في لحظة، انقلب كل شيء.
بينما كان راين يمسك بليونيل في حضنه، محاولًا إبقاء جسده الهزيل ثابتًا، شعر فجأة برعشة عنيفة تمر عبر جسد الصغير. كان الأمر كما لو أن تيارًا من الطاقة المظلمة اجتاحه من الداخل، ثم-
"آآآآآآه!!"
صرخة ممزقة للروح ملأت الغرفة، حادة كالسيف، مليئة بالألم واليأس. جسد ليونيل انحنى للخلف بعنف، ظهره يتقوس بطريقة غير طبيعية، ويداه تمسكان بملابس راين كما لو أنه يحاول التشبث بالحياة نفسها.
ثم-
تفتح شيء على جلده.
زهور قرمزية... لا، لم تكن مجرد زهور. كانت تتفتح ببطء، مثل لهيب يزحف عبر جسده، أزهار ناعمة لكن مخيفة، تخرج من جلده مباشرة، وكأنها تمتص حياته شيئًا فشيئًا.
"مجددًا؟!" شهق إليوت، عينيه متوسعتين بالرعب، في حين وقف أدريان في صمت قاتل، قبضته مشدودة وكأنه يقاوم اندفاعه إلى الأمام.
لكن راين...
راين لم يتحرك. كان وجهه ثابتًا، لكنه شعر به-شعر بحرارة غريبة تتسلل إلى جسد ليونيل، بشيء أقرب إلى النار لكنه ليس نارًا.
ليونيل كان يتشنج بشدة، يديه ترتجفان، أنفاسه تتقطع، وصوته المخنوق بين الألم واليأس كان يضرب قلب كل من في الغرفة.
"توقف... توقف... لا أريد هذا!"
لكن الزهور لم تتوقف.
على العكس، بدأت تتوسع أكثر، من كتفيه إلى ذراعيه، من صدره إلى عنقه، وكأنها شبكة من الشوك تخترق جلده.
أحد الفرسان دخل إلى الغرفة في تلك اللحظة، وعندما وقعت عيناه على جسد ليونيل، تجمد للحظة نادرة من الصدمة. لكن بعد ثانية واحدة فقط، تغير وجهه بالكامل-
"الطبيب! الآن!!"
تحرك الجميع بسرعة، لكن ليونيل، وسط كل هذا، لم يكن يرى شيئًا سوى اللون الأحمر. لم يكن يسمع سوى صوت دقات قلبه المتسارعة، لم يكن يشعر إلا بالألم الذي يمزقه من الداخل.
ثم، في لحظة واحدة-
توقفت التشنجات.
جسد ليونيل أصبح بلا حراك، وعيناه نصف مفتوحتين، تتأرجحان بين الوعي واللاوعي. كانت هناك دموع تجمعت عند زاوية عينيه، لكنه لم يكن قادرًا حتى على مسحها.
راين شدّ قبضته حوله، ثم همس بصوت منخفض، يكاد لا يُسمع:
"لقد انتهى الأمر، ليو. أنا هنا."
لكن في أعماقه... لم يكن متأكدًا من أن هذا صحيح.
..............
"آااااااااااه!!!"
صرخة أخرى مزقت الغرفة، هذه المرة أشد، أعمق، كأنها تخرج من أعماق روحه المحطمة. جسد ليونيل ارتجف بقوة، عيناه الذهبيتان توسعتا حتى بدت وكأنهما ستنفجران من الألم. الزهور القرمزية استمرت في التفتح، لكنها لم تكن وحدها-
فراشات سوداء...
خرجت من جسده كما لو أنها كانت مختبئة داخله طوال هذا الوقت. لم تكن مجرد فراشات عادية؛ أجنحتها تلمع بوميض قاتم، ترفرف بصمت مخيف، وكأنها ترقص حوله في طقس جنائزي مرعب.
راين شعر بجسده يتجمد للحظة، بينما إليوت تمتم بذهول:
"ما هذه...؟"
لكن لا أحد استطاع الإجابة، لأن الفراشات لم تبقَ تدور حول ليونيل طويلًا.
بل... تحولت إليه.
تحولت نحو أدريان.
في لحظة واحدة، طارت الفراشات السوداء نحوه بسرعة مخيفة، وكأنها سحب من الظلال المتحركة. أدريان لم يتحرك، لم يحاول حتى أن يتجنبها. وقف في مكانه، ساكنًا تمامًا، وعيناه الزرقاوان تراقبان المشهد بصمت.
لكن الجميع لاحظ ذلك-
تلك الفراشات لم تهاجمه.
بدلًا من ذلك، بدأت تحلق حوله، تدور ببطء، وكأنها تتفحصه، وكأنها تعرفه... وكأنه، بطريقة ما، كان جزءًا منها.
اليوت، الذي كان على وشك التدخل، ضيّق عينيه وهو يراقب تلك الظاهرة الغريبة. أدريان، الذي كان لا يزال محاطًا بالفراشات السوداء، أخيرًا حرك شفتيه بصوت خافت، لكنه كان واضحًا بما يكفي ليُسمع في الغرفة الصامتة.
"...لماذا؟"
كأنه كان يوجه سؤاله إلى تلك الكائنات السوداء... أو ربما إلى ليونيل نفسه.
لكن ليونيل لم يكن قادرًا على الرد.
................
"آااااااه!! أ... أختنق!!"
تشنج جسد ليونيل بعنف، وبدأ يلهث وكأنه يحاول التقاط أنفاسه، لكنه لم يستطع. كانت أنفاسه متقطعة، متخبطة، وكأن الهواء حوله قد تحول إلى جدار غير مرئي يسحق رئتيه.
راين شدد من احتضانه، محاولًا تهدئته، لكن ليونيل لم يتوقف عن الصراخ، أصابعه انغرست في قماش قميص راين، قبضته ترتجف بشكل لا إرادي.
"ليونيل، تنفس! تنفس ببطء!" حاول راين تهدئته، لكن عيني ليونيل الزرقاوين كانتا واسعتين بالرعب، وكأنهما لا تريان أي شيء سوى الفراغ المخيف من حوله.
في هذه الأثناء، إليوت كان قد انطلق كالسهم، دفع الباب بقوة، وصرخ بأمره للحراس:
"استدعوا الأطباء الملكيين فورًا! أريد جميع السحرة هنا حالًا!"
الحراس لم يترددوا للحظة، هرعوا في كل الاتجاهات، أصوات خطواتهم تتردد في الممرات مثل الطبول الحربية.
أما في الداخل-
الفراشات السوداء توقفت.
كانت لا تزال تحوم حول أدريان، لكنها لم تقترب منه أكثر. لقد توقفت تمامًا... لحظة واحدة بعد أن أشار إليها ليونيل بيده المرتجفة.
كأنها تفهمه. كأنها تطيعه.
لكن ليونيل لم يكن في حالة تسمح له بالتحكم في أي شيء بعد الآن.
لحظة بعد لحظة، بدأ جسده يفقد السيطرة تمامًا-
صرخة أخرى، هذه المرة كانت مليئة باليأس المطلق.
"أ... أختنق... آااااااااه ...!"
لكن راين لم يتركه، لم يتراجع، بل شدد قبضته أكثر، وكأن ذلك قد يربطه بالحياة.
أما أدريان، فقد وقف مكانه، يراقب بعينين مظلمتين، أصابعه ترتجف قليلاً، لكن وجهه ظل متجمدًا.
كان هناك شيء خاطئ... شيء لا يستطيع تفسيره.
ليونيل لم يكن يعاني فقط.
كان يتحول.
.....................
"آااااااااه!!!"
كان الصراخ لا يزال يمزق الغرفة، حتى بعدما بدأ جسد ليونيل يضعف، وصوته يزداد بحة، لكنه لم يتوقف. لم يكن يملك القوة ليصرخ بهذا الشكل، ومع ذلك، استمر... كأن الألم يحفر في روحه نفسها.
عينيه كانتا مفتوحتين، لكنهما لم تركزا على شيء، جسده كان يتشنج بلا سيطرة، وقطرات العرق امتزجت بالدماء التي لا تزال تتسرب ببطء من جرح كتفه.
لكن الأكثر رعبًا-
الفراشات السوداء... بدأت تتجمع حوله.
لم تعد تحوم حول أدريان، بل عادت إلى مصدرها، تدور حول ليونيل وكأنها تحميه... أو ربما تحكم قبضتها عليه.
وبينما الفراشات تحلق حول كتفه المجروح، شيء آخر بدأ في الظهور-
زهور ذهبيه.
كانت تتفتح من جلده، بتلاتها تمتد ببطء وكأنها تخرج من جسده مباشرة، وكأنها تمتص شيئًا خفيًا في داخله.
وفي تلك اللحظة، تمامًا عندما بدا وكأن جسده لا يستطيع التحمل أكثر-
فقد وعيه.
توقف عن الحركة، رأسه انخفض فجأة، وصدره لم يعد يرتفع وينخفض بعنف كما كان قبل ثوانٍ فقط.
لكن رغم فقدانه للوعي، صرخاته لم تتوقف.
"آاااه... آاااااه...!"
كان صوته أشبه بهمسات روح معذبة، صرخات خرجت من مكان أعمق من الوعي نفسه.
-وفجأة، الباب انفجر بعنف!
دخل الأطباء الملكيون أولًا، خلفهم تبع السحرة الذين لم يكن لديهم فكرة عما يحدث، لكنهم شعروا بالرعب بمجرد أن رأوا المشهد.
ثم، بعد لحظات، دخل شخص آخر...
الإمبراطور إدوارد.
كان واقفًا عند الباب، عينيه الزرقاوين تشتعلان بغضب، لكن وجهه كان أشبه بجدار جليدي، لا يظهر أي مشاعر.
كان يراقب المشهد أمامه، ابنُه الذي لا يزال يتلوى حتى في فقدانه للوعي، الفراشات السوداء التي تحوم حوله، الزهور الغريبة التي تفتحت من جسده...
ثم، بصوت لم يكن مرتفعًا، لكنه كان يحمل وزنًا كافيًا ليجعل الجميع يتجمدون في أماكنهم، قال:
"أوقفوا هذه النوبة. فورًا."
لم يكن طلبًا.
كان أمرًا.
...ولم يكن هناك مجال للفشل.
..............
كان الإمبراطور لا يزال يحدق في جسد ابنه، وعيناه تشتعلان بغضب متفجر. كان المشهد أمامه فوضويًا-ليونيل، فاقد الوعي لكنه لا يزال يصرخ، والفراشات السوداء التي لم تتوقف عن التحليق حوله، بل بدأت تزداد عددًا... وكأنها تغذي نفسها من شيء خفي.
"ماذا تنتظرون؟!" صاح الإمبراطور، صوته كان كالسوط وهو يجلد آذان الجميع. "عالجوه الآن!"
تحرك الأطباء فورًا، أحدهم حاول فحص نبض ليونيل، بينما بدأ السحرة في إلقاء تعاويذ التهدئة والعلاج.
لكنهم لم يتوقعوا ما حدث بعد ذلك-
الفراشات السوداء تحركت.
بمجرد أن أطلق أحد السحرة تعويذته، الفراشات اتجهت نحوه بسرعة خاطفة، التفّت حول موجة السحر المضيئة، وامتصتها بالكامل.
الساحر شهق، تراجع خطوة للوراء، وجهه أصبح شاحبًا وكأن روحه سُحبت معه.
"سحري... لقد اختفى؟!" تمتم بصدمة.
لم يكن الوحيد. كلما حاول ساحر آخر إطلاق تعويذة، الفراشات كانت تهاجم الطاقة قبل أن تصل إلى ليونيل، تمتصها كما لو كانت تتغذى عليها، وكأنها كائنات ولدت من ظلام غير معروف.
الإمبراطور ضغط أسنانه، قبضته تشددت بينما كان ينظر إلى هذا الكابوس يتجسد أمامه. لم يكن شخصًا يعترف بالعجز، لكنه كره هذا الشعور أكثر من أي شيء-ابنه يعاني، وهو لا يستطيع فعل شيء.
ثم... ظهرت الإشعارات من نظام .
-
[تحذير! حالة الجسد غير مستقرة.]
[ظهور ظاهرة غير معروفة: "الزهور الذهبية".]
[تفعيل "التكيف القسري".]
[الكائن قد دخل في "الفراغ".]
-
في الداخل... حيث لا صوت سوى الصمت القاتل.
فتح ليونيل عينيه ليجد نفسه في ذلك الفراغ مجددًا.
وهو لم يكن وحده.
ليونيل الأصلي... كان هناك أيضاً.
كان يقف على بُعد خطوات، مظهره كما هو-ذلك الوجه المتعب، تلك العيون التي تحمل شيئًا لا يمكن تفسيره.
لم يتحرك، لم يتكلم، فقط حدق في ليونيل الحالي بصمت ثقيل.
ليونيل لم يكن في حالة مزاجية لهذه الألعاب. تقدّم خطوة وسأله مباشرة، صوته كان هادئًا لكنه حمل توترًا داخليًا:
"لماذا... تكره أدريان؟"
لكن ليونيل الأصلي لم يُجبه.
بدلاً من ذلك، استدار فجأة... وبدأ يركض.
"انتظر!" صرخ ليونيل، لكنه شعر بجاذبية غريبة تدفعه للحاق به.
وبمجرد أن خطا إلى الأمام-
انفجرت الذكريات من حوله.
وجد نفسه في قصر مألوف، لكنه بدا أوسع... وأكثر براءة.
كان هناك طفلان يلعبان معًا في الحديقة، ضحكاتهما تتردد في الهواء.
أدريان... وليونيل.
كانا صغيرين، لا يزيد عمرهما عن سبع سنوات. أدريان كان يحمل كتابًا، بينما ليونيل كان يركض نحوه بحماس، يسحب يده وكأنه يطلب منه أن يترك القراءة ويلعب معه.
"أدرياااان! توقف عن القراءة وتعال! لقد وجدت شيئًا رائعًا!"
أدريان رفع حاجبه، لكنه ابتسم في النهاية وأغلق كتابه، ثم تبع ليونيل إلى حيث أراد الذهاب.
كان هناك ضوء في عينيه... شيء نادر، شيء حقيقي.
علاقة أخوية... لم يكن فيها كره .
ليونيل، الذي كان يشاهد الذكرى، لم يستطع إلا أن يهمس لنفسه:
"إذن... ما الذي تغير؟"
................
تسارعت الذكريات حول ليونيل كتيار لا يمكن إيقافه. كان واقفًا هناك، يشاهد طفولته تُعرض أمامه كما لو أن الفراغ نفسه قرر كشف أسراره.
كل لحظة... كل تفصيل... كل مشاعر لم يكن يتذكرها.
-
كان ليونيل الأصلي مستلقيًا على السرير، جسده النحيل يرتجف بعد جلسة علاج مؤلمة. العرق غطّى جبينه، وعيناه نصف مغلقتين بسبب الألم.
لكن الباب فُتح بهدوء، وخطوات خفيفة دخلت الغرفة.
أدريان.
كان لا يزال صغيرًا، لم يتجاوز العاشرة، لكنه كان يحمل شيئًا خلف ظهره وهو يقترب بحذر. نظر سريعًا نحو الباب، ثم انحنى بجانب السرير وهمس بصوت خافت:
"ليونيل، هل أنت مستيقظ؟"
لم يجب ليونيل، لكنه فتح عينيه ببطء، ونظر إلى أخيه بنظرة مرهقة.
عندها، ابتسم أدريان وأخرج من خلف ظهره قطعة حلوى مغلفة بورق ذهبي.
"لقد سرقت هذه من المطبخ! تناولها قبل أن يكتشف أحد!"
ليونيل لم يتحرك في البداية، وكأنه لم يفهم لماذا يفعل أدريان هذا. لكنه، بعد لحظة من التردد، مد يده الضعيفة وأخذ الحلوى.
عندما وضعها في فمه، كانت الحلاوة تذوب ببطء، تمحو ولو للحظة واحدة الطعم المر للأدوية والعلاجات.
كانت لفتة صغيرة... لكنها كانت تعني الكثير.
-
ثم تغير المشهد-
في كل مرة كان ليونيل ينهي جلسة علاج مؤلمة، كان أدريان يظهر بعد دقائق، يحمل معه قطعة حلوى مختلفة.
في بعض الأيام، كانت حلوى الفراولة.
في أيام أخرى، كانت كعكة صغيرة مخبأة في كمه.
وفي مرة، أحضر حتى قطعة شوكولاتة نادرة، ابتسم بفخر وهو يقول: "كاد الطباخ أن يمسكني هذه المرة!"
كان وجه ليونيل الأصلي في الذكريات دائمًا يحمل نفس التعبير-الدهشة، التردد، ثم الامتنان الصامت.
كان أدريان يجلس بجانبه، لا يقول شيئًا في أغلب الأحيان، فقط يبقى هناك، يمنحه الحلوى ويبقى بجانبه حتى ينام.
-
في الفراغ، وقف ليونيل الحالي يشاهد كل هذا بصمت.
لماذا... لم يتذكر أيًا من هذا؟
أم أن هناك شيئًا آخر حدث لاحقًا... شيئًا غير هذه الذكريات الدافئة؟
................
استمرت الذكريات بالتدفق، تحيط بليونيل الحالي كفقاعات زمنية تنفجر لتكشف مشاهد من ماضٍ لم يتذكره أبدًا.
-
(ذكرى أخرى: ليونيل بعمر السادسة، أدريان بعمر العاشرة)
كانت السماء تمطر بغزارة، والرعد يزمجر في الخارج، لكن داخل القصر، كان ليونيل يتشبث بالبطانية، عينيه الواسعتين تحدقان في الظلام.
كان يخاف العواصف الرعدية.
لكنه لم يكن ليجرؤ على البكاء أو طلب المساعدة. كان الجميع يرونه ضعيفًا بما فيه الكفاية، ولم يكن يريد أن يُنظر إليه كمجرد طفل جبان أيضًا.
لكن فجأة، فُتح الباب ببطء، وظهر أدريان، شعره الأسود رطب قليلاً وكأنه خرج لتوه من غرفته دون أن يكترث لشيء.
"ليونيل، هل أنت مستيقظ؟"
لم يرد ليونيل، لكنه لم يستطع إخفاء ارتجاف جسده.
ضحك أدريان بصوت خافت وتقدم بخطوات هادئة، ثم رفع البطانية ودخل إلى السرير بجانبه دون استئذان.
"أنت خائف، أليس كذلك؟"
ليونيل توتر، لكنه لم ينكر الأمر، فقط ابتلع ريقه بصمت.
رفع أدريان يده وغطى أذني ليونيل بلطف، ثم همس: "لا تقلق، سأبقى هنا حتى يتوقف المطر."
وبالفعل، لم يغادر أدريان تلك الليلة. بقي بجانبه حتى غطّى ليونيل في النوم، صوته الخافت يروي له حكاية عن فارس قوي يقاتل من أجل أخيه الصغير.
-
(ذكرى أخرى: عيد ميلاد ليونيل السابعة)
كان الاحتفال هادئًا مقارنة بباقي الأمراء. لم يكن هناك الكثير من الضيوف، فقط بعض الخدم وعدد قليل من أفراد العائلة.
لكن بينما كان الجميع يقدمون له الهدايا الرسمية، كان أدريان يحمل صندوقًا صغيرًا مغلفًا بورق أزرق.
عندما فتحه ليونيل، وجد داخله خنجرًا صغيرًا منحوتًا بدقة، لكنه لم يكن حادًا بما يكفي ليؤذي أحدًا.
نظر إليه ليونيل بتعجب، بينما ابتسم أدريان وقال:
"أعلم أنك لا تستطيع حمل السيف، لكن لا بأس! هذا الخنجر سيكون سلاحك السري! سأعلمك كيف تستخدمه لتخيف أي شخص يزعجك!"
ضحك ليونيل بخفة، لأول مرة منذ وقت طويل، وشعر بشيء دافئ في صدره.
-
(ذكرى أخرى: مرض ليونيل الشديد بعمر السابعه)
كان طريح الفراش لأسابيع، الحمى تلتهم جسده، والألم لا يطاق.
في إحدى الليالي، عندما استيقظ من كابوس، وجد يدًا تمسك بيده برفق.
أدريان كان هناك، نائمًا على الكرسي بجانب سريره، لكنه لم يترك يده أبدًا.
حتى وهو نائم، كان يمسك بيد ليونيل وكأنه يريد أن يقول: "أنا هنا، ولن أتركك وحدك."
-
ليونيل الحالي كان يحدق في هذه الذكريات، مشاعره متشابكة بشكل لا يمكن وصفه.
مع اختفاء الذكريات، عاد الفراغ ليبتلع كل شيء من جديد.
ليونيل الأصلي كان واقفًا هناك، صامتًا، عيناه تنظران مباشرة إلى ليونيل الحالي. لم يكن هناك غضب أو كراهية، بل شيء آخر... شيء أعمق من ذلك.
"لا تتبع مسار الهاوية."
ليونيل البالغ اقترب ببطء، رفع يده وربّت برفق على رأس ليونيل الأصغر، أصابعه تمر خلال شعره الفضي بحركة هادئة.
"حتى لو كنت تعتقد أن العالم ضدك، حتى لو شعرت أنك وحيد... لا تنسَ من كان بجانبك دائمًا."
صوت الفراغ بدأ يتصدع، الشقوق تنتشر في كل مكان.
ليونيل رفع يده، كأنه يريد أن يمسك بالنسخة الأخرى منه، لكن الفراغ تحطم بالكامل قبل أن يتمكن من فعل ذلك.
-
عودة إلى الواقع
"آااااااه "
صرخة ليونيل ملأت الغرفة كما لو كان الألم يمزق روحه.
جسده تقوس بعنف، الأزهار الذهبية واصلت التفتح، والفرشات السوداء كانت تحوم حوله بجنون، ترفرف بجنون كما لو كانت تتغذى على السحر في الهواء.
"ليونيل!!"
راين شدد احتضانه له أكثر، وكأنه يحاول منعه من الانهيار تمامًا، يده تمسك به بقوة، لكنه كان يشعر بحرارة غير طبيعية تتصاعد من جسده.
إليوت صاح:
"افعلوا شيئًا! أوقفوا هذا فورًا!"
لكن قبل أن يتمكن أي ساحر من إلقاء تعويذته، انتشرت الفراشات السوداء إليهم، تمتص طاقاتهم السحرية قبل أن تصل إلى ليونيل!
"م-ماذا؟!"
السحرة تراجعوا بخوف، بينما الأطباء لم يعرفوا ماذا يفعلون أمام هذا المشهد الغريب.
الإمبراطور، الذي كان صامتًا طوال هذا الوقت، فقد صبره أخيرًا.
"كفى."
بصوته العميق، الحازم، انتشر ضغط لا يمكن مقاومته في الغرفة. حتى الفرشات السوداء توقفت للحظة، وكأنها شعرت بسلطته المطلقة.
نظر إلى الأطباء والسحرة ببرود.
"أوقفوا نوبته الآن، بأي طريقة كانت. لن أسمح بخسارته."
لكن ليونيل لم يتوقف عن الصراخ، لم يتوقف عن الالتواء وكأن شيئًا داخله يمزقه.
في تلك اللحظة، أدريان، الذي كان يراقب بصمت طوال الوقت، تقدم خطوة إلى الأمام.
كان وجهه صلبًا، لكن عينيه كانتا تحملان شيئًا معقدًا... شيئًا لم يستطع أحد قراءته بسهولة.
نظر إلى ليونيل، ثم تمتم بصوت بالكاد يُسمع:
"...ما الذي يحدث لك؟"
.............
تردد أدريان للحظة. عيناه تحركتا بين ليونيل الذي كان لا يزال يصرخ بجنون، وبين الإمبراطور الغاضب، وبين السحرة الذين لم يتمكنوا من فعل شيء.
ثم، دون أن يقول كلمة، تقدم للأمام وسحب ليونيل من بين ذراعي راين.
"أدريان-؟!"
صوت راين كان مصدومًا، لكنه لم يقاوم.
ليونيل لم يتحرك. لم يصرخ. لم يقاوم. كأنه استسلم تمامًا.
كانت الفراشات السوداء لا تزال تحوم حوله، لكن عندما لمس أدريان جسده، تراجعت... ثم بدأت تحلق ببطء حولهما معًا.
وكأنها تراقب.
وكأنها تفكر.
أدريان شدد قبضته حول ليونيل، وجهه بقي صلبًا، لكنه شعر بوضوح كيف كان جسد الفتى يرتجف.
ثم، ببطء، بدأت الفراشات تختفي.
واحدة تلو الأخرى، تبخرت في الهواء مثل دخان أسود يتلاشى مع الريح.
وبنفس الطريقة، بدأ جسد ليونيل يسترخي. أنفاسه، التي كانت متقطعة وغير مستقرة، بدأت تهدأ تدريجيًا.
وأخيرًا... انتهت نوبته.
ظل الصمت يسيطر على الغرفة. الجميع كان يحدق في المشهد أمامهم، وكأنهم غير قادرين على تصديق أن العاصفة التي اجتاحت المكان منذ لحظات قد انتهت بهذه البساطة.
الإمبراطور كان يراقب أدريان وليونيل بعينين ضيقتين، لكن تعبيره كان غامضًا، كما لو أنه يفكر بشيء لم يخبرهم به بعد.
همس إليوت
"لقد... انتهى؟"
أدريان لم يرد.
كل ما فعله هو أنه شدد ذراعيه حول ليونيل قليلًا... ثم أغلق عينيه للحظة، كأنه يستعيد أنفاسه هو الآخر.
................
في صباح اليوم التالي، كان القصر هادئًا، لكن ذلك الهدوء لم يدم طويلًا-
"لا! لن أذهب!!"
كان صوت ليونيل الغاضب يملأ الأرجاء، يتردد عبر الجدران كما لو أنه إعلان حرب.
عند مدخل جناحه، وقف الإمبراطور إدوارد، مرتديًا زيه الرسمي الأسود والمزين بقطع ذهبية، نظراته الصارمة مركزة على ابنه الصغير الذي كان يختبئ أسفل الأغطية، متشبثًا بها كما لو أنها درعه الأخير.
بجانبه، وقف إليوت وراين، وكلاهما بدا مترددًا في التدخل. أما أدريان، فكان يقف بصمت، يراقب المشهد بعينين نصف مغلقتين، وكأنه لم يستيقظ تمامًا بعد.
الإمبراطور تنهد ببطء، ثم تقدم إلى السرير.
"ليونيل، انهض."
"لا!" جاء الصوت المخنوق من تحت الأغطية. "لا أريد الذهاب! لا يهمني أي احتفال سخيف!"
إدوارد لم يكن في مزاج للجدال. بلمسة واحدة، سحب الأغطية دفعة واحدة، ليكشف عن ليونيل الذي كان متكورًا على نفسه، شعره الفضي الأشعث يغطي جزءًا من وجهه الغاضب.
"انهض." كرر الإمبراطور بلهجة أكثر صرامة.
ليونيل لم يستسلم بسهولة. دفع نفسه بعيدًا، محاولًا التراجع إلى زاوية السرير، لكن قبل أن يتمكن من الهروب-
أمسكه إدوارد من قميص نومه ورفعه كما لو أنه لم يكن أثقل من ريشة.
"إ-إتركني!! أيها العجوز اللعين!!"
اليوت شهق بصوت منخفض، بينما رفع أدريان حاجبه قليلًا، متفاجئًا من شجاعة ليونيل في شتم الإمبراطور مباشرة.
لكن إدوارد لم يبدُ منزعجًا على الإطلاق. على العكس، لم يتغير تعبيره وهو يضع ليونيل على الأرض، ثم بدأ في تلبيسه ملابسه الرسمية كما لو أنه مجرد دمية لا تملك رأيًا في الموضوع.
ليونيل تلوى وحاول المقاومة، لكن الإمبراطور لم يكن يلين.
"أنت تضيع وقتي." قال بصوت هادئ لكنه قاطع، بينما كان يزرر قميص ليونيل.
"أنا لا أهتم!" صرخ ليونيل، محاولًا دفع يديه بعيدًا. "لن أذهب! لا يمكنك إجباري!"
إدوارد لم يقل شيئًا، فقط انتهى من إلباسه، ثم-
رفعه بين ذراعيه مرة أخرى.
ليونيل تجمد لثانية، ثم بدأ يركل بعنف.
"أيها الوغد اللعين!! أتركني!! لست طفلًا!!"
إدوارد تجاهله ببساطة وخرج من الغرفة، بينما تبعه الثلاثة الآخرون بصمت، محاولين كبح ضحكاتهم.
-
داخل العربة الفاخرة، جلس الإمبراطور في المقعد الرئيسي، وبدلًا من وضع ليونيل بجانبه، أجلسه على ساقيه مباشرة.
ليونيل، الذي كان متصلبًا للحظة، عاد للتمرد مجددًا.
"أنا أكرهك!!"
إدوارد رفع حاجبه ببطء. "هل تعتقد أن ذلك يؤثر عليّ؟"
ليونيل عبس بشدة، لكنه لم يجد ردًا.
على الطرف الآخر من العربة، جلس إليوت وأدريان، بينما جلس راين بجانب الإمبراطور، يراقب بصمت كيف كان ليونيل يتلوى محاولًا الهروب، لكنه لم يكن قادرًا على الإفلات من قبضة والده الحديدية.
إليوت تمتم وهو يحاول كبح ضحكته، "هذا... مشهد نادر حقًا."
أدريان، الذي كان قد أسند رأسه إلى النافذة منذ بداية الرحلة، فتح عينيه نصف المغلقتين وقال ببرود، "سأدفع مالًا جيدًا للحصول على لوحة لهذا المشهد."
ليونيل صرخ بغضب: "كلكم أوغاد!!!"