مع بزوغ شمس اليوم التالي، استيقظ فنغ مبكرًا على غير عادته. فتح النافذة الخشبية الصغيرة، فتسلل نسيم الجبل العليل إلى الداخل، حاملاً معه عبق الأعشاب البرية، ونفحات صباح نقي يوحي ببداية جديدة.

<بعد ساعة> كان زاراثوس قد استيقظ، وكان الفطور قد أُعدّ بعناية، وكل شيء في مكانه. جلس الاثنان وتناولا الطعام، وبعد أن انتهيا، نظر فنغ نحو الأفق للحظة، ثم التفت بصمت إلى نظامه وقال في ذهنه

[أيها النظام، امنحه مئات القدرات والتقنيات ليبدأ في تعلمها من الآن.]

وما إن أنهى كلماته، حتى انطلق ضوء ساطع من النظام باتجاه زاراثوس، كما حدث في المرات السابقة.

خرج فنغ شيو من الكوخ، السحب كانت تحيط بالقمة كعادتها، تغطي الأفق وتلامس أطراف الجبل.

مشى بخطوات هادئة نحو الحافة، وقف لثوانٍ ثم قفز.

ظل يهبط بهدوء بين الضباب، لا يُصدر أي حركة إضافية. ولما اقترب من الأرض، ضخ طاقة من قدميه، فانطلق بسرعة نحو المدينة، طافيًا على ارتفاع بسيط عن الأرض.

حركته كانت مستقرة وسريعة، لا يلامس الأرض، ولا يتباطأ.

بعد لحظات قليلة، اقترب فنغ من أطراف المدينة. لم يتبقَ سوى أمتار معدودة، وفجأة تباطأ في الهواء، ثم هبط بهدوء على الأرض. كان يرتدي قبعة قش آسيوية، حافتها الواسعة تُلقي بظل كثيف على وجهه، تكاد تخفي ملامحه بالكامل. فضل أن يبقي رأسه مائلًا قليلًا نحو الأسفل.

ظلّ فنغ يتمشى بهدوء تام، ثم فجأة قال بصوت منخفض:

"أيها النظام، ألا تجد هذا غريبًا؟ كل من حولي أقوى مني... زاراثوس، أوريان، جميعهم يمتلكون قدرات تفوقني بكثير.

ومع ذلك، يظنون أنني الأقوى. بل إنهم يؤمنون بذلك. حتى الكائنات في عالم المرايا تظن الأمر نفسه."

رد النظام بنبرة هادئة، وقد اختلط فيها بعض السخرية:

{ قد يبدو الأمر مضحكًا قليلًا، لكن ما تملكه يُعد نوعًا خاصًا من القوة. فكر في الأمر: حين يرى الناس قوة أوريان بعد أن يُكمل تدريبه، وقوة زاراثوس، فكيف تتوقع أن ينظروا إلى "سيد" هذين الاثنين؟

من الطبيعي أن يعتقدوا أنك أقوى منهم، خصوصًا بامتلاكك لعين لعنة الضلال الناطقة. مجرد تفعيلها كافٍ لبثّ الرعب في قلوب من تريد، ناهيك عن قدرتك على توجيه هذا الرعب كما تشاء... نحو شخص، أو مكان، أو حتى فكرة.

ببساطة... تبدو الأقوى، حتى لو لم تكن كذلك في الجوهر.}

في مكانٍ آخر، وزمانٍ مضى، قبل سنوات عدّة…

بعدما حمل فنغ شيو ابنته ورحل بصمت قاتل، دون أن يترك أثرًا أو حتى صوتًا يدل على غضبه، كانت لينا لا تزال فوق جسد تشين، تتنفس بسرعة، وقطرات العرق تلمع على كتفيها.

دقائق مرت من ممارسة الحب، لم يكن فيه سوى أنفاس متقطعة. نظرت إليه، ثم تنهدت ووقفت دون أن تلتفت كثيرًا.

"يجب أن تغادر قبل أن يأتي فنغ ويرانا. أما أنا، فسأذهب للاستحمام." قالتها وهي تمسك منشفة صغيرة، غير مدركة أن فنغ لن يعود، وأنه لم يرَ فقط، بل رحل للأبد.

تشين لم يُجب مباشرة، بل جلس في السرير ينظر إلى السقف للحظة. "أعتقد أن علينا التحدث لاحقًا عن ما سنفعله..." قال بصوت خافت.

لم ترد عليه. دخلت الحمام وأغلقت الباب خلفها. صوت الماء بدأ بالانسياب، وبدأت تمسح جسدها وكأنها تزيل أثر اللحظة. لم يكن على وجهها ندم. فقط تعب.

في الخارج، كان تشين يرتدي ثيابه بهدوء. نظر إلى باب الغرفة، ثم إلى صورة صغيرة على الطاولة تظهر فنغ، لينا، والطفلة الصغيرة. سحب الصورة ووضعها مقلوبة، ثم غادر المنزل بصمت.

كانت لينا لا تزال تحت الدش، تستمتع بحرارة المياه التي تنزل على جسدها. "عليّ أن أسرع في خطتي"، تمتمت لنفسها وهي تطلق تنهيدة طويلة، قبل أن تغلق عينيها وتترك جسدها يسترخي قليلًا.

بعد دقائق، أغلقت الماء وبدأت تجفف نفسها بمنشفة بيضاء. خرجت من الحمام بهدوء، خطواتها ثابتة نحو الخزانة وقفت أمامها، تمسح آخر قطرات الماء عن جسدها.

مدّت يدها، فتحت باب الخزانة ببطء، وعيناها تتجول بين الثياب. "هممم... ماذا أرتدي اليوم؟" قالت بصوت منخفض وكأنها تحدث نفسها.

وقفت لدقائق تتأمل، ثم سحبت قطعة من الملابس بيدها، شدّتها ببطء وهي تراجع في ذهنها ما ستفعله بعد ارتدائها.

اختارت لينا فستانًا رماديًا ناعمًا، قصيرًا بعض الشيء، لكنها لم تكن تهتم كثيرًا بالمظهر هذه الأيام، فقط أن تشعر بالراحة. ارتدته ببطء، ثم توجهة ووقفت أمام المرآة تتأمل انعكاسها"كل شيء يسير كما يجب..." قالت بهدوء، وهي تمسح بقايا البخار عن زجاج المرآة. لم يكن في صوتها حزن، ولا تردد

مرت بضع دقائق قبل أن تلتفت نحو باب الغرفة. "جميل..." تمتمت بينها وبين نفسها.

بدأت لينا بتحضير حساء الدجاج بالكريما والثوم. سحبت قدرًا متوسط الحجم ووضعته على النار. سكبت فيه القليل من زيت الزيتون، وانتظرت حتى بدأت رائحته تعبق في المطبخ. قطّعت بصلة صغيرة إلى شرائح رفيعة، وألقتها في القدر، ثم أضافت فصين من الثوم المهروس، وقلبتهما حتى بدأ اللون الذهبي بالظهور.

بعدها، أخرجت صدر دجاج كانت قد حفظته في الثلاجة منذ صباح الأمس، وقطعته إلى مكعبات صغيرة، وأسقطته داخل القدر.

بدأت الرائحة ترتفع أكثر، تداخل فيها الثوم مع الدجاج والبصل. أضافت رشة فلفل أسود، وملعقة صغيرة من الملح، ونصف ملعقة من البابريكا. ثم سكبت كوبين من الماء الساخن.

أغلقت الغطاء وتركت الحساء يغلي، بينما ذهبت لتحضر الكريما. عادت بعد دقائق، وفتحت الغطاء، أضافت نصف كوب من كريما الطهي، وحرّكت المزيج بهدوء.

"سيكون جيدًا..." تمتمت، وهي تراقب الحساء يتكاثف شيئًا فشيئًا.

سارت نحو النافذة. كانت مفتوحة قليلًا. نسمة باردة دخلت تداعب ستارة قطنية بيضاء. عضّت شفتها بتوتر.

ركضت إلى الخزانة الصغيرة بجانب السرير، فتحتها سريعًا... ملابس الطفلة كلها موجودة. عادت ببصرها إلى السرير، إلى الدمية، مدت يدها ولمستها — كانت باردة.

تراجعت لينا خطوة إلى الوراء، شعرت بقشعريرة تسري في جسدها. "لا... لا يمكن..." همست.

خرجت مسرعة من الغرفة، عادت إلى المطبخ، ثم إلى الصالة، تفتش بعينيها كل زاوية، كل ركن، كل احتمال. "شين؟ هل عدت وأخذتها معك؟ لا... لا أعتقد..." قالت بصوت مرتجف.

تقدمت نحو الباب الأمامي وفتحته، نظرت إلى الخارج، الشارع كان هادئًا، لا أثر لأي أحد.

تصلبت ملامح وجهها. في تلك اللحظة، تسلل إليها شعور لم تختبره منذ زمن — الخوف.

أغلقت لينا الباب ببطء، وكأنها تحاول أن تُبقي الخوف بالخارج، لكنه كان يتسلل من كل زاوية في الداخل.

"مستحيل… لا يمكن أن تكون قد خرجت وحدها..." تمتمت وهي تعود إلى غرفة ينغ.

وقفت في منتصف الغرفة، تنظر حولها بعين مختلفة هذه المرة. لاحظت شيئًا لم تنتبه له من قبل: أحد الأدراج الجانبية مفتوح قليلاً. تقدمت ببطء وفتحته، فوجدت بداخله قطعة قماش صغيرة... بطانية ينغ القديمة. لم تكن مطوية كما اعتادت أن تتركها.

ثم لاحظت شيئًا آخر... الباب الخلفي للمنزل، المؤدي إلى الزقاق الصغير، لم يكن مغلقًا بإحكام.

شعرت وكأن الأرض تبتلع قدميها. تذكّرت وعدها ليَنغ قبل أيام: "طالما أنا معك، لن يؤذيك شيء." والآن... اختفت الطفلة.

وفجأة، فُتح الباب الأمامي بقوة.

"لينا؟" دخل شين بصوته الهادئ المعتاد، لكنه ما إن رأى وجهها حتى تغيرت نبرته. "رأيتك من بعيد... ما الذي حصل؟"

نظرت إليه بعينين متسعتين، واقتربت منه مسرعة.

"ينغ... اختفت."

سكت لوهلة، ثم سأل بنبرة حذرة: "هل تأكدتِ أنها لم تخرج فقط لتلعب في الحي؟"

هزت رأسها بسرعة: "لا، لا، كل شيء هنا مرتب. الباب الخلفي نصف مفتوح، لكنها لم تأخذ شيئًا معها... حتى دميتها تركتها."

نظر شين حوله، ثم التفت إلى لينا: "علينا أن نجدها قبل أن يعود فنغ..."

تجمدت. الفكرة ضربت عقلها كصفعة. لم تكن تريد التفكير في هذا الاحتمال... لكنه الآن بدا منطقياً، بل مرعباً.

تبادلا نظرة طويلة، فيها مزيج من الشك، الذنب، والخوف.

أسرعت لينا وشين بالخروج من المنزل، وافترقا للبحث عنها.

"شين، اذهب من هذا الطريق، وأنا من ذاك." قالتها بسرعة، ثم انطلقت كالسهم.

كانت تركض والخوف يعتصرها. رأت صديقتيها من بعيد، واندفعت نحوهما، لكن فجأة... بوم، تعثّرت وسقطت على الأرض.

اقتربت صديقتها منها بقلق، وسألتها: "لينا، ما بكِ؟" رفعتها عن الأرض، بينما كانت لينا تهمس بدموع غزيرة: "إب...إبنتي... ينغ..."

ربتت صديقتها على كتفها: "لا تقلقي، سنجدها، عاجلاً أم آجلاً."

مسحت لينا دموعها وابتسمت بصعوبة، ثم انطلقت الفتيات الثلاث في رحلة البحث.

كانت لينا تسأل كل من تقابله: "هل رأيت ابنتي ينغ؟" "لا." "أيها العم، هل رأيت فتاة صغيرة تدعى ينغ؟" "لا، للأسف."

وكل مرة، كان الجواب نفسه: "لا."

بعد ساعة من البحث، التقت لينا بشين وصديقتيها. تبادل الأربعة نظرات صامتة، لا أحد منهم نطق بكلمة. لا أحد وجد شيئًا. انهارت لينا، غير قادرة على الوقوف، فاندفع شين وأمسك بها قبل أن تسقط.

قال بهدوء: "شكرًا لكم على المساعدة... ربما من الأفضل أن تأخذوا قسطًا من الراحة الآن."

2025/04/22 · 29 مشاهدة · 1281 كلمة
نادي الروايات - 2025