بمجرد أن انتهى الإمبراطور من إجباري على تناول كل قطرة من ذلك الحساء اللعين، وضعني على السرير وكأنني لم أكن أصرخ وأقاوم قبل لحظات. ثم استدار نحو إدغار، الذي انحنى باحترام، وخرجا معًا دون كلمة أخرى.
تركوني هناك، محبطًا، غاضبًا، وأشعر بالذل التام.
"...هذا سخيف."
تمتمتُ لنفسي وأنا أستلقي على السرير، أحدق في السقف الذهبي المعقد.
لم يكن لديّ حتى طاقة للصراخ بعد كل ذلك. كل ما كان يدور في رأسي هو هذا الوضع العبثي الذي وجدتُ نفسي فيه.
لقد تجسدتُ داخل رواية.
ليس أي رواية، بل واحدة قرأتها من قبل.
ضغطتُ على رأسي محاولًا استخراج الذكريات التي لم تكن لي، بينما أفكاري تتشابك بين ما أتذكره من حياتي السابقة وما أراه في ذكريات ليونيل.
هذا العالم... مألوف جدًا.
رواية "ملحمة الأبطال السبعة" -نعم، هذا كان عنوانها.
رواية خيالية تتحدث عن نبوءة قديمة تحذر من سبع كوارث عظيمة ستدمر القارة. وعندما تبدأ تلك الكوارث بالظهور، يظهر سبعة أبطال مختارين ليقفوا ضدها ويحاولوا إنقاذ العالم.
لكنني... لم أكن واحدًا من الأبطال.
كنتُ مجرد شخصية جانبية.
بل الأسوأ من ذلك-كنتُ الشرير.
لا، انتظر...
لم أكن شريرًا بحق ، لكنني كنتُ مصنفًا كشرير في الرواية.
أخذتُ نفسًا مرتجفًا، وشعرتُ بقشعريرة تسري في جسدي.
التصنيف كـ" شرير " في هذه القصة لم يكن أمرًا بسيطًا. فالرواية لم تكن تتحدث عن "أوغاد" عاديين أو شخصيات رمادية. كانت تتحدث عن ثلاثة أشرار مطلقين هزّوا القارة بأفعالهم:
أوليفر بلاكستون ، سيد السحر الأسود، الرجل الذي أراد تحويل القارة بأكملها إلى بحر من الظلام والدماء.
ماركيز ديمتري فالنتينو ، النبيل الفاسد الذي حوّل الأراضي التي يحكمها إلى جحيم، وأشعل حربًا أهلية دمّرت نصف القارة.
سيرافينا نوايت ، القديسة الزائفة التي خانت البشر وتحالفت مع إحدى الكوارث السبع مقابل الخلود.
هؤلاء... كانوا الشر الحقيقي في القصة.
إذن، لماذا أنا؟ لماذا تم تصنيفي كشرير؟
شعرتُ برعب حقيقي. لم يكن لديّ أي ذكرى عن أفعال شريرة قمت بها، ومع ذلك... الرواية كانت واضحة.
اسمي كان مدرجًا في قائمة الأشرار.
لكنني لا أعرف السبب.
لماذا؟ ما الذي فعلته ليتم تصنيفي كتهديد؟
وضعتُ يدي على وجهي، جسدي يرتجف.
لو كان عليّ أن أعيش في هذا العالم، فعلى الأقل كنتُ أريد حياة هادئة ومريحة. لا قتال، لا دسائس، لا كوارث تهدد القارة.
لكن كيف سأعيش بسلام إذا كان الجميع يعتقدون أنني سأصبح شريرًا؟
بل هل يمكنني تغيير هذا المصير اللعين؟
..............
أخذتُ نفسًا عميقًا، محاولًا تهدئة الأفكار التي تتزاحم في رأسي بلا فائدة.
كم كان عمري الآن؟
استرجعتُ المعلومات-ليونيل كارستين، الأمير الرابع، كان في غيبوبة لمدة عامين. قبلها كان عمره إحدى عشرة سنة... وهذا يعني أنني الآن في الثالثة عشرة.
الثالثة عشرة، هاه؟
في الرواية، كان من المعروف أن ليونيل لم يعش حتى بلوغ سن الرشد.
لكن... كيف مات؟
حاولتُ تذكر أي تفاصيل، لكن الرواية لم تهتم بهذا الأمر أبدًا. كل ما كُتب هو أنه مات قبل أن يصبح بالغًا، وكان موته مجرد تفصيل صغير، لم يُحدث أي تأثير حقيقي في القصة.
حتى الأبطال لم يتوقفوا عند الخبر طويلاً، وكأن موته كان أمرًا طبيعيًا، متوقعًا.
" اللعنة ..." تمتمتُ، ليس بقلق، بل بإحباط.
في حياتي السابقة، بعض قراء الرواية ناقشوا هذه النقطة، وأغلبهم اتفق على فرضية واحدة:
ليونيل مات بسبب مرضه.
كان ذلك منطقيًا. جسده كان ضعيفًا منذ الولادة، وأي مرض بسيط قد يكون قاتلًا بالنسبة له.
لكن الآن، وأنا في جسده؟
أغمضتُ عيني للحظة.
...بصراحة؟ لا يهمني.
سواء مت بعد سنة، بعد شهر، أو حتى غدًا، فهذا ليس مشكلتي.
في الواقع، سيكون الأمر أكثر راحة لي لو أنني مت ببساطة دون معاناة. لا علاج، لا محاولات يائسة، فقط... نهاية هادئة.
لكن ما يزعجني هو شيء واحد-
لماذا تم تصنيفي كـشرير؟
ليس موتي، ليس مرضي، بل هذا التصنيف الغريب هو ما يثير ضيقي.
الشرير الحقيقي في الرواية لم يكن أنا، بل كان هناك ثلاثة أشرار معروفين:
أوليفر بلاكستون
ماركيز ديمتري فالنتينو
سيرافينا نوايت
مقارنة بهم... أنا لا شيء .
فلماذا تم إدراجي في قائمة الأشرار؟
ما الذي فعله ليونيل كارستين في القصة ليُعتبر تهديدًا؟
ضغطتُ على رأسي بملل.
آه، التفكير في هذا متعب جدًا. ليس الأمر وكأنني سأحاول تغيير قدري على أي حال.
سواء كنتُ شريرًا أو لا، سواء كنتُ سأموت قريبًا أو لا... هذا العالم يستطيع أن يذهب إلى الجحيم.
أنا فقط أريد حياة كسولة وهادئة.
...........
أغمضتُ عيني، محاولًا تجميع ذكريات ليونيل كارستين عن عائلته.
أولاً، أمه...
الإمبراطورة إيرينا.
ماتت عندما كان في الخامسة.
لكنها لم تكن مجرد إمبراطورة أخرى في سجل التاريخ، بل كانت المرأة التي أحبها الإمبراطور بصدق.
كان حبًا نادرًا في العائلات الملكية، حيث تكون الزيجات غالبًا مجرد تحالفات سياسية. لكن إدوارد كارستين أحبها بشدة، وعندما ماتت... تغير.
بعد وفاتها، أصبح أكثر برودًا، صارمًا، ولم يعد يهتم بأي شيء كما كان من قبل.
لكن على الرغم من حبه العميق لوالدتي، إلا أن ذلك لم يشفع لي.
لقد تُركت وحدي.
حتى وأنا ابنه، لم يكن ينظر إلي إلا كـ خطأ مؤسف في سلالته القوية.
هذا ما كتب برواية
الأشقاء
تنفستُ ببطء، محاولًا ترتيب الأسماء في رأسي.
الأمير الأول، راين كارستين . ولي العهد، الابن المثالي، العبقري العسكري، والفارس الذي لا يُهزم. شخصيته في الرواية كانت صارمة، متغطرسة، ومخلصة بشدة للإمبراطورية. لم يكن يهتم بليونيل على الإطلاق، بالكاد يتذكر وجوده.
الأمير الثاني، إليوت كارستين . ساحر موهوب وذكي، يُعرف بقوته المذهلة وتحكمه في العناصر. على الرغم من هدوئه الظاهري، إلا أنه كان شخصًا حادًا ولا يرحم. بالنسبة له، كان ليونيل مجرد "فشل" في سلالة قوية.
الأمير الثالث، أدريان كارستين. سياسي بارع، معروف بذكائه في إدارة الشؤون الداخلية والخارجية. لم يكن مقاتلًا، لكنه كان أخطرهم جميعًا من حيث المكائد والدهاء. على الرغم من ابتسامته الهادئة وأسلوبه اللطيف، إلا أن الجميع كان يعرف أنه شخص لا يمكن الوثوق به.
وأخيرًا...
أنا.
الأمير الرابع، ليونيل كارستين.
الضعيف. الفاشل. العاجز عن القتال أو السحر أو حتى المشي بشكل طبيعي.
لم يكن أحد يهتم بي. لم يكن أحد يريدني. لم يكن أحد يعتبرني جزءًا من العائلة الملكية حقًا.
لكن، بصراحة؟
هذا يناسبني تمامًا.
التعامل مع " العائلة " أمر مرهق. لو تركوني وشأني، سيكون ذلك مثاليًا.
لكن المشكلة أنني الآن استيقظت، وهذا يعني أن الجميع سيتذكرونني مجددًا.
آه، يالها من كارثة .
................
أغمضتُ عينيّ مجددًا، محاولًا استرجاع التفاصيل التي قرأتها سابقًا عن حياة ليونيل.
في البداية، بعد وفاة الإمبراطورة، لم يكن هناك تغيير كبير في حياته. ظل يعيش حياة عائلية طبيعية .
رغم أن والده أصبح أكثر برودًا، إلا أنه لم يكن قاسيًا معه، على عكس ما كان يعتقده الكثير من القراء.
أشقاؤه لم يكونوا يكرهونه.
في الحقيقة، حاولوا التقرب منه، حاولوا دعمه...
لكن عندما بلغ الثامنة، تغير كل شيء.
ليونيل عزل نفسه تمامًا.
توقف عن الحديث معهم. تجاهل كل محاولاتهم للتواصل. أصبح منغلقًا على نفسه تمامًا.
الأمر لم يكن مجرد كسل أو ملل، بل كان قرارًا حاسمًا منه.
والده حاول معه. أشقاؤه حاولوا معه. لكن ليونيل رفضهم جميعًا.
المثير للاهتمام أن المؤلف لم يذكر السبب أبدًا.
في الجزء الأول من الرواية، كان الجميع يعتقد أن عائلة ليونيل تكرهه.
لكن في الجزء الثالث، ظهر مشهد صغير أشار فيه المؤلف إلى ماضيه، حيث كتب ببساطة:
"الأمير الرابع توفي قبل بلوغه سن الرشد."
وهذا كل شيء.
لم يُشرح السبب، ولم يُذكر كيف مات، ولم يكن هناك أي تفاصيل عن مشاعره الأخيرة.
لكن بعض القراء-بمن فيهم أنا-خمّنوا أن موته كان بسبب مرضه المزمن.
لكن الآن، وأنا في جسده؟
أشعر أن الأمر كان أكثر تعقيدًا من مجرد مرض.
...................
أغمضتُ عينيّ محاولًا استرجاع ذلك المشهد القصير من الجزء الثالث من الرواية-المشهد الوحيد الذي أعطى لمحة عن ماضي ليونيل.
كان مشهدًا بسيطًا، لكنه جعل الكثير من القراء يتوقفون عنده.
كان الأمير الأول راين، والأمير الثاني اليوت، والأمير الثالث أدريان جالسين في قاعة القصر، يتحدثون عن الماضي.
كان النقاش عن الأزمات التي واجهتها الإمبراطورية، عن الأبطال، وعن التضحيات التي قُدمت.
وفجأة، وسط الحديث، قال غابرييل بصوت هادئ:
"لقد مرت سنوات، لكنه لم يصل إلى سن الرشد أبدًا."
سادت لحظة صمت بين الأشقاء الثلاثة.
ثم قال أدريان بنبرة لا تحمل أي مشاعر:
"على الأقل، لم يكن علينا مشاهدة ذلك مجددًا."
أما راين، الذي كان عادة صارمًا ولا يُظهر مشاعره بسهولة، فقد عقد حاجبيه وقال بصوت منخفض:
"كان مجرد طفل."
لكن الحديث لم يستمر. تغير الموضوع سريعًا، وكأن الثلاثة قرروا عدم التعمق أكثر.
هذا المشهد أثار الكثير من التساؤلات بين القراء.
لم يكن واضحًا عن ماذا كانوا يتحدثون تحديدًا.
ما الذي لم يكن عليهم مشاهدته مجددًا؟
لماذا قال راين إنه كان مجرد طفل؟
المؤلف لم يشرح.
لكن الجميع استنتج أن الحديث كان عن ليونيل، وعن موته الغامض.
والآن، بعد أن أصبحتُ أنا ليونيل، أدركت شيئًا واحدًا.
موته لم يكن مجرد نتيجة لمرضه.
كان هناك شيء آخر، شيء لم يكن مذكورًا في الرواية.
شيء... أحتاج إلى اكتشافه.
..............
ضغطتُ على رأسي بقوة، أشعر بالغضب يتصاعد في داخلي.
"ما مشكلتك أيها المؤلف اللعين؟"
منذ أن فتحت عيني في هذا العالم، وكل شيء يبدو وكأنه يسير نحو نهايتي الحتمية. مرض؟ غيبوبة؟ عائلة تحاول معي بلا فائدة؟ موت غامض لم يُذكر حتى كيف حدث؟
أي نوع من الحبكات الرديئة هذه؟
رفعتُ رأسي وحدقتُ في السقف الذهبي، وكأنني أواجه المؤلف نفسه.
"لم يكن يكفي أنك جعلتني مريضًا منذ ولادتي؟ كان عليك أن تضيف موتًا غامضًا؟ وتلمّح له بطريقة مبهمة تجعل القراء يتساءلون؟!"
تذكرتُ كيف كنت أحد أولئك القراء الذين ناقشوا مصيري سابقًا، والآن أنا هنا... محبوس في جسد هذا الأمير الذي كان الجميع يعتقد أنه شرير بينما لم يذكر المؤلف حتى ما الذي فعله ليصبح كذلك!
"على الأقل، لو كنتُ شريرًا بحق، لكنتُ قد استمتعت بوقتي!"
شعرتُ برغبة عارمة في الصراخ، لكن جسدي كان ضعيفًا لدرجة أنني بالكاد تمكنت من رفع صوتي.
ثم، فجأة، هدأت.
لماذا أنا غاضب؟ لماذا أرهق نفسي بهذا؟
لا يهم.
لن أفعل شيئًا.
لن أحاول كشف أي أسرار.
لن أتدخل في أحداث الرواية.
هذه ليست حياتي. هذه قصة كاتب قرر أن يجعل من الأمير الرابع مأساة تمضي على الهامش.
حسنًا. سأبقى على الهامش.
سأجلس هنا، في هذا القصر، وأنتظر موتي بسلام.
مهما حدث... لن أفعل شيئًا.
..............
أخذتُ نفسًا عميقًا، محاولًا تهدئة أفكاري الفوضوية.
لن أفعل شيئًا.
سأعيش حياة كسولة وهادئة، بعيدًا عن كل شيء. فقط النوم، الأكل، والاستلقاء بلا هدف حتى يأتي الموت ليأخذني بهدوء.
لكن...
شعرتُ بقطرات العرق الباردة تسيل على جبهتي.
إذا كانت هذه رواية... فالأمور لن تسير بهذه السهولة، أليس كذلك؟
نظرتُ إلى السقف، ملامحي متجمدة في إدراك بطيء.
"انتظر لحظة... تبًا، لا تقل لي أن حياتي ستأخذ منعطفًا سخيفًا مثل أي بطل يحاول الاستسلام؟!"
صرختُ بغضب، غير قادر على منع الإحباط الذي انفجر في داخلي.
"لماذاااا؟! ماذا عليّ أن أفعل؟!"
لكن أثناء صراخي، لمحتُ شيئًا غريبًا في انعكاس نافذة الغرفة.
تجمدتُ.
... من هذا؟
حركتُ رأسي ببطء، أحدق في صورتي المنعكسة في الزجاج.
كانت هذه... أول مرة أرى فيها شكلي منذ أن فتحت عيني في هذا العالم.
شعر أبيض، ناعم لكنه مبعثر بطريقة فوضوية. عيون زرقاء باهتة، فقدت بريق الحياة تمامًا. البشرة شاحبة، تكاد تكون شفافة من شدة ضعف الجسد.
ورغم كل ذلك... كنتُ وسيمًا بشكل مزعج.
رفعتُ حاجبًا بدهشة.
"مهلًا... هذا غير عادل. كيف يمكن لشخص يحتضر أن يكون وسيمًا هكذا؟"
لكن بعد لحظات، أدركتُ المشكلة الحقيقية.
لماذا أبدو في العاشرة؟!
تذكرتُ بوضوح أن عمري الحالي ثلاثة عشر عامًا، لكن انعكاسي بدا وكأنني طفل أصغر بثلاث سنوات!
شعرتُ بالدم يغلي في عروقي.
"هذا جسد مريض... لكن هذا لا يبرر لماذا أبدو طفلًا! اللعنة عليك أيها المؤلف! هل كان لا بد أن تجعلني أبدو صغيرًا أيضًا؟!"
ضربتُ السرير بقبضتي، لكن الضربة كانت ضعيفة لدرجة أنني بالكاد شعرت بها.
أغمضتُ عيني وأخذتُ نفسًا عميقًا، محاولًا استيعاب وضعي.
حسنًا... لا بأس.
لا يهم كيف أبدو، المهم أنني سأعيش حياة هادئة و-
توقفت أفكاري عندما سمعت أصوات خطوات تقترب من الغرفة.
حدقتُ في الباب المغلق، قلبي ينبض بتوجس.
... لماذا لدي شعور سيئ بشأن هذا؟
.........
ظللتُ أحدق في الباب، أشعر بقلق لا مبرر له.
هل يمكنني الحصول على خمس دقائق من السلام؟
لكن بالطبع، كما هو متوقع في أي رواية، لا .
انفتح الباب ببطء، وظهر أحد الخدم بخطوات حذرة، وكأنه يقترب من قفص وحش مفترس. خلفه، دخل إليوت كارستين، أخي الثاني، متبوعًا بصديقه المقرب كايل وينستون، ابن دوق وينستون.
كايل لم يكن شخصًا عاديًا. كونه ابن أحد أقوى الدوقات في الإمبراطورية، كان يتمتع بمكانة رفيعة، لكن شخصيته لم تكن تعكس جديّة النبلاء المعتادة. على العكس تمامًا، كان دائمًا يبتسم بطريقة مستفزة، كما لو كان يستمتع بمشاهدة العالم وهو يحترق من بعيد.
بعبارة أخرى، لم يكن شخصًا يمكن الوثوق به بسهولة.
أما إليوت، فقد كان يحمل هالة نبيلة، شعره الأسود مرتب بعناية، وعيناه الزرقاوان تحملان مزيجًا من الفضول والهدوء. لم يكن يتحدث كثيرًا، لكنه كان يملك قدرة على فرض حضوره دون الحاجة للكلمات.
وقف الاثنان أمامي، يحدقان بي وكأنني مخلوق غريب.
ماذا الآن؟
"أوه، لقد كبرتَ قليلًا، ليونيل."
كان إليوت هو أول من تحدث، صوته يحمل مزيجًا من السخرية والراحة. لكنه لم يكن الوحيد الذي يتفحصني، فكايل كان ينظر إلي أيضًا، وعيناه تمتلئان بالاهتمام.
"أنت أكثر تسلية مما كنت أظن، سموك" قال كايل بابتسامة وهو يتكئ على الأريكة، وكأن هذا مجرد عرض ممتع بالنسبة له.
لم أرد عليه، بل نظرت إلى إليوت، الذي ظل يراقبني بنظرة محيرة.
"إذن، ما الذي تريده؟" قلت، مستعدًا للتخلص منهم بأسرع وقت ممكن.
إليوت جلس على الكرسي بجانب سريري، واضعًا ساقًا فوق الأخرى . "أريدك أن تخرج من هذه الغرفة."
"... لا."
"ليونيل، لا يمكنك البقاء محبوسًا هنا للأبد."
"يمكنني المحاولة."
ضحك كايل بخفة، بينما تنهد إليوت وكأنه كان يتوقع هذه الإجابة.
"على الأقل، تناول طعامك." قال إليوت، مشيرًا إلى الطبق الذي تركه الخدم.
"لا أريد الحساء."
"لأنك تريد اللحم المشوي، صحيح؟"
"بالطبع."
إليوت ابتسم ابتسامة صغيرة. "إذن، استعد لتحريك جسدك أولًا."
تجمدتُ. "... ماذا؟"
كايل، الذي بدا مستمتعًا جدًا بالموقف، أضاف بنبرة مبتهجة: "أحضَرنا لك كرسيًا متحركًا. سيكون من الجيد لو خرجتَ إلى الحديقة قليلًا، أليس كذلك؟"
حدقتُ إليهم ببرود. "أنا أرفض."
إليوت وقف من مكانه، وكأنه أنهى محادثته معي بالفعل. "سنرى ذلك قريبًا."
شعرتُ بقشعريرة تسري في ظهري.
لدي شعور سيئ حيال هذا.
..........
أخذتُ خطوة إلى الوراء عندما اقترب إليوت مني، عيناي تمتلئان بالريبة.
"ماذا تفعل...؟"
لكنه لم يرد. بدلًا من ذلك، انحنى نحوي بسرعة، وأمسكني من خصري بسهولة مرعبة، وكأنني لم أكن سوى وسادة صغيرة.
"انتظر، انتظر! تبًا لك، إليوت! أنزلني حالًا!"
ركلتُ، لوّحتُ بذراعي، وحتى حاولتُ التملص، لكن بلا فائدة. إليوت لم يكن يتأثر إطلاقًا بمقاومتي، بل رفعني فوق كتفه كما لو كنتُ كيس بطاطا.
"تبًا لك! أنزلني!" صرختُ بينما كنتُ أضرب ظهره بلا فائدة.
كايل، الذي كان يشاهد المشهد بكل متعة، صفّق ببطء وهو يهز رأسه بإعجاب مصطنع.
"هذا مشهد نادر حقًا. سمو الامير ليونيل، المعروف بعزلته وبروده، يُحمل كطفل صغير وهو يصرخ؟"
"سأقتلك، كايل!" صرختُ بغضب.
"أوه، هذا لطيف جدًا." قال بابتسامة ساخرة.
أما إليوت، فلم يكن مهتمًا على الإطلاق بصراخي أو تهديداتي. كان يمشي بكل هدوء وكأنني لا أزن شيئًا يُذكر.
حاولتُ استخدام آخر وسيلة لديّ: التشبث بالباب.
مددتُ يدي، وأمسكتُ بإطار الباب بكل قوتي.
"لن أذهب!"
لكن إليوت لم يكن ينوي إضاعة وقته في هذه اللعبة. رفعني فجأة للأعلى قبل أن يسحبني بقوة من الباب، مما جعلني أفقد قبضتي بسهولة.
"لاااااا!!"
كايل كاد ينهار من الضحك، واضعًا يده على جبينه وكأنه بالكاد يستطيع التقاط أنفاسه.
"سموك، لم أكن أعلم أنك تملك هذا الجانب المثير للضحك."
"سأجعلك تندم، كايل!"
"أنا متحمس لرؤية ذلك، حقًا."
كنتُ أشعر بالدماء تغلي في عروقي من الغضب، لكنني لم أستطع فعل أي شيء سوى الصراخ والشتم، بينما حملني إليوت خارج الغرفة بلا أي نية لوضعي على الأرض.
الحياة في هذا القصر... جحيم مطلق.
............
ظللتُ أركل وأضرب ظهر إليوت طوال الطريق، لكن ذلك لم يزحزحه حتى قليلًا.
"تبًا لك، إليوت! أنزلني فورًا!"
"لا."
"أيها اللعين المتعجرف! سأحطم وجهك بمجرد أن تطأ قدماي الأرض!"
"مثير للاهتمام، لكنك بالكاد تستطيع الوقوف."
"سأجد طريقة!"
كايل، الذي كان يسير بجانبنا، لم يحاول حتى إخفاء ضحكته. "سمو الامير ليونيل، أنت بالتأكيد أكثر متعة مما كنتُ أتوقع. أين ذهب الأمير البارد والمنعزل؟"
"مات بسببكما، أيها الحثالة!"
"يا إلهي، كلماتك جارحة." قال كايل بمرح.
عندما وصلنا أخيرًا إلى الحديقة، رماني إليوت على المقعد كما لو كنتُ مجرد دمية محشوة.
"تبًا لك!" صرختُ بينما كنتُ أعدل جلوسي، أواجهه بغضب.
"لقد أوصلتك، لذا توقف عن الشكوى." قال إليوت بلا مبالاة، ثم جلس بجانبي بكل هدوء وكأنه لم يقم بخطف أخيه الأصغر قبل لحظات.
كايل، الذي لم يتوقف عن الابتسام، جلس على الجانب الآخر.
" أوه، الأجواء لطيفة هنا. ربما يجب أن نجعل هذا لقاءً يوميًا، ماذا تعتقد، إليوت؟"
"فكرة جيدة."
"أنا أرفض!" صرختُ، عاقدًا ذراعيّ بعناد.
إليوت لم يهتم، بل أغمض عينيه قليلاً بينما كان يستمتع بنسيم الحديقة المنعش.
كايل، من جهة أخرى، ظل يحدق بي باستمتاع واضح.
"يبدو أنك حقًا تكره هذا الوضع، ليونيل."
"هل يبدو عليك الذكاء الكافي لاكتشاف ذلك؟"
ضحك كايل، ثم انحنى للأمام مستندًا إلى يده. " لكن، بصدق، لماذا تصر على البقاء في غرفتك؟ ألا تود الاستمتاع قليلًا بالحياة بعد غيبوبتك الطويلة؟"
"لا."
"أنت عنيد جدًا."
"وأنت مزعج جدًا."
"أوه، أنا أحب هذه المحادثة."
أطلقتُ تنهيدة طويلة، محدقًا في السماء بعبوس.
ما هذا الحظ السيئ؟ كل ما أردته هو حياة كسولة وهادئة، لكن حتى ذلك يبدو مستحيلًا.