بعد المعركة العنيفة، وجد فنغ شيو نفسه مُمددًا على الأرض، والجروح تنزف من جسده المثخن. كان سلك الصخرة قد تمزق عباءته وأصابه بجروح عميقة. مع كل حركة، كان الألم يزداد، ولكن لم يكن لديه خيار سوى محاولة معالجة نفسه. تفحص الجروح ببطء، وكانت الكدمات والدماء تغطي الجزء الأكبر من جسده. كانت يديه ترتجفان، حيث استخدم قطعة من قماش عباءته الممزقة كضماد، وحاول ربط الجروح بشدة لتقليل النزيف.

نظر إلى السماء الرمادية فوقه، وسرعان ما داهمته الرائحة الحادة للدماء والمعدن. شعر بالتعب والإرهاق، ولكن عزيمته كانت أقوى من الألم. بدأ يجمع الأعشاب الطبية التي نمت حوله، مستخدمًا معرفته البسيطة بعلاج الجروح. سحق الأعشاب بيديه، وأعد مزيجًا من الأعشاب والخلاصات الطبيعية التي أمل أن تساعد في تسريع شفائه. رغم أن العلاج كان غير مكتمل وبدائي، إلا أن الحاجة إلى الاستمرار كانت تدفعه قدمًا.

عندما شعر أن جسده أصبح قويًا بما يكفي للحركة، قرر الرحيل إلى مدينة صغيرة نائية. كانت الرحلة شاقة، حيث استمر النزيف والآلام في مرافقته. وصل إلى المدينة وهو متعب ومنهك، وكان كل خطوة تشبه محاولة جديدة لتحدي الصعاب. في المدينة، وجد مأوى مؤقتًا في نزل صغير، كان رخيصًا ولكنه يوفر له الحماية الأساسية من العوامل الجوية.

بدأ فنغ شيو في البحث عن عمل لتحسين وضعه المالي وتلبية احتياجاته. وجد وظيفة في متجر تجاري صغير، حيث عمل كعامل مبيعات. كان يومه يبدأ مبكرًا، حيث كان يفتح المتجر ويستقبل الزبائن الذين كانوا يأتون لشراء السلع الأساسية. عمل بجد واجتهد في عمله، وهو يأمل في أن يكون هذا بداية لحياة جديدة. كان يعمل من الفجر حتى غروب الشمس، ومن ثم يعود إلى نزل لمواصلة العلاج البطيء لجروحه

كانت السماء ملبدة بالغيوم عندما دخل فنغ شيو إلى المتجر في المدينة الجديدة لأول مرة، يبحث عن بعض الأدوات الأساسية لحياته الجديدة. مظهره كان هادئًا، لكن في أعماقه كانت هناك اضطرابات قديمة تراكمت من تجاربه السابقة. المكان كان مزدحمًا بالناس، كلٌ منهم مشغول بشراء احتياجاته، ولكن وسط هذا الزحام، كانت عيناه تبحثان عن شيء مختلف، ربما سلامًا داخليًا.

بينما كان يقلب في بعض الأدوات القديمة على أحد الرفوف، سمع صوتًا خلفه.

"هل تحتاج إلى مساعدة؟"

استدار فنغ شيو ليجد شابًا يقف أمامه بابتسامة دافئة. كان طويل القامة، بشعر أسود وعينين تلمعان بالنقاء. بدا على الشاب أنه ودود وصادق، وهو الأمر الذي أثار انتباه فنغ شيو على الفور.

"أنا بخير، شكرًا لك"، قال فنغ شيو بنبرة هادئة، محاولًا أن ينهي المحادثة سريعًا.

لكن الشاب لم يبتعد، بل اقترب أكثر وتابع بابتسامة عريضة: "أنا لي شين، أعمل هنا. إذا احتجت أي شيء، فلا تتردد في السؤال."

ابتسم فنغ شيو بخفة وقال: "فنغ شيو."

مرت لحظات صمت قصيرة، ثم قال لي شين: "الطقس اليوم لا يبشر بخير. ربما من الأفضل أن تتناول شيئًا ساخنًا قبل أن تغادر. ماذا عن فنجان شاي؟"

تفاجأ فنغ شيو من العرض. لم يكن معتادًا على لطف الغرباء، ولكنه قرر أن يقبل الدعوة. "لم لا؟"

جلسا معًا في زاوية المتجر حيث كان هناك طاولة صغيرة وكرسيين خشبيين. جلب لي شين الشاي، وبدأت المحادثة بينهما تتدفق بسهولة غير متوقعة.

"من أين أتيت؟" سأل لي شين بفضول.

"من مكان بعيد جدًا... وأنت؟" أجاب فنغ شيو، محاولًا تجنب التفاصيل.

"أنا من هنا، وُلدت وترعرعت في هذه المدينة. لكنني دائمًا حلمت بالسفر إلى أماكن بعيدة، مثل الجبال الشاهقة والغابات المترامية. ربما يومًا ما، سأجد الجرأة لأترك كل شيء وأذهب."

ابتسم فنغ شيو لأول مرة منذ فترة طويلة. كان حديث لي شين يعيده إلى أيام شبابه حينما كان يحمل طموحات مشابهة، قبل أن تغيره الحياة.

مع مرور الأيام، تكررت لقاءات فنغ شيو ولي شين في المتجر. كان لي شين يعلمه كيفية التعامل مع الناس في المدينة، وكيفية التفاوض في التجارة. وشيئًا فشيئًا، بدأت علاقتهما تتطور. كان لي شين ينضح بالمرح والبساطة، ويبدو دائمًا ممتلئًا بالطاقة والحيوية. في أحد الأيام، دعاه لي شين لتناول العشاء في منزله المتواضع.

"أعلم أنك جديد هنا، ولا تعرف الكثير عن الناس. سيكون من الجيد أن تلتقي ببعض الجيران وتتناول وجبة منزلية."

تردد فنغ شيو في البداية، لكنه قرر قبول الدعوة. لم يكن يعرف الكثير عن المدينة أو الناس، وبدأ يشعر أنه بحاجة إلى إعادة بناء حياته بطريقة ما.

في المساء، جلسوا حول مائدة صغيرة مليئة بالطعام البسيط ولكن اللذيذ. كانت الضحكات تملأ المكان، والقصص تُروى بحرارة. تبادلوا الحديث عن الحياة، عن الطموحات، وعن الحب والخسارة. كان لي شين يجيد رواية القصص، وكان دائمًا يعرف كيف يجعل الجميع يبتسمون.

"أتذكر عندما كنت صغيرًا، كنت أحلم بأن أصبح محاربًا عظيمًا!" قال لي شين ضاحكًا. "لكنني اكتشفت بسرعة أن السيف أثقل من أن أحمله."

ضحك الجميع، ولكن فنغ شيو لاحظ أن خلف تلك الضحكات كانت هناك رغبة عميقة في لي شين لتحقيق شيء أكبر. بدأ فنغ شيو يرى في لي شين ليس مجرد صديق، بل شخصًا يحمل داخله أحلامًا وطموحات مشابهة لتلك التي كان يمتلكها يومًا ما.

مع مرور الشهور، أصبحا لا يفترقان. كانا يقضيان ساعات طويلة في الحديث عن كل شيء: عن المدينة، عن الناس، وعن أحلامهم التي لم تتحقق بعد. في أحد الأيام، بينما كانا يجلسان تحت شجرة ضخمة خارج المدينة، قال لي شين بنبرة هادئة: "أحيانًا أتساءل... ماذا لو كانت حياتي مختلفة؟ ماذا لو كنت وُلدت في مكان آخر؟"

نظر فنغ شيو إلى السماء وقال بهدوء: "الحياة تمنحنا الخيارات، ولكن ليست دائمًا تمنحنا الفرص. كل ما يمكننا فعله هو أن نعيش بأفضل طريقة ممكنة."

صمتا لبضع دقائق، ثم ابتسم لي شين وقال: "ربما أنت محق. لكنني سعيد بأنني التقيتك. لقد جعلت حياتي أكثر إشراقًا."

مر الوقت هكذا و الحياة تسير بأفضل حال........كانت "لينا" أول امرأة تدخل حياة فنغ شيو بعد فترة طويلة من الوحدة. التقيا في أحد معارض التجارة، حيث كانت لينا تعمل كمسوقة للبضائع. كان لأسلوبها المهني والأنيق تأثير كبير على فنغ شيو، الذي لم يتردد في بدء حديث معها. كانا يتبادلان الحديث عن التجارة والأسواق، مما أدى إلى تعميق العلاقة بينهما.

تطورت علاقتهما بمرور الوقت، ومع تزايد الأوقات التي قضياها معًا، بدأت مشاعرهما تتعمق. لم يكن فنغ شيو مقتنعًا في البداية بالفكرة، لكنه شعر بوجود شيء مميز في لينا، كانت نادرة في أفعالها وطيبها، مما جعله يشعر بالأمان بعد سنوات من الوحدة والعزلة.

قرر فنغ شيو أخيرًا أن يطلب يد لينا للزواج. كانت لحظة مليئة بالمشاعر، حيث اعتبر هذا القرار خطوة نحو الاستقرار والسعادة. وافقت وانغ يي بفرح، وأصبحت الحياة الزوجية تمثل بداية جديدة لفنغ شيو. تزوجا في حفل بسيط ولكنه مفعم بالحب والاحتفال.

مرت السنوات، وأصبح لدى فنغ شيو وزوجته ابنة صغيرة تُدعى "ينغ". كانت ليان تبلغ من العمر خمس سنوات، وكانت تملأ حياته بالسعادة. كان فنغ شيو يحبها بشدة، ويحرص على قضاء وقت ممتع معها كلما أمكن. كانت الأوقات التي يقضيها معها مليئة بالضحك والمرح، وكان يحاول جاهدًا أن يوفر لها حياة مريحة وسعيدة.......

الجو كان باردًا في الخارج، والليل قد أسدل ستاره على المدينة. عندما دخل فنغ شيو إلى منزله، كل ما كان يبحث عنه هو بعض الراحة بعد يوم طويل في الورشة. مشى بخطوات هادئة في الممر المؤدي إلى غرفة النوم، الهواء كان محملاً بالصمت المعتاد، لكنه لم يكن يعلم أن هذا الصمت يخفي خلفه عالمًا من الغدر والخيانة.

أثناء اقترابه من غرفة النوم، بدأ يسمع همسات خافتة، أصوات لم تكن غريبة عليه، لكنها بدت مشوهة. وقف لبرهة، شعر بشيء ما يخترق صدره، تردد لثوانٍ، لكنه قرر في النهاية فتح الباب ببطء.

أمامه، كانت لينا، زوجته التي أحبها واعتبرها شريكته في الحياة، في حضن تشين، صديقه الأقرب، الرجل الذي وثق به لدرجة أنه كان يعامله كأخ له. كان المشهد كالكابوس؛ لا كلمات، ولا مبررات، فقط ألم صامت يتغلغل في قلبه.

ظل واقفًا للحظات لا يصدق ما يراه. "كيف يمكن لهما؟ كيف استطاعا أن يخوناني؟"، تلك الأسئلة كانت تتساقط في ذهنه كالأمطار الغزيرة. قلبه كان يصرخ، لكن لسانه لم ينطق بكلمة. لم يعرف كيف يتصرف، هل يواجههما؟ هل يصرخ؟ هل يتركهما ويذهب؟ كل شيء داخله كان محطمًا.

وفي اللحظة التي همّ فيها بالاستدارة والخروج، سمع لينا تقول بهمسات مملوءة بالخيانة: "ينغ ليست ابنته... إنها ابنتنا نحن."

توقف قلب فنغ شيو للحظة، كأن العالم كله تجمد. شعر بشيء حارق يتصاعد في صدره، لم يكن يعرف ما إذا كان هذا الغضب أو الألم أو كلاهما معًا. "ابنة زنا؟ ابنة خيانة؟" فكر بمرارة، "كل ما فعلته من أجلها، كل لحظة ربتها فيها... لم تكن لي؟!"

الحوار في داخله أصبح فوضويًا، غضبه كان يتصاعد، ودموع لم يستطع منعها بدأت تحرق عينيه. "هل كان كل شيء كذبًا؟ هل كنت مغفلًا لهذا الحد؟" كان يكرر تلك الأسئلة في داخله، في كل زاوية من روحه.

"كيف استطاعت؟ كيف استطاع هو؟ تشين... الذي كنت أعتبره أخًا... ولينا... ابنتنا، تلك الصغيرة البريئة، ليست مني؟! هل كان كل شيء وهمًا؟ هل عشت حياة مزيفة؟!"

استمر في الحديث مع نفسه، كأن عقله لم يعد يتحمل صدمة الخيانة. كان يشعر بأن الأرض تتهاوى من تحت قدميه. كل ذكرى جميلة عاشها مع ابنته، كل ضحكة، كل ليلة قضاها بجانبها، كل يوم كان يعود منه مرهقًا ليجدها بانتظاره... كلها كانت خدعة.

بدأت تنهشه الأسئلة القاسية، "هل سأستطيع أن أنظر في عينيها مرة أخرى؟ هل سأتمكن من أن أحبها بنفس الطريقة؟ إنها ليست مني... ولكنها كل ما أملك."

اختنق بأنفاسه، شعر وكأن جسده لم يعد يحتمل وزنه، وكأن كل ذرة في كيانه تتلاشى. وقف للحظات متجمدًا في مكانه، قبل أن يأخذ قرارًا أخيرًا. لم يعد هناك ما يقال، ولا شيء يمكن إنقاذه.

غادر الغرفة دون أن يصدر أي صوت. ترك لينا وتشين خلفه، غارقين في خيانتهما، وذهب إلى غرفة ابنته ينغ. نظر إليها وهي نائمة بسلام، كانت تبتسم في نومها، ولم يكن لديها أدنى فكرة عن العاصفة التي تجتاح حياة والدها في تلك اللحظة.

جلس بجانبها، شعر بأن حبه لها لم يتغير. "حتى لو لم تكن مني... سأظل أحبك. لن أتركك تتألمين بسبب أخطاء الآخرين." فكر في نفسه، قبل أن يمد يده ويلمس شعرها برفق.

حمل ابنته بين ذراعيه، وغادر المنزل دون أن يلتفت خلفه. ترك كل شيء وراءه، الخيانة، الألم، والذكريات.

لكنه كان يعلم أن ما اكتشفه هذه الليلة لن يختفي أبدًا.

بعد الهروب من ماضيه المؤلم، واستعادة جزء من السعادة مع ابنته، كان فنغ شيو يعتقد أن الحياة قد منحت له فرصة جديدة. في المدينة الصغيرة التي هاجر إليها، بنى حياة هادئة نسبيًا. كان يعمل بتجارة الحبوب، حيث يتنقل بين المزارعين والتجار الصغار، يبني علاقات جديدة مع الناس. مع مرور الأيام، استطاع أن يكون أكثر من مجرد تاجر؛ أصبح شخصًا يعتمد عليه الجميع لحل مشاكلهم. ورغم أنه لم يعد يثق بأحد، كان يحاول أن يصنع لابنته عالماً هادئًا وسعيدًا.

ابنته، يينغ، كانت شعاعًا من النور في حياته المظلمة. مع كل ابتسامة، كانت تغمره بالسعادة وتجعل جروحه القديمة أقل إيلامًا. كان يحب أن يمضي الوقت معها في الحقول الخضراء أو على شاطئ النهر الذي يمر بجوار المدينة، حيث كانوا يجلسون لساعات، يستمعون إلى صوت الماء الجاري بينما تغني له بصوت ناعم أغاني تعلمتها من أطفال المدينة.

وفي تلك المدينة، شعر فنغ شيو لوهلة أنه قد نجح في بناء حياة مستقرة، وكأن الندوب العميقة التي تركتها الخيانة في قلبه قد بدأت تلتئم. مرّت ثلاث سنوات منذ وصولهما إلى هذه البلدة الهادئة، وكان الإحساس بالأمان والسعادة يتنامى. ابنته كانت تزداد جمالًا ونضجًا، وروحها الحيوية كانت تمنحه الدافع للاستمرار.

ولكن الحياة لا تعطي شيئاً دون أن تطلب مقابلاً. ذات يوم، وعندما كان فنغ شيو يعمل في السوق، بدأت الأخبار تنتشر سريعًا بين الناس: الحرب على الأبواب. لم يكن أحد يتوقع أن تصل الفوضى إلى تلك المدينة البعيدة والهادئة، لكن الجنود والغزاة كانوا يقتربون. الشوارع كانت تملأ بالهلع، والناس يتسارعون في جمع ممتلكاتهم والهرب.

في تلك اللحظة، أدرك فنغ شيو أنه عليه أن يحمي ابنته بأي ثمن. عاد إلى المنزل بأقصى سرعة ممكنة، ووجد ابنته مختبئة تحت السرير. "لا تخافي، يا حبيبتي، سنخرج من هنا بسلام"، همس لها وهو يمسك بيدها الصغيرة بقوة، بينما يشعر في داخله بقلق لا يوصف.

مع تقدم الليل، وصلت الفوضى إلى ذروتها. الجنود اقتحموا المدينة، ولم يعد هنالك مكان آمن. حاول فنغ شيو البحث عن ممر آمن للهرب، لكن كل الطرق كانت مغلقة أو مليئة بالخطر. وفي تلك اللحظة الحرجة، وجد ممرًا تحت الأرض، كان يستخدمه التجار قديمًا لتهريب البضائع.

"يجب أن تدخلي هنا"، قال لابنته بينما كان يدفعها بلطف نحو الممر الضيق. كانت دموع الخوف تملأ عينيها، لكنها كانت تثق بوالدها تمامًا. "سأكون قريبًا منكِ، فقط انتظري"، طمأنها بصوت هادئ رغم الرعب الذي كان يشعر به في داخله.

لكن القدر كان له رأي آخر. بينما كان فنغ شيو يستعد للدخول بعد ابنته، رأى مجموعة من الجنود قادمة نحوه. عرف في تلك اللحظة أنه لن يستطيع أن يدخل الممر دون أن يلفت انتباههم. فقرر أن يضحي بنفسه من أجل ابنته. وقف هناك، متظاهرًا بأنه لا يخفي شيئًا، وأمام عينيه، تم غرس رمح في ساقه.

صرخ من الألم، لكنه لم يتحرك. أراد أن يتأكد أن ابنته لن تُكتشف. وفي تلك اللحظة، عرف أنه قد لا يراها مرة أخرى. أغمي عليه من شدة الألم والنزيف، وترك الجنود المكان بعد أن اعتقدوا أنه لم يعد يشكل أي تهديد.

---

مرت أيام، ربما كانت ثلاثة أو أربعة. كان فنغ شيو بين الحياة والموت، يعاني من الألم والجوع والبرد. جسده كان في حالة من الإنهاك التام، لكن شيئًا ما في داخله كان يدفعه للاستمرار. بعد أن غادر الجنود، زحف ببطء نحو الممر الذي خبأ فيه ابنته. كانت ساقه متضررة بشكل كبير، وكل خطوة كان يتخذها كانت تزيد من آلامه.

عندما وصل أخيرًا إلى الممر، كانت المفاجأة التي لم يكن يتوقعها. الممر كان فارغًا. "ينغ!" صرخ بصوت متهدج، لكن لا إجابة. بدأ يبحث في كل ركن وزاوية، لكن ابنته لم تكن هناك.

انهار على الأرض، مشاعر اليأس تكتسح كيانه. كيف يمكن أن يحدث هذا؟ كيف يمكن أن تكون ابنته قد اختفت؟ هل أخذها الجنود؟ أم أنها هربت؟ الأسئلة كانت تتدفق في عقله كالسيل، لكنه لم يجد أي إجابة.

لم يستسلم رغم كل شيء. بدأ يبحث في كل مكان في المدينة المدمرة. مشى في الأزقة المظلمة والشوارع المحترقة، يسأل كل من يصادفه، لكنه لم يحصل على أي خبر عن ابنته. مرت الأيام، وتحول بحثه إلى رحلة يأس. لم يتبقَ له سوى الأمل الضعيف في أن يجدها يوماً ما.

---

استمر فنغ شيو في البحث عن ابنته لمدة ثلاث سنوات. كان يذهب من مدينة إلى أخرى، يسأل، يبحث، ويأمل في أن يسمع عنها أي شيء. لكن بعد ثلاث سنوات من الفشل واليأس، بدأ يشعر أن الأمل قد تلاشى تمامًا. أدرك في النهاية أن ابنته ربما لم تعد موجودة في هذا العالم.

في لحظة انكسار، قرر أن يترك كل شيء خلفه. ذهب إلى الجبال، إلى مكان بعيد عن البشر والحروب والخيانة. بنى لنفسه كوخًا بسيطًا بين الأشجار العالية، وصار يعيش هناك بين الحيوانات التي لم تخنه، والتي كانت دائمًا صادقة في تعاملها معه.

الحياة في الجبل كانت بطيئة وهادئة، لكن في داخله، كان هناك شعور دائم بالفقدان. فقد ابنته، وفقد نفسه معها. تحولت الأيام إلى ليالٍ طويلة، حيث كان يجلس أمام النار يتأمل في السماء، يتساءل ما إذا كان سيشعر يومًا بالسلام الداخلي الذي كان يبحث عنه.

لكنه، مع مرور الوقت، بدأ يقتنع أن العالم لم يعد مكانًا للعاطفة أو الأمل. كل ما تبقى هو البقاء والنجاة بأي وسيلة ممكنة.

2024/09/11 · 26 مشاهدة · 2349 كلمة
نادي الروايات - 2024