"آه——!"
كان صراخ ليونيل هذه المرة أشد فزعًا، وكأن جسده نفسه كان يخونه. بدأ يتلوى بعنف على السرير، يداه ترتجفان بينما كان يحاول نزع الزهور القرمزية التي بدأت تتفتح أكثر على جلده، لكنها لم تكن تزول—بل كانت تزداد انتشارًا!
"إنه— يختنق!!"
شهق راين بصوت عالٍ عندما بدأ ليونيل فجأة يلهث بشدة، كأن الهواء قد أصبح أثقل من أن يدخل إلى رئتيه. أصابعه قبضت على عنقه بقوة، بينما كانت عيناه تتسعان في حالة من الذعر المطلق.
"أ.. أختنق...!"
كلماته خرجت متقطعة، بالكاد مفهومة، لكنه كان يحاول الصراخ رغم ذلك.
"لماذا… لا أستطيع… التنفس…؟!"
ثم، فجأة، بدأ الدموع تتساقط من عينيه.
لم يكن هذا مثل أي شيء شهده من قبل. كان الأمر كما لو أن الزهور نفسها كانت تمتص حياته ببطء، دون أن تترك له مجالًا للهروب!
"لماذا لا يزال يتألم؟!"
كان صوت الإمبراطور أشبه بانفجار مدوٍّ، عينيه الذهبية اشتعلتا بنيران غضب قاتل بينما كان ينظر إلى الأطباء والسحرة المحيطين به.
"أوقفوا هذا فورًا! لا أريد أعذارًا! لا أريد تحليلاتكم الفارغة! أعيدوا له تنفسه حالًا!!"
لكن الأطباء لم يكونوا قادرين على الرد—لأنهم لم يعرفوا كيف!
"جلالة الإمبراطور، نحن نحاول، لكن… لا شيء يعمل!"
"أي نوع من السحر هذا؟! لم أرَ شيئًا كهذا من قبل!"
حتى السحرة، الذين حاولوا استخدام تعويذات الشفاء والطرد، بدأوا في التراجع في حالة من الرعب الحقيقي.
"هذا… مستحيل…"
"كل سحرنا… يتم امتصاصه!"
كان المشهد أشبه بكابوس حي—كلما ألقى أحد السحرة تعويذة، كانت الزهور القرمزية تمتصها مباشرة وكأنها تتغذى عليها!
بل والأسوأ من ذلك، كلما امتصت الزهور السحر… زادت تفتحًا!
"ماذا… انه الجحيم؟!" تمتم اليوت، وهو يحدق في المشهد بعينين متوسعتين.
راين، الذي كان دائمًا هادئًا حتى في أصعب المواقف، لم يستطع إخفاء الرعب على وجهه.
"هذا ليس مجرد مرض…"
أما أدريان، فقد كان الوحيد الذي تحرك—عيناه كانتا تضيئان بدرجة مخيفة بينما كان ينظر إلى ليونيل الذي لا يزال يتلوى على السرير.
ثم، فجأة، اقترب أكثر.
لم يهتم بالزهور، لم يهتم بالتحذيرات، لم يهتم حتى بنظرات الإمبراطور الحادة.
بدلًا من ذلك، مد يده ببطء—ولمس جبين ليونيل مباشرة.
وفي تلك اللحظة—
توقفت الزهور عن التفتح.
.................
عندما لمس أدريان جبين ليونيل، حدث شيء غير متوقع—توقفت الزهور القرمزية عن التفتح.
لم يكن ذلك فقط، بل بدأت ببطء تمتص سحر أدريان!
شعر الجميع بالصدمة وهم يشاهدون كيف أن تلك الزهور التي رفضت كل محاولات العلاج استجابت فورًا لسحر الأمير الثالث!
بدأ جسد ليونيل يسترخي تدريجيًا، وتباطأت أنفاسه المضطربة، حتى عاد صدره إلى الصعود والهبوط بوتيرة أكثر استقرارًا.
لكن…
عندما فتح ليونيل عينيه ورأى أن أدريان كان لا يزال يضع سحره عليه—
انفجر غضبه فورًا.
"اخرج…!"
بصوت مليء بالكراهية، دفع يد أدريان عنه بقوة مفاجئة، كأنه كان يلمس شيئًا نجسًا.
"لا تقترب مني!!"
بدا كأنه نسي تمامًا أنه كان يختنق قبل لحظات فقط، وكل ما ركز عليه الآن هو أن أدريان كان يستخدم سحره عليه.
"قلت لك، لا تلمسني!"
ثم، بعينيه المشتعلتين بالغضب، نظر إلى كل من كان في الغرفة.
"أخرجوا جميعًا!"
الجميع تجمدوا في أماكنهم.
الأطباء والسحرة لم يعرفوا كيف يتصرفون، بينما راين رفع حاجبه، متفاجئًا من أنه رغم كل ما مر به ليونيل، لا تزال مشاعره تجاه أدريان كما هي.
"إنه لا يثق به على الإطلاق…"
لكن الإمبراطور لم يتحرك. راين لم يتحرك. إليوت لم يتحرك.
أما أدريان… فقد كان ينظر إلى ليونيل بهدوء بارد.
ثم، بهدوء مماثل، انسحب للخلف.
لم يقل شيئًا. لم يحاول التبرير.
فقط… غادر الغرفة.
إليوت تنهد وتبعه، ثم تبعهم الأطباء والسحرة بسرعة، خشية أن يوجه إليهم ليونيل غضبه التالي.
راين كان آخر من وقف عند الباب، وألقى نظرة طويلة على ليونيل.
"حتى الآن… لم يتغير شيء بينهما."
لكن بدلًا من المغادرة، التفت إلى الإمبراطور وسأل بصوت هادئ:
"هل ستبقى هنا؟"
الإمبراطور لم يرد على الفور، فقط نظر إلى ليونيل… ثم إلى الزهور التي بدأت تذبل ببطء على جلده.
..............
جلس الإمبراطور على الأريكة، ممسكًا بليونيل بين ذراعيه كما لو كان طفلًا صغيرًا، غير مبالٍ بمحاولات الصغير للإفلات منه.
"هذا الصبي عنيد كعادته."
نظر الإمبراطور إلى ليونيل، الذي كان يشيح بوجهه بعيدًا، كما لو أن تجاهل الموقف سيجعله يختفي.
لكن الإمبراطور لم يكن مستعدًا لترك الأمر يمر بهذه السهولة.
"ليونيل، ما علاقتك بأدريان؟"
صمت.
"لماذا تتصرف بهذه العدوانية معه؟"
ما زال لا يوجد رد.
أمسك الإمبراطور بذقن ليونيل، مجبرًا إياه على النظر إليه. "أجبني."
لكن الصبي حدّق به بنظرة متحدّية، قبل أن يدير وجهه مجددًا بإصرار.
تنهد الإمبراطور، ثم استند للخلف، تاركًا أفكاره تغوص في الذكريات…
قبل سنوات، كان ليونيل لا ينفصل أبدًا عن أدريان.
حينما بدأ ليونيل بالمشي، كان أدريان أول من أمسك بيده وساعده.
حينما بدأ بالكلام، كان أدريان أول من علمه كيف ينطق اسمه.
كانا معًا دائمًا—كالأخوين الحقيقيين.
لكن… كل شيء تغيّر عندما بدأ ليونيل بعزل نفسه عن الجميع.
في البداية، ظن الجميع أنه مجرد مزاج عابر.
لكنه استمر في الابتعاد أكثر، وصار يرفض لقاء أي شخص—وخاصة أدريان.
وحينما كان أدريان يحاول الدخول إلى غرفته، كان ليونيل…
"اخرج!!"
تحطم!
كان الصراخ يتردد في القصر، متبوعًا بصوت الزجاج المتكسر، والأثاث المنقلب.
ليونيل لم يكن فقط يرفض رؤيته—بل كان يدفعه بعيدًا بكل قوته.
تذكّر الإمبراطور تلك المشاهد جيدًا. كيف كان أدريان، في كل مرة، يقف خلف الباب المغلق، عاجزًا، مشتتًا، وكأنه لا يعرف ماذا يفعل.
كيف كانت عيناه الذهبية، التي كانت دائمًا ممتلئة بالثقة، تتلاشى منها الحياة أكثر في كل مرة يتم رفضه فيها.
لكن أدريان لم يحاول أبدًا كسر الباب. لم يحاول فرض نفسه بالقوة.
لقد انسحب بهدوء… في كل مرة.
"لماذا…؟"
نظر الإمبراطور إلى الطفل الذي يجلس في حضنه الآن.
"لماذا تغيرت العلاقة بينهما بهذه الطريقة؟"
ومهما كان السبب…
فليونيل كان الوحيد الذي يعرف الحقيقة.
..............
جلس أدريان على أحد المقاعد الحجرية في الحديقة، محدقًا في المساحات الخضراء الممتدة أمامه دون تركيز حقيقي. كانت نسمات الصباح الباردة تمر بخفة، تحرك أطراف عباءته الداكنة، لكنه بالكاد شعر بها.
"مرة أخرى..."
مرة أخرى، رفضه ليونيل.
مرة أخرى، نظر إليه كما لو كان عدوًا، لا أخًا.
ومرة أخرى… لم يكن هناك سبب واضح لما يحدث.
لم يكن يعلم متى بدأ يشعر أن المسافة بينه وبين ليونيل قد أصبحت هوة لا يمكن عبورها.
خطوات هادئة اقتربت منه، لكنه لم يرفع رأسه حتى جلس إليوت بجانبه. لم يتحدث أحدهما في البداية، ولم يكن هناك سوى صوت الرياح الخفيفة.
ثم قال إليوت أخيرًا، بنبرة هادئة لكنها ثابتة:
"لا تأخذ كلماته على محمل الجد، أدريان. أنت تعرف كيف هو."
أدريان لم يرد، فقط أنزل رأسه قليلًا، يحدق في الأرض.
إليوت استدار لينظر إليه، ثم زفر قائلاً:
"ليونيل عنيد، وقح، ومزعج للغاية… لكنه ليس شخصًا يكره الآخرين بلا سبب."
رفع أدريان حاجبه قليلًا، وكأن جزءًا منه لم يقتنع تمامًا.
"إذن ما هو السبب؟" سأل بصوت منخفض، لكنه كان محملًا بثقل المشاعر المكبوتة.
إليوت صمت للحظة، ثم حرك كتفيه باستسلام. "هذا ما لا نعرفه."
أدريان عقد حاجبيه. "إن كان لا يريدني بالقرب منه، فلا بأس. لن أجبره."
أطلق إليوت ضحكة قصيرة لكنها بلا مرح. "إن قلت ذلك، فأنت أسوأ منه."
أخيرًا، التفت أدريان إليه. "ماذا تقصد؟"
إليوت ابتسم ابتسامة خفيفة، لكنها لم تصل إلى عينيه.
"أنت لم تحاول أبدًا معرفة السبب الحقيقي، أليس كذلك؟ فقط انسحبت في كل مرة دفعك فيها بعيدًا."
صمت أدريان.
لأنه… كان محقًا.
منذ أن بدأ ليونيل بإبعاده، لم يحاول أبدًا مواجهته مباشرة.
كان ينتظر… يأمل أن يعود كل شيء كما كان.
لكنه لم يفعل شيئًا حيال ذلك.
إليوت وقف، ثم ربت على كتفه. "إن كنت تريد إجابة، فلا تنتظرها تأتي إليك. اذهب وخذها بنفسك."
نظر إليه أدريان للحظة، قبل أن يحول نظره إلى السماء الرمادية.
"إجابة، هاه...؟"
...................
إليوت، الذي كان على وشك المغادرة، توقف فجأة وحدق في أدريان للحظة، ثم ابتسم بخبث قليل.
"حسنًا، بما أنك لن تحرك ساكنًا، فأعتقد أن عليّ التدخل."
أدريان نظر إليه بشك. "ماذا تقصد؟"
إليوت رفع كتفيه بلا مبالاة. "أقصد أنني سأساعد في إصلاح علاقتكما، سواء أعجبك ذلك أم لا."
قطب أدريان حاجبيه. "وهل طلبت مساعدتك؟"
إليوت ضحك بخفة. "لا، لكنك بحاجة إليها."
أدريان زفر بنفاد صبر. "إليوت، إن كان ليونيل لا يريدني بالقرب منه، فلن—"
"أوه، كفى هراءً!" قاطعه إليوت، متكئًا على كتفيه. "كلانا يعرف أن ليونيل عنيد جدًا ليقول الحقيقة مباشرة، وحتى لو كان هناك سبب، فلن يخبرك بسهولة."
حدق فيه أدريان بصمت، بينما واصل إليوت حديثه بحماس أكبر.
"لذلك، بدلًا من الجلوس هنا والتحديق في العشب، لماذا لا نحرك الأمور قليلًا؟ سأجعل ليونيل يواجهك عاجلًا أم آجلًا!"
أدريان لم يرد، لكنه كان يفكر في كلماته.
كان يعلم أن إليوت بارع في التدخل في شؤون الآخرين، لكنه لم يكن متأكدًا إن كان هذا سيساعد أم سيجعل الأمور أسوأ.
لكن جزءًا منه… لم يستطع إنكار أنه يريد المحاولة.
بعد لحظات من الصمت، أطلق تنهيدة خفيفة، ثم نظر إلى إليوت وقال:
"فقط لا تفعل شيئًا غبيًا."
إليوت ابتسم بمكر. "لا أعد بشيء!"
...............
استيقظ ليونيل على صوت طرقات خفيفة، لكنه تجاهلها وتدثر بالغطاء بإحكام.
"ليونيل، استيقظ." جاء صوت الإمبراطور العميق بثبات لا يسمح بالمجادلة.
لكن ليونيل لم يكن مهتمًا بالمجادلة، بل بالرفض التام. "لا."
رفع الإمبراطور حاجبه، لكنه لم يبدُ مستغربًا من هذا الجواب. "اليوم هو يوم الاختبار الأول في الأكاديمية. لا تتأخر."
"ولماذا عليّ الذهاب أصلًا؟" تمتم ليونيل وهو يدفن رأسه في الوسادة. "أنا أمير، لا أحتاج إلى أكاديمية غبية."
لم يرد الإمبراطور، لكنه سحب الغطاء فجأة، مما جعل ليونيل يتجمد للحظة قبل أن يصرخ: "أيها العجوز! أعد لي غطائي!"
لكن بدلاً من ذلك، أمسك الإمبراطور بمعصمه وسحبه للجلوس، ثم بدأ في تلبيسه.
ليونيل، الذي لم يكن لديه الطاقة الكافية لمقاومة قوة الإمبراطور، اكتفى بالتمتم بالشتائم تحت أنفاسه، لكنه لم يكن ينوي الاستسلام بسهولة.
"سأهرب."
"سوف يتم إحضارك مجددًا."
"سأتصرف بفظاظة وأُطرد."
"لن يطردك أحد."
"سأختفي وأعيش في البرية!"
الإمبراطور توقف للحظة لينظر إليه وكأنه يسمع أغبى شيء في حياته، ثم واصل تلبيسه بلا أي تعليق.
أخيرًا، بعد دقائق من الصراع العقيم، كان ليونيل جاهزًا… ضد إرادته تمامًا.
لكن بدلاً من السماح له بالذهاب بنفسه، حمله الإمبراطور على كتفه كأنه مجرد حقيبة وألقى به في العربة.
"تبا لك!" صرخ ليونيل وهو يلكم ظهر الإمبراطور، لكن الأخير لم يُظهر أي رد فعل، فقط أغلق باب العربة خلفه.
ولكن عندما استدار ليونيل بغضب، تجمد مكانه.
على المقعد المقابل، كان أدريان جالسًا بالفعل، يحدق به بنظرة هادئة.
ليونيل شحب وجهه قليلاً. "ماذا يفعل هنا؟"
حاول فتح الباب للهروب، لكنه كان مغلقًا بالفعل. التفت إلى الإمبراطور الذي كان يبتعد عن العربة وقال: "أيها العجوز! لا تضعني مع هذا الشخص!"
لكن الإمبراطور تجاهله تمامًا، بينما بدأت العربة بالتحرك.
ليونيل، الذي لم يكن لديه خيار الآن، جلس في مقعده وعبس، قبل أن يلتفت إلى أدريان بعبوس أشد.
"لا تتحدث معي."
أدريان لم يرد، فقط أدار وجهه لينظر من النافذة، مما زاد من إحباط ليونيل.
"لماذا أشعر وكأن هذه الرحلة ستكون طويلة جدًا…؟"
..............
بينما كانت العربة تسير في طريقها إلى الأكاديمية، حاول ليونيل مرة أخرى أن يتجاهل كل شيء حوله. كان جلوسه في المقعد يتسم بالعبوس التام، وأدريان في المقعد المقابل لا يزال لا يظهر أي تعبير واضح. كل شيء كان يبدو مملًا، لكن فجأة، ظهرت نافذة إشعار جديدة أمام عينيه.
كان يفضل عادةً تجاهل مثل هذه النوافذ، لكنه شعر بشيء غريب يجذبه لقراءتها هذه المرة. ومع أنه تردد لثوانٍ، إلا أنه قرر فتحها، وكانت الكلمة الأولى التي ظهرت أمامه كالصاعقة:
"الـكارثة الأولى"
ثم أكمل النص:
"متبقي على الكارثة الأولى: 1 يوم و 1 ساعة"
"هذه الكارثة كان من المفترض أن تحدث بعد سنة ونصف، لكن بسبب أنك أغضبت القديسة المزيفة سيرافينا نوايت في الأكاديمية، ستحدث الآن."
تجمد ليونيل في مكانه، وكأن الوقت توقف تمامًا.
"ماذا؟" همس، وهو يحدق في النص وكأن الكلمات أمامه تلاعبت بواقعه. هذه الكارثة… كانت المفروض أن تحدث بعد سنة ونصف من الآن، لكن ما الذي حدث حتى تتقدم الآن؟
كان يعلم أنه لم يكن الشخص الذي يفضل أن يتدخل في هذه الأمور، لكن كيف يمكنه أن يتجاهل التحذير عندما كان الكارثة متعلقة بشخصية بهذا القدر من القوة والشر؟
ثم، وهو يحاول التفكير في الأمر، سمع نفسه يهمس بصوت خافت لكنه حازم: "لن أتدخل. ليس شأني، ليس الآن."
قرر ليونيل أنه لن يسمح لأي شيء أن يغير مجرى حياته هذه المرة. مهما كان الأمر، لن يتدخل في أحداث الرواية أو ما يحدث حوله. كان قد اتخذ قراره بعد كل هذا الصراع مع الإمبراطور والأحداث الغامضة التي تتبعها، وكان عازمًا على متابعة حياته الخاصة بعيدًا عن هذه الفوضى.
حتى لو كانت الكارثة الأولى على بُعد ساعات قليلة.
"سأفعل ما أريد. هذه المرة، سأكون المسؤول عن مصيري."
لكن… حتى وهو يفكر في قراره، شعر بشيء ثقيل في قلبه. كان يعرف أن الأمور لا تسير كما ينبغي. ومهما حاول أن يبتعد، كانت الأحداث حوله تتسارع أكثر.
"لا علاقة لي بما سيحدث، لن أتدخل."
لكن النافذة اختفت فجأة، وتركته في حالة من القلق والحيرة.
...............
في العربة الملكية، كان الجو داخلها متوترًا بالفعل بسبب وجود أدريان وليونيل معًا. لم يتبادلا كلمة واحدة منذ أن انطلقت العربة باتجاه الأكاديمية. أدريان كان ينظر من النافذة بصمت، بينما كان ليونيل يفكر في إشعار الكارثة الذي ظهر أمامه قبل قليل.
"لماذا الآن؟ لماذا سيرافينا نوايت؟"
لكن قبل أن يتمكن من الغرق أكثر في أفكاره، شعر فجأة بشيء غريب—طاقة قاتمة تملأ الجو.
نظر ليونيل إلى أدريان فورًا، الذي كان بالفعل قد استدار نحو النافذة. في اللحظة التالية، دوى انفجار مدوٍّ!
تحطمت العربة بعنف، وتناثرت الشظايا في كل اتجاه، بينما اندفع سحر قوي ليمزق الخشب والمعدن كما لو كان مجرد ورق!
لكن قبل أن يصاب ليونيل بأي أذى—
انقض أدريان عليه، وحمله بين ذراعيه، وقفز من العربة المحطمة بثبات مذهل!
في الهواء، شعر ليونيل للحظة بجسده محمولًا بالكامل في قبضة أدريان. كانت قوته مرعبة—لا، هذا لم يكن مجرد حمل عادي، بل كان تحكمًا مطلقًا في الحركة.
سقطا على الأرض، لكن أدريان ثبت قدميه بسهولة، ثم أدار رأسه ببرود نحو المهاجمين.
من بين الدخان والركام، ظهرت عدة شخصيات متشحة بالسواد.
اغتيال…؟
ليونيل أدرك فورًا أنهم ليسوا مجرد لصوص أو قطاع طرق—بل كانوا قتلة محترفين!
لكن قبل أن يتمكن من قول شيء، ظهر ضوء أزرق حول أدريان.
في اللحظة التالية—
اندفع عبر المهاجمين كالشبح، ممسكًا بليونيل بيد، ومستخدمًا الأخرى لإطلاق سحر قاتل نحو كل من اقترب!
سيف مصنوع من الضوء الأزرق تشكل في يده، وقطع أول مهاجم بضربة واحدة، بينما دار بجسده ليحمي ليونيل من سهم مسموم كان يستهدفه!
"ابقَ هادئًا." قالها أدريان بصوت بارد، دون أن ينظر حتى إلى ليونيل.
لكن ليونيل لم يكن يستطيع البقاء هادئًا في هذا الوضع!
"لماذا… لماذا يحملني هكذا؟!"
كان بإمكانه أن يضعه على الأرض ويقاتل، لكنه لم يفعل ذلك!
وفوق كل هذا—
"لماذا يبدو واثقًا جدًا؟!"
.............
تساقطت شظايا العربة المحترقة من حولهما، بينما وقف أدريان بثبات، ممسكًا بليونيل بإحكام بذراع واحدة، وسيفه المصنوع من الضوء الأزرق في اليد الأخرى.
لكن ليونيل لم يكن ينظر إلى القتال… بل إلى الوشم المنقوش على عباءات المهاجمين السوداء—
نصف هلال وسيوف متقاطعة!
عيناه اتسعتا، وقلبه بدأ ينبض بجنون.
"لقد رأيتهم من قبل…"
في كوابيسي.
كانوا هناك، دائمًا، يقفون في الظلام، يهمسون باسمه، يقتربون أكثر فأكثر…
"لكن هذا ليس حلمًا… هذه حقيقة!"
في اللحظة التالية، انقض أحد المهاجمين نحوهم، وسيفه يلمع بضوء بارد!
لكن أدريان لم يتحرك حتى.
بلمح البصر، رفع يده وأطلق دفقة قوية من السحر، جعلت المهاجم يرتطم بالأرض بقوة، مشكلًا حفرة تحت جسده!
باقي المهاجمين لم يترددوا، وهاجموا جميعًا في نفس الوقت!
لكن أدريان لم يكن بحاجة إلى السيف.
بمجرد أن رفع يده، تجمد الهواء من حوله—ثم اندفعت موجة قاتلة من السحر الأزرق في كل اتجاه!
ارتطم ثلاثة مهاجمين بالأشجار القريبة، بينما تراجع آخرون بسرعة لتجنب الهجوم، لكن أدريان لم يمنحهم فرصة لالتقاط أنفاسهم—
تحرك بسرعة تفوق التصور، مستخدمًا تقنية "خطوة الظل"، وظهر خلف أحد المهاجمين، قبل أن يغرس سيفه السحري في ظهره، ثم اختفى مجددًا وظهر أمام آخر، وأطلق عليه هجومًا ساحقًا بسحره!
كل هذا بينما لا يزال يحمل ليونيل!
ليونيل، الذي عادة ما كان يمكنه الاستهزاء بأي موقف، لم يستطع سوى التشبث بأدريان بقوة، أصابعه ترتجف دون أن يدرك.
"لماذا… لماذا أنا خائف؟"
كان جسده جامدًا، لكن عقله كان يصرخ—لم يكن يجب أن يراهم هنا، لم يكن يجب أن يواجههم الآن!
أدريان لاحظ ذلك.
بعينيه الباردتين، نظر إلى ليونيل للحظة، قبل أن يثبت قبضته حوله أكثر.
"لا تخف." قالها بصوت هادئ، لكنه حاسم.
لكن ليونيل لم يكن خائفًا من القتال… بل مما قد يعنيه ظهور هؤلاء الأشخاص الآن.
.................
تراجع أدريان بسرعة إلى داخل الغابة، بينما كان أنفاسه منتظمة رغم الجرح في كتفه. كانت تقنيات الحجب التي استخدمها أحد السحرة تقيده جزئيًا، مما جعله يدرك أن استمرار القتال في هذه الحالة سيكون مخاطرة.
وقف خلف شجرة ضخمة، متكئًا عليها لثانية، قبل أن يشيح بنظره إلى ليونيل بين ذراعيه.
لكن… شيئًا ما كان خاطئًا.
لم يكن ليونيل يتحدث.
وجهه كان شاحبًا، وعيناه متسعتان بشكل غير طبيعي.
ومع ذلك، أكثر ما لفت انتباه أدريان هو ارتعاش جسده بالكامل.
كأنه كان يقاتل شيئًا لا يمكنه السيطرة عليه.
"ليونيل؟" همس أدريان، محاولًا معرفة ما يحدث، لكن الآخر لم يرد.
ثم فجأة—
قبل أن يتمكن أدريان من اتخاذ خطوة، تحرك ليونيل بطريقة لم يتوقعها—
أخرج خنجرًا من بين طيات ملابسه وطعن نفسه في الكتف!
"ليونيل!!"
كان تحركًا غير متوقع إلى حد الجنون.
عيناه الذهبية اتسعتا، وقبضته ارتخت للحظة، مما سمح لليونيل بالسقوط على ركبتيه، يلهث وهو يضغط على الجرح الذي أحدثه لنفسه.
لكن… بدل أن يكون الألم واضحًا في ملامحه، كانت تعابيره مشوشة، وكأنه كان يحاول استعادة السيطرة على جسده بشيء لم يكن مفهومًا.
الدم بدأ يتساقط على العشب أسفل قدميه، بينما كان أدريان يحدق به بصدمة، ثم فجأة… أدرك.
"كنت تقاوم شيئًا…" تمتم أدريان بصوت منخفض، قبل أن يضيّق عينيه.
لم يكن مجرد ارتعاش. لم يكن مجرد خوف.
كان ليونيل يقاوم… تأثيرًا ما.
لكن السؤال الأهم—
ما الذي كان يحاول إيقافه؟
.............
نظر أدريان إلى ليونيل للحظة، ثم أطبق أسنانه بغضب.
ليس لديه وقت لهذا الآن. ليس لديه وقت ليكتشف لماذا طعن ليونيل نفسه.
كل ما يعرفه هو أن هناك أعداء يجب أن يُقتلوا.
"تمسك بي."
لم يكن ينتظر موافقة. رفع ليونيل مجددًا بين ذراعيه، ثم استدار بسرعة، موجهًا نظراته الحادة إلى القتلة الذين كانوا لا يزالون يطاردونهم بين الأشجار.
وشم النصف هلال… سيوف مسمومة… حركاتهم مدربة جيدًا…
هذه ليست فرقة اغتيال عادية.
"حسنًا، سأقضي عليكم جميعًا دفعة واحدة."
حدق أحد القتلة به بلا تعبير، قبل أن يرفع يده.
"اقبضوا عليه."
في نفس اللحظة، انطلق ثلاثة منهم بسرعة هائلة!
لكن…
انفجار من الظلال اجتاح المكان!
أدريان، حتى بجرحه، لم يكن خصمًا يمكن التقليل من شأنه.
بيد واحدة، أمسك بسيف أحدهم، ولوى معصمه حتى سمع صوت طقطقة العظام وهي تتحطم.
القاتل صرخ، لكن صرخته لم تدم طويلًا— لأن أدريان رفع ساقه وركله بقوة جعلت جسده يطير ليصطدم بالشجرة القريبة، ويتهشم جسده لحظة الاصطدام.
واحد انتهى.
أدار جسده بسرعة، متفاديًا هجومًا من الخلف، ثم قفز عاليًا، مما جعل القاتلين الآخرين يضربون الهواء فقط.
وفي اللحظة التالية—
كان رأس أحدهم قد طار بالفعل عن جسده.
اثنان انتهيا.
أما الثالث، فقد تراجع خطوة إلى الخلف، يحدق بأدريان بعينين مرتجفتين.
لكن أدريان لم يمنحه فرصة للهروب.
"موت."
طعن قلبه دون تردد.
ثلاثة انتهوا.
تنفس أدريان ببطء، بينما كان يمسك ليونيل بقوة أكبر، ثم نظر إلى الجثث المتناثرة حوله.
"يكفي هذا."
رفع يده، وعيناه اشتعلتا بسحر غامض.
لم يكن لديه رفاهية السير عائدًا إلى القصر الآن، ليس وهو مصاب، وليس وليونيل بين ذراعيه.
همس بتعويذة قصيرة—
وانفتحت بوابة مظلمة تحت قدميه.
في اللحظة التالية، اختفى جسداهما داخلها، تاركين وراءهما الغابة… والجثث التي بدأت تختفي في الظلام.