*في ازميريا قبل شهرين من الوقت الحالي*
في عاصمة الايلف ينتظر مجموعة من الحضور يتقدمهم الملك شخصيا وصول ضيف مهم وسط قاعة الانتظار البُعدية، كانت القاعة اقل ما يقال عنها خيالية! المدخل مزدان بأبواب زجاجية ضخمة منقوشة بنقوش فنية معقدة،بمجرد الدخول يفتح الممر الطويل الممتد أمامك مساحةً شاسعةً ويتقاطع معها العديد من الممرات الجانبية المزينة بالمصابيح اللامعة، موفرة إضاءة ناعمة ومهدئة. تزين الجدران العالية بتماثيل ولوحات فنية تعكس التاريخ والثقافة المتنوعة.
وسط القاعة، يُقام تمثال ضخم لملاكٍ مليئ بالجمال والسحر، محاطًا بحديقة ذات أزهار ملونة ونباتات استوائية فريدة. تمتد نافورة مصنوعة من الرخام الأبيض في وسط الحديقة، تنساب منها مياه الحياة بشكلٍ لطيف، تضفي تأثيرًا هادئًا ومنعشًا على المكان. و في الزاوية البعيدة يوجد ما يشبه المدرج عليه كراسي فخمة يتوسطها عرش اسطوري. كل هذا مجهز لضيف واحد فقط! لكن يبدو ان هذا الضيف تأخر كثيرا...كثيراً جدآ الصراحة.
الملك و هو يضع يده على ذقنه فوق عرشه الذهبي المجيد و قد بدأ يشعر بالملل و التذمر:" تبا، الى متى ستستمر هذه المهزلة الطويلة؟.. "
يسمعه أحد الخدم ليقول لصاحبه: "فعلا جلالته محق، انتظرنا أكثر من شهر لاختيار ممثل التاج المقدس، و الان علينا انتظار وصوله ايضا"
صاحبه : "هؤلاء البشر ليست لديهم اي ذرة احترام،أشعر اني قد اصبح عجوزا في هذا المكان هه" و يتبادلان الهمسات و الضحكات لكن فجأة يلمحهما الملك لتلمع عيناه كوحش مخيف اسكتت الخدم تماما!
الوزير بصوت هادىء: "اشرب بعض الشاي لتريح اعصابك يا مولاي"
الملك مستاءا: "لا اريد الشاي او القهوة او حتى ازميريا كلها، اريد فقط ان يحضر ذلك البشري حتى ارتاح"
الوزير محاولا مواساة الملك: "سيدي الملك لا فائدة من فعل شيء الان سوى الانتظار، و ايضا هو تأخر معذور فهذا الشخص لا يمتلك حتى كاي لذلك قد يتأثر بطقوس التنقل و هذا ما يأخره"
ابتسم الملك و بدا عليه الاستسلام للواقع، لكن فجأة انتبه لكلام وزيره الاخير و قال: "مهلا هل قلت انه لا يمتلك حتى كاي؟؟؟ ما هذا الهراء.."
و قبل ان يكمل كلامه ينبعث وهج ضوء وسط القاعة الضخمة أعمى الحضور لحظات و فاجئهم قبل ان يتلاشى و يظهر مكانه فتاة جميلة يتدلى شعرها البني الطويل كأمواج من الحرير على كتفها و ملابسها الراقية تنبض ببريق فضي التي زادها ضوء الانتقال البعدي سحرا... كانت كالقمر وسط الحضور!
جن جنون الملك و نزل بسرعة نحوها رغم محاولات الحراس منعه.
الملك: "ابتعدوا ابتعدوا عنها ايها الحمقى... اهلا بكِ في ازميريا و بالضبط في مملكة نوفايرا"
نظرت إليه الفتاة بصمت و حالة استغراب. شعر الملك بالخجل و التوتر بدوره ثم قال: "امممم لا بد انك ممثلة اكاديمية التاج المقدس،و اعتقد انك احد افراد عائلة ايزنبورغ المشهورين.."
لا تزال الفتاة صامتة بطريقة صارت مخيفة و كانت تبدو عمياء و باردة الوجه... كانت كأنها ثملة!
الملك بدأ ينفذ صبره و بدأ يشعر بالقلق: "هاي ايتها الفتاة تكلمي، عرفي عن نفسك ما الذي أخرك كل هذا الوقت؟ هل انتي احد المختارين؟ هل انت شيطانة متحولة ؟؟؟ قولي شيئا ارجوكي.. "
ثم بدا ان الفتاة ستتكلم اخيرا و ابتسم الملك و كاد يطير من الفرحة ليقترب منها اكثر... لكن فجأة تقيأت عليه دون قصد منها!
عم الصمت حرفيا إلا صوت الضحكات المنفجرة من الخادم السابق و صاحبه: "ههههه و اخيرا لم يكن انتظارنا الطويل بدون فائدة، على الأقل شاهدنا شيئا مضحكا و غير متوقع"
~~~~~~~~
نعود الى الحاضر حيث بعد اقتحام دانيال الى غرفة الطقوس قام المدير و البروفيسور مانويل و معهما بعض المختصين بفحص و محاولة فهم ما حدث هنا. لاحظ مانويل بقايا النار الزرقاء و قال و العرق يسيل من جبينه: "لم يحدث ولا مرة في التاريخ أن ظهرت نار زرقاء في احد غرف الانتقال في جميع الاكادميات.. ما الذي حدث هنا؟!"
ألقى المدير لمحة عن المكان ثم ضحك و قال"يبدو انه قد استطاع فعلها في النهاية "
تعجب مانويل و قال: "من تقصد؟!"
المدير: "أليس واضحا! انه العبقري ايها الاستاذ"
تذكر مانويل على الفور كلام المدير السابق و فهمه و قال: "أتقصد ان الطالب دانيال هو المسؤول عن هذا؟!"
المدير: "و من غيره هههه"
شعر مانويل بالحيرة و دار في خاطره ألف سؤال و لكن لم يستطع سوى رؤية لمعان عيني المدير.
خرج الكل من الغرفة و قبل ان يخرج المدير لمح التمثال و قال في نفسه و الفضول يغمره:"ما الذي تخطط له يا هينغ لو؟ و لماذا دانيال بالذات؟ "
~~~~~~~~
في الكوخ الخشبي شرح العجوز لدانيال طبيعة المكان و أخبره انه لا يوجد كاي هنا، بل يوجد "المانا" و هيا على عكس الكاي موجودة في كل مكان حرفيا!، في الاشجار و الهواء و الكائنات و كان الناس يكتسبونها من وسطهم و يطورونها! أي أنها عكس الكاي لم تكن تولد مع الشخص كما انها بلا حدود و ايضا طريقة استعمالها تختلف ف هيا تستعمل مثل السحر كصناعة التعاويذ و التحكم في الطبيعة.
لهذا السبب عند وصول دانيال الى المكان اول مرة قد سقط مغشيا عليه كون جسده لم يعتد على المانا و أيضا كون طاقة الكاي اختفت من جسده تماما! من حسن حظه ان العجوز قد وجده و أنقذه.
على السرير جلس دانيال و هو ينوح و يتذمر بطفولية
"لماذا انا؟ لماذا انا بالذات؟ كل ما تعلمته صار بدون فائدة الآن ، و حتى هذه المانا لا استطيع حتى فهمها.. انا لا شيء الان"
كان بجانبه العجوز الذي وضع يديه على رأسه من كثرة صراخ دانيال و قال له: "أيمكننك التوقف عن البكاء مثل الاطفال، أنت تحاول الانتقام مني بسبب الطَرق الذي قمت به أم ماذا؟"
دانيال و هو لا يزال يصرخ و ينوح: "انت لا تفهم انا كرست حياتي كلها لصعود الجبل ثم ببساطة تأتي ريح خفيفة لتعيدني الى القاع"
العجوز: "حسنا حسنا اهدأ، هناك الكثير لتقوم به هنا. تستطيع ان تصبح نادل مطعم أو بائع خضروات، انها لا تتطلب قوة كبيرة"
دانيال و هو ينظر الى العجوز بعد أن سكت: "أتعرف ما هو اسوء ما في الأمر؟ أنني عالق معك انت، هذا أسوء شي قد حدث لي" ثم استمر الصراخ المزعج.
في تلك الأثناء دخلت فتاة إلى الكوخ و قالت من أمام الباب: "لقد عدت يا جدي، ما هذا الصراخ؟ هل هناك طفل هنا؟؟"
العجوز بسخرية:
"اجل لدينا طفل هنا. ادخلي يا هيونا"
عندما دخلت هيونا الى الغرفة سكت دانيال و فتح فمه فقط، لم يستطع إبعاد نظره عن الفتاة، لاحظ العجوز هذا و غضب و قال له: "يا ولد لماذا توقفت عن النواح كالأطفال؟!"
دانيال و هو لا يزال يحدق في هيونا: "امم... أظنني أحببت المكان هنا الآن "