حمل فنغ زاراثوس بين ذراعيه دون أن ينطق بكلمة، ثم انطلق بسرعة خارقة نحو قمة الجبل. كان الجبل شامخًا وعظيمًا، لدرجة أن قمته لامست الغيوم، كأنه ناطحة سحاب زرعت وسط الطبيعة.
الهواء صار أكثر برودة كلما ارتفع، والضباب الكثيف غطى القمة بالكامل، لكن فنغ لم يتوقف. وعندما وصل أخيرًا، كان زاراثوس قد غلبه النوم من شدة الإرهاق، وغطّ في نومٍ عميق بين ذراعيه.
نظر فنغ إلى المكان من حوله، ثم تمتم بصوت منخفض: "سيكون هذا مناسبًا..."
وبدون تردد، بدأ في تجهيز كل شيء... في حين أن زاراثوس لا يزال غارقًا في نومه العميق.
بدأ فنغ شيو ببناء كوخٍ بسيط عند قمة الجبل، ولم تمر ساعة واحدة حتى كان قد انتهى منه بالكامل، بدقة وكفاءة مذهلة. حمل زاراثوس بلطف وأدخله إلى الكوخ، ووضعه على سرير خشبي صنعه بنفسه، ثم جلس يراقبه بصمت.
لكن فجأة، بدأت طاقة ذهبية مقدسة تشع من جسد زاراثوس النائم. جسده بدأ يتشقق ببطء، وكأن نورًا مخفيًا كان يبحث عن مخرج.
ضاقت عينا فنغ وسأل بقلق:
"أيها النظام... ما هذا؟"
رد النظام بصوت مفعم بالدهشة والسرعة:
{لقد بدأ الجسد في التنشيط... هذه الطاقة هي طاقة الفوضى المقدسة. سيد الجسد قد بدأ بالظهور... يمكنك امتصاص هذه الطاقة الآن، ستكون كنزًا لا يُقدّر بثمن بالنسبة لك!}
دون أن يتردد، جلس فنغ في وضع التأمل وبدأ بمحاولة امتصاص طاقة الفوضى المقدسة، لكن ما إن بدأ بذلك حتى استيقظ شيء مظلم بداخله.
لعنته... استيقظت.
بدأت عروقه تتحول إلى اللون الأسود وتبرز بقوة من تحت جلده، واندفعت مجسّات سوداء من فمه، مصحوبة بكمية هائلة من الدم. لم تتوقف عند ذلك، بل خرجت المجسات من أنفه، أذنيه، وعينيه، حتى بدت وكأنها تنفجر من جسده في كل الاتجاهات.
الألم... كان وحشيًا. نفس الألم الذي لم ينسَه أبدًا.
اندفعت المجسّات نحو طاقة الفوضى المقدسة، وبدأت في امتصاصها بجنون... وكأن اللعنة أرادت تلك الطاقة أكثر مما أرادها فنغ نفسه.
كان الألم ينهش فنغ من الداخل، مجسّات اللعنة تتغذى على طاقة الفوضى، ودماؤه تتناثر من كل فتحة في وجهه، لكن الغريب… لم تصدر عنه أي ردة فعل.
لا صرخة.
لا أنين.
لا حتى تعبير ألم على وجهه.
فقط هدوء قاتل، كأن الألم لم يعنه شيئًا، أو كأن جسده فقد القدرة على التعبير.
تابعت المجسات السوداء عملها، وامتصت كل ما تسرب من طاقة الفوضى المقدسة، ثم عادت إلى جسد فنغ بسرعة خاطفة، تاركة خلفها بقعًا من الدم متناثرة حوله. عيناه تقطران دمًا، أذناه، أنفه، وحتى جلده كان ينزف، لكنه لم يتحرك. ظل ثابتًا، صامتًا، كأنما دخل في حالة فوق الألم.
أما زاراثوس، فكان جسده يستمر في التشقق شيئًا فشيئًا… إلى أن انفجر.
لم يكن انفجارًا داميًا، بل انفجار نور. تناثر الجسد الأول، وحل مكانه جسد جديد... يشبهه في الملامح، لكن بوضوح كان أقوى، أصلب، ينبض بطاقة هائلة ومهيبة.
جسد الفوضى المقدس.
حلّ الصمت. حتى الرياح عند قمة الجبل هدأت، كأن الطبيعة نفسها توقفت لتشهد هذا الميلاد الجديد.
ظل فنغ مغمض العينين، ساكنًا، حتى اخترق النظام الصمت أخيرًا بصوت منخفض وواثق:
{لا داعي للشعور بأي شيء... سأجعل هذه اللعنة تحت سيطرتك. طاقة الفوضى أيضًا… سنعيدها إليك، لكن وفق إرادتك هذه المرة.}
{متى تريد أن نبدأ؟}
فتح فنغ عينيه ببطء، ومرت لحظة صمت ثقيل قبل أن يتحدث بنبرة منخفضة لكنها تحمل في طياتها رهبة لا توصف:
"أيها النظام، أيقظه... وأعطه أول تقنية. ثم استعد، سنذهب لفك اللعنة."
استجاب النظام بسرعة، لينبعث وميض طاقة خفيفة من حول زاراثوس. بدأت عيناه ترتجفان، وراح جسده يتحرك ببطء وكأنه يُستَرجَع من حافة الموت. فتح عينيه، رغم عماه، كان بإمكانه الإحساس بالجو من حوله، دفء النار، رائحة الخشب، والطاقة التي لا تزال تتراقص في المكان.
"أين... أنا؟" سأل بصوت مبحوح.
لكن قبل أن يحصل على جواب، جاءه صوت فنغ، ثابتًا وهادئًا:
"زاراثوس، هناك شيء عليّ فعله. وخلال غيابي... ستبدأ أول دروسك. سأعطيك أول تقنية لتتعلمها."
رفع فنغ يده ببطء، وأشار للنظام. على الفور، انطلق شعاع من النور الأبيض من فراغ بجانب فنغ، واخترق جسد زاراثوس ليغلفه بالكامل. تجمد في مكانه، عينيه مفتوحتان، أنفاسه متسارعة، إذ بدأت المعلومات تتدفق إلى عقله مباشرة.
كان الاسم محفورًا بداخله فجأة:
صوت الخراب.
كل ما يتعلق بها – كيفية تشكيلها، كيف تتحكم بطاقة الفوضى لخلقها، ومتى يُسمح له باستخدامها – أصبح واضحًا كما لو أنه وُلد وهو يعرفها.
وقبل أن يتكلم أو يسأل، سمع خطوات فنغ تبتعد. وقف عند باب الكوخ، ثم قال بصوت هادئ دون أن يلتفت:
"تدرّب عليها جيدًا... وعندما أعود، أريد أن أرى أول شرارة من الفوضى تنبض بين يديك."
ثم خرج واختفى بين الغيوم الكثيفة التي تحيط بقمة الجبل...
في مكانٍ آخر، بعيدًا عن قمة الغيوم حيث ينام زاراثوس ويتعلم أولى خطواته في الفوضى، وفي عمق جبلٍ آخر تحيط به الغابات من كل الجهات وتلفّه السحب من علٍ...
ظهر فنغ شيو فجأة من العدم، دون صوتٍ أو سابق إنذار، وكأن الهواء نفسه قد انفتح ليستقبله.
كان ذلك في داخل كهفٍ مظلم، لا تصل إليه أشعة الشمس، لكن رائحة الأرض والهدوء العميق جعلاه يبدو كملاذٍ للعزلة. تقدم بخطوات بطيئة، ثم جلس على الأرض الباردة، طيّ ظلّ جدارٍ حجري، مسندًا ظهره إليه.
عينيه كانتا مغمضتين، وأنفاسه منتظمة، لكن داخله كان يغلي... ليس من الغضب، بل من القرار الذي اتّخذه. لعنة الجسد التي يحملها لم تعد شيئًا يمكن تجاهله، والآن... حان وقت فكها.
صوت النظام همس بهدوء في ذهنه:
{هل أنت مستعد لبدء المرحلة الأولى...؟}