توضيح:اسم زوجة فنغ شيو هو "لينا واسم ابنته هو "ينغ"

_______________________ _________

بعد أن وصل إلى الجبل، كان فنغ شيو قد اعتاد على الوحدة. الجبال الشاهقة تحيط به، تظلل أيامه بأمطار متقطعة، والنسيم الذي كان يمر بين الأشجار يصنع موسيقى منحنية في أذنيه. الحيوانات كانت هي رفاقه الوحيدون؛ الطيور التي تغني فوق الأشجار، الأرانب التي تقفز بين الحشائش، حتى الذئاب التي تطوف في الليالي الباردة.

في أحد الأيام، بينما كان يستريح قرب كوخه المتواضع، رأى فنغ شيو طفلاً في العاشرة من عمره تقريبًا، يتبع أرنبًا بخفة. كان الطفل يركض بحذر، عيناه تتابعان الأرنب بشغف، لكن فجأة، توقف الأرنب أمام فنغ شيو. وقف الطفل متجمداً في مكانه، نظراته مندهشة، وكأن الأرنب قد قاده إلى مكان غير متوقع.

"لماذا تتبع الأرنب؟" سأل فنغ شيو بنبرة هادئة.

"كنت... أريد الإمساك به..." تلعثم الطفل وهو يحاول تفسير موقفه.

"أرنب صغير كهذا؟ يبدو أنك تطارد الفراغ"، قال فنغ شيو بابتسامة باهتة، ثم أضاف: "هل تبحث عن شيء آخر، يا صغير؟"

أخذ الطفل نفسًا عميقًا وأجاب بصوت خافت: "أعتقد أنني كنت أبحث عن شيء ما. لست متأكدًا بعد."

دون أن يقول شيئًا إضافيًا، جلس فنغ شيو على الأرض ونظر إلى الطفل بحذر. "تعال. الأرنب لن يذهب بعيدًا."

مر الوقت وبدأ ليو، كما أخبر فنغ شيو في الأيام اللاحقة، بالتردد على الكوخ بانتظام. في كل مرة يأتي فيها، كان يجلب شيئًا صغيرًا معه: قطعة خبز، سكينًا صغيرًا، أو حتى بعض الفاكهة. في المقابل، كان فنغ شيو يقدم له بعض الطعام ويدربه على فنون القتال البسيطة.

"لماذا تعيش هنا وحيدًا؟" سأل ليو في أحد الأيام بعد أن قضيا وقتًا طويلًا في التدريب.

رد فنغ شيو بنبرة شبه غامضة: "الحيوانات لا تخون. إنها بسيطة، عكس البشر."

ظل ليو صامتًا لبعض الوقت، ثم قال بصوت هادئ: "لكنني لم أخنك، أليس كذلك؟"

ابتسم فنغ شيو قليلاً، لكنه لم يرد على الفور. كانت إجابته غير مهمة في ذلك الوقت، ولكنه شعر بنوع من الارتياح لوجود الطفل بقربه.

مر عام كامل، واعتاد فنغ شيو على وجود ليو في حياته، إلى أن جاء يوم ولم يظهر فيه الطفل. الأيام تحولت إلى أسابيع، والأسابيع إلى أشهر. مرت ستة أشهر قبل أن يدرك فنغ شيو أن ليو ربما لن يعود.

على مر الشهور التي عاش فيها فنغ شيو على الجبل، كان ينزل إلى المدينة القريبة من وقت لآخر لشراء ما يحتاجه من ضروريات بسيطة. في كل مرة كان يمر بجوار الطرقات، لاحظ مجموعة من الأطفال الفقراء يجلسون على الأرصفة، وجوههم تعكس البؤس والجوع. لم يستطع أن يتجاهلهم، فعيونهم البريئة كانت تذكره بابنته التي فقدها، مما أثار داخله رغبة لمساعدتهم.

في أحد الأيام، وبينما كان يسير عائدًا إلى الجبل، توقف للحظة بجوارهم وأعطاهم بعض العملات المعدنية. لم يقل شيئًا، فقط وضع المال في أيديهم ومضى في طريقه.

بمرور الأيام، أصبح الأطفال يتوجهون نحو الجبل لزيارة فنغ شيو. كانوا يظهرون بالقرب من كوخه الصغير، يتسللون بين الأشجار ويسألون عن الطعام أو المال. فنغ شيو، الذي لم يكن يجد في نفسه رغبة لرفضهم، بدأ يطعمهم من طعامه القليل ويعطيهم ما يستطيع.

"هل لديك طعام اليوم؟" سأل أحد الأطفال ذات يوم، وكانوا جميعًا يجلسون أمام الكوخ.

نظر فنغ شيو إليهم، إلى أجسادهم النحيلة وملابسهم الممزقة. شعر بشفقة عميقة، فدخل الكوخ وجلب لهم بعض الطعام.

"خذوا هذا الطعام، ولكن لا تكثروا من المجيء، فليس لدي الكثير." قال فنغ شيو بنبرة هادئة.

كان الأطفال يبتسمون له ببراءة، يلتهمون الطعام بنهم وكأنهم لم يأكلوا منذ أيام. ومع مرور الأيام، أصبحوا يزورونه بانتظام. كانوا يأتون في الصباح أو المساء، يجلسون معه ويضحكون، وكأنهم وجدوا في كوخه ملجأً لهم.

فنغ شيو لم يشعر بأي شيء غير طبيعي. على العكس، كان يشعر ببعض الراحة في وجودهم، فقد عوضوا بعضًا من الفراغ الذي تركته ابنته. كانوا يتشاركون معه قصصهم البسيطة، ويقضون وقتًا ممتعًا معه، وكان يبادلهم الضحكات أحيانًا.

وفي أحد الأيام، بينما كان واقفًا على حافة الجبل يتأمل الأفق، عاد الأطفال للزيارة. اقتربوا منه بابتساماتهم المعتادة. استدار فنغ شيو ليعود إلى الكوخ، لكن فجأة، شعر بضربة قوية على مؤخرة رأسه. الألم كان حادًا وفوريًا. سقط على الأرض فاقدًا للوعي، والظلام يغمر كل شيء من حوله.

عندما استعاد فنغ شيو وعيه، أحس بالألم يضرب رأسه كالطعنات. فتح عينيه ببطء، ووجد نفسه في غرفة باردة مظلمة. كان الهواء فيها مشبعًا برائحة الرطوبة والعفن. الجدران كانت حجرية قديمة، كما لو كانت تنتمي لعصر سحيق. لم يكن هذا كستيجن الحديث الذي عرفه من قبل؛ بدا هذا المكان وكأنه يعود لزمن آخر.

حاول أن يتحرك، لكن حينها أدرك أن قدمه اليسرى كانت مقيدة بسلسلة حديدية متصلة بحلقة في الأرض. السلسلة كانت قصيرة، مما جعل حركته محدودة للغاية، لكنه كان لا يزال حرًا في استخدام يديه وجزءًا من جسده. رجله اليسرى كانت تعاني من ضغط الأصفاد الثقيلة، ولكن الألم الحقيقي كان في قلبه؛ خيانة لم يكن يتوقعها.

الباب الصدئ للغرفة انفتح ببطء، وصوت الصرير اخترق الصمت المطبق. امرأة دخلت، ترتدي عباءة سوداء داكنة، وجهها كان مغلفًا بالغموض، وشعرها الطويل ينسدل بشكل مريب. خلفها كان يقف الأطفال الذين كان يعطف عليهم. لكن هذه المرة، وجوههم لم تكن تلك التي رآها من قبل. لم يكن هناك أي أثر للبؤس أو الجوع، فقط السعادة التي تشوبها براءة مزيفة.

نظرت إليه المرأة ببرود، وقالت بنبرة هادئة ولكن حادة: "لم تتوقع هذا، أليس كذلك؟"

عيناه توجهتا نحو الأطفال، غير قادر على استيعاب المشهد. هل كان هؤلاء هم من خانوه؟ أولئك الذين كانوا يبتسمون له كل يوم، الذين كان يعتبرهم مثل عائلته؟ الصدمة كانت تمزق روحه، ولم يكن قادرًا على الكلام.

"أنت، كنت تعتقد أنك في مأمن هنا، أليس كذلك؟" تابعت المرأة وهي تقترب منه ببطء. "رأيناك تعيش وحيدًا في الجبل، بعيدًا عن الناس، تظن أن هذا سيوفر لك العزلة والحماية. ولكن... هناك دائمًا من يراقب."

كانت تحمل زجاجة صغيرة تحتوي على سائل داكن، مدته إلى أحد الأطفال. "خذ، اشرب، وسينتهي الأمر."

الأطفال أخذوا الزجاجة، وشربوا السائل وهم يبتسمون ببراءة مخيفة. بعد ذلك، غادروا الغرفة وكأن شيئًا لم يحدث، تاركين فنغ شيو وحده مع المرأة.

"لقد رأيناك... كنت وحيدًا، معزولًا. وهكذا، رأينا أن بإمكانك أن تكون جزءًا من شيء أكبر. شيء يحتاج إلى التضحية." قالت المرأة وهي تدور حوله، تتفحصه كما لو كان مجرد أداة في طقس مظلم.

"ماذا تريدين؟" سأل فنغ شيو، وحنجرته تشعر بالجفاف.

"أنت ستكون جزءًا من طقوس عظيمة. ستساعدنا في تحقيق هدفنا. ستكون التضحية المثالية." أجابت المرأة بابتسامة باردة، ثم استدارت لتغادر الغرفة.

قبل أن تغادر، التفتت قائلة: "سنرى كم من الوقت ستستمر قبل أن تنهار."

أغلقت الباب خلفها، وتركته وحيدًا مع نفسه.

تلاشت همسات المرأة وأقدام الأطفال بعيدًا في الممرات، وترك فنغ شيو في حالة من الألم والغضب. كان يشعر وكأن قلبه قد تمزق إلى أشلاء، والمشاعر تتدافع داخله كتيار هادر. عندما تذكَّر لحظة الخيانة، تلك اللحظة التي كشف فيها أن من كانوا يطلبون مساعدته، كانوا السبب في وقوعه في هذا الفخ، زادت النار في صدره.

"كيف يمكن أن يكونوا هكذا؟" تمتم لنفسه بمرارة، "لقد أعطيتهم كل شيء، وساهمت في راحتهم، وهذا ما يحصل؟"

كان صوته يرن في أذنه، مليئًا بالكراهية والخيانة. أمضى وقتًا طويلاً في لوم نفسه، يلوم عقله على الثقة التي منحها للأطفال، وعلى العمى الذي جعله يصدق براءتهم. كانت تلك اللحظة التي خذله فيها العالم، والتي تمنى لو كان بمقدوره أن يغير كل شيء.

"أحمق أنا! كيف وثقت بهم؟ كيف لم أرى الخداع في أعينهم؟" كان يصرخ داخليًا، مشدودًا بين الغضب على نفسه والندم العميق.

وفي لحظة يأس، بعد أيام من الألم المتواصل، اتخذ قرارًا يائسًا. لم يكن بإمكانه الانتظار أكثر، وكان عليه أن يحرر نفسه بأي طريقة. فكر في قطع رجله... لقد كانت الطريقة الوحيدة للتحرر.

جمع ما تبقى لديه من قوة، وأمسك بحجر حاد كان موجودًا في الزاوية. كان الألم لا يُحتمل، لكنه استمر. بعد لحظات طويلة من العذاب، تمكن أخيرًا من تحرير نفسه.

ثم، مع مرور الوقت، أخذ فنغ شيو نفسًا عميقًا وبدأ في جمع أفكاره. كان بحاجة إلى تهدئة عقله والتفكير بشكل منطقي. حاول تهدئة ضربات قلبه المتسارعة، وركز على ما يجب عليه فعله. كان يجب أن يجد طريقة للخروج، وقد تكون الفرصة الوحيدة التي ستتاح له هي الهروب من خلال الجدران أو الباب.

توجه فنغ شيو أولاً إلى الجدران المهترئة. رأى شقوقًا ضيقة ومهترئة، وقرر أن يحاول تسلقها. بدأ باستخدام يديه المتعبتين، حاملاً جسده الثقيل بشق الأنفس على طول الشقوق. كانت الجدران زلقة، وأحجارها تتناثر تحت يديه، مما جعل كل حركة غير مستقرة. كان يشعر بالألم يتزايد مع كل محاولة صعود، حيث كانت الحواف الحادة تنغرس في جلد يديه وأصابعه.

في محاولة يائسة للتسلق، فقد توازنه وسقط عدة مرات. في أحد تلك السقوطات، اصطدم وجهه بصخرة حادة بارزة من الجدار. أحس بألم مبرح، وشعر بجرح عميق ينزف في منتصف وجهه. كان الألم حادًا، يقطع أنفاسه، ويزيد من إحساسه باليأس.

بعد أن أدرك أن التسلق لم يكن خيارًا ممكنًا، توجه فنغ شيو إلى الباب الحديدي المتآكل. بدأ بفحصه بعناية، ووجد أن أحد زواياه ضعيفة، مما جعله يبدأ في ضرب الباب بقدمه المتبقية. استخدم حجرًا حادًا لمحاولة تقويض المفاصل الحديدية، ولكن العملية كانت بطيئة وشاقة. كل ضربة كانت تتسبب في جروح جديدة، حيث كانت القطع الحادة من الباب المتآكل تشق جلده.

خلال معركة مع الباب، تطايرت قطعة حديدية فجأة، وجرحت وجهه، مما زاد من معاناته. لكنه لم يتوقف، وواصل محاولاته حتى نجح في توسيع الفجوة بين قطع الحديد. دفع بجسده من خلال الفجوة الضيقة، مستخدمًا ما تبقى من قوته، محاولًا تجنب الكشف من قبل الحراس.

كل حركة كانت مؤلمة، ولكن العزم على الهروب من هذا السجن ورفض الاستسلام جعلته يواصل. كان يشعر بالغضب تجاه الخيانة، لكنه كان يركز على هدفه الوحيد: الهروب واستعادة حريته بأي ثمن. بعد أن نجح في التسلل عبر الفجوة، زحف ببطء إلى الخارج، وجراحه تنزف وألمه يشتد، مستخدمًا ما تبقى لديه من قوة في البحث عن مكان يختبئ فيه. اختبأ في مكب النفايات، محاولًا استعادة أنفاسه وتجنب الكشف من قبل الجنود......

بقي فنغ شيو في مكب النفايات، محاطًا بالظلام والرائحة الكريهة. بينما كان يعاني من الألم الذي خلفته جراحه، تملكه شعور عميق بالخذلان. كان يلوم نفسه على ثقته الزائدة في الأطفال الذين خدعوه. في عقله، كان يسب نفسه، يتذكر كل لحظة من خيانة الأطفال، وكلمات المرأة التي أخبرته أنه سيكون ضحية لطقوس شيطانية. تلك الذكريات كانت تطارده، تقطع عليه أنفاسه، وتجعل جرحه في وجهه يشتعل بألم.

فقدت تفاصيل تلك اللحظات جزءًا من ذكرياته، لكنه كان يعي جيدًا أنه لا يمكنه الاستسلام. جمع شجاعته، وحاول تهدئة نفسه. فكر في خطته للهروب، وكيف يمكنه التغلب على هذه الكارثة.

بدأ بالزحف عبر أكوام النفايات، مستخدمًا يديه وقدم واحدة فقط، محاولةً منه لتقليل الصوت وإخفاء وجوده. كان يتحرك ببطء، مع كل حركة كان يتألم من جرحه الذي لم يلتئم بعد. لكنه استمر، محركًا نفسه باتجاه الأمل الذي لم يكن يعرفه بعد.

بمرور الوقت، وصل إلى منطقة غير مغطاة من الجدران. نظر حوله بحذر، ليكتشف بوابة كبيرة على بعد عدة أمتار. كانت البوابة مغطاة بالحديد، وسماع أصوات مزعجة قادمة منها. من بعيد، رصد مجموعة من الأطفال المشردين والنساء يرتدون ملابس ممزقة. كانوا يدخلون عبر البوابة، تحت إشراف الجنود الذين كان يتسللون بحذر.

فنغ شيو شاهد تلك المشاهد بعينيه، وهو يراقب كيف يأخذ الجنود هؤلاء العبيد إلى الداخل، ثم يدخلون إلى مكان لا يستطيع تحديده من هذا البُعد. كانت قلوبه تتسارع مع كل لحظة، ويدرك أن هذه الفرصة قد تكون الطريق الوحيد لهروب من مصيره المظلم.

عندما انتهت سلسلة الدخول، لم يكن هناك حراس على البوابة مباشرة. استخدم فنغ شيو هذه الفرصة، ليقترب من البوابة بحذر، متجنبًا الظهور. راقب حركة المصففات، التي كانت السبب الرئيسي في فتح هذه البوابات و المسؤول إغلاق البوابة خلف آخر دفعة من العبيد. تمكن من الالتصاق بإحدى الزوايا المتخفية.

ثم انقض فنغ شيو على المصففات بعد أن تأكد من خلو المنطقة من أي حراس. سحب المصففات بأسرع ما يستطيع، وتسلل عبر البوابة.

عندما اجتاز البوابة، وجد نفسه في مكان لم يره من قبل. كانت الغابة الخضراء الشاسعة تمتد أمامه، الأشجار الكثيفة توفر له مظلة من الضوء. كانت الطيور تغرد، والرياح تداعب أوراق الأشجار، مما خلق أجواءً متناقضة تمامًا مع الكآبة التي عاشها في السجن.

2024/09/13 · 26 مشاهدة · 1869 كلمة
نادي الروايات - 2024