"هل يمكنني فعل شيء قبل أن نذهب؟" سأل زاراثوس فنغ بعجل، ونبرته تحمل مزيجًا من الإثارة والقلق.

نظر إليه فنغ للحظة، ثم ردّ بهدوء: "حسنًا، لا مشكلة. لكن لا تتأخر."

أومأ زاراثوس بسرعة، ثم انطلق يركض عبر الأزقة الضيقة، خطواته خفيفة وسريعة، وكأنه يحاول اللحاق بشيء يخشى أن يفقده. كانت عيناه تتقدان بالحماس، وفي داخله تردد صدى فكرة واحدة:

"ستكون سعيدة عندما تسمع أنني حصلت على اسم... بل وأصبح لدي سيد أيضًا!"

وصل أخيرًا إلى هدفه، منزل واسع يحيط به سور حجري مرتفع. تقدم بحذر نحو الباب الصغير في الجهة الخلفية، المكان الذي يعرفه جيدًا، حيث اعتاد أن يلتقي بها.

لكن ما إن دلف إلى الداخل حتى سمع أصواتًا قادمة من الفناء. توقف مكانه، وقلبه يخفق بشدة. الصوت كان مألوفًا... لكنه لم يكن صوتًا يريد سماعه في مثل هذه اللحظة.

اقترب بحذر، وانحنى خلف الجدار ليسترق السمع.

"حسنًا، من الآن فصاعدًا، لا تتحدثي مع ذلك الأعمى القبيح."

شعر وكأن الهواء انقطع من حوله.

عرف فورًا أنهم يتحدثون عنه.

لكن... لا، لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا. لابد أنه يسيء الفهم... صحيح؟

ثم جاء صوتها، الصوت الذي لطالما شعر بالراحة لسماعه، لكنه الآن بدا مختلفًا... باردًا، قاسيًا، وكأنه سكين تخترق قلبه.

"حسنًا يا عزيزي، لن تراني معه مرة أخرى."

اتسعت عيناه، وبدأ أنفاسه تتسارع.

"ميرا...؟"

الفتاة التي كانت دائمًا لطيفة معه، التي لم تكن تعامل كغيره، التي... اعتقد أنها صديقته.

لكن الألم الحقيقي لم يأتِ بعد.

قهقهة خفيفة قطعت تفكيره، قبل أن يتبعها صوتها مرة أخرى، هذه المرة بنبرة مليئة بالسخرية والازدراء:

"ههه، هيا يا عزيزي، ما بك؟ كنت فقط أستمتع برؤية ذلك الأحمق المثير للشفقة يظن نفسه جيدًا بما يكفي ليحادثني. هيهيهي!"

هذه المرة، لم يكن هناك مجال للشك.

لم يكن هذا سوء فهم.

لم تكن هذه كذبة.

كانت هذه الحقيقة القاسية التي لم يكن مستعدًا لمواجهتها.

شعر بقدميه تتراجعان خطوة إلى الوراء دون وعي، وكأن جسده يرفض البقاء هنا للحظة أخرى، لكن قبل أن يتمكن من التحرك، خرجت همسة مرتجفة من شفتيه:

"م...ميرا...؟"

على الفور، ساد الصمت، وكأن الزمن توقف.

ثم، فجأة، جاء صوت غاضب مليء بالحذر:

"من هناك؟!"

كان ذلك صوت الفتى الذي كان يتحدث معها. خطا ببطء نحو المكان الذي كان يختبئ فيه زاراثوس، وحين وقعت عيناه عليه، انفجر ضاحكًا بسخرية:

"هاهاهاها! ميرا، تعالي وانظري من سمع حديثنا!"

جاءت ميرا مسرعة، ملامحها متوترة، خطواتها مترددة. حين اقتربت، وقعت عيناها عليه.

تجمدت في مكانها.

عيناها اتسعتا بصدمة، وملامح وجهها تلبدت بتوتر واضح. بدا وكأنها تحاول العثور على كلمات مناسبة، لكن صوتها حين خرج، كان ضعيفًا... مترددًا... مذعورًا:

"م-ماذا تفعل... ه-هنا؟"

زاراثوس لم يقل شيئًا.

لم يكن هناك شيء ليقال.

كل شيء كان واضحًا.

استدار فجأة، ثم انطلق راكضًا بكل قوته، كما لو كان يهرب من وحش يطارده.

مدت ميرا يدها نحوه للحظة، وكأنها تريد منعه، لكنها ترددت. نظرت إلى الفتى الذي كان بجانبها، ثم سحبت يدها ببطء، وأجبرت نفسها على الوقوف دون حراك.

ركض زاراثوس بين الأزقة، والدموع تتدفق بحرارة على وجهه.

"يا لي من أحمق..."

ضرب قلبه بعنف، وكأنه يريد تمزيقه.

كل الذكريات التي اعتقد أنها جميلة، كل اللحظات التي قضوها معًا، كل الضحكات التي تشاركها معها...

كانت كذبة.

استمر في الركض، غير مدرك إلى أين يذهب. فجأة، اصطدم بجدار حجري، ليسقط أرضًا.

شعر بالدوار، وعيناه أصبحتا مشوشتين من الدموع، لكنه لم يسمح لنفسه بالبقاء هناك.

نهض، مسح وجهه بكم قميصه، واستجمع أنفاسه.

"لا يجب أن أبدو ضعيفًا..."

مسح آثار الدموع والغبار عن ملابسه، ثم أكمل طريقه سيرًا، متوجهًا نحو المكان الذي ينتظره فيه فنغ.

عندما وصل، استقبله فنغ بنبرة هادئة، لكن في عينيه لمحة من الشك:

"هل عدت بهذه السرعة؟ لم تكن بحاجة إلى التسرع إن كنت ترغب في قضاء المزيد من الوقت."

زاراثوس رفع رأسه، محاولًا التظاهر بأنه بخير.

"لا، لقد أنهيت ما لدي. هيا بنا."

نظر فنغ إليه للحظة، وكأنه يحاول قراءة ما خلف كلماته، لكنه لم يعلق. ابتسم بخفة، ثم قال:

"حسنًا، هيا بنا."

ثم انطلقا معًا، مغادرين المدينة، متوجهين إلى الجبال البعيدة.

زاراثوس لم ينظر خلفه أبدًا.

لأن الماضي الذي تركه هناك... لم يعد يستحق النظر إليه.

بينما كانوا يشقون طريقهم عبر الجبال، فعَّل فنغ ميزة التخاطر مع نظامه، متجنبًا أي احتمال لأن يسمعه زاراثوس.

[أيها النظام، ستكون مسؤولًا عن تدريب زاراثوس. أريده أن يبني أساسًا لا تشوبه شائبة.]

{اطمئن، سأجعله قويًا بما يكفي ليكون سيفك الحاد.}

[هناك مشكلة... زاراثوس أعمى، لن يكون قادرًا على قراءة التقنيات التي ستعطيها له، وأنا لا أملك الوقت لقراءتها عليه.]

{لا تقلق بشأن ذلك، سأقوم بنقل المعلومات مباشرة إلى عقله وكأنك أنت من لقنته إياها. لا يجب أن يعلم أحد بوجودي.}

أثناء تبادلهم الحديث، كان زاراثوس يسير بصعوبة خلف فنغ، عينيه شبه مغلقتين من الإرهاق، وخطواته تترنح تحت ثقل التعب. بدأ الفجر يلوح في الأفق، لكن جسده كان يطالب بالراحة.

فجأة، توقف فنغ واستدار إليه، ثم قال بلهجة صارمة:

"توقف للحظة يا زاراثوس."

رفع زاراثوس رأسه بصعوبة وهو يتثاءب، "ماذا؟ هل سنرتاح أخيرًا؟"

ألقى فنغ نظرة سريعة عليه قبل أن يقول بصوت بارد:

"لا، سنبدأ التدريب من الآن."

اتسعت عينا زاراثوس قليلاً وهو يرمش بعدم تصديق، "الآن؟ بحق السماء، لم أنم منذ يومين! ألا يمكننا على الأقل—"

قبل أن يُكمل جملته، شعر بريح قوية تضربه قبل أن يدرك أن جسده قد طار في الهواء. لم يشعر إلا بألم شديد في بطنه، فقد رَكَلَه فنغ بكل قوته، ليرسله يتقلب في الهواء.

تسارع نبضه وهو يسقط بسرعة نحو الأرض، لكنه قبل أن يصطدم، أمسكه فنغ فجأة، وأوقفه في وضع مستقيم كأن شيئًا لم يحدث.

ثم، بصوت هادئ لكنه يحمل نبرة لا تقبل الجدال، قال:

"من الآن فصاعدًا، انسَ الراحة، انسَ اللطف. إذا كنت تريد أن تصبح قويًا، فعليك أن تعيش الجحيم."

ابتلع زاراثوس ريقه، جسده لا يزال يرتجف من الألم، لكن قبل أن يستوعب كلام فنغ، أتى الأمر التالي:

"مئة تمرين ضغط. الآن."

نظر زاراثوس إليه بصدمة، "مئة؟ أنت تمزح، صحيح؟ بالكاد أستطيع القيام بخمسة—"

لكنه سرعان ما توقف عن الكلام عندما رأى فنغ يرفع قدمه مجددًا، تذكر الألم الذي لا يزال يحرق بطنه، فاندفع فورًا إلى الأرض وبدأ بالتمرين.

عند الضغطة العاشرة، فجأة، شعر بثقل إضافي على ظهره. حدّق إلى الأسفل متوترًا، ثم التفت قليلًا ليدرك أن فنغ قد جلس فوقه بلا مبالاة، وكأن الأمر لا يعنيه.

ارتجف جسده بالكامل وهو يحاول المقاومة لكنه انهار، سقط وجهه على الأرض، أنفاسه متقطعة.

سمع صوت فنغ فوقه، نبرته هادئة لكنها تحمل تهديدًا خفيًا:

"لديك خمس ثوانٍ للنهوض. إن لم تفعل، سأبرحك ضربًا، وستعيد العد من الصفر."

2025/02/04 · 3 مشاهدة · 1007 كلمة
نادي الروايات - 2025