اذا فيه تفاعل كبير على فصل و تعليقات كثيرة راح افكر انزل الفصل الي بعده + كيف الأحداث
---
كانت الشمس لا تزال تتكاسل عن الصعود حين جلس ليونيل على كرسيه، يحدق في فنجان الشاي الذي لم يمسّه، وعيناه نصف مغلقتين من أثر النعاس... أو الألم. اسم " البارون دالبرين أرينوالد" ظل يتردد داخل رأسه كصدى بعيد.
شيء في ذلك الاسم... كان مألوفًا. وجهٌ غامض، قصرٌ مغطى بالضباب، و... رمح مغطى بالأشواك السوداء.
" خائن ..." تمتم بالكاد يسمع صوته، ثم رفع يده إلى رأسه فجأة.
صورة خاطفة مزّقت سكون ذاكرته-شخص يركع أمام كيان مظلم، يقبّل خاتمه، والهواء من حولهما يتشقق بالسواد.
لكن الصورة اختفت كما جاءت، وخلفت خلفها صداعًا حادًا كالسكين.
"آه... اللعنة."
انتبه أدريان على أنين أخيه، فترك أوراقًا كان يراجعها واقترب فورًا.
" هل يؤلمك رأسك؟"
"كأنه طبول تُقرع داخل جمجمتي... بطبول من جليد." غمغم ليونيل وهو يضغط على صدغيه.
لم ينتظر أدريان أكثر، فانحنى ولف ذراع ليونيل حول كتفه.
" هيا... علينا المغادرة إلى القصر الآن. سنرتاح هناك."
"أنا لا أثق بالقصور... ولا بسكانها." تمتم بتذمر.
"لكنهم يثقون بالإمبراطورية. وهذا يكفي."
---
تحركا ببطء في الممر. أدريان يسند ليونيل، يضع يده حول خاصرته، ويمسك بيديه الاثنتين، كما لو أنه يساعد طفلًا يتعلم المشي.
كل خطوة كانت تُخرج من ليونيل تنهيدة خفيفة، لا من الألم فقط... بل من الإحراج.
"بإمكاننا فقط ركوب تنين، أليس كذلك؟ هذا الإذلال غير ضروري."
"توقف عن الثرثرة وركّز على خطواتك."
عند الدرج توقفا. ليونيل نظر إليه كما ينظر المحكوم إلى حبل المشنقة.
"لا تقل..."
لكن أدريان بالفعل كان قد انحنى، ورفعه بين ذراعيه كعروس يوم زفافها، ثم غطاه بردائه الأسود السميك كي لا يصاب بالبرد.
" لا تجرؤ على التعليق."
"هل تريد أن أقول إنك تفرط في الحماية؟ لأنك تفعل."
"قلت لا تعليق."
---
وصلوا إلى العربة، وأجلسه أدريان بحذر، ثم صعد إلى جواره.
طوال الطريق، كان ليونيل صامتًا على غير عادته، رأسه مستند إلى نافذة العربة، ينظر إلى الحقول وهي تمر كسحابة ذابلة، بينما عقله يرفض أن ينسى اسم البارون.
[بعد ساعة - أمام قصر البارون دالبرين أرينوالد]
كان القصر شامخًا، رمادي اللون، تحيط به حديقة بدا فيها كل شيء... ميتًا.
نزل أدريان أولًا، ثم رفع ليونيل بين ذراعيه مجددًا دون كلمة.
وفور أن لامست قدماه أرضية القصر، اجتاحه شعور بعدم الراحة... كما لو كان الجو محمّلاً بشيء لا يُرى.
وما إن دخلا عبر البوابة، حتى ظهر رجل طويل القامة، يرتدي عباءة بوردو مطرزة بالذهب، وشعره رمادي ممشط بدقة.
" الامير أدريان، يا له من شرف عظيم. يشرفني استضافتكما في منزلي المتواضع." قالها بانحناءة متقنة، وعينان تلمعان بدهاء خفي.
" البارون دالبرين ." رد أدريان ببرود، ثم أشار إلى ليونيل بين يديه. " أخي لا يزال يتعافى، أتمنى أن نوفر له الراحة التامة."
"بالتأكيد، لقد أعددت جناحًا خاصًا له مطلًّا على الحديقة. سيجد فيه كل ما يحتاج."
لكن قبل أن يرد ليونيل بكلمة، ظهر أمامه إشعار نصف شفاف:
> [نظام] تغيير جديد في الأحداث البارون دالبرين أرينوالد
من المساهمين في ظهور ملك الأشواك
يوفّر الدعم اللوجستي للطقوس المحظورة مهمتك: اكتشف كيف يساعد ملك الأشواك لإيقاف الكارثة القادمة في مهرجان القمح
ليونيل تجمد في مكانه، التفت نحو البارون بعين نصف مغمضة...
ثم تنهد، ودون أن يقول شيئًا، دفن وجهه في عنق أدريان.
" هل تشعر بالتعب ؟" سأل أدريان بصوت منخفض.
" لا... أشعر بالغباء لأنني صدقت أن الأمور ستمشي بهدوء."
"ماذا قلت؟"
"لا شيء... فقط دعني أنام حتى تنفجر المملكة."
ضحك البارون بخفة، كما لو أن شيئًا لم يحدث.
لكن داخل ذهن ليونيل...
كان السؤال يتكرر بصوت النظام، كأغنية مزعجة:
"كيف سيساعد ملك الأشواك؟ كيف؟"
لكنه كعادته، تجاهل السؤال.
ودفن وجهه أكثر داخل رقبة أخيه، مغلفًا كل هواجسه بلحظة واحدة من الكسل المتعمد...
لأن إنقاذ العالم، من وجهة نظر ليونيل، دائمًا ما يمكن تأجيله إلى الغد.
---
دخل البارون فالديز بخطوات واسعة وفخر ظاهر، يتقدمه أدريان الذي كان يحمل ليونيل بين ذراعيه كحقيبة ثمينة، يتبعه فرسان الحماية الذين شقّوا طريقهم إلى داخل القصر. المكان كان واسعًا ومزخرفًا، لكنه يفتقر للذوق الملكي. الأرضية لم تكن تلمع بما يكفي ليونيل ليعكس سخطه فيها، مما جعله يئن داخليًا من قلة الذوق الريفي.
وقف البارون عند أسفل الدرج مرحّبًا: " يا له من شرف عظيم أن أستقبل أبناء الإمبراطور إدوارد في قصري المتواضع! يشرفني أن أقدّم لكم عائلتي!"
أشار بفخر لعائلته الواقفة إلى جانبه في صف منتظم كما لو كانوا عرض أزياء ريفي: "زوجتي، البارونة ميلينا، وابني إيغن البالغ من العمر خمسة عشر عامًا، وابنتاي: روزالين، عمرها اثنا عشر ربيعًا، وليليانا، عمرها أحد عشر!"
لوّحت الفتاتان بخجل، تنظران إلى ليونيل كأن أمامهما أميرًا من القصص... وإن كان الأمير يبدو مثل عصفور مشاكس مريض.
البارون ابتسم بخبث خفيف وهو يقول: " ابنتاي في نفس سن الأمير ليونيل تقريبًا... سيكون من الرائع أن يتعرفوا عليه! ربما تتكون صداقة ملكية صغيرة، أو شيء أكثر مستقبلًا، ها؟"
رمش ليونيل عدة مرات، ثم نظر ببطء إلى الفتاتين، ثم إلى البارون، ثم إلى أدريان، ثم مجددًا إلى الفتاتين. وأخيرًا قال بصوت مبحوح، ببرود وبصراحة لا تليق بطفل يبدو في العاشرة: "أدريان... أنا متعب. خذني إلى السرير... قبل أن أبدأ بالقيء على الأرض."
تحجّر وجه البارون، بينما عضت روزالين شفتها، وارتبكت ليليانا وهي تختبئ خلف والدتها. أما أدريان، فقد كتم ضحكته وأدار وجهه وهو يسعل وهميًا، ثم قال بتهذيب: " عذرًا، أخي مرهق جدًا بعد الرحلة الطويلة. لنتحدث لاحقًا، بارون فالديز."
ومشى حاملاً ليونيل بين ذراعيه، الذي بدوره دفن وجهه في عنق أخيه، متجاهلًا الجميع وكأنه قطعة ديكور تعبت من أن تُحدق فيها العيون.
ليهمس أدريان بابتسامة وهو يصعد السلالم: "ما هذا السلوك، أيها الأمير الصغير؟"
فيرد ليونيل بصوت مكتوم: " اصمت... هذا الريفي كان يبيع بناته كأننا في سوق ماشية..."
ضحك أدريان بهدوء، بينما البارون في الأسفل يتصبب عرقًا، والبارونة تهمس له: " قلت لك ألا تبدأ الحديث بتزويج البنات!"
---
[غرفة الضيوف في الطابق العلوي لقصر البارون فالديز]
أدريان دفع باب الغرفة بهدوء، ودخل حاملاً ليونيل الذي بدا كدمية خالية من البطاريات، ثم توجّه نحو السرير الكبير والمزخرف أكثر مما ينبغي لذوق ليونيل، ووضعه بلطف على الفراش.
" استرح قليلاً. سأكون قريبًا لو احتجت أي شيء." قالها أدريان بنبرة حنونة، ثم جلس على طرف السرير وربّت على شعر ليونيل.
( توقف عن هذا... هذا مريب... من الذي يداعب رأس أحدهم بهذا الشكل؟!)
تذمر ليونيل في داخله، وهو يشيح بوجهه بعيدًا، يُصرّ على تجاهل نظرات أخيه القلقة كما يفعل عادة.
(لماذا كان ليونيل الأصلي يتجنبه؟ كان من الواضح أن أدريان مهتم به ... ربما أكثر من اللازم؟ لا لا، لا تبدأ بالتفكير هكذا. إنه أخوه فقط... مجنون بعض الشيء، لكن أخوه لكن الكوابيس.)
أغمض عينيه، لكن عقله لم يهدأ. (رائحته... ليست مثل الآخرين. سحره غريب، فيه شيء... يجذبني؟ أو يخنقني؟ أشعر كأن مانا قلبي تُضغط... ما هذا؟ هل هي مشاعر ليونيل الأصلي؟ أم أنا فقط بحاجة إلى نوم طويل جدًا؟ )
شدّ الغطاء فوق رأسه بانزعاج. "أغلق الباب من فضلك." قالها بصوت خافت، ففهم أدريان الإشارة، وابتسم بخفة، ثم غادر الغرفة بهدوء بعد أن أغلق الباب خلفه.
---
[الصالون الرئيسي - الطابق الأرضي] كان البارون فالديز جالسًا في كرسي ضخم كأنه ينتظر رسم لوحة فنية له، إلى جواره ابنه " إيغن " الذي بدا كنسخة غير مكتملة من والده. جلس أدريان أمامهم بأدب، متصنعًا الاهتمام.
" أوه، سمو الأمير، أنتم محظوظون بقدومكم في توقيت المهرجان! مهرجان حصاد القمح لهذا العام سيكون الأعظم في تاريخنا! لدينا راقصات! نبيذ! تماثيل قمح بالحجم الطبيعي!" قال البارون بفخر وكأنه يعلن عن ولادة ملك زراعي جديد.
"يبدو ممتعًا." رد أدريان بابتسامة دبلوماسية، وهو يُفكر (تماثيل قمح؟ هل هذه هواية أم عقاب؟).
إيغن، الذي لم يتوقف عن التحديق في شعرة واحدة خرجت عن تمركزها في تسريحة أدريان، قال بصوت مرتجف: "وهناك مسابقة لاختيار أجمل رغيف خبز هذا العام! قال والدي إنني سأشارك. لديّ... رغيف خاص."
(هل... هل تكلّم للتو عن الرغيف كأنه سلاح سري؟!) حاول أدريان عدم الضحك، لكنه اكتفى بهزة رأس متفهمة، كما يفعل مع الأطفال.
البارون تابع بحماس أكبر من اللازم: "في اليوم الأخير من المهرجان، نُشعل تمثال القمح العملاق في الساحة، تقليد قديم لطرد الأرواح الشريرة!"
(أو استدعائها، حسب نكهة القمح...) قال أدريان في داخله وهو يحتسي الشاي الرديء.
"هل سيشارك الأمير ليونيل في المهرجان؟ سيكون شرفًا لنا لو شارك في حفل التتويج الرمزي، ولو لبس التاج القمحي!" قال البارون وهو يشير إلى شيء بدا كمكنسة مقلوبة صنعتها جدته العمياء.
أدريان ابتسم بأدب: "سأناقش الأمر معه... لكن كما تعلم، صحته لا تزال هشة." (ورغبته في الحياة أيضًا.)
---
[الطابق العلوي - غرفة ليونيل]
في هذه الأثناء، كان ليونيل قد غاص في نوم عميق. وجهه نصف مدفون في الوسادة، غطاؤه ملفوف كشرنقة حول جسده النحيل، وصوت تنفسه الهادئ ملأ الغرفة.
( أنا فقط أريد أن أنام... وأن أبتعد عن كل هذا الجنون... مهرجان؟ خبز؟ تماثيل؟!)
ظهر إشعار خافت من النظام بجانب سريره:
[تحذير: تم الكشف عن نشاط سحري غريب مرتبط بالقمح في القرية] [يرجى التحقيق خلال ٧٢ ساعة لتجنب نتائج غير متوقعة]
رفع حاجبه وهو نصف نائم، ثم أدار رأسه إلى الجهة الأخرى وتمتم: "اخبز نفسك."
ثم اختفى الإشعار، كأنه شعر بالإهانة.
---
[غرفة ليونيل - الطابق العلوي لقصر البارون]
في عمق السكون الليلي، جلس ليونيل متربعًا فوق سريره، وعلى وجهه نظرة تشي بالقلق أكثر من التعب. ظهر أمامه وميضٌ خافت، أعقبه تجسد مساعد النظام الافتراضي، الذي يحب أن يناديه - على مضض - باسمه الرسمي:
كارِثة .
كان جالسًا على كرسي وهمي قرب نافذة الغرفة، يحتسي كوب قهوة من الهواء وكأنه في مقهى فخم لا يخص هذا العالم. تمدد براحة مبالغ فيها وقال:
" أوه، النشاط السحري؟ نعم، نعم، شيء بسيط... فقط احتمال انفتاح بوابة لعالم الأشواك في وسط الساحة أثناء مهرجان الأطفال البريء. لا تقلق."
ليونيل رمقه بنظرة تشبه تلك التي تُرمى بها بعوضة مزعجة. " قلت لك ألف مرة، لا تعطيني الأخبار وكأنها وصفة طعام. هل يتعلق الأمر بملك الأشواك؟"
كارِثة رفع كوب القهوة الوهمي ببطء. " من يدري؟ أنا مجرد نظام... مع حقوق محدودة ومزاج ممتاز." ثم أضاف وهو يحدق فيه: " لو كنت مكاني، لاستمتعت بالأيام القليلة المتبقية قبل أن يتحول القمح إلى أشواك."
(يسخر مني... هذا النظام يسخر مني!) عضّ ليونيل طرف إصبعه بتوتر، ثم سأل السؤال الذي كان يتردّد في داخله منذ استيقاظه في هذا الجسد: " هل تستطيع أن تخبرني... لماذا كان ليونيل الأصلي يكره أدريان؟ ما الذي حدث بينهما؟"
كارِثة توقّف عن شرب قهوته، وحدّق فيه برهة. " آه، انظر! بقي في فنجاني راسب سحري يُشبه قلبك... غامض، لكن محطم. أراك لاحقًا، أمير الرفض."
ثم اختفى كما ظهر، تاركًا خلفه عبقًا من القهوة الساخرة.
---
[صباح اليوم التالي ] "هيا، استيقظ، لا يمكنك تجاهل الحياة إلى الأبد." جاء صوت أدريان وهو يفتح الستائر، فارتد الضوء كأنه سيف ضد ليونيل.
"أستطيع المحاولة." غمغم ليونيل، وهو يدفن رأسه بالوسادة.
لكن أدريان لم يعطه خيارًا، بل بدأ بمساعدته على النهوض. أمسك به من تحت ذراعيه، وساعده على الجلوس ثم بدأ بتجهيز ملابسه.
" لا تكن دراميًا. لديك مظهر ملكي يجب الحفاظ عليه."
(وهل من الملكي أن يُلبّسك أخوك كأنك طفل؟!) تذمر ليونيل داخليًا، لكنه لم يقاوم كثيرًا، خصوصًا حين ربط له الحذاء بعناية.
---
[الردهة الرئيسية - قصر البارون] كان البارون في انتظارهما كالعادة، وهذه المرة ومعه سلاحه السري: العائلة.
" سمو الأمير ليونيل، دعني أقدم لك جوهرتَي هذا القصر!" قالها بفخر وهو يدفع أمامه ابنتيه، روزالين (١٢ عامًا) وليليانا (١١ عامًا)، تبتسمان بتوتر وكأنهما مجبرتان على التظاهر بالسعادة.
" هيا، ساعدن الأمير الصغير على السير، أمسكن به، لا تكونوا خجولات!" قال البارون، بينما أدريان يكتم ضحكة خفيفة.
(هل يحاول بالفعل بيع بناته في مهرجان القمح؟!)
البنات اقتربن بخجل، لكن ليونيل لوّح بيده في وجههن كمن يطرد أسراب الغربان.
"لا تلمسني. لا أحتاج مساعدة من مزارعات المستقبل." قالها ببرود مميت، وهو يتمسك بكُم أدريان بدلاً منهن.
" لكنهن فقط يرغبن بمساعدتك، سمو الأمير." قال البارون وهو يحاول الحفاظ على ابتسامته. أما زوجته، البارونة، فدخلت على الخط بتنهيدة سريعة: " هل يمكنك أن تفكر بشيء غير تزويج بناتك؟ واحدة منهن ما زالت تلعب بالدمى!"
"وهذا أفضل وقت لتعويدها على السياسة!" ردّ البارون بحماس بينما أدريان يسحب ليونيل بهدوء إلى طاولة الإفطار.
( إن لم يهاجمني ملك الأشواك الأسبوع المقبل، فسأكون ممتنًا لو فعلت إحدى بنات البارون الآن... على الأقل سأرتاح من هذه المسرحية الريفية.)
جلس ليونيل بصمت وبدأ بتناول الطعام، يفكر بملك الأشواك، بتماثيل القمح المشتعلة، وبمصيره الغامض...
لكنه قرر أن يتجاهل كل ذلك الآن.
لأنه، ببساطة...
كان الإفطار يتضمن بيضًا بالسمن، ولحمًا مقددًا، وجبنة مذابة.
ومتى يأتي هذا في الحمية ؟
--- [قاعة الطعام - قصر البارون]
كان كل شيء على الطاولة يُعبّر عن مهرجان الوفرة: خبز ذهبي هشّ، مربى التوت الأسود المصنوع من ثمار الحديقة، قطع جبن مدخن على هيئة سنابل، وحتى الزبدة... على شكل خروف يبتسم.
ليونيل، ببرود أرستقراطي لا يناسب عمره ولا وضعه الجسدي، كان يغمس خبزًا في صفار البيض بتأنٍ مبالغ فيه، كما لو أنه في طقوس ملكية سرية، بينما البنات تنظران إليه بانبهار.
روزالين همست بخجل: "إنه يأكل بصمت تام... مثل بطل رواية شعرية حزينة!"
ليليانا مالت نحوها وقالت بلهفة: "هل تظنين أنه فقد حبيبته في معركة سحرية؟"
(فقدت رغبتي بالعيش، وهذا يكفي.)
لم يُعلّق ليونيل على أي من الحوارات الجانبية، فقط استمر في الأكل، ونظراته الباردة انتقلت من قطعة الخبز... إلى البارون وزوجته.
كانت العلاقة بين البارون دالبرين وزوجته ميلينا مثل خيط مشدود فوق نار. كل منهما يأكل في اتجاه عكسي، ويتحدث مع الهواء بدلًا من الطرف الآخر.
" هل من أحد أعاد ترتيب الملح ؟!" سأل البارون فجأة بنبرة توبيخ.
ردّت ميلينا وهي تقطع اللحم بشراسة: " نعم. الملح وذوق الديكور والقرارات المصيرية لعائلتنا كلها تحتاج ترتيب، أليس كذلك؟"
السكين صرّت على الصحن، والبنات توقفتا عن الكلام.
أدريان، الذي كان يحتسي قهوته بهدوء، التفت لليونيل وهمس: " يبدو أن المهرجان لن يكون الشيء الوحيد المشتعل هذا الأسبوع."
(كم أتمنى أن أتحول إلى بسكوتة الآن... فقط لأختفي.)
حاولت روزالين إعادة الأجواء اللطيفة، فمدّت يدها نحو قطعة خبز بجوار ليونيل، وقالت: "أوه! إنها قريبة جدًا من يدك... هل تمانع إن أخذتها؟"
ليونيل لم يُجب. فقط حرّك الخبز نصف سنتمتر ناحيتها، دون أن ينظر حتى.
ليليانا ابتسمت وقالت : "سموه مهذّب للغاية! هل ترى كيف يُراعي التفاصيل؟"
(أراعي ألا أختنق. وهذا أقصى ما سأراعيه هذا الصباح.)
بعد دقائق من القضم المتوتر، ضرب البارون الطاولة برفق وهو يقول بنبرة رسمية: " حسنًا! بما أننا جميعًا هنا، فلنتحدث عن مهرجان الحصاد!"
أدريان تنهد بصوت خافت، بينما ليونيل رفع حاجبًا واحدًا بتعب.
" سمو الأمير ليونيل، كما تعلم، يُقام حفل رمزي لتتويج أمير القمح كل عام..." قالها البارون بحماس مريب. " ونظرًا لوجودك معنا، فكّرنا أن يكون لك هذا الشرف هذا العام!"
ليونيل توقف عن المضغ، وحدق فيه لعدة ثوانٍ.
"تقصد... أن أضع على رأسي تاجًا من القش... أمام أطفال يحملون فزّاعات؟"
"نعم! وتلوّح لهم بعصا القمح الملكية!" قالها البارون كأنها قمة المجد.
" وسأحمل أيضاً صحن عدسٍ مسحور؟"
"أوه، تلك إضافة رائعة! هل تودّ؟!"
ليونيل استدار نحو أدريان وسأله بنبرة هادئة جداً: "هل أبدو لك كشخص يهتم بمهرجانات تُتوّج فيها نباتات؟"
أدريان ابتسم. " حسنًا... نعم، نوعًا ما. أنت دائمًا صامت وتائه. قد يظنون أنك من عائلة الشمندر الملكي."
(جميل. سأتظاهر بأنني شجرة. لن يُطلب مني التتويج مجددًا.)
" دالبرين، بحق ، دعه وشأنه!" صرخت ميلينا أخيرًا، وهي تضع الفوطة على الطاولة. " كل مرة، تحاول إقحام أطفالنا أو أميرنا الصغير في تقاليد سخيفة! اذهب أنت وتوّج نفسك، ولنزرعك في حقل!"
البارون احمرّ وجهه، لكنه قال بهدوء: " أنا فقط أحاول إشراكه في الأجواء الريفية."
"إنه على وشك أن يشاركنا في طلب اللجوء، إذا لم تتوقف."
ليونيل يهمس لنفسه أدريان:
" إذا أجبرتني على ارتداء تاج سنابل... سأبصق في عصير القمح الملكي."
أدريان حاول كتم ضحكته، ثم قال بهدوء: "اطمئن. سنخبرهم أنك مصاب بتحسس مفرط من القشّ. إنه عذر كلاسيكي نبيل."
بينما كانت الخدم تُزيل الصحون، جلس ليونيل ساكنًا، ينظر من النافذة إلى الحقل الذهبي البعيد، حيث تتحرك السنابل برقة في الريح.
( بوابة لعالم الأشواك... تاج قش... بنات ريفيات... وأخ يربطني بالحذاء.)
ثم تنهد، وبنبرة منخفضة للغاية، همس: "اللطفاء دائماً يريدون أن يعلقوا الأشرار في المهرجانات."
---
[أمام مدخل القصر - بعد الإفطار]
" فكرة ممتازة !" قال البارون وهو يصفق بيديه. "أقترح أن نأخذ سمو الأمير بجولة في القرية! ليشتم هواءنا النقي، ويتذوق خبزنا الساخن، ويرى كيف يصنع الناس العاديون الحياة."
(أفضّل أن أشم الرماد... وأتذوق الغبار.)
ليونيل فتح فمه للاعتراض، لكن أدريان، الذي كان يمسح بقعه البيض عن ثيابه كأنما يتحضر للعرض، قال بحماسٍ كاذب: " فكرة رائعة. جولة صباحية مع الرياح الريفية... هذا ما يحتاجه جسد شقيقي الكسول."
"لستُ كسولاً..." تمتم ليونيل وهو يحدّق في الأرض. (...أنا فقط أُجيد اتخاذ القرارات بعدم بذل مجهود.)
لكن كلامه ذهب في مهب الريح. حرفيًا.
كانت الخيول تُجهّز، والجو مشمسًا بشكل مزعج، والبارون يتحدث مع الخدم عن تفاصيل الجولة، بينما أدريان يسند ليونيل إليه، ويمسك بكلتا يديه الصغيرتين وكأنه يرافق طفلًا إلى مهرجان القرع.
" هل تمسك جيدًا؟" "لا أملك خيارًا." "إجابة صحيحة. نقطة لأخ الكسول."
(لو كنت أملك مانا هجومية... لكنت أحرقت هذه الجولة الآن.)
حين رأى ليونيل الحصان البني الضخم، ذو العضلات التي يمكنها سحق أسطورة، توقف في مكانه.
" هل تتوقع مني أن... أصعد فوق هذا الكائن؟"
أدريان ابتسم كمن يسمع نكتة. " طبعًا لا. سأرفعك عليه أولاً... ثم تموت خوفًا لاحقًا."
وبالفعل، أمسكه من خصره بسهولة، ورفعه كما يُرفع كيس طحين فاخر، ثم ركبه خلفه، وجعل ليونيل يجلس أمامه.
"لماذا أجلس أمامك؟!"
"لأني أثق بك أنت تسقط، لكن لا أثق بالحصان أن يُدير رأسه ويمسكك."
( هل يمكنني أن أتحول الآن إلى حجر؟ أو حتى إلى صرصور؟ أي شيء لا يمتطي خيولًا؟!)
أمسك أدريان باللجام، ثم شدّ ليونيل نحوه أكثر، حتى بات رأس الأخير مدفونًا تقريبًا في صدره. "لا تتحرك. نحن نرتفع."
"نحن نرتفع؟! هل نحن خيل أم منطاد سحري؟!"
"أنت تعاني من قصر في التعبيرات، يا أمير الرفض."
الحصان بدأ السير. ليونيل تجمّد.
ركب البارون حصانه، بكل وقار مفتعل، وتبعه ابنه الأكبر - شاب مراهق يشبه بطاطا طويلة - ثم صعدت البنات للعربة التي قادتها البارونة ببرود ملكة منفية.
" لا أحد يتكلم عن المهرجان ." قالت البارونة ببرود وهي تمسك بالخيوط. " وإلا سأسلم العربة إلى أحد الماعز."
انطلقت العربة.
أما أدريان، فقد ضغط كعبيه على جانبي الحصان، فانطلق بهدوء مدروس، يناسب شخصًا يحمل شقيقه المتيبس.
"هل ما زلت على قيد الحياة؟"
"أنا أمتنع عن الإجابة."
"نبضك؟"
"يشبه رغبة هذا الحصان بالانتحار، بعد أن اكتشف من يحمل."
أدريان ابتسم، ثم قرّب فمه من أذن ليونيل، وهمس بمكر: " أتعلم؟ حين كنا أطفالًا... كنت تخاف حتى من سلحفاة الحديقة. والآن؟ انظر إليك، فارسٌ شجاع على صهوة المجد."
"أنا حرفيًا أُستخدم كوسادة أمامية."
"وسادة ملكية. لا تنسَ لقبك."
" هل تريد أن أُريك كيف تُحيي الفلاحين؟"
"لا أريد أن أحيي أحدًا."
"حسنًا، سنفعلها بطريقتي."
رفع أدريان يده اليمنى ولوّح بها للناس، ثم أمسك بيد ليونيل الأخرى وجعلها تلوّح أيضًا.
"لااااا..."
"ابتسامة، أمير القمح!"
"سأدفنك في حفرة مانا مظلمة بعد هذا."
"أنا أعتبر هذا وعد حبٍّ خاص. شكرًا."
واصل الموكب مسيره نحو القرية، الغبار يتطاير بخفة، وعبق الريف يُخدّر الحواس، باستثناء حواس ليونيل، التي كانت في وضع " الذعر المتوسط".
كان الأطفال يركضون خلف العربة، والنساء يُحيّين من النوافذ، والرجال يرفعون قبعاتهم.
لكن ليونيل لم يكن يرى شيئًا.
لأنه كان يغمض عينيه، ويعد الثواني.
( كم تبقى حتى أعود... وأتمدد... وأختفي للأبد؟)
لكن... كما ستُثبت الدقائق القادمة...
الاختفاء سيكون أمنية بعيدة جدًا.
[منتصف الطريق - على ظهر الحصان]
في البداية، كان الحصان يسير بوتيرة هادئة. صوت الحوافر يُحدث إيقاعًا مملًا يناسب عقل ليونيل المنهك. حتى بدأ يظن أن الأمر لن يكون سيئًا جدًا... لكن تلك كانت خطيئته.
" أمسك جيدًا. " قال أدريان بصوت منخفض، ثم فجأة ضغط بكعبيه، وأطلق الحصان في سباق مفاجئ.
"مـــــاذا تفعل؟!!" صرخ ليونيل وهو يتشبث بذراع أخيه.
الهواء صفع وجهه، الغبار دخل أنفه، وقلبه قفز من مكانه كسمكة خرجت من الماء.
"أدريااااان! توقف، أنا أموت!" "أوه، لا تموت الآن. نحن فقط نُعدّل سرعة الرياح حولك!"
تمسك ليونيل بعنق أخيه، دفن وجهه فيه، وهو يرتجف كقطة مبللة.
"لا أرى شيئًا! أنا أعمى الآن!" "هذا لأنك قررت دفن وجهك بين كتفيّ. قرار محترم، على الأقل لن ترى حين تسقط."
"سأسحب رتبتك العسكرية من ذاكرتي، أقسم بذلك!"
"رتبتي؟ أنا أخوك، ليست لدي رتبة، لدي كامل الحق في تدميرك."
لكن الضحك اختفى من وجه أدريان فجأة، حين شعر بما يشبه وخزًا كهربائيًا خفيفًا في أطراف أصابعه.
الهواء تغيّر.
كان يحمل رائحة رماد... لا تنتمي لهذا الوقت من السنة.
" تمسك بي أكثر ." قال بصوت منخفض هذه المرة.
" لا أحتاج تعليمات، أنا أصلاً مختفٍ تحتك!"
"أصمت، هناك شيء لا يعجبني."
أدريان أبطأ سرعة الحصان فجأة، لكن لم يتوقف. عيناه تجوبان الأفق، ونظراته تبحث في الهواء، بين الأشجار، خلف العربات.
" سحر ؟" سأل ليونيل، بصوت خافت.
" نعم. وهناك نبض غير طبيعي... كأنه يبحث عن هدف."
وقبل أن ينهي أدريان جملته، ظهر شعار شفاف أمام عيني ليونيل:
[ تحذير: تم الكشف عن تفاعل سحري مجهول بالقرب من المستخدم.] [ينصح بالبقاء ساكنًا وتحليل مصدر الخطر... أو الاختباء تحت شيء كبير ووسيم.]
(آه، كارِثة... هذه بصمتك بالتأكيد.)
تجاهل ليونيل الإشعار وهو يمد يده ليخفيه وكأنه يبعد ذبابة. " النظام يقول لي أن أختبئ تحت شيء كبير. أنت مناسب، فأنت كبير ومزعج."
"ما الذي تقرأه الآن؟ أهذه قصة أطفال؟"
"إنها قصتي أنا، مكتوبة بلغة الكوابيس."
(هل يهذي بسبب الخوف )
أدريان شدّ ذراعه حول خصر ليونيل ليُثبّته أكثر، وقاد الحصان نحو الممر الجانبي، متفاديًا الطريق المفتوح.
"لا تُظهر ذعرك."
"ماذا؟ أنا أُظهر ذعري بشكل فني!"
"نحتاج إلى مكان عالٍ نرصد منه ما يجري."
"أنا على ظهر حصان يعدو! هذا مرتفع كفاية."
لكن أدريان لم يستجب، عينيه كانت تحدّقان في الشجيرات على الجانب الأيسر.
وهناك... لمح وميضًا بنفسجيًا خاطفًا.
بين الأشجار، ظهر طفل. أو ما بدا كطفل، يقف بثبات غريب، وعيناه تشعّان بلون داكن. ثم اختفى فجأة كما ظهر.
" رأيته ." قال ليونيل بصوت مشوش. " رأيته أيضً ا." تمتم أدريان.
" هل هو أحد أولئك الذين يزرعون الأشواك؟"
أدريان لم يجب فورًا. لكنه ضغط الحصان نحو أعلى التل، بينما كانت العربات تواصل طريقها دون ملاحظة شيء.
"أخبرني بما تشعر."
"أنا أشعر بأني سأُقذف من فوق هذا الحصان."
"غير ذلك."
"حسنًا... الهواء ثقيل. صدري يؤلمني. وأنا... متوتر جدًا. وكأن شيئًا سيظهر فجأة."
أدريان أغلق عينيه للحظة، شعر بالسحر مجددًا، هذه المرة أقوى.
ثم قال: "لا تخف، مهما حدث، أنت آمن طالما أنا معك."
ليونيل رمقه بنظرة جانبية. ( كلام جميل... لكنه غير مقنع حين نكون فوق كائن بقدمين.)
"أدريان..."
"نعم؟" "إن مت الآن، أرجوك... لا تدع أحدًا يكتب على قبري أني مت بسبب ركوب الخيل."
"موافق، سأكتب: قتله الحصان... لكن عناقي كان دافئًا."
"مجرم."
"انت أخي."
ثم فجأة... في قلب السكون المترقب... انفجر الهواء بصوت خافت... كأن الأرض تنشق.
وظهر خط أسود متشقق على جانب التل.
السحر لم يكن يبحث عن ضحية.
كان يبحث عن بوابة.
وسط الهدوء المشوب بالقلق، لحق البارون دالبرين بهما على حصانه، حاجباه معقودان ووجهه متوتر.
" سموك !" نادى وهو يقترب، " ما سبب هذه السرعة المفاجئة؟ ظننت أن الحصان جُنّ!"
أدريان رمقه بنظرة سريعة، ثم ابتسم ابتسامة مصطنعة، مائلة للمكر.
" أوه، لا شيء. أخي الصغير طلب أن يشعر بالإثارة. فلبّيت له أمنيته."
ليونيل كان قد بدأ يهدأ، لكنه ما زال يلتقط أنفاسه، ويداه ترتجفان بخفة. عيناه نصف مغمضتين، وكأن جسده يحاول أن يقرر إن كان يريد الانهيار أو النوم.
أدريان لاحظ ذلك فورًا. وبهدوء، خلع ردائه الملكي الفاخر، ولفه حول كتفي ليونيل بثبات.
" إنه مرهق." قالها بلهجة فيها بعض الحدة، " سنعود إلى القصر. يبدو أن الجولة انتهت."
"آه... بالطبع، بالطبع." قال البارون بتوتر ظاهر، عيناه تنتقلان من أدريان إلى ليونيل بسرعة غير طبيعية، قبل أن يستدير ويضغط بكعبيه على حصانه لينطلق عائدًا للقصر دون كلمة أخرى.
أدريان تابعه بنظرة باردة.
( غريب. لماذا بدا متوترًا هكذا؟ هل يخشى أن نلاحظ شيئًا مقل خيانته للبارونه؟)
لكن صوت أنفاس ليونيل الهادئة أعاده للواقع.
نظر إلى أخيه، فوجده قد غفا وهو يتشبث بردائه. وجهه ناعم... كطفل يهرب من كابوس، فقط ليجد حضنًا يطمئنه.
أدريان شدّ ذراعه حوله أكثر، وسار بالحصان بهدوء شديد، متفاديًا أي حركة قد توقظ النائم.
ثم همس: "كنت سأضحك عليك اليوم... فقط لأسمع صوتك غاضبًا."
انحنى ببطء، وقبّل جبين ليونيل، ثم دفن وجهه في شعره الذي عبق برائحة بسيطة تشبه العسل المحروق والمانا النقية.
"اشتقت إليك، أيها الغبي الصغير..."
وواصل السير، ببطء، كمن يحمل كنزًا لا يُقدّر بثمن.
---
[مدخل قصر البارون - بعد عودة دالبرين]
البوابات فُتحت على عجل، واندفع البارون دالبرين إلى الداخل كأن الشياطين تلاحقه. لم ينتظر استفسارات الخدم، بل مدّ يده إلى جيبه السري وسحب منه عدّة كرات صغيرة زجاجية متوهجة بالأخضر الخافت.
" التمويه أولاً ..." تمتم لنفسه، وهو يزرع الكرات واحدة تلو الأخرى حول أطراف القصر، بين الشجيرات، خلف الأعمدة، وتحت سلالم الحديقة الخلفية.
حين انتهى، مسح العرق عن جبينه، ونظر للسماء الرمادية وهمس: "لن يلاحظوا شيئًا... خصوصًا ذلك الأمير."
[بوابة القصر - وصول أدريان]
ببطء، عبر أدريان البوابة، لا يزال يحتضن ليونيل النائم، رغم ثقل جسده وحرارته المتزايدة.
ما إن دخل الفناء، حتى توقفت أنفاسه لوهلة.
(رائحة... سحر؟ ليست من النوع المعتاد.)
أنفه لم يخطئ قط. عبقٌ خافت، كالطحالب المحروقة، لا تليق إلا بتعويذات الإخفاء أو الطمس. لكنه لم ينبس بكلمة، فقط ضيّق عينيه... وصمت.
(سنتحدث لاحقًا، أيها البارون الماكر.)
[غرفة ضيوف الطابق العلوي - جناح ليونيل]
أدريان دخل الغرفة المخصصة لأخيه، بهدوء يحاكي وقع المطر، ووضعه برفق على السرير الكبير.
وجه ليونيل كان شاحبًا، وجسده يرتجف بخفة تحت الغطاء. أدريان لمس جبينه، فشعر بحرارة مرتفعة لا تُبشر بخير.
" اللعنة ..." همس، وهو يفتح سترته ويبحث في الجيب الداخلي.
من بين عدة رسائل وأوراق، أخرج صندوقًا معدنيًا صغيرًا. فتحه بسرعة، ليكشف عن قارورة بلورية وسرنجة فضية أنيقة.
(قال لي والدي إن جسد ليونيل حساس للمانا الزائدة... لكنه لم يذكر أن الحرارة ترتفع بهذه السرعة.)
ملأ السرنجة من القارورة بعناية، وجلس على حافة السرير.
"آسف، ليوني، هذا سيؤلم قليلًا."
بذراع واحدة، ثبّت ليونيل المرتجف، وبالأخرى قرّب السرنجة لفمه ومرّر السائل ببطء داخل فمه المغلق جزئيًا.
"ابتلع... جيد، أحسنت."
مرّر يده على شعره بلطف، ثم بقي جالسًا هناك، يراقب تنفسه.
ثم نظر نحو النافذة المفتوحة، حيث النسيم الليلي يعبث بالستائر.
(والبارون ليس مجرد نبيل ريفي لطيف.)
--- [غرفة ليونيل – جناح الضيوف – منتصف الليل]
تراجع أدريان خطوة إلى الوراء بعد أن تأكد من أن أنفاس ليونيل بدأت تستقر، وحرارته تهبط تدريجيًا. ترك على جبينه قبلة خفيفة، ونهض وهو يعدل ياقة قميصه.
(هذا الشعور... ليس فقط حرارة مانا زائدة. هناك شيء غريب جدًا.)
سحرٌ خافت كان يتسلل إلى أطراف الغرفة، كما لو أن الجدران نفسها تتنفسه. أدريان لم يكن ساحرًا عاديًا، بل من مرتبة الأركام العليا، وكان جسده يتحسس الموجات السحرية كأنها صوت.
همس لنفسه وهو يتجه نحو الباب: " هذا ليس سحر تمويه عادي… بل طمس آثار مانا عالية التردد."
[ممرات القصر – نزولًا نحو القبو]
مشى بخفة خطوات محارب، متفاديًا الخدم الذين بدأوا يغفون في زوايا الممرات. في يده، تجمعت مانا خفيفة، مستعدًا لأي مفاجأة.
الممر المؤدي إلى القبو الخلفي كان مغلقًا بسلسلة سحرية، لكنها ترددت لحظة قبل أن تسمح له بالمرور. أشارت له بخضوع. هذا وحده كان كافيًا ليوقظ القلق في صدره.
(من أغلق هذا القبو بسحر من العهد القديم؟)
[قبو القصر – الغرفة الأخيرة]
الهواء تغير. كان أثقل، كأنه مشبع برائحة دماء جافة وأشواك محترقة. وقف أدريان أمام باب حجري، وخلفه شعر بوجود شيء… شيء حي، ومخيف.
فتح الباب ببطء.
المنظر الذي رآه جمد الدم في عروقه.
رجل طويل، مغطى بأشواك سوداء تمتد كأنها فروع شجرة ميتة من ظهره، يقف وسط دائرة سحرية مظلمة. وجهه نصفه قناع من العظام، ونصفه الآخر يبتسم.
" أهلاً... أميري. جئت متأخرًا."
كان ملك الأشواك، بعينه السوداء التي تحاكي هوة لا قرار لها.
أدريان رفع يده فورًا، يحاول تفعيل حاجز مانا، لكن لم يكن هناك وقت.
ضربة قوية ومفاجئة هوت على رأسه من الخلف.
سقط على ركبتيه، وكل ما رآه كان ظل البارون دالبرين، يحمل عصًا مغطاة بتعاويذ قمع المانا.
" معذرة، يا صاحب السمو..." قالها البارون بصوت بارد، ثم ضربه مرة أخرى.
استفاق أدريان بعد وقت لا يستطيع تحديده، ليجد نفسه مقيّدًا بسلاسل من الفولاذ المغمور بمانا داكنة. الجدران من حجر مُخمّد للمانا، والهواء متجمد.
أمامه، وقف البارون.
" أنت سريع البديهة، يا أمير... لكنك جئت في وقت غير مناسب."
أدريان لم يتحدث. عيناه فقط تومضان بنار الغضب.
دخل ملك الأشواك الغرفة، خطواته لا تُصدر صوتًا، لكنه ملأ المكان برعب لا يُحتمل.
" أشعر بشيء مألوف فيك..." قال وهو يقترب من أدريان، يمرر إصبعه على وجنته.
" كأنك تحمل أثر سحر مفقود... ؟"
البارون تدخل بسرعة: "لا تقتله، لقد وعدتني! الأمير لن يعيقنا إن تمكنا من كسر الختم في مهرجان القمح."
أدريان تمتم، وهو يتنفس بصعوبة: "لن… تنجحوا… أيها القذرون."
ملك الأشواك ابتسم.
"ومن قال إننا نريد قتله؟"
ثم اقترب أكثر، وهمس في أذنه:
"نريده أن يفتح البوابة… بنفسه."