون، واقفين في صف مستقيم أمام الإمبراطور، الذي كانت عيناه تشتعلان بالغضب المكبوت. صوته كان باردًا، لكنه حمل تهديدًا لا يمكن إنكاره:

"إيجاد علاج ليس خيارًا… بل أمر."

راين، الذي كان عادة هادئًا، كان يضغط على مقبض سيفه بشدة، بينما إليوت كان يحدق بالأطباء، وكأنه يتوقع أن يخرج أي واحد منهم بحل في أي لحظة. لكن لا أحد تحدث… لا أحد عرف ماذا يفعل.

وفي تلك اللحظة—

"آه…"

تراجع الألم فجأة.

توقفت الفراشات الذهبية عن التوهج، وأخذت تتلاشى ببطء، وكأنها لم تكن هناك أبدًا. هدأ جسد ليونيل، وأخذ أنفاسًا ضعيفة، قبل أن يعود إلى النوم، محاطًا بالصمت.

راقب الإمبراطور ابنه للحظات، ثم استقام ببطء.

"غادروا."

لم يكن بحاجة لتكرار الأمر. الأطباء والسحرة انحنوا بسرعة، ثم خرجوا من الغرفة كما لو أن الموت كان يلاحقهم. حتى الحراس اختفوا، ولم يبقَ سوى الإمبراطور وابنه، الذي كان نائمًا بين ذراعيه، أنفاسه هادئة، وكأن ما حدث قبل لحظات لم يكن سوى كابوس عابر.

وقف الإمبراطور هناك، يراقب ملامح ليونيل النائمة. رفع يده ببطء، وأعاد إزاحة خصلات شعره الفضي، لتكشف عن ظهره حيث اختفت الفراشات بالكامل… لكن آثارها لا تزال موجودة.

تنهد الإمبراطور، ثم حرك جسده، وعاد ليجلس على الأريكة القريبة، يحمل ليونيل كما لو كان لا يزال ذلك الطفل الصغير الذي كان يحاول حمايته منذ ولادته.

لكن أفكاره لم تبقَ هنا.

بل عادت إلى الوراء… إلى المرأة التي لم يفهمها أبدًا.

إيرينا.

كانت امرأة غامضة، مختلفة عن أي شخص آخر. لم يكن يعرف الكثير عنها، حتى بعد أن أصبحت زوجته. لم يعرف عائلتها، لم يعرف ماضيها، ولم تعرف المملكة عنها سوى أنها امرأة من العامة تزوجها الإمبراطور رغمًا عن الجميع.

رغم ذلك… أحبها.

أحبها بطريقة لم يستطع تفسيرها، كما لو أن روحه تعلقت بها قبل أن يدرك ذلك.

تذكر المرة الأولى التي رآها فيها—

كان ذلك أثناء رحلة صيد.

وسط الأشجار الكثيفة، بعيدًا عن الفرسان المرافقين له، ضاع الإمبراطور في ملاحقة ظبي، لكن بدلاً من أن يجد فريسته… وجدها هي.

كانت واقفة هناك، وسط الغابة، شعرها الطويل يتطاير مع الرياح، وعيونها تلمع بضوء غامض تحت ضوء الشمس المتسلل بين الأوراق. لم تبدُ خائفة منه، رغم أنه كان يحمل سيفًا، ولم تحاول الهرب.

بل نظرت إليه مباشرة، وقالت ببساطة:

"تائه، أيها الإمبراطور؟"

...................

عاد الإمبراطور إلى ذكرياته، إلى اللحظة التي أنجبت فيها إيرينا طفلها الرابع، ليونيل.

رغم أنها كانت تحب جميع أطفالها، كان هناك بريق خاص في عينيها عندما نظرت إلى ليونيل لأول مرة.

"إنه يشبهني."

همست بسعادة وهي تمسح على خصلات شعره الفضي، التي بدت وكأنها تعكس ضوء القمر، تمامًا مثل شعرها. أبناؤها الثلاثة الآخرون ورثوا شعر والدهم الأسود الداكن، لكن ليونيل… كان مختلفًا.

كان يشبهها أكثر من أي شخص آخر، وكأنه قطعة منها امتدت إلى هذا العالم.

الإمبراطور لم يهتم بتلك التفاصيل في البداية، لكنه لاحظ أمرًا غريبًا…

إيرينا كانت تأخذ ليونيل إلى غابة إيدريث.

مرة كل شهر، في نفس الموعد، كانت تخرج به إلى هناك، وعندما كان يسألها عن السبب، كانت تبتسم فقط وتقول:

"إنه سر صغير بيني وبين طفلنا."

لم يكن هذا الجواب مقنعًا.

إيرينا، رغم أنها كانت من العامة، تصرفت دائمًا بلباقة وهدوء يناسبان النبلاء. كانت تعرف كيف تتحدث، كيف تتحرك، وكيف تخفي أفكارها خلف ابتسامات غامضة.

الإمبراطور أحبها، لكنه لم يستطع إنكار ذلك الشعور المتسلل في داخله…

هل كانت تخفي شيئًا؟

..................

بعد ليلة طويلة مليئة بالفوضى والقلق، استلقى الإمبراطور أخيرًا على سريره، واحتضن ليونيل النائم بجانبه. رغم كل شيء، لم يكن قادرًا على تركه وحده، ليس بعد ما حدث.

أغمض عينيه، مستسلمًا للراحة التي لم يحصل عليها منذ زمن، بينما ظل ذراعه ملفوفًا حول جسد ليونيل، وكأنه يحاول حمايته حتى في نومه.

لكن الراحة لم تدم طويلًا.

"أرغغ…"

فتح ليونيل عينيه ببطء، جسده لا يزال مثقلًا بالإرهاق، لكنه سرعان ما أدرك شيئًا غريبًا…

كان نائمًا فوق الإمبراطور.

متشبثًا به.

تصلب جسده في اللحظة التي أدرك فيها وضعه، وقلبه تسارع من الإحراج والارتباك.

"ماذا بحق ؟!"

حاول التملص فورًا، محاولًا إبعاد نفسه عن الإمبراطور، لكن…

قبضة الإمبراطور كانت قوية.

شدّ ذراعه حوله بإحكام، وكأنه كان يتوقع هذه المحاولة مسبقًا.

"إلى أين تعتقد أنك ذاهب؟"

كان صوته هادئًا لكنه محمل بالسلطة، مما جعل ليونيل يتجمد في مكانه.

"اتركني، أيها العجوز المتشبث!" تمتم بغضب، محاولًا سحب نفسه بعيدًا مرة أخرى، لكن الإمبراطور لم يتحرك.

بل… ضغط عليه أكثر، وكأنه يضايقه عمدًا.

"ما هذا؟ أليس حضن والدك مريحًا؟"

"ماذا؟ بالطبع لا! هذا مقرف! اتركني!"

أطلق الإمبراطور ضحكة خفيفة، وهو ينظر إلى وجه ليونيل الأحمر غضبًا وإحراجًا.

"أوه؟ لكنك كنت متشبثًا بي أثناء نومك. هل تحاول إنكار ذلك الآن؟"

كاد ليونيل ينفجر من الإحراج، لكن الإمبراطور لم يتوقف.

"إذا كنت ستصرخ كثيرًا، فربما عليّ أن أحتضنك أكثر حتى تهدأ."

في تلك اللحظة، شعر ليونيل بالرعب الحقيقي.

"لااااا! أيها العجوز المجنون! ابتعد عني!"

لكنه لم يكن قادرًا على الإفلات، والإمبراطور؟ بدا وكأنه يستمتع بمضايقته أكثر من اللازم.

استمر الإمبراطور في إحكام قبضته حول ليونيل، متجاهلًا تمامًا مقاومته وصراخه. كلما حاول ليونيل الابتعاد، زاد الإمبراطور في استفزازه، وكأنه وجد متعة خالصة في مضايقة ابنه الصغير.

"أنت تحب العناق، صحيح؟ لا داعي للخجل، يمكنني احتضانك كل ليلة إذا أردت."

"ماذا؟! بالطبع لا، أيها العجوز المتصابي! ابتعد عني فورًا وإلا—"

"وإلا ماذا؟ ستعضني مثل طفل صغير؟"

تجمد ليونيل، ثم صرخ بغضب:

"سأقتلك، أيها العجوز المتعفن!!"

لكن الإمبراطور لم يتأثر بتهديداته الطفولية، بل ضحك بصوت خافت، ثم…

رفعه عن السرير وكأنه يحمل حقيبة صغيرة.

"هيه؟! ضعني أرضًا فورًا!!"

"لا."

"تبًا لك! أطلق سراحي، أيها الطاغية المغرور!"

"لسانيك أصبح حادًا في الصباح الباكر، هل هذا لأنك استرحت جيدًا؟"

"أي راحة؟ لقد استيقظت لأجد نفسي متشبثًا بعجوز مخيف!"

"أوه؟ إذن أنت تعترف أنك كنت تتشبث بي؟"

"هذا ليس ما قصدت—تبًا! توقف عن المراوغة، أيها الحقير!"

لكن الإمبراطور لم يكن ينوي الاستماع، بل حمل ليونيل بكل سهولة وخرج من الغرفة، متجهًا نحو جناح الأطباء.

"إلى أين تأخذني؟!"

"إلى الدكتور إدغار، حان وقت جلستك العلاجية."

"ماذا؟ لاااا! أنا بخير تمامًا! لا أحتاج لأي علاج!"

"جسدك ضعيف، ولا تزال بحاجة إلى جلسات العلاج الفيزيائي."

"تبا على العلاج الفيزيائي! تبا عليك أيضًا! أنزلني حالًا!"

"لسانك طويل جدًا هذا الصباح."

"انت السبب! أيها الإمبراطور المزعج! أيها المستبد! أيها المغرور الأحمق!"

لم يعره الإمبراطور أي اهتمام، بل استمر في طريقه، بينما ليونيل يكيل له الشتائم من كل الأنواع، غير مبالٍ بحراس القصر الذين كانوا يراقبون المشهد بصمت، محاولين جاهدين كتم ضحكاتهم.

وحين وصلوا إلى جناح الأطباء، كان الدكتور إدغار يقف هناك، مستعدًا لاستقبال مريضه الصغير.

لكن قبل أن يتحدث، صُدم عندما وجد الإمبراطور يرمي ليونيل على السرير الطبي بلا أي مجهود، كما لو كان مجرد وسادة.

"خذ هذا المزعج وابدأ جلسة العلاج فورًا."

ليونيل، الذي كان ما يزال يستوعب ما حدث، رفع رأسه ونظر إلى إدغار بغضب.

"أيها الطبيب، إن لم تحمني من هذا المجنون، فسأجعلك تندم!"

لكن إدغار لم يبدُ متأثرًا، بل فقط تنهد واستعد لبدء الجلسة.

بدا أن هذا سيكون يومًا طويلًا…

"لا تلمسني أيها الطبيب الغبي!!"

................

صرخ ليونيل وهو يحاول الإفلات، لكن الإمبراطور كان أسرع منه، ضغط بيد واحدة على كتفه، مثبتًا إياه على السرير الطبي بسهولة مرعبة.

"اهدأ، ليونيل."

"اهدأ؟! أنت ترميني وكأنني كيس بطاطا ثم تطلب مني الهدوء؟!"

أدار الإمبراطور عينيه بتسلية، بينما رفع إدغار حاجبه، متجاهلًا فورة غضب المريض الصغير.

"حسنًا، لنبدأ الجلسة."

"كلا! لن نبدأ شيئًا! أنا لا أحتاج إلى—"

لكن قبل أن يُكمل، أمسك الإمبراطور بذراعه وساقه، وضغط عليهما للأسفل بثبات.

"أيها العجوز الملعون! سأحفر قبرك بيديّ إن لم تطلق سراحي!!"

"إذا كان لديك طاقة كافية للتهديد، فلديك طاقة كافية للخضوع للعلاج."

"سحقًا لك!"

دون إضاعة الوقت، بدأ إدغار الجلسة.

رفع ساق ليونيل ببطء، محاولًا تمديد عضلاته المتصلبة، لكن فور أن بدأ الألم يزحف إلى أوصاله، انطلقت صرخة احتجاج من فمه.

"آاااه!! هذا مؤلم! توقف فورًا أيها الجزار!"

"هذا طبيعي، عضلاتك ضعيفة وتحتاج إلى التمدد."

"لا أهتم! أوقف هذا الع—آاااه! أيها الوغد!!"

لم يكن هناك مفر. الإمبراطور كان يثبّته بقوة، وإدغار كان يعمل بجد، دون أن يبالي بصراخه وشتائمه التي ملأت أرجاء الغرفة.

بعد نصف ساعة من الصراخ واللعنات…

استلقى ليونيل على السرير منهكًا تمامًا، أنفاسه لاهثة، عينيه ممتلئتان بالغضب والاستياء.

"سحقًا لكم جميعًا… أتمنى أن يسقط هذا القصر عليكم!"

الإمبراطور تجاهله تمامًا، بينما أعاد إدغار أدواته إلى مكانها بهدوء.

"لقد كان أداءً جيدًا اليوم."

"جيد رأسك! لو كان الأمر بيدي، لرميتك في النهر!"

ضحك الإمبراطور أخيرًا، ثم وقف استعدادًا للمغادرة.

لكن فجأة—

[دينغ!]

ظهر إشعار أمام ليونيل، نافذة شفافة انبثقت في زاوية رؤيته.

┏━━━━━━━━━━━━━━━━━┓

[تهانينا! لقد أكملت جلسة علاجية صعبة!]

- المكافأة: إكسير زيادة قدرة التحمّل ×1

┗━━━━━━━━━━━━━━━━━┛

تجمّد ليونيل.

ثم، ببطء، ضيّق عينيه وهو يقرأ الجملة مرة أخرى.

…ماذا؟

أكمل جلسة علاجية صعبة؟! وهل كان ذلك تعذيبًا أم علاجًا أصلًا؟!

لكن قبل أن يتمكن من الصراخ مجددًا، وضع الإمبراطور يده على رأسه وربّت عليه بخفة.

"أحسنت، أيها الصغير."

ليونيل تجمّد.

ثم، دون تفكير—

"تبًا لك!"

.................

نظر إدغار إلى الإمبراطور وقال بلهجة عملية: "جلالة الإمبراطور، دع ليونيل يعتمد على نفسه. أريد أن أرى مدى تقدمه."

تردد الإمبراطور للحظة، لكنه في النهاية أسند ليونيل قليلًا ثم تركه، ليتيح له فرصة الوقوف بمفرده.

أخذ ليونيل نفسًا عميقًا، وتوتر جسده للحظة، لكنه استقام تدريجيًا. في اللحظة التي حرر فيها الإمبراطور قبضته، ظهرت أمامه شاشة شفافة—

┏━━━━━━━━━━━━━━━━━┓

[تم تفعيل إكسير زيادة قدرة التحمّل!]

- تم زيادة قدرة التحمّل +5

- قدرة التحمّل الحالية: 25

┗━━━━━━━━━━━━━━━━━┛

شعر ليونيل بطاقة غريبة تسري في عضلاته. لم يكن الأمر وكأنه أصبح قويًا فجأة، لكنه بالتأكيد شعر بأن الوقوف لم يكن متعبًا كما كان من قبل.

"حسنًا، فلنجرب هذا…" تمتم لنفسه، ثم رفع قدمه ببطء، متخذًا أول خطوة له.

ثم الثانية.

ثم الثالثة.

حتى وصل إلى السابعة!

لكن فجأة، شعر بجسده يهتز، ساقاه ترتعشان، وكأن القوة التي حصل عليها لم تكن كافية بعد… ثم، قبل أن يتمكن من التوازن—

"آه…!"

سقط!

لكن بدلًا من أن يصطدم بالأرض، شعر بذراعين قويتين تلتفّان حوله، رافعتين جسده عن الأرض في اللحظة الأخيرة.

رفع عينيه، ليجد الإمبراطور ينظر إليه ببرود مألوف.

"يبدو أنك ما زلت بحاجة إليّ بعد كل شيء."

ليونيل، الذي كان يلهث بسبب المجهود، نظر إليه بحدّة، ثم عبس وأدار وجهه بعيدًا.

"لم أطلب مساعدتك."

ضحك الإمبراطور بخفّة، لكن بدلاً من الرد، أعاد حمل ليونيل بين ذراعيه وكأنه لا يزن شيئًا، ثم التفت إلى إدغار.

"كم من الوقت حتى يتمكن من المشي دون مساعدة؟"

فكّر إدغار للحظة، ثم أجاب: "إن استمر بهذه الوتيرة… ربما شهر أو شهرين، حسب مدى التزامه بالعلاج."

ليونيل تمتم بشيء غير مسموع، لكنه كان متأكدًا أن الإمبراطور سمعه، لأن الأخير ابتسم بنظرة مستفزة قبل أن يخرج به من الغرفة، وكأنه يخطط لتعذيبه أكثر في الأيام القادمة.

.................

حمل الإمبراطور ليونيل بخفة وكأنه مجرد طفل صغير، متجاهلًا نظراته الغاضبة وتشنجه في محاولة للتحرر. لم يهتم بصراخه أو احتجاجه، بل واصل طريقه بثبات عبر الممرات الواسعة للقصر حتى وصل إلى غرفة التدريس.

فتح الباب بخطوة حازمة، مما جعل الرجل الذي كان ينتظره في الداخل يرفع رأسه فورًا. كان المعلم الجديد طويل القامة، ذو شعر رمادي وعينين حادتين توحيان بالخبرة والصرامة. كان يجلس على كرسي خشبي أمام مكتب مليء بالكتب والمخطوطات، وكأنه كان يدرس شيئًا ما قبل وصولهما.

"إذن، هذا هو الأمير الذي سأقوم بتعليمه؟" سأل المعلم بصوت هادئ لكنه قوي.

قبل أن يجيب الإمبراطور، كان ليونيل قد بدأ بالفعل في المقاومة بعنف.

"أعيدني إلى غرفتي! لا أريد أي معلم! لا أحتاج إلى تعليم!"

لكن الإمبراطور لم يهتم باحتجاجاته، بل تقدّم ووضعه على الكرسي أمام المكتب، ثم ضغط على كتفيه ليمنعه من النهوض.

"ستتعلم." قال بلهجة حاسمة لا تحتمل الجدل. "أنت تغيب عن الأكاديمية بسبب العلاج ، لذا قررت تعيين معلم خاص لك. هذا هو البروفيسور زين، سيكون مسؤولًا عن تعليمك في الأيام التي لا تذهب فيها إلى الأكاديمية."

نظر ليونيل إلى المعلم الجديد بعبوس، ثم حاول النهوض مرة أخرى، لكن الإمبراطور ضغط على رأسه هذه المرة ليبقيه جالسًا.

"ابقَ في مكانك."

"لا! لا أريد هذا! أريد العودة إلى غرفتي!"

بدلًا من محاولة الهرب، تشبث بالإمبراطور بشدة، يحيط خصره بذراعيه بقوة كأنه يحاول التمسك بحبل نجاة.

"خذني معك! لا أريد الدراسة!"

أطلق الإمبراطور تنهيدة طويلة، وكأنه قد توقّع حدوث هذا المشهد مسبقًا.

"ليونيل، توقف عن التصرف كطفل."

"لكنني طفل!" صاح ليونيل، رافعًا رأسه لينظر إليه بتحدٍّ.

نظر الإمبراطور إليه لثانية بصمت، ثم فجأة—

"إذن، هل تريدني أن أحملك طوال الدرس أيضًا؟"

اتسعت عينا ليونيل بصدمة. "أنت لن تفعلها."

رفع الإمبراطور حاجبًا ببرود. "جرّبني."

في تلك اللحظة، قرر ليونيل أخيرًا أنه يفضل الجلوس على الكرسي بدلًا من أن يتم حمله كطفل رضيع طوال الحصة.

بمجرد أن ودّع الإمبراطور ابنه وأغلق الباب خلفه، خفّت قبضة ليونيل المتشنجة على كرسيه، وارتسمت على شفتيه ابتسامة خبيثة. أمال رأسه قليلًا، وعيناه تلمعان بمكر، ثم أطلق ضحكة خافتة لكنها مليئة بالخبث.

إذا لم أستطع الهروب من الدروس، فسأجعل هذا المعلم الجديد يطلب الاستقالة بنفسه!

أخذ نفسًا عميقًا، ثم فجأة، تغيّرت ملامحه بالكامل—تحولت ابتسامته إلى تعبير متعجرف ووقح، وعينيه امتلأتا بالملل والازدراء. استند على الطاولة بظهره، متراخيًا تمامًا، وكأنه لا يبالي بأي شيء في هذا العالم.

"إذن، أيها البروفيسور زين، هل لديك أي فكرة عن مدى إضاعة وقتي بهذه الحصة السخيفة؟"

رفع المعلم زين حاجبه، لكنه لم يرد.

تابع ليونيل بصوت مليء بالسخرية: "أنا متأكد من أنك رجل مشغول أيضًا، أليس كذلك؟ لذلك، دعنا لا نضيّع وقت بعضنا البعض. يمكنك الاستقالة الآن، وأنا أعدك بأنني سأخبر أبي بأنك كنت معلمًا رائعًا."

ظل زين صامتًا للحظة، قبل أن يضع القلم الذي كان يحمله على المكتب بهدوء وينظر إلى ليونيل مباشرة.

"هل تعتقد أنني سأهرب بهذه السهولة، أيها الأمير الصغير؟"

تجمّد ليونيل للحظة، لكنه سرعان ما استعاد وقاحته، مائلًا رأسه إلى الجانب بابتسامة مستفزة.

"حسنًا، هذا يعتمد على مدى قوة أعصابك."

كانت هذه بداية المعركة بين تلميذ وقح… ومعلم لا يتأثر بسهولة!

.............

جلس ليونيل متكئًا على الطاولة، ذراعيه متشابكتين أمام صدره، وعيناه نصف مغمضتين بكسل واضح، وكأنه لا يبالي إطلاقًا. أما المعلم زين، فكان يقف أمام السبورة، يحدّق به بنظرة هادئة، لكنه لم يكن من النوع الذي ينخدع بسهولة.

"حسنًا، فلنبدأ درس اليوم." قال زين بصوت هادئ.

أطلق ليونيل تنهيدة مسرحية، قبل أن يرفع يده ببطء، وكأنه على وشك طرح سؤال مهم.

"نعم، سمو الأمير؟" سأله زين، بنبرة متزنة.

"أريد أن أعرف شيئًا قبل أن نبدأ…" قال ليونيل، قبل أن يميل للأمام قليلاً، وعيناه تتوهجان بخبث. "ما الذي جعلك تظن أن لديك القدرة على تعليمي؟"

توقّف زين للحظة، لكنه لم يُظهر أي انزعاج. بل رفع حاجبه باهتمام، وكأنه يراقب طفلًا يحاول اختبار صبره.

"لديك ثقة عالية بنفسك، سمو الأمير."

"بالطبع! أعني، أنا لا أرى أي سبب يدفعني للاستماع إليك. لنكن صريحين، أنت هنا لأن والدي أمر بذلك، وليس لأنك شخص مميز أو عبقري. لذا، لماذا لا نوفر الوقت على بعضنا؟"

زين لم يرد مباشرة. بل ابتسم، تلك الابتسامة الصغيرة التي تثير الشكوك، ثم رفع كتابًا ورماه بلطف على الطاولة أمام ليونيل.

"حسنًا، فلنختبر ذلك." قال زين بهدوء. "افتح الصفحة العاشرة واقرأ السطر الأول."

رفع ليونيل حاجبه، قبل أن يمد يده بكسل لفتح الكتاب. لكن…

"…ماذا؟"

كانت الكلمات مشوشة، غير مفهومة، وكأنها مكتوبة بلغة قديمة لم يسبق له رؤيتها من قبل! نظر إلى زين بحيرة، لكنه أخفى ارتباكه سريعًا بابتسامة مستفزة.

"هل هذه نوع من الألعاب؟ آسف، لكنني لا ألعب مع المدرسين."

"أوه؟ إذن لا يمكنك قراءته؟"

"بالطبع أستطيع!" كذب ليونيل على الفور، قبل أن يحدّق في الكتاب مجددًا. لم يكن هذا نصًا عاديًا، بل شيئًا غريبًا… هل كان اختبارًا؟

زين، الذي لاحظ ارتباكه الخفيف، وضع يده على الطاولة وانحنى قليلًا للأمام.

"سمو الأمير، دعني أخبرك بشيء… بغض النظر عن مدى وقاحتك، أو مدى اعتقادك أنك تستطيع التخلص مني، فإنني لن أذهب إلى أي مكان. لذلك، لديك خياران: إما أن تتعلم، أو أن تستمر في لعب دور الطفل الوقح حتى يقرر الإمبراطور التدخل بنفسه."

ليونيل ضيّق عينيه، قبل أن ينظر بعيدًا بملل مصطنع.

"تبا… هذا سيكون أصعب مما توقعت."

كان هذا اليوم الأول من الدرس، لكن بدا أن معركته مع زين ستكون أطول مما كان يظن…

............

بعد بضع دقائق من محاولة إجبار ليونيل على الدراسة بالطريقة التقليدية، أدرك زين أن ذلك لن ينجح. الفتى كان عنيدًا، بل أكثر من ذلك، كان متمردًا بشكل واضح. لكنه لاحظ شيئًا آخر… خلف تلك الوقاحة، كان هناك عقل يعمل بسرعة، ذهن حاد يلتقط التفاصيل حتى لو تصرف وكأنه لا يبالي.

"حسنًا، سمو الأمير، بما أنك لا تجد الدروس ممتعة، لماذا لا نتحدث عن شيء أكثر إثارة للاهتمام؟"

رفع ليونيل حاجبه بفضول، لكنه لم يرد.

تابع زين: "لنأخذ الإمبراطورية المجاورة، فالنتيا. لقد شهدت اضطرابات داخلية مؤخرًا بسبب الصراع بين النبلاء والعائلة المالكة. هل لديك أي أفكار حول كيفية استقرار الوضع هناك؟"

نظر ليونيل إليه للحظة، ثم ابتسم بسخرية. "أنت تحاول خداعي للدراسة، أليس كذلك؟"

"ربما، لكن هذا مجرد نقاش. لا توجد إجابات صحيحة أو خاطئة هنا."

فكر ليونيل للحظة، ثم انحنى للأمام، مستندًا إلى الطاولة. "إذا كنتُ ملك فالنتيا، فلن أحاول تهدئة الوضع على الفور. بل سأترك النبلاء يضعفون أنفسهم بالصراع الداخلي، وعندما يصبحون في أضعف حالاتهم، أتحرك وأفرض سيطرتي."

زين أومأ برأسه، لكن عينيه فاضتا بالاهتمام. "وماذا عن العواقب؟ إذا ضعفت الإمبراطورية أكثر من اللازم، فقد تكون عرضة لهجمات من الدول المجاورة."

ليونيل هز كتفيه بلا مبالاة. "هذا يعتمد على من هو العدو. إذا كان لديهم خصم أقوى ينتظر الفرصة، عندها سيكون علي التدخل مبكرًا، ربما عبر دعم أحد الفصائل سرًا لإبقاء ميزان القوى تحت سيطرتي."

أطلق زين ضحكة قصيرة. "لست متأكدًا مما إذا كنت عبقريًا أم مستبدًا في طور التكوين."

"من قال إن الاثنين لا يجتمعان؟" رد ليونيل بابتسامة مستفزة.

زين أدرك أن هذه الطريقة تعمل. النقاش جعله أكثر تفاعلًا، والأهم من ذلك، كشف عن طريقة تفكيره. بدا أن ليونيل لم يكن مجرد طفل وقح، بل شخص يملك فهماً سياسياً غريزياً، حتى لو لم يتلقَّ تعليماً رسمياً بعد.

"حسنًا، بما أنك مهتم بالسياسة، فلنواصل هذا النقاش. ماذا لو كنت مستشارًا ملكيًا في فالنتيا، وليس الملك؟ كيف ستتصرف عندها؟"

صمت ليونيل للحظة، ثم ضاقت عيناه. "إذا لم أكن الملك، فعليّ أن أضمن أن الملك يعتمد علي بالكامل. سأتخلص من جميع المستشارين الآخرين تدريجياً، أجعل وجودي ضروريًا. وعندما يحين الوقت، سأحكم من الظل دون الحاجة إلى العرش."

نظر زين إليه بتمعن، قبل أن يبتسم. "يبدو أنني سأستمتع بهذا الدرس أكثر مما توقعت."

............

زين، الذي كان يعتقد في البداية أن وظيفته ستكون مجرد محاولة يائسة لتعليم طفل عنيد، وجد نفسه الآن مستمتعًا بالحوار أكثر مما توقع. كلما ألقى بسؤال، كان ليونيل يجيب بطريقة لم يكن يتوقعها.

"حسنًا، دعنا نناقش إمبراطورية نورفين،" قال زين وهو يراقب ليونيل، "هم معروفون بجيشهم القوي، لكنهم يعانون من مشاكل اقتصادية خطيرة بسبب حروبهم المستمرة. لو كنت مستشارًا هناك، كيف ستعالج الوضع؟"

ليونيل لم يتردد لحظة، كأنه كان ينتظر مثل هذا السؤال. "الأمر واضح، عليهم التوسع، لكن ليس بالحروب التقليدية."

"أوه؟" رفع زين حاجبه، "وما الحل إذن؟"

ابتسم ليونيل بثقة. "الاحتلال الاقتصادي."

زين انحنى للأمام، مهتمًا. "وضح أكثر."

"بدلًا من الاستمرار في شن الحروب التي تستنزف مواردهم، يمكنهم الاستفادة من قوة جيشهم بطريقة مختلفة: فرض اتفاقيات تجارية غير عادلة على الدول الأضعف، وإجبارها على الاعتماد على سلعهم. وبمجرد أن تصبح هذه الدول غير قادرة على الاستغناء عنهم، يمكن لنورفين استغلال ذلك لفرض سيطرتهم دون إطلاق سهم واحد."

زين لم يستطع إخفاء إعجابه. "هذه إستراتيجية جريئة… لكنها محفوفة بالمخاطر. ماذا لو قررت هذه الدول التمرد؟"

ليونيل هز كتفيه وكأنه يقول إن الأمر بسيط للغاية. "إذا حدث ذلك، حينها يمكن استخدام الجيش. لكن في تلك المرحلة، سيكون لديهم بالفعل نفوذ اقتصادي كافٍ لتقسيم الدول المتضررة من الداخل قبل أي تحرك عسكري."

زين ابتسم ببطء. "يبدو أنك تمتلك عقلية ملك أكثر من بعض الحكام الحقيقيين."

ليونيل ضحك بسخرية. "وهل تتوقع مني غير ذلك؟"

لم يكن هناك تكبر في صوته بقدر ما كان يقينًا. زين أدرك أن هذا الفتى لا يرى نفسه مجرد طفل نبيل، بل شخصًا يجب أن يكون في موقع القوة دائمًا.

"حسنًا، دعنا نرفع مستوى التحدي. ماذا لو كنت تحكم إمبراطورية ضعيفة، محاصرة بين قوتين عظميين، وكلاهما ينتظران فرصة للانقضاض عليك؟"

ليونيل فكر للحظة، ثم ابتسم. "إذا كنت أضعف منهما، فلا يمكنني القتال، وهذا واضح. إذن، عليّ أن أجعل كلا القوتين تعتقدان أنني أقف في صفهما، بينما في الواقع، أستغل تنافسهما لحماية نفسي."

زين أومأ. "استراتيجية التوازن، لكنها قد تكون خطيرة. إذا اكتشف أحدهما أنك تخدعه—"

"لن يكتشفوا، لأنني لن أخدعهم علنًا." قاطع ليونيل بثقة. "سأجعل كلاً منهما يعتقد أنه يحصل على صفقة أفضل، بينما أضمن أن أي تحرك منهما لن يكون ضد مصلحتهما المشتركة… إلى أن يحين الوقت المناسب للانقلاب على أحدهما."

زين أطلق ضحكة قصيرة. "أنت حقًا لا تلعب بنزاهة، أليس كذلك؟"

ليونيل ابتسم ببرود. "في السياسة، النبلاء هم أول من يموت."

زين جلس متكئًا على كرسيه، متمتمًا لنفسه، "مثير للاهتمام… لم أتوقع أن يكون لديك هذا النوع من الذكاء، سمو الأمير."

ليونيل رفع رأسه بفخر. "بالطبع، أنا عبقري بعد كل شيء."

لكن رغم نبرة الغرور، كان زين يعلم أن هذا لم يكن مجرد تفاخر طفل مدلل. ليونيل كان يفكر بطريقة متقدمة جدًا على عمره، وكأنه… عاش حياة أخرى من قبل.

...............

أدرك زين سريعًا أن ليونيل لم يكن يشارك في كل المواضيع التي يطرحها. عندما كانت المناقشة تدور حول الفلسفة أو الأدب أو التاريخ القديم، كان وجه ليونيل يكسو ملامح الملل الصريح، وكأنه على وشك النوم. لكن بمجرد أن يتحول الحديث إلى استراتيجيات الحرب، السياسة، الاقتصاد، أو حتى المؤامرات الملكية، كان ليونيل ينخرط في النقاش بحماس واضح.

بعد مراقبته لفترة، ابتسم زين بخبث وسأل، "إذا كنت عبقريًا إلى هذا الحد، لماذا لا تظهر نفسك أكثر؟ لماذا لا تحاول إثبات نفسك؟"

ليونيل نظر إليه ببرود، كأنه يسأل عن سبب هذا السؤال الغبي. ثم رد بكل بساطة، "لأنني كسول."

زين تجمد لوهلة، ثم رفع حاجبه. "عذر غير مقنع، سمو الأمير."

لكن ليونيل تمطّى بكسل، وكأنه غير مهتم بتبرير نفسه. "لا أرى فائدة من بذل جهد غير ضروري. إن كنت عبقريًا بالفعل، فلا حاجة لأن أثبت ذلك لأي شخص. وإن لم أكن، فمهما حاولت، لن يغير ذلك شيئًا."

زين أطلق ضحكة قصيرة. "يا لك من شخص وقح."

ليونيل ابتسم، لكن نظرته كانت تحمل شيئًا آخر… شيئًا عميقًا يصعب تفسيره. "في النهاية، العباقرة الحقيقيون لا يضيعون وقتهم في محاولة إقناع الحمقى بذكائهم، أليس كذلك؟"

كان هناك تحدٍ واضح في صوته، لكنه لم يكن موجّهًا لزين وحده… بل للعالم كله.

2025/05/31 · 36 مشاهدة · 3468 كلمة
روزي
نادي الروايات - 2025