49 - الشرير الفاشل... ينقذ عدو المستقبل؟!

[ أطراف العاصمة الإمبراطورية – فجراً، السماء رمادية والهواء مشبع بالضباب]

صوت خطوات هادئة على أرضٍ حجرية ناعمة… وصوت تنفّس دافئ.

كان فاين، الذئب المجلد، يسير بهدوء وسط الأزقة الخالية، يحمل على ظهره ليونيل كريستين، الذي بدا شاحبًا ومتجهمًا، يغرق في أفكاره الكثيفة كما يغرق وجهه في فرو فاين.

(أنا أحمق.)

هذا كان أول ما فكّر فيه، وكررها مرة أخرى في ذهنه بصوت داخلي أكثر سخرية:

(أنا، لا أستطيع حتى السير على قدميّ… بالكاد أتنفّس دون أن يتشنج صدري… ثم فجأة، أقرر—وسط الليل—أن أذهب وأُنقذ "أحد الأبطال".)

(الذي بالمناسبة، سيصبح عدوي لاحقًا. لأنه، يا للعجب… أنا "الشرير الثانوي" في هذه الرواية.)

ارتجفت عينه قليلًا وهو يتذكّر الكابوس الذي أيقظه:

[الفراغ – أضواء حمراء – خطوات دم – ضحكة الراهب الأحمر.]

ثم…

[الزنزانة – والصبي المقيّد داخلها، ذو الملامح الغامضة – لم يرَ وجهه جيدًا.]

(ذلك الصبي… شيء ما في ملامحه كان مألوفًا. كنت أظن أنه مجرد هلوسة، لكن… كل شيء في نظامي المزعج يشير إلى أن تلك الرؤية مرتبطة بالمهمة.)

(وسوق العبيد… في الجزء الأول من الرواية، نعم، أتذكّر. كان هناك فصل دموي، حدث في إمبراطورية . وكان السوق في الضواحي الغربية من العاصمة…)

رفع رأسه بصعوبة، يهمس:

"فاين… انعطف يسارًا. هناك طريق مختصر."

فاين لم يعلّق، فقط حوّل اتجاهه بسلاسة، وقد اعتاد تنفيذ الأوامر دون جدال، وهو يلاحظ بقلق أن نفس ليونيل بدأ يضطرب من التعب.

ظهر أمام ليونيل لوحة النظام، ظهرت أمامه بأطراف ضوء ذهبي خافت:

---

[الاسم]: ليونيل كريستين

[اللقب]: الأمير الرابع - الشرير الفاشل

[العمر]: 13 سنوات

[التصنيف]: عابر + شرير

[المستوى]: 5

[الحالة الجسدية]: ضعيف - يحتاج إلى علاج مكثف

[الحالة النفسية]: غاضب - مشوش

[الإحصائيات]:

القوة: 3/100

السرعة: 2/100

الذكاء: 90/100

التحمل: 4/100

السيطرة السحرية: 0/100

---

[المهارات]:

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ (مقفل)

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ (مقفل)

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ (مقفل)

"ثلاث مهارات مقفلة، مانا ميتة، قلب مختم… وبطل رئيسي في خطر…"

(حقًا، أنا أفضل مرشّح لإنقاذ أحد.)

أغلق النافذة، ثم زفر. الهواء خرج من رئتيه وكأنه يحمل جزءًا من غضبه.

(لكني أعرف ما الذي ينتظر هذا الصبي لو لم أتدخل… رأيت السوق في الرواية، والدماء، و…)

(و… بصراحة؟ أنا فضولي.)

توقف فاين فجأة، وهمس:

"ها قد وصلنا."

[ أحد الأحياء الفقيرة – إمبراطورية ألثيما – خلف السوق المركزي]

كانت البنايات ضيقة متكدسة، والهواء رطبًا مع رائحة طين وأرواح مكسورة.

هناك… بين بعض البيوت القديمة، كان ممرٌ سريّ يقود إلى سوق غير رسمي.

سوق العبيد.

نظر ليونيل إلى المكان، وشد قبضته—أو حاول، ثم تذكّر أن عضلاته لا تسمح حتى بذلك.

(كل هذا… ليس ضمن خطتي. لكنني قررت...)

(حتى لو كنتُ شريرًا، حتى لو مت لاحقًا… سأغيّر شيئًا على طريقتي.)

"فاين، إلى الداخل. وابقَ مستعدًا للهجوم."

فاين أطلق صوتًا خافتًا. ثم تقدّما معًا، داخل الضباب،

نحو أول نقطة تغير… في مجرى الرواية.

---

[الممر السفلي – سوق العبيد السري – الضواحي الغربية لإمبراطورية اورنث]

خطا فاين بحذرٍ داخل الفتحة المظلمة، بينما جلس ليونيل على ظهره، يداه ترتجفان قليلاً بسبب الضغط البارد والروائح الكثيفة التي لفحت وجهه.

الممر السفلي كان أوسع مما تخيّله… سقفٌ مقوس من الحجارة السوداء، تتدلّى منه مشاعل باردة بلون أزرق باهت، تبث ضوءًا شاحبًا جعل كل شيء يبدو كأنه حلم سيئ متعفّن.

على جانبي الممر، امتدت عشرات الزنزانات المعدنية المتصلة بالجدران. بعضها احتوى بشرًا منهكين، آخرون كانوا مخلوقات هجينة، أنصاف بشر، أو مسوخ… عيونهم خاوية، وبعضهم همس بكلمات غير مفهومة.

ورائحة الدم، والعفن، والسحر الرديء… كانت خانقة.

---

"…أوه لا."

تمتم ليونيل، ووضع يده على فمه، لكن كان الأوان قد فات.

تقيأ.

على جانب الطريق الحجري.

فاين نظر إليه بقلق، صوته عميق ومكتوم:

"كان علينا الخروج فورًا."

لكن ليونيل، كعادته، لم يُظهر أي ضعف… بالكلمات.

"اصمت، كرة الفرو. هذا طبيعي. أنا فقط… لا أحب الزنزانة رقم خمسة، تذكرني بالمدرسة."

"أنت تتقيأ."

"قلت اصمت."

---

استقام قليلاً، يمسح فمه بكم سترته الفاخرة، ويتنهد.

(كريه… تمامًا كما أتذكره من الرواية. السوق لم يتغيّر. فقط أنا مَن صار أضعف.)

(هل أنا أحمق؟ على الأرجح. هل سأتراجع؟ لا.)

واصل السير مع فاين الذي بدأ يزمجر قليلًا حين مرّا بجانب مخلوق أسود العينين، تفوح منه رائحة تعويذة لعينة.

وبعد بضع دقائق…

[نهاية الممر – باب كبير من الحديد – ضوء ساطع يتسرّب من تحته.]

---

"هذا هو."

همس ليونيل، وصدره لا يزال يشعر بضيق، لكن عيناه مليئتان باليقظة.

فتح الباب… وصوت الأجراس ارتفع ببطء.

دخل القاعة… ووجد نفسه داخل:

"قاعة مزاد العبيد."

---

المكان كان مشيدًا على طراز المسارح القديمة، بدرجات حجرية تتسع لمئات من الزبائن، بينما تتوسطها منصة مرتفعة مضاءة، يُعرض عليها العبيد واحدًا تلو الآخر.

في الزوايا، رجال ملثمون يجلسون بهدوء، وبعضهم يحمل مذكرات، وآخرون عصي سحرية لردع أي محاولة تمرّد.

كان الجو مزيجًا من الرسميّة الباردة والقسوة غير المعلنة.

---

نظر بعض الحاضرين إلى ليونيل الذي دخل محمولًا على ظهر ذئب.

وهمس أحدهم للآخر:

"طفل؟ هنا؟"

لكن قبل أن يتكاثر الفضول، انكمش فاين فجأة إلى حجمه الصغير، وهبط على ساق ليونيل كجرو ثلجي لطيف.

جلس ليونيل بتأنٍ في المقعد الخلفي، وتنهّد:

"جيد يا فاين. الآن أنت رسمياً... وسادتي."

"..." (سأنتقم لاحقًا.)

---

نظر إلى الأمام، حيث بدأ المزاد يعرض مجموعة من العبيد:

– قزم مائي.

– متحول عظام.

– صبي صغير بعين واحدة.

– مُغني كريستالي من جزر الضباب.

لكن…

لم يكن أياً منهم هو الشخص الذي رآه في كابوسه.

---

(أين هو…؟ من منكم هو "البطل"؟)

(أعرف أنني قريب. النظام لا يعطيني مهمات إلا إذا كان المستهدف على بُعد مئة متر.)

---

ثم…

صعد أحد الحرّاس على المنصة، وصفق ثلاث مرات.

"والآن… نأتي إلى السلعة الأندر الليلة."

---

خرج صبي مقيّد بالسلاسل، يداه مجروحتان، رأسه منكس، شعره بني غامق، وجسده مليء بالكدمات.

عيناه بدتا شبه مغمضتين، لكن شيئًا فيه جعل ليونيل يتجمّد.

(هو.)

---

بدأت دقات قلبه ترتفع.

لكن وجهه ظل بلا تعبير.

رفع يده بهدوء، وهمس:

"فاين. استعد."

"ماذا ستفعل؟"

"أنقذ عدوي المستقبلي، طبعًا."

(وأعقد الأمور أكثر… على طريقتي.)

[سوق العبيد – داخل قاعة المزاد – وسط الهدوء المتوتر]

كان ليونيل جالسًا في مقعده الخلفي، ساعداه ممدودان على ظهر المقعد كأنه في عرضٍ مسرحيّ… بينما يحدق بلا رمشةٍ في الصبي المقيّد على المنصة.

ذلك الصبي، رغم النحول والكدمات، رغم نظرة اللاوعي المعلقة بعينيه…

كان من المستحيل أن يخطئ ليونيل هويته.

"ألكسندر داركويل"

(سيف الإمبراطورية… البطل الأحمق الذي دمر كل شيء لاحقًا.)

---

تذكّر ليونيل وصفه في الرواية:

> "كان طويلًا، مهيبًا، يلبس درعًا ذهبيًا يعكس الشمس، ويمشي وكأن جميع يخضع له. كان سيفه يقطّع الحجر، وصوته يوقظ الممالك. وفي النهاية؟."

لكن ما رآه الآن لم يكن ذلك الرجل.

بل طفلًا.

نحيلًا، منهكًا، يحمل الألم في عموده الفقري كما لو كان وُلد به.

(هل هذا أنت؟)

(كيف تحوّلت من هذا… إلى ذلك الوحش الذي مزّقني في نهاية كابوسي؟)

أخفض ليونيل بصره، وتمتم لنفسه:

"سأفكر بطريقة… لكن يجب أن لا ألفت الانتباه. إذا عرف أحد من أنا، سيفسد كل شيء."

---

همس لفين الذي استقر بجانبه على شكل جرو:

"عندما أرفع إصبعي… افعل الفوضى."

"..." (أنا لا أصدّق أني أقبل بهذا، لكنني سأفعل.)

---

[القصر – جناح الضيوف – بعد شروق الشمس]

في تلك الأثناء، كان الإمبراطور إدوارد يقف عند النافذة، كتفاه مشدودتان، وسيجار غير مشتعل بين أصابعه.

أدار عينيه ببطء، ونظر إلى الغرفة.

"أين ليونيل؟"

سكت الجميع.

---

اقترب اليوت، يضع كتابًا كان يقرؤه على الطاولة.

"ألم يكن معك بالأمس؟"

"كان. ثم نام… أو تظاهر بذلك."

مدّ يده وتحسس المكان الفارغ الذي تركه ليونيل في وسادته قبل الهرب.

"وهذا الذئب المزعج… أيضًا اختفى."

تنهّد ثم التفت فجأة نحو اليوت:

"فتّش أطراف القصر، ثم افتح البوابات السحرية القريبة. هو لم يذهب بعيدًا… جسده بالكاد يتحمّل. وإن فعل؟ فسأعلّق علاجًا فيزيائيًا من السقف عقابًا له."

"هذا تهديد بالتعذيب."

"ليس تهديدًا. وعد."

كان الإمبراطور أورنث قد دخل الغرفة لتوّه، يراقب الموقف دون تعليق، حتى رفع حاجبه وسأل بهدوءٍ ساخر:

"ابنك كثير الحركة."

ردّ إدوارد دون أن ينظر إليه:

"ومشاكل."

"أهذا ما تسميه؟ قبل عام، سيفك تسبّب بانهيار بوابة جنوب أورنث… والآن ابنك يتسلل من جناح محصّن."

"على الأقل لا يعبث بجدرانك مثلك في شبابك."

في الزاوية، جلس الكونت لوكروفت على كرسي خشبي، رأسه منخفض، وعيناه تحاولان ألا تلتقيا بعيني الإمبراطور.

كان لا يزال يشعر بالخجل من الليلة الماضية… من حمّامه، ووجهه المكشوف، وضعفه الذي ظنه مات قبل سنين.

لكن ما جعل خده يرتجف، لم يكن وجه إدوارد… بل صوته حين قال:

"ما زلت تهرب. حتى الآن."

فشد لوكروفت قبضته على طرف الرداء الأسود المغطى للقفاز، ولم يرد.

[عودة إلى المزاد – لحظة التوتر]

عاد ليونيل لواقعه، حين بدأت العروض تنهال على الطفل.

"ثلاثين قطعة ذهبية!"

"خمسون!"

"ثمانون!"

(توقفوا، هذا ليس مزاد فواكه.)

نظر إلى فاين، أشار بإصبعه…

"الآن."

وفجأة…

صرخ أحد الحراس.

كان أحد أعمدة الإضاءة قد انهار على جزء من المنصة، وسحابة غبار انطلقت وسط الارتباك.

فاين، في لحظة، تحوّل إلى ذئب كبير وسط الصدمة.

صرخ الجمهور، تراجع الحراس، صُرف الانتباه عن كل شيء.

وفي تلك اللحظة…

تحرّك ليونيل.

رغم ألمه، رغم ضعف قدميه…

زحف حتى وصل جانب المنصة، ومدّ يده إلى ألكسندر داركويل، الذي كان لا يزال مذهولًا.

"إن كنت تستطيع المشي، افعل. وإن لم تستطع… فأنت أثقل مما تبدو عليه، وسأرميك."

رفع الصبي رأسه بصعوبة، وعيناه اللامعتان وقعتا على وجه ليونيل… قبل أن يُغشى عليه تمامًا.

"…رائع."

(توقّعت بطلًا، حصلت على بطاطا نائمة.)

وبينما حمله فاين على ظهره، صعد ليونيل ببطء وهو يعرج، وأمر:

"البوابة، فاين. إلى الشمال."

خلفهم، كانت الفوضى لا تزال مشتعلة.

وأمامهم… مصير رواية يتغيّر.

[ قاعة مزاد العبيد – وسط السوق السري – إمبراطورية أورنث]

في لحظة واحدة… انقلب المكان إلى فوضى عارمة.

النبلاء الذين كانوا يجلسون بأناقة فوق مقاعدهم المخملية الفاخرة، صاروا يتدافعون هربًا، أصوات صراخهم المذعورة تغطي نداءات الحراس الذين اندفعوا من كل اتجاه.

السحرة الرسميون المكلّفون بحماية المزاد ارتدوا أقنعتهم ورفعوا عصيهم، والرموز السحرية بدأت تتوهّج حولهم.

– "من هذا الطفل؟!"

– "أوقفوا الذئب فورًا!"

– "أين الحاجز السحري؟!"

كان ليونيل يقف وسط هذا الجنون، منحنيًا قليلًا، يحمل ألكسندر داركويل الذي غاب عن الوعي. وجهه متعرّق، جسده مائل للارتجاف، والصداع اللعين عاد يطرق عقله كطبول حرب.

(يا مؤلف الرواية… ماذا أفعل؟!)

(أنا لا أستطيع القتال… بالكاد أمشي… وهذا الفتى ثقيل كاللعنة!)

فاين، الذي استعاد حجمه الكامل، كان يقف أمام ليونيل، زمجرته تهز القاعة، وفراؤه الأبيض يتوهّج بهالة ثلجية.

أول ساحر تقدّم… ورمى تعويذة نارية مباشرة نحوهما.

لكن فاين رفع مخالبه، وشقّ التعاويذ في الهواء ببرود، ثم اندفع.

أنيابه اصطدمت بعصا سحرية، وصرخة أحد الحراس ملأت القاعة.

أحد الحراس اقترب من جانب ليونيل، محاولًا خطف الصبي من ذراعيه، لكن ليونيل أدار جسده ببطء، وحدّق فيه بعينين نصف نائمتين:

"إذا اقتربت أكثر، سأستفرغ على حذائك."

تجمّد الحارس، مرتبكًا للحظة… قبل أن تصطدم به ذيل فاين بقوة وتطير خوذته.

لكن سحرة المزاد لم يكونوا مبتدئين.

رفعوا أيديهم في حركة جماعية، وهتفوا:

"قيد العظام!"

تعويذة عتيقة انطلقت من خمس عصي… وسلاسل سوداء خرجت من الأرض، متجهة نحو ليونيل!

(لا لا لا—)

لكن شيئًا لم يتوقّع حدوثه… حصل.

فور اقتراب السلاسل منه، انفجرت واحدة منها قبل أن تلمسه.

أصدر جسد ليونيل ذبذبة خفيفة، كأن شيئًا داخله رفض القيد.

توقف السحرة لحظة، مرتبكين.

– "المجال حوله… فيه اضطراب مانا؟"

– "هو لا يستخدم سحرًا… فكيف؟!"

أما ليونيل، فرفع حاجبًا ساخراً، ثم قال بصوت مبحوح:

"معلومة سريّة… أنا مزعج طبيعيًا. ما دخل المانا؟"

(أو ربما… ما فعله نوكس قبل أن أستيقظ بدأ يغيّر شيئًا بداخلي؟!)

لكن التفكير لم يكن ترفًا متاحًا.

الطريق إلى الباب السحري انغلق، والجدران اهتزت مع تفعيل تعاويذ الطوارئ.

أحد السحرة صرخ:

"نفعّل ختم الإغلاق! لا أحد يخرج!"

فاين اقترب من ليونيل، جسده يحمل آثار تعاويذ حارقة، لكن عينيه كانتا متوهجتين.

"اركب. الآن."

"أنا أحملك ثقيل، أليس كذلك؟" قالها ليونيل وهو يجر ألكسندر لظهر فاين.

"لا وقت للتذمر."

"…اسمي ليونيل، وأنا أعيش لأتذمر."

ركب ظهر فاين بصعوبة، وألكسندر مربوط أمامه بحبل سحري بسيط.

ثم همس ليونيل:

"اركلهم، كرة الفرو."

وفي لحظة…

انفجرت الأرض تحت أقدامهم.

فاين فتح فمه وأطلق زمجرة جليدية، وتجمّدت الأرضية تحت الحراس، تعثّر كثير منهم، والبعض انزلقوا إلى الأعمدة.

اخترق فاين الطريق الأمامي، قافزًا من فوق منصة المزاد، ومندفعًا نحو الجدار الغربي حيث كانت البوابة الاحتياطية.

لكن ثلاثة سحرة اعترضوا طريقه.

رفع ليونيل إصبعه المرتجف، وحاول جمع تركيزه…

"تعويذة… صغيرة… انفجار يدوي."

لم يحدث شيء.

"تبًا."

لكن…

من قلب صدره، ومكان الختم السحري القديم… ارتجف الهواء.

وانفجرت شرارة صغيرة في الهواء أمام أحد السحرة.

كافية لجعلهم يتراجعون للحظة.

وكافية لأن يكسر فاين الجدار بقفزة ضخمة، ويخترق السقف الخشبي للقاعة.

[السطح – السوق – ]

صعدوا إلى الأعلى، والهواء البارد ضرب وجوههم، والثلوج تساقطت بهدوء، على عكس الفوضى التي تركوها.

ليونيل، نصف واعٍ، يلتقط أنفاسه.

"نجونا؟"

فاين ينظر خلفه، يزأر مرّة أخيرة، ثم ينطلق إلى الشوارع الخلفية.

"نجونا."

---

[في نفس الوقت – القصر – جناح الإمبراطور]

فتح إدوارد الباب بعنف، وجهه متجهّم.

"ما زال غائبًا."

اليوت عاد من البوابة، يلهث.

"اختفى أثره. لا أحد يعرف كيف خرج."

"هو معه بوابة شخصية…" تمتم إدوارد.

ثم نظر إلى لوكروفت.

"لدينا مشكلة."

---

[خارج السوق – خلف مشفى – ]

كان فاين يتراجع بصمت بعد أن أنزل ألكسندر برفق أمام بوابة المشفى، وقد لفه ليونيل بمعطفٍ ثقيل سرقه من أحد النبلاء الفارين في المزاد.

"لا أصدق… أنني فعلت ذلك."

نظر ليونيل نحو ألكسندر، ثم تنهد.

"رجل المستقبل الذي مزقني نصفين… أنا أنقذته الآن، وسأُطرد من تصنيف الأشرار بسبب هذا."

ثم أدار رأسه ناحية السوق المحترق خلفه… والذكريات عادت كصفعة باردة.

الممرات الجانبية، الزنازين، الروائح التي تخترق الرئة وتخنق القلب.

أغمض عينيه.

(كل هؤلاء… تركتهم في الأسفل.)

(تركتهم لأنني لست البطل… أنا مجرد شرير، أليس كذلك؟)

لكن قلبه — ذلك الذي يفترض أنه فاسد وخالٍ من الشفقة — لم يكن صامتًا.

"مَن قال إنني لطيف؟… أنا فقط مريض ضمير!"

"فاين."

رفع فاين رأسه فورًا.

"عد."

"ماذا؟"

"إلى السوق… إلى الممر السفلي. هناك… أُناس ما زالوا هناك."

"…ستمرض أكثر من الرائحة."

"أنا بالفعل مريض. ما الفرق؟"

[السوق – ممرات الزنازين – بعد لحظات]

دخل الاثنان مجددًا عبر بوابة خلفية، وبدت المذبحة السحرية التي خلفوها لا تزال تشتعل شراراتها في بعض الزوايا.

لكن ليونيل لم يلتفت.

بل كان يضغط على أنفه، يتنفس ببطء، ويمشي بثقل كأن كل خطوة تمزّق عضلة من جسده.

"كريه… كريه جدًا… من المسؤول عن تهوية المكان؟ سأقاضيه."

---

رأى الزنازين… وكل زنزانة كانت مأساة صغيرة.

أطفال… رجال مسنون… مخلوقات بعيون دامعة… أجساد مرمية… أنفاس متقطعة.

دماء.

صمت.

"فاين."

"نعم."

"افتحها كلها."

فاين لم يناقش، لم يرد.

ركض كمذؤوب متوحش عبر الممر، وبدأ يضرب الأقفال بمخالبه.

زنزانة تلو الأخرى، انفتحت.

الصرخات خرجت، الأرجل المكسورة زحفت، الأعين المترددة بحثت عن الضوء.

في نهاية الممر، وقف أحد سحرة المزاد.

"توقف—"

لكن ليونيل، رغم تعبه، رغم غثيانه، رغم ضعفه…

رفع يده بتلقائية، وهو يتمتم:

"تَـراكَس… إيليوم فِرّا!"

تعويذة سحرية مألوفة… كلمات سمعها من شقيقه أدريان مرات عديدة.

شعره وقف، الهواء تردد حوله، وحين نطق آخر مقطع…

انفجر الساحر أمامه.

صمت.

دماء متناثرة.

جدار مغطى بالسواد.

فاين تجمّد.

العبيد توقّفوا.

ليونيل… دفن وجهه في فراء فاين مباشرة.

"لم أقصد… كان من المفترض أن يدوّخ فقط… لم أكن أريد أن أحوّله إلى بخار!"

(أدريان، ما نوع السحر الذي تستخدمه؟!)

فجأة، من خلف الزاوية، نظرة صغيرة ارتفعت نحوه.

عينان زرقاوان كحافة البحر.

قزم مائي، لم يتجاوز طوله مترًا واحدًا، يحدّق فيه وكأنه يحفظ كل تفاصيل وجهه للذكرى.

ليونيل التقت عينه بعينه…

لكن القزم لم يتكلم، فقط ركض مع بقية العبيد إلى المخرج الخلفي.

(أرجو ألا يكون سيكتب كتابًا عنّي لاحقًا.)

[خارج السوق – بعد دقائق – على مشارف المدينة]

بوابة سحرية انفتحت بعنف.

الفرسان الإمبراطوريون اندفعوا منها بخيولهم المسحورة، وعلى رأسهم…

الأمير اليوت.

شعره الطويل يتطاير، ووجهه يحمل خليطًا من الغضب والانبهار.

"تقرير مزاد العبيد وصل للتو! أحدهم دمّر جزءًا من السوق، وأطلق العبيد، وقتل ساحرًا بارزًا!"

ركض نحو السوق، وصاح بأمر سريع:

"انتشروا! احموا المدنيين، وتحققوا من موقع الخرق!"

لكن عندما رأى اليوت جسدًا صغيرًا متكئًا على جدار قريب، يتنفس ببطء، وبجانبه ذئب أبيض مغطى بالسخام…

تجمّد.

"ليونيل؟"

ليونيل رفع رأسه بصعوبة، وجهه شاحب وعيناه نصف مغلقتين.

"مرحبًا، أيها الأخ الوسيم… لقد عدتُ من فعل شيءٍ غبي."

ثم… أغمي عليه مجددًا.

[وسط شوارع إمبراطورية – خلف السوق السري ]

الأرض كانت لا تزال تهتز من آثار الانفجار السحري.

رائحة رماد، ودم، وعرق فزعٍ تسربت إلى الأزقة.

كان الفرسان الإمبراطوريون قد انتشروا كالعاصفة داخل السوق، يعتقلون النبلاء المتورطين في المزاد السري، ويحررون العبيد الذين خرجوا مذعورين، تائهين، ضائعين وسط شوارع المدينة.

اليوت، الأمير الثاني، وقف وسط كل تلك الفوضى، وهو يحمل بين ذراعيه شقيقه الأصغر، ليونيل، ملفوفًا كقطة مبلّلة، وذئب صغير أبيض – فاين – متمسك بسترة ليونيل بفمِه.

كان ليونيل فاقد الوعي، رأسه يتمايل قليلًا على صدر أخيه، شعره مبعثر، وجهه متسخ، ملابسه ممزقة من كتفه، وهناك دماء جافة على أطرافه.

"أحمق صغير…" تمتم اليوت وهو يسير بخطوات سريعة، يتجاوز الفرسان الذين انحنوا له.

وقبل أن يصل إلى قصر الحاكم المحلي الذي سيحوّل مؤقتًا إلى مقر إقامة للوفد الإمبراطوري، أصدر ليونيل صوت تأوه ضعيف.

فتح عينيه بتثاقل، ووجهه كان رماديًا من الإرهاق.

"أين أنا…؟"

"أنت على ذراعيّ بعد أن أنقذتك من حماقة قاتلة أخرى."

"آه… هذا صوت مزعج. هل هو صوت أخي؟ أم كوابيس ما بعد الصدمة؟"

اليوت توقف، تنهد… ثم فجأة، وبهدوء كامل، غيّر اتجاهه.

"إلى أين…؟"

"إلى زقاق."

"زقاق؟"

"لتفرغ ما في معدتك براحتك، بدل أن تفرغه على سترتي الإمبراطورية."

[شارع جانبي مهجور – خلف السوق]

أسند اليوت ليونيل على حائط قديم، لكن لم يسمح له بالانزلاق.

أمسكه جيدًا من كتفيه، وثبّته برفق، وفاين جلس بهدوء بجانب قدميه.

وبعد لحظة…

بدأ ليونيل يتقيأ.

"آه… رائع…" قالها اليوت وهو يشيح بنظره.

"هل تريد تصفيقًا؟"

ليونيل رفع إصبعه، وهو لا يزال منحنيًا:

"إذا لم… تصمت… سأرمي عليك التالي."

اليوت تنهد، وبدأ يربت على ظهره بخفة.

"رائع… كأنني أربي رضيعًا مشاكسًا."

"أنا لست رضيعًا. أنا شرير فاشل بمرتبة رسمية."

"بل طفل يحتاج حبلًا كي لا يهرب في كل مرة نغفل فيها عنه."

بقي ليونيل لحظات متقيئًا، يتنفس بثقل، ثم جلس على الأرض متكئًا على الجدار.

"هذا… هذا أسوأ قرار اتخذته في حياتي."

"تسلل؟ مهاجمة مزاد؟ تحرير عبيد؟؟"

ليونيل تمتم:

"جميع ما سبق…"

"رائع. على الأقل أنت واعٍ."

ثم صمت اليوت لثوانٍ، قبل أن يقول بصوت منخفض:

"أبي غاضب جدًا."

ليونيل غمض عينيه، كأنه يتمنى أن يتبخر من الوجود.

"لا أريد سماع ذلك… لدي صداع… ورغبة بالبكاء… وألم بالصدر."

"يبدو أن الختم السحري يتفاعل مجددًا. سيكون عليك مراجعة البارون."

"جيد، أضف الألم النفسي أيضًا… شكراً، أيها الطبيب المجاني."

في لحظةٍ مزعجة، صفع اليوت ليونيل على ظهره فجأة.

"هيه!"

"كف عن التذمر."

"يا وقح!"

"يا عنيد."

ليونيل زفر وهو يحدق به بملل:

"هل هذا أسلوب ملكي في المواساة؟"

"بل طريقة أخوك الكبرى في منعك من الغرق في الشفقة الذاتية."

"أكرهك."

"أعرف."

ثم ساد الصمت للحظات.

حتى قطع ليونيل السكون بصوت منخفض:

"هل… حررتم كل العبيد؟"

"نعم، فرساننا تولوا الأمر."

"جيد…"

(حتى لو لم أغير أحداث الرواية كثيرًا… على الأقل غيرت مصير بعضهم.)

اليوت نظر إليه، ثم جلس بجانبه على الأرض، بينما فاين تزحلق بنعاس على قدم ليونيل.

"أنت… لا تشبه الأشرار كثيرًا، ليونيل لا تقل عن نفسك شرير."

"أنا شرير فاشل، ذكرت هذا عشر مرات."

"لكن بعض الفشل جميل…"

"أنت تتحدث كأمي… هل أُصبتَ بالحمّى؟"

"اصمت." قالها اليوت وهو يمد له قارورة ماء.

شرب منها ليونيل قليلاً، ثم قال بصوت ناعس:

"هل سأُعاقب؟"

"بشدة. جلسات علاج فيزيائي صباحية ومساءية… ووجبات صحية بدون حلوى."

"سأهرب."

"سأربطك."

"…مريض."

"أعلم."

---

وبينما بقي الاثنان جالسين هناك في هدوء، هبطت أولى ندفات الثلج فوق أكتافهما.

لينظر ليونيل للأعلى، ويتنهد:

"عدنا إلى الكليشيهات… البطل يتألم في الثلج."

"أنت لست البطل، أليس كذلك؟"

"…لكنني أبدو جميلًا تحت الثلج، اعترف."

"لا تعليق."

[خارج الزقاق – قرب قصر الضيافة المؤقت – شمس منتصف الصباح]

بعد لحظات من القيء والتذمر والصفعات الأخوية، أخرج اليوت منديلاً حريريًا من جيبه، وبحركة معتادة بدأ يمسح وجه ليونيل المتسخ.

"أنت في الثالثة عشرة… لا في الثالثة."

ليونيل تمتم وهو لا يزال منهكًا:

"أحيانًا… أتمنى لو بقيت في الرحم."

"كنت ستجعل الأطباء يستقيلون حينها."

أنهى تنظيف وجهه، ثم حمله مجددًا بين ذراعيه.

فاين، الذئب الصغير، قفز فوق كتف اليوت واستقر في مكانه كما لو كان تمثالًا من الفرو.

"سأقول إني كنت احاول إنقاذ قطة، هذا عذر مناسب، أليس كذلك؟" تمتم ليونيل بنبرة خافتة.

(لا يمكنني إخبارهم أن نظامًا سحريًا ظهر وأعطاني مهمة، ولا أنني أعرف السوق لأنني… قرأت الرواية مسبقًا.)

(سيظنونني مصابًا بالهذيان… أو أن ماناي خرجت من عيني.)

[مدخل القصر المؤقت – جناح الضيوف الملكي]

فتح اليوت الباب بهدوء وهو لا يزال يحمل ليونيل، وكأن لا شيء غريب في أن الأمير الرابع يعود من رحلة مريبة وهو فاقد للوعي… وملفوف كقطة مشاكسة.

لكن ذلك الهدوء تحطم فورًا عندما ظهر الإمبراطور إدوارد، واقفًا بكامل هالته الإمبراطورية، يده خلف ظهره، وسيجارته تتصاعد منها أنفاس من الغضب.

"…"

"…"

"...عاد." قال اليوت وهو يضع ليونيل بين يديه.

ليونيل… لم يفتح عينيه.

تظاهر بالموت ببراعة.

يداه مسترخيتان، رأسه متدلٍ، تنفسه بطيء — كان يُمثّل كما لو أن روحه غادرت العالم.

لكن إدوارد لم ينخدع.

أمسكه من ياقة قميصه بيد واحدة، كمن يرفع قطًا متسخًا، ورفعه أمام عينيه.

"استيقظ يا صغيري… لقد قُبض عليك متلبسًا."

"..."

"…ما زال يتظاهر،" قال اليوت وهو يضحك بسخرية.

"يا طفل." قال الإمبراطور، ثم بدأ ينفضه قليلًا كمن ينفض الغبار عن سجادته.

"استيقظ… أو سأضعك في الماء البارد."

"...مااااذا؟" تمتم ليونيل بتعب، وفتح عينًا واحدة ببطء.

"مرحبًا… أبي… أنت تبدو… مشرقًا هذا الصباح."

"متسخ. تفوح منك رائحة سوق العبيد. عيناك فيهما ظلال سحر ممنوع… وهناك دم على كمّك."

"مكياج…؟"

"ليونيل."

"...أُرغمت."

"من أرغَمك؟"

"…اليوت."

"أنا كنت أنقذك، أيها الماكر!" صرخ اليوت وهو يلوّح بيده.

الإمبراطور تجاهله، ثم بدأ يقرص خدي ليونيل بقوة.

"كيف دخلت السوق؟ ومن رافقك؟"

"لا أحد، أقسم. كنت أمشي في نزهة تأملية و—"

"وفي منتصف التأمل قررت تفجير سوق؟"

"أجل… كان الجو يفتقد إلى الإثارة…"

"ليونيل."

"أنا آسف، حسناً؟ لم أكن أقصد. لكنّ الوضع كان… صاخبًا… والناس مقيدون، وهناك روائح مريبة… وكان هناك رجل يُباع كغزال…"

"هذا ليس عذرًا. هذا تقرير جريمة." قال الإمبراطور ببرود.

اليوت تنهد، ثم قال:

"أقترح… العصا. كما كنت تفعل معنا حين كنا صغارًا."

"عصا؟" قال ليونيل وهو يتجمد.

"نعم، تلك التي كانت تُسبب صدمة سحرية قوية كلما ضربتنا."

"هذا يُعتبر تعذيبًا قانونيًا الآن!" صرخ ليونيل.

لكن الإمبراطور فقط ضحك، ثم قال بهدوء:

"لا، لا. ليونيل… هو طفلي المدلّل."

ليونيل ابتسم بانتصار وهو يلتف كالقطة فوق كتف والده:

"ها! سمعتَ يا اليوت؟ مدلّل. أحضر لي عنبًا مثلجًا الآن!"

اليوت رفع حاجبه وقال بسخرية:

"سوف أتجلق عليك في التقارير الرسمية… وسأرفق رسمًا كاريكاتيريًا لك تبكي فيه من وخزة إبرة."

"أحمق رسميّ."

"كريه نائم."

"مُتبنّى."

"ماااذااا!؟" صرخ اليوت.

إدوارد تنهد بينما يحتضن ليونيل ويجلس به على الأريكة.

"سنناقش هذا لاحقًا. الآن، تحتاج إلى راحة، وطبيب. والذئب… يحتاج إلى حمام."

فاين أطلق صوتًا اعتراضيًا قصيرًا، ثم اختبأ تحت عباءة ليونيل.

لكن ليونيل فقط تمتم وهو يغمض عينيه مجددًا:

"أبي… احذر من قزم مائي… قد يعود لاحقًا. شعرت بنواياه السردية."

"...أنت تتحدث كما لو كنت في رواية." قال اليوت وهو يحدق فيه بشك.

"من يدري؟ ربما أنا الشخصية الوحيدة الوعية هنا…"

---

[جناح الإمبراطور – القصر المؤقت في أورنث]

كان الجو داخل الجناح فخمًا… وهادئًا.

لكن الهدوء، كما هو معتاد مع ليونيل، لم يدم طويلاً.

"لاااااا!! أرفض!! أرفض!!"

ارتجّ الجناح الملكي على صراخ ليونيل الهستيري، الذي كان يُسحب من قبل والده الإمبراطور إدوارد كالقط الصغير، بينما يتلوى ويرفس الهواء بقدميه.

"سأرفع عليك شكوى ملكية، أبي! سأُعلن تمردًا في مجلس النبلاء! سأُرسل رسالة استغاثة!"

"اهدأ، إنها مجرد حمّام."

"أكره الماء الساخن! وأكره رغوة الصابون! وأكره هذا القميص المبتل! وأكرهكم جميعًا، عائلة من الطغاة!"

من خلفهما، كان اليوت يسير بهدوء وهو يصفق ببطء.

"آه، طفل بابا المدلل يُسحب إلى مصيره المائي… مشهد تاريخي."

"سألدغك!" صرخ ليونيل وهو يحاول التملص من بين يدي والده.

"جرب، لكن من هناك، من فوق كتف والدك! كالطفل… الذي أنت عليه فعلاً."

"أنا شرير! أنا لست طفلًا! كان يجب أن أكون خصم الرواية، لا البطة المبلولة!"

دخل الإمبراطور إلى الحمام الفخم، حيث كان كل شيء مُجهز مسبقًا: الماء الدافئ المعطر، المناشف الملكية المطرزة بشعار الإمبراطورية، والصابون المصنوع من أعشاب نادرة.

"اخلِع ملابسك، ليو."

"لااااا! أنا أرفض أن أُعرّى بالقوة!"

"أنت متّسخ، ومصاب، ومغطى بآثار دم وعَرَق سوق عبيد. هل ترغب أن تصاب بعدوى؟"

"أرغب أن أُدفن."

"هذا قابل للتنفيذ… بعد الحمّام."

وبكل مهارة الأب الخبير، جلس الإمبراطور على طرف الحوض، وأسقط ليونيل داخله.

بلشّة.

"آآآآآآآه! الجو حار! أنت تطبخني حيًا!"

"إنه دافئ. وليس زيتًا."

"كأنني محار يُطهى داخل قدر سحري!"

"لو كنت محارًا، لرفضتك البحار."

بدأ الإمبراطور يفرك شعر ليونيل برغوة الصابون، بينما ليونيل كان يرمش بشراسة وكأن الماء يهاجمه.

"مستحيل… أنتَ تُمتع نفسك الآن."

"قليلاً."

"أنا لا أسامح."

"كالعادة."

من خلف الباب، وصل صوت اليوت:

"هل تريد أن أصوّر هذا للذكرى؟ يمكنني تقديمه في البلاط كدليل على مدى مدلليتك، أميرنا الشرير."

"سوف أسمم طعامك، أيها الوغد."

"أنا آكل معك أصلاً. إن فعلت، سأجرّك معي."

أكمل الإمبراطور مهمة تنظيف الأمير الصغير بمهارة ، ثم سكب الماء على رأسه وهو يتمتم:

"أنت تعرف أنني أفعل هذا لأنك لا تزال ضعيفًا ولا تستطيع العناية بنفسك."

"كان يمكنني الاستعانة بالخدم. أو الساحر الطائر كارثة. أو حتى فاين… لديه مخالب."

"آه، نعم. جرو يغسلك؟"

"على الأقل لن يقرصني مثلك."

وبعد دقائق طويلة من التذمر، الغرق، الصراخ، والشتائم الفاخرة… انتهت المهمة.

جفف الإمبراطور شعر ليونيل بمنشفة ناعمة، ثم لفّه برداء ناعم ودافئ، قبل أن يحمله مجددًا كما يُحمل طفل نائم.

"لا تقل شيئًا…" تمتم ليونيل وهو يغرق وجهه في عنق والده، محرجًا.

"أنا لم أتكلم."

"لا تسمح لليوت بأن…"

"متأخر."

"آااااه… سأغير اسمي. سأهرب. سأعيش كمرتزق في الريف."

"لن تستطيع حتى فتح زجاجة دوائك بدون مساعدة، أيها المرتزق العظيم."

خرج الإمبراطور من الحمّام، ليجد اليوت يقف بانتظاره، يحمل فرشاة شعر، وكوبًا من الحليب الدافئ.

"للأمير المدلّل."

"خذ حليبك و—"

"آه، توقف. لا تكمل. سمعت كل ما قلته عني خلال الحمّام."

"سأقوم بإزالة صوتك من ذاكرتي السحرية."

"جرب فقط، سأرسلك إلى العلاج الفيزيائي أربع مرات باليوم."

"وحش."

"بكل فخر."

ابتسم الإمبراطور وهو يهز رأسه، ثم اتجه إلى السرير الكبير في جناح ليونيل.

"حان وقت الراحة. غدًا، نواصل طريقنا إلى إمبراطورية أوبيليسك."

ليونيل، وهو مغطى من الرأس حتى أخمص قدميه ببطانية ناعمة، تمتم:

"ليتني كنت حجرًا، فلا أغسل… ولا أتحدث… ولا أنقذ أحدًا…"

"لكنك لست حجرًا. أنت الأمير الرابع… وطفلي."

"...توقف، هذا مقرف."

"نم."

"……"

"ليو؟"

"...أحبك."

"...أنا أيضًا."

2025/08/06 · 39 مشاهدة · 4089 كلمة
روزي
نادي الروايات - 2025