قرر ليو العودة إلى القبو الذي اكتشفه سابقًا. بعد أن عبر الممرات الطويلة داخل القصر، حيث كانت الحوائط مزيّنة بالمنحوتات القديمة والشموع التي تلقي ظلالاً خافتة على الطريق، وصل إلى باب خشبي قديم نصف متهالك. دفعه ببطء، ليُكشف عن سلم حجري ضيق يؤدي إلى أسفل.

بدأ ليو في النزول بحذر، مُحاطًا برائحة الرطوبة والهواء البارد. كل خطوة كان صداها يتردد في الصمت، والضوء من شعلة في يده كان بالكاد يكشف الطريق أمامه. وصل أخيرًا إلى القبو الواسع، حيث كانت الجدران مغطاة بالرموز الغامضة والنقوش التي بدت وكأنها تعود لعصور غابرة.

وقف ليو مرة أخرى في وسط الدائرة المرصعة بالنقوش، التي تضيء ببريق باهت كلما اقترب منها. مرت نصف ساعة وهو يحدق في الرموز، مستشعرًا طاقة خفية، لكن لم يحدث شيء. بنية المغادرة، استدار، لكن في اللحظة التي خطا فيها خطوة بعيدًا، اهتزت الأرض فجأة تحت قدميه. شعر بالقلق، وعاد للوقوف في المركز.

الدائرة التي كان يقف عليها بدأت بالانخفاض ببطء، كما لو أنها كانت مصممة لتفتح ممرًا سريًا. الأرضية أسفلها انزلقت تدريجيًا، كاشفة عن نفق مظلم ممتد إلى المجهول.

بعد أن نزلت الدائرة التي تقف عليها، كان كل شيء يبدو عاديًا. الجو خانق والهواء راكد، وكأن لا شيء يتغير. مرت الدقائق دون أن يحدث أي شيء غير معتاد.

ثم فجأة، اهتز المكان قليلاً، لكن هذه المرة لم يكن مجرد اهتزاز عادي. الهواء نفسه بدأ يتغير، وتحولت الجدران الحجرية من حوله إلى طيف من الضوء. بدأت التفاصيل الحجرية تختفي تدريجيًا، وكأنها تتلاشى أمام عينيه. التغيير كان بطيئًا في البداية، ثم تسارع حتى لم يعد هناك أثر للقبو الذي كان فيه.

نظر ليو حوله ليجد نفسه يقف وسط كون شاسع، فضاء لانهائي. النجوم تلمع في كل مكان، مثل لآلئ متناثرة في بحر أسود لا نهاية له. مجرات ذات حجم لانهائي،تدور بهدوء في البعد البعيد، أشكالها تسبح ببطء في الفضاء وكأنها لوحات حية.

الألوان كانت زاهية وبراقة، تشكل مزيجًا ساحرًا من البنفسجي والذهبي والأزرق، تضفي على المكان جمالًا لا يمكن وصفه. النجوم القريبة كانت تضوي بضوء ناعم، تبعث دفئًا مريحًا رغم البرودة الشديدة التي شعر بها. بدا المكان وكأنه يحتوي على أسرار لا تُحصى، وكأن ليو قد دخل إلى بعد آخر،وسط ذلك الكون الشاسع والجمال الخلاب، بدأ ليو يلاحظ شيئًا غريبًا يقترب من بعيد. لم يكن شيئًا اعتياديًا؛ كان إعصارًا أسود ضخمًا، دوّامته تلتف ببطء ولكن بقوة مدمرة، تشبع بهالة حمراء داكنة تلتف حوله مثل نيران جهنمية. كان يبتلع كل شيء في طريقه، من الكواكب التي تدور ببطء إلى النجوم التي كانت تضيء الفضاء. شعور الموت والهلاك كان واضحًا، يهيمن على الفضاء حيث يمر الإعصار، وكأن كل شيء يُسحب إلى فراغ لا رجعة منه.

لكن حول هذا الإعصار، كانت هناك خطوط ذهبية لامعة، تحيط به كشبكة من الضوء الذي يعكس نوره على الفضاء. تلك الخطوط لم تكن مجرد زينة؛ كانت مفهوم الزمن ذاته. كانت تنبض بهدوء، تربط بين لحظات لا تُحصى، ترتب الحوادث وتشكل خطوطًا زمنية لانهائية، تتداخل وتفترق في نمط معقد يشبه هندسة الكون.

الضوء الأبيض الذي كان يتألق من تلك الخطوط الذهبية أضفى عليها سحرًا خاصًا، وكأنها تُظهر الجانب الآخر من الكون، الجانب الذي يحافظ على التوازن بين الحياة والموت، بين الفناء والخلود. تلك القوة كانت تهيمن على المكان، تنظم الفوضى وتعطي لكل شيء دوره في تدفق الزمن.

نظر ليو إلى هذا المشهد، وشعر برهبة عميقة. لقد كان أمامه مفهومين متعارضين، الموت والهلاك من جهة، والزمن الأبدي من جهة أخرى، يتداخلان في مشهد واحد. كان كل شيء يشع بطاقة مهيبة، وكأن هذا الكون بأسره مبني على هذه القوانين.

أحس ليو بتضاؤله أمام هذا الاتساع. كانت السماء فوقه وتحت قدميه، لم يعد هناك مفهوم للأعلى والأسفل، كل شيء محاط بجمال أبدي. المكان كان يشع بالطاقة، إحساس غريب ولكنه مريح يتسرب إلى جسده. كان يعلم في تلك اللحظة أنه لم يعد في القبو، بل في مكان بين العوالم، مكان يتجاوز كل ما عرفه من قبل.

"أين أنا؟" ظل هذا السؤال يدور في رأس ليو بلا توقف، وكأنه صدى يتردد في أرجاء عقله. لدقائق طويلة، كان ذهنه مشوشًا وغير قادر على التركيز. فجأة، ظهر أمامه شخص غريب، محاط بهالة ذهبية مهيبة، لكن لم يكن له ملامح، ولا شكل، ولا حتى جسد واضح. كان مجرد كيان متوهج بالطاقة، يسلب الأنفاس.و الكون نفسه انحنى له و تلك المفاهيم التي لاحصر لها كلها تجمدت في مكانها ،الزمن،المكان،الموت،الدمار، الفيزياء،مفهوم رياضيات،مفهوم الأبعاد، كل شيئ تجمد من حضوره خوفا منه.

"إذن... أنت وريثي."

جاء الصوت قوياً وعميقاً، لكنه لم يصدر من هذا الشخص المبهم. بل بدا كما لو أن الصوت ينبع من كل مكان وفي نفس الوقت من العدم. لم يكن هناك أي جهة واضحة يمكن لليو أن يشير إليها كمنبع للصوت. كان كأنه جزء من الكون نفسه، يخترق عقله ويشوش كل شيء.

للحظة، وقف ليو مذهولاً، ثم بدأت ملامح وجهه تتغير ببطء إلى الصدمة. أدرك الحقيقة المروعة: الصوت الذي سمعه لم يكن صوت ذلك الشخص المهيب أمامه، بل كان صوت الكون نفسه. [اللعنة... الكون استجاب لرغبة هذا الشخص؟ الكون يتحدث نيابة عنه؟]

تملّك ليو شعور رهيب بالخوف والرهبة. لم يعد يفهم شيئًا مما يجري، لكن شيئاً واحدًا كان واضحاً... هذا الشخص أمامه يملك قوة تفوق الخيال. الكون كله يطيع أوامره، ويتحدث باسمه.

بعد لحظات من التردد، نطق ليو أخيرًا بصوت مرتعش: "من... أنت؟". لم تمض سوى ثوانٍ حتى سمع ذلك الصوت مجددًا، لكن هذه المرة كان الصوت واضحًا وقويًا، يمكن سماعه دون تشويش. قال الصوت: "بما أنك وريثي، فمن حقك أن تعرف. أنا إيلاريوس."

بمجرد أن سمع ليو هذا الاسم، غمرت الصدمة وجهه، وكأن قلبه توقف للحظة. إيلاريوس... الاسم الذي ارتبط بأسطورة أعظم إمبراطور في كل العصور. إمبراطور اعتبره البعض مجرد أسطورة، لأنه عاش قبل زمن لا يُحصى من السنين الضلاميه

(** دقيقه ضلاميه=عدد لاحصر له من سنين المعروفه **)

ولم يكن هناك الكثير ممن صدقوا بوجوده حقًا. لكن ليو، في هذه اللحظة، كان يقف أمامه مباشرة.

انطلقت هالة من الطاقة نحو ليو، وكأنها موجة من الطاقة الغامضة. فجأة، بدأ جسده يتلاشى تدريجيًا، حتى لم يتبقَ سوى روحه، عائمة في الكون المهيب. كان الصمت مطبقًا، . سمع مجددًا صوت المهيب والعميق، يتردد في الأفق: "روحك مشوهة، ولا حاجة لجسدك."

بدأت الهالة المحيطة بإيلاريوس تتسرب حول روح ليو، كأنها تمتص كل جزء منه، حتى أصبح محاطًا بتلك الطاقة الهائلة. كانت الهالة تتوغل في عمق روحه، تلتف حوله بشكل غريب، ثم بدأ النور المتوهج يملأ المكان، كضوء يشتعل من الداخل.

وفي لحظة، انفجر الضوء حوله ليغمر الفضاء بالكامل. عيون ليو تتسع من الدهشة، وهو يرى نفسه يتحول ببطء إلى جسدٍ غير مادي، جسدٍ روحي.

مع زوال الضوء، بدأ ليو يظهر في صورته الجديدة، جسده الروحي، وكأن الطاقة الكونية نفسها تسرّب من خلاله. لكنه لم يكن مجرد جسد فارغ. بل كان هناك شيء أكبر، شيء أقوى. طاقة لانهائية تتسرب منه.

بعد فترة من التأمل العميق، أدرك ليو العديد من الأشياء، خصوصًا عقله الذي أصبح قادرًا على التفكير في مليارات الأشياء في نفس الوقت، وتحليل أي شيء في ثوانٍ معدودة. الشعور بقوى جديدة كانت تتراكم بداخله، لكن قبل أن يتمم تأملاته، سمع ذلك الصوت المهيب مجددًا: "أنت الآن ضعيف جدًا. سأعطيك بعض القدرات، وستزداد قوتك مع مرور الوقت إلى أن تحصل على قوتي الكاملة. لكن هذا لا يعني أنك ستصل إلى هناك، فقد تموت في منتصف الطريق."

ثم، بدأ كل شيء يتلاشى تدريجيًا، وعاد ليو إلى القبو مرة أخرى. وكأن شيئًا لم يحدث.

انطلق ليو بسرعة، متوجهًا لمساعدة جيشه الذي كان يواجه تحديات كبيرة. سنوات مرت، ومع مرور الوقت، أصبح ليو معروفًا ليس فقط بقدراته الجديدة، بل أيضًا بذكائه وشجاعته. تحت قيادته، تمكن من احتلال عدة مدن واستولى على دولتين أخريين، مما جعله يشتهر بلقب "أصغر إمبراطور".

بفضل استراتيجياته الفائقة وقراراته الحاسمة، أصبح ليو يحظى بشعبية كبيرة بين جنوده وشعبه. لكنه كان يعلم أن قوته لا تزال في بداية طريقها، وأن هناك الكثير من المخاطر التي قد تترصده. رغم كل الإنجازات، ظل قلبه مشغولاً بالتحديات القادمة وأسرار القوة التي ما زال يسعى لتحقيقها.

في صحراء لا حدود لها، حيث الرمال تتناثر في الأفق وكأنها لا تنتهي، بدأ ضلام دامس يعم الأرجاء. ومع هذا الضلام، ظهرت أيادي سوداء، تتصاعد من باطن الأرض كأنها تمسك بشيء من عمق الظلام نفسه. من بين تلك الأيادي، أُخرج شاب ذو شعر طويل وساحر. عندما خرج من تلك الظلمة، اختفت الأيادي ووقف الشاب على قدميه في صمت.

عينيه كانت خالية من الحياة، كأنها لا تعكس أي شعور أو أحساس. كان وجهه شاحبًا، وملامحه توحي بأن الوقت قد توقف بالنسبة له. وقفت الرياح تهب حوله، بينما همس بصوت ميت، خالي من أي حياة:

"أيها النظام، دلني على الطريق إلى الجبل."

2024/10/16 · 17 مشاهدة · 1330 كلمة
نادي الروايات - 2024