كان الشاب يتجول في الشوارع المظلمة التي تكتنفها أضواء الشوارع الخافتة. خطواته كانت متثاقلة، تكاد الأرض تئن تحت وطأة قدميه. كل خطوة كانت تحمل ثقل يوم شاق. زحفت أقدامه ببطء، وكان عبء العمل قد أثر بوضوح على مشيته، فتجاعيد التعب على جبهته كانت تتعمق مع كل نفس يأخذه. الرياح الباردة تتسلل عبر ملابسه، تهمس بأسرارها المظلمة وتخترق عظامه.
وصل إلى منزله البسيط، فدفع الباب بيده اليسرى. كان الباب مصنوعًا من الخشب القديم الذي كُتب عليه الزمن بقسوة، وتدلى مقبضه المعدني بوضوح عن حالة إهمال. دخل إلى الداخل، حيث وجد نفسه في مدخل ضيق مملوء برائحة الغبار والماضي البعيد. فزعرت عينيه من الظلمة التي خيمت على الأثاث البسيط.
توجه إلى الحمام، حيث أدار مقبض الصنبور وأطلق المياه الساخنة في حوض الاستحمام. تدفق الماء برفق، وابتدأ الشاب بتفكيك ملابسه ببطء، وكأن كل حركة كانت تستنزف جزءًا من طاقته المتبقية. التقط نفسًا عميقًا، ثم دخل تحت تيار المياه الدافئة. دفء الماء كان بمثابة تعويض مؤقت لتعبه، ولكن الأثر البارد للتفكير العميق ظل يظل معه.
أغمض عينيه تحت الماء المتساقط، وقال بصوت متعب، "مرة أخرى، عليّ التغيب عن المدرسة، حسنًا، ما باليد حيلة. سيكتب مرة اخرى في لاإحه فنغ شيو غائب" كانت الكلمات تخرج من بين شفتيه كأنها صرخات مكبوتة في ظلام الروح.
بينما كان الماء يغسل عرقه وتعبه، بدأت ذكرياته الضبابية تتسرب إلى ذهنه. في لمحات متداخلة، تلاعبت صور النيران المشتعلة في مشهد مؤلم: ألسنة اللهب تلتهم البناية، وصراخات رجل وامرأة تملأ الأفق. الذاكرة كانت تشبه اللوحة التي تجريد الألوان منها يترك خلفه أثرًا من الفوضى والدمار. كانت ألسنة اللهب الحمراء تتراقص في ذهنه كرمز للضياع.
بعد الاستحمام، خرج من الحمام وارتدى ملابس مريحة، جلست أقدامه المتعبة على الأرض، وهو يسحب أنفاسًا عميقة. دخل إلى غرفته البسيطة، حيث السرير الخشبي الصغير ينتظره. سحب الغطاء بتؤدة وأغلق الأضواء، ثم استلقى على السرير، وقد أغمض عينيه ببطء. كانت ملامح وجهه تنم عن قلق عميق، وعينيه البنيتين كانتا محاطتين بدوائر تعب. عُدَّ التنفس السريع والمتقطع من فمٍ مفتوح تعبيرًا عن الإعياء الجسدي والذهني.
إذا ركزت في زاوية الغرفة، ستلاحظ مجموعة من الروايات المبعثرة، تشهد على شغف صاحبها بالقراءة. تتنوع الكتب التي تملأ الرفوف بين كتب الخيال اللامحدود، والفنون القتالية العتيقة، وعوالم الفنتازيا الساحرة. كل كتاب يتسم بتصميم غلاف مميز، يعكس جوانب مختلفة من الخيال، بألوان زاهية وتفاصيل دقيقة. الرائحة العطرة للورق القديم تضيف لمسة من الأصالة، وتدعو القارئ للغوص في عوالم غير مألوفة. هذه الروايات ليست مجرد أشياء على الأرفف، بل تجسد شغفاً عميقاً وحباً للاستكشاف عبر صفحاتها
في تلك اللحظة التي كان فيها العالم من حوله يسكن في السكينة، تسلل شعاع ضوء خافت إلى غرفته، فجأة بدأ الفضاء يتشوه. ظهر من قلب الظلام كائن غير معروف، عينيه تتلألأ بوميض غامض. مرّت يده ببطء على رأس الشاب، وأرسل نورًا مهيبًا يشع من كل اتجاه. كان الضوء يلتف حول الشاب كخيوط ناعمة من السحر، ثم بدأت الصورة تتلاشى في لحظة خاطفة.
في اللحظة التالية، استفاق الشاب ليجد نفسه في وسط غابة كثيفة، حيث الأشجار الشاهقة تمتد نحو السماء وكأنها تتعانق مع الغيوم. النور يتسلل عبر الأوراق الكثيفة، والهواء يعبق برائحة الأرض الرطبة التي تكتنفها الغموض. كل شيء حوله كان مفعمًا بالهدوء الغامض، لكن من خلفه كانت هناك شعور واضح بالغرابة والعزلة.
كان الشاب يتنفس بعمق، قلبه يضخ الدم بسرعة، وكأن محركًا داخليًا يدفعه للتحرك، ولكنه كان يشعر بالذهول والتوتر. انحنى على ركبتيه، ملامح وجهه كانت مملوءة بالقلق. شد ملابسه بحركة سريعة، وقام بحركات دائرية حول نفسه، محاولةً لتقدير حجم التغير المفاجئ الذي حدث له. عيناه، التي كانت تحمل تعبير الحيرة والاضطراب، تتجولان في كل زاوية، تبحثان عن أي دليل يمكن أن يوضح ما حدث.رفع يديه إلى صدره، ونظر إلى السماء من خلال الفروع المتشابكة. الأشعة المتسللة عبر أوراق الأشجار كانت تخلق نمطًا متغيرًا من الضوء والظل، مما أضاف إلى الشعور بالضياع والغموض. نظر حوله، وجد الطريق الوحيد الذي يمكنه اتباعه هو سلك مجرى ضيق بين الأشجار.تقدم ببطء، خطواته حذرة ومترقبة، بينما كانت أصوات الغابة المحيطة تتردد كهمسات غير واضحة. شعر بأوراق مبللة تحت قدميه، كل خطوة كانت تضيف عبئًا على كتفيه. كان التوتر يزداد مع كل خطوة، وكأن الغابة تحاول أن تخفي عنه كل شيء.بينما كان يتجول في الغابة، بدأ يتذكر بعض المشاهد البعيدة من حياته الماضية. ذكريات ضبابية تتجلى له: مشاهد عائلته، وأوقات من السعادة البسيطة، ولكن دائمًا ما كان يشعر بفراغ مقلق يعكر صفو ذكرياته. بدا واضحًا أنه كان يعاني من فقدان في الذاكرة، فكلما حاول استرجاع التفاصيل، كان يجدها تتلاشى كالأحلام.في نهاية الممر الضيق، وجد نفسه أمام مشهد جديد: بحيرة هادئة محاطة بالأشجار، سطحها يعكس صورة السماء الصافية. اقترب منها بحذر، وتأمل انعكاس الضوء على المياه. كانت البحيرة تبدو وكأنها نبع من الهدوء والجمال، وقدمت له شعورًا من السكينة المؤقتة وسط الفوضى التي كان يشعر بها.لكن في عمق البحيرة، لاحظ شيئًا غير عادي: ظلال تتحرك ببطء تحت السطح، وكأنها ترمز لوجود شيء غامض يختبئ في أعماقها. تملكت الدهشة والقلق قلبه، فتوقف للحظة، عاقدًا العزم على معرفة المزيد.مضى الوقت والشاب يواصل استكشافه للغابة، عينيه مليئتين بالترقب والتفكير. كانت عذوبة الحياة البرية من حوله تعطيه أملًا، لكنه لم يستطع التخلص من إحساسه بالضياع والفقدان. في كل خطوة، كان يأمل أن يجد أدلة تقوده إلى فهم أفضل لما حدث له، أو على الأقل، أن يتعرف على موقعه في هذا العالم الغامض.