"أيها النظام، كم عمري الآن؟" تساءل فنغ وهو يسير بين الأشجار الشاهقة، مرتديًا ملابس بسيطة تشبه تلك التي يرتديها الفلاحون.

{لماذا عليَّ أن أخبرك؟! لستُ ملزمًا بذلك!} رد النظام بصوته الميكانيكي المعتاد، بنبرة تخلو من أي تعاطف.

لم يلتفت فنغ إلى رده، بل تابع السير بخطى متأنية، متجاهلًا عناد النظام. تمتم لنفسه، "يبدو أن الطريق لا يزال طويلًا... هل يجدر بي أن أُسرع؟"

توقف لبرهة يتأمل الأرض تحت قدميه، ثم فجأة قفز عاليًا وبدأ يتسلق إحدى الأشجار الضخمة. قال بصوت واثق، "سأتأخر إن بقيت على هذا الحال." كان يتنقل بين الأغصان برشاقة تشبه القردة، محاولًا الوصول إلى أعلى نقطة.

لكن فجأة زلَّت قدمه، ولم يدرك ما حدث إلا حين وجد نفسه يهوي بسرعة، ليصطدم بالأرض بقوة، محدثًا صوت ارتطام مدوٍ أعاد له وعيه بثقل الواقع.

مرَّت دقائق وهو مستلقٍ على الأرض، يحدِّق في السماء التي حُجبت معالمها بفروع الأشجار العالية وأغصانها المتشابكة، وكأنها لوحة من الظلال المتحركة.

حاول النهوض مستندًا على أقرب شجرة بجواره، لكن ما إن ثبَّت قدميه على الأرض حتى اخترق الألم جسده كوميض نار مفاجئ. خارت قواه وسقط مجددًا، عاجزًا عن الوقوف.

أنزل نظره إلى قدميه، ليرى مشهدًا مؤلمًا؛ إذ اخترقت أغصان حادة وسميكة ساقيه.

لم يشعر بهذا من البداية، فقد كان الحماس يغطي على ألمه، لكن الآن تسللت موجات من الوجع إلى أعماق ساقيه، أشبه بطعنات آلاف السكاكين التي لا ترحم. إتكأ على الشجرة.

ورغم كل ما أصابه، لم تظهر على ملامحه أي إشارة للألم، وكأن هذا العذاب لم يبلغ مستوى توقعاته أو اعتباره.

مدَّ يديه نحو أحد الأغصان التي اخترقت ساقيه دون تردد، وأمسك به بثبات لينتزعه دفعة واحدة، غير مبالٍ بأي تحضير أو حذر.

ومع ذلك، لم يتحرك شيء في ملامحه. تابع نزع بقية الأغصان واحدًا تلو الآخر برباطة جأش، وقال بنبرة ساخرة: "هذه الأغصان سببت لي الحكة أكثر من الألم."

بعد أن انتهى من إزالة الأغصان كلها، بقيت ثقوب بارزة في ساقيه، تنزف بغزارة، وكأن الدم شلال يتدفق من كهوف عميقة.

مدَّ يديه مرة أخرى، وبدأ يفرك الأماكن التي شعر فيها بالحكة بأصابعه المفتوحة، كمن يحاول تهدئة تهيج جلده.

ومع كل حركة من أصابعه، كانت الجروح تتسع، والأنسجة تتشوه تحت قسوة الاحتكاك.

ومع ذلك، لم يبدر منه سوى نظرات باردة، وكأن ما يفعله أمر اعتيادي، لا يستدعي القلق أو التوقف.

"بما أنني أمتلك الخلود الإرادي، أستطيع أن أختار أي نوع من الخلود أرغب فيه... همم...".

تمتم فنغ بينما كان يفكر في الأنواع المختلفة من الخلود التي يعرفها، غارقًا في أفكاره.

فجأة قاطعه صوت النظام المعتاد، بصوت ميكانيكي يحمل شيئًا من السخرية:

{حسنًا، أشفقت عليك وسأجيب على سؤالك الأول. عمرك الآن هو 74 عامًا و...}

لم يُكمل النظام جملته، إذ قاطعه فنغ بنظرة حادة كالشفرة، جعلت الأجواء تكاد تتجمد حوله. قال ببرود لاذع:

"لم يطلب أحد منك شيئًا الآن، فاحتفظ بمعلوماتك تلك وادفعها إلى مؤخرتك."

تردد النظام للحظة، قبل أن يرد بشيء من الإحباط:

{أيها الـ... هوووف~ حسنًا، لنرى كيف ستختار نوع الخلود دون أن أُخبرك الطريقة.}

تجاهل فنغ تعليق النظام، وعاد إلى تفكيره.

ظل فنغ على حاله، مغمض العينين غارقًا في تأمله، لمدة خمسة أيام كاملة دون أن يحرك ساكنًا. على مقربة منه، كانت قردة صغيرة تقترب بحذر، مستغربةً من وجوده الساكن، لكنها سرعان ما تجاهلته وواصلت طريقها.

إلا أن طيور الرخم ظهرت في الأفق، مختلفة عن المعتاد، إذ بدت بطول كبير وهيبة مخيفة.

بدأت الطيور بالاقتراب من جسد فنغ، تحلق حوله بحذر. ظلت تراقبه لمدة ساعتين، وكأنها تتأكد من أنه ميت بالفعل. وبعد أن اطمأنت، اقتربت أولًا من جروحه العميقة، وبدأت تنهش منها.

طيور أخرى لم تنتظر دورها واندفعت نحو وجهه، تقضم اللحم بلا رحمة.

في تلك اللحظة، كان فنغ في أعماق وعيه، حيث تمكن أخيرًا من اكتشاف طريقة التحكم بإرادته الخاصة بالخلود.

شعور بالانتصار اجتاحه، لكنه سرعان ما انقلب إلى صدمة حين فتح عينيه ليرى الطيور الكاسرة تنهش جسده، بينما الدماء تغمر الأرض من حوله.

لم يكن يشعر بالألم في البداية، فقد كان غارقًا في التأمل، لكن الألم بدأ الآن يتسلل إلى كل جزء من جسده كألسنة نيران تمزق أحشاءه.

ومع ذلك، لم تكن هذه المعاناة لتُزعجه كثيرًا. أغمض عينًا واحدة من شدة الألم، وكأنه يقلل من شأنه، ورفع يده بهدوء.

فتح راحة كفه، وفجأة انطلقت منها نيران ملتهبة، حارقة كأنها تعكس غضبه المكتوم.

حاولت الطيور الهروب في كل اتجاه، لكن النيران التصقت بأجسادها كأنها مطاردة لا تعرف الرحمة.

تعالت صرخاتها في الأرجاء، تملأ المكان بصدى الخوف والاحتضار، حتى تحولت كلها إلى رماد متناثر، تذروه الرياح كأنه لم يكن هناك شيء من قبل.

"يا له من إزعاج..." تمتم فنغ بنبرة خافتة وهو يتفحص حالته. "حسنًا، أحتاج الآن إلى خلود التجدد."

أغمض عينيه للحظات، وبدأ جسده يتعافى تدريجيًا، يعود إلى حالته الطبيعية كما لو أن شيئًا لم يحدث.

اختفت الجروح العميقة التي ملأت جسده، لكن التشققات الداكنة التي امتدت عبر رقبته وصدره ظلت كما هي.

فتح عينيه مجددًا وتفحص تلك العلامات بتمعن، ثم قال بهدوء: "حسنًا، يبدو أن هذه التشققات ليست مجرد جروح."

نهض من الأرض وكأن ما حدث لم يكن سوى ذكرى عابرة. حمل قبعته المصنوعة من القش، والتي كانت لا تزال سليمة رغم كل شيء، ثم ألقى نظرة على ملابسه الممزقة بفعل الهجوم.

"حسنًا، بهذا الشكل سأُطرد من أي مدينة أقترب منها... يبدو أنني مضطر للعودة إلى البحيرة."

أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يكمل: "على الأقل يمكنني الاستحمام هناك، وهناك أيضًا بعض الملابس التي تركها أوريان سابقًا."

توجه بخطى ثابتة نحو هدفه، غير مكترث لما مر به، وكأنه يحمل داخله قناعة راسخة بأن كل شيء يمكن تجاوزه.

2024/12/10 · 2 مشاهدة · 857 كلمة
نادي الروايات - 2024