مرت بالفعل أكثر من شهران على نقل المختار الأخير من اكاديمية التاج المقدس، كانت الحياة تستعيد طبيعتها قبل الحادث و أصبحت قصة "الفتاة الريفية المعجزة و نكسة دانيال "من الماضي، لم يكن أحد سعيدا بهذا الوضع أكثر من المدير نفسه الذي تنفس الصعداء. لكن يبدو ان المشاكل لا تأتي يتيمة عندما تريد ذلك بل تأتي في جماعات!
فبعد تلك القضية، ها هو دانيال يعود بمشكلة جديدة و كأنه مغناطيس للفضائح على ما يبدوا.
فقبل عدة أيام اختفى تماما و لم يعثر على أي أثر عنه و كأن الارض انشقت و ابتلعته! حاولت عائلته التستر على الأمر بالقول انه منغلق على نفسه و أصبح يحب الانعزال، و ايضا قام المدير بخلق قصص وهمية كذهاب دانيال الى مهام خاصة لا يجب البوح بها للناس، لم يرد أن يكتشف أحد حادثة غرفة الطقوس و ظهور النار الزرقاء، ليس قبل ان يفهم ما الذي حدث بالضبط و إذا كان لدانيال دخل في الامر حقا.(كانت فقط افراد من عائلة دانيال و البروفيسور مانويل و بعض المختصين يعلمون بالوضع الى جانب المدير).
لكن هيهات أن يمر إختفاء شخص مثل دانيال مرور الكرام خصوصا على شخصيات مرموقة و رفيعة المستوى في عالم الكاي.
كان اليوم مميزا حقا في اكاديمية التاج المقدس فاليوم زار ضيف خاص الى مكتب المدير، انه الفرنسي لوكاس !
و يكفي ان تعرف ان رون هذا هو الممثل السابق لاكاديمية الرمح الفضي، مختار سابق لا يزال يعيش على الأرض! ليس هذا فقط بل و لا يزال يقاتل رغم تجاوزه الخمسين سنة!
كان لوكاس و المدير يشربان القهوة، لم يكن للمدير سوى ان يتعجب من الشخص الجالس أمامه، لو لم يعرف عمره لظنه شابا في العشرينات! ملابسه الشبابية و قبعته العصرية التي لا تناسب عمره و ايضا ما يشد انتباهك هو جسده الرياضي بالامتياز و كأن قوانين البشر و الأعمار لا تنطبق عليه.
بعد دقائق من جلوسهما يكسر سؤال لوكاس الصمت
"إذا، كيف حالك؟ لقد كانت الأشهر الاخيرة حافلة بالنسبة لكم هنا على ما يبدوا"
"الأمور بخير و أصبح الوضع هادئا خصوصا بعد نقل إيما إلى ازميريا"
يشترف لوكاس رشفة من القهوة قبل ان يقول: "اها اذا اسمها ايما؟، للأسف الكل كان يتوقع ان يكون المختار هو ذلك الشاب من عائلة ايزنبورغ"
"الحياة مليئة بالمفاجئات و هذا ما يجعلها شيقة في نظري"
"فعلا... " يسكت لوكاس قليلا قبل ان يكمل: "و كيف حال الفتى دانيال؟"
"حسنا انه يحاول تجاوز الصدمة و نحن نحاول مساعدتها رغم صعوبة ظرفه"
"اجل لابد ان الامر كان صعبا عليه، كنت اتمنى رؤيته لتشجيعه و محاولة نصحه، لذلك أين هو الان؟"
يشعر المدير بنوايا لوكاس و يظهر ذلك جليا من ابتسامته و عيونه التي تكاد تفترسه.
المدير و هو يبتسم بدوره ابتسامة تحدي: "للأسف هو في مهمة خاصة لا أستطيع البوح بها للناس، لكنني سأتأكد من إيصال كلماتك له"
"و هل هذه المهمة في غاية السرية لدرجة ألا يعرفها شخص مثلي!"
"انا حقا متأسف و لكن هذ..."
فجأة يسدد لوكاس لكمة تخطف الابصار الى المدير و تتطاير الدماء!.. لا تخافوا لم تكن تلك دماء المدير بل حشرة غريبة الشكل و بحجم قطة كانت تزحف بالقرب من كتف المدير على الجدار!
"هذا النوع من الحشرات لا يوجد إلا في ازميريا و لكنه أصبح كثير الظهور في عالمنا"
أكمل لوكاس كلامه و هو يمسح دماء الحشرة من على يده بمنديل
"مؤخرا أصبحت التصدعات أكثر و أكبر و الوحوش أخطر، ألا يكفي ان المسؤولين في ازميريا يخفون عنا الاسرار ايها المدير"
"انت فعلا غريب الاطوار لطالما تسائلت كيف يتخلى شخص مثلك على العيش في ازميريا حيث بإمكانه الحصول على امور لا يحلم بها حتى الناس هنا"
"حسنا لنقل انني احب وطني، هل ذلك عيب؟ و أيضا لدي أسباب شخصية و أعرف أموراً لا يعرفها أحد هنا، لذلك لا تغير الموضوع"
نظر المدير الى وجه لوكاس بملامح جادة ثم ارتشف القهوة و قال بعد صمت:
"حسنا سأفكر في الموضوع، شرط ان تخبرني بما تعرفه"
"اخبرك بما اعرفه؟!، ههه لست سيئا حقا، أنت فعلا شخص ذكي ايها العجوز و سأفكر بدوري في شرطك"
"بالتأكيد ستفكر فأنت لم تأتي من باريس إلى لندن لتغادر فارغا هه"
تصافح الرجلان و غادر ايفان.
’ تلك اللكمة التي سددها كانت كافية لتدمير مبنى بأكمله لكنه تحكم في نطاقها لتقتل الحشرة فقط، اذن هذا هو صاحب الختم لوكاسʼ قالها المدير في نفسه الذي لم يخفي إعجابه بلوكاس.
ركب لوكاس سيارته و اتجه نحو المطار ليعود الى فرنسا،
'لم يرمش حتى!، رغم انني سددت تلك اللكمة لأقتل الحشرة و لكن غايتي كانت إخافته أيضا، لكن ذلك العجوز لم يتحرك او يرمش حتى، كما هو المتوقع من مدير التاج المقدس'ظهرت تعابير الاندهاش و الاعجاب واضحت على ا
لوكاس للمدير.
يبدو ان كلا منهما اكتسب احترام الاخر.
~~~~~~~~
لا يزال دانيال ينظر الى هيونا بالدهشة المطلقة و الاعجاب الواضح المفرط العميق، لم يكن دانيال ممن يهتم بأمر الفتيات رغم انه كان محط اعجاب كل الفتيات في اكاديميته لكنه كان مهتما بشيء واحد فقط... ازميريا!
ربما بعد فقدان فرصته و ضياع حلمه اشتعلت شرارة في قلبه. لكن هذا لا ينقص من جمال هيونا الذي وقف دانيال نفسه مدهوشا بسحره، فهو يدرك ان هناك شيئا مميزا فيها،يتلاقى في عينيهما تألق النجوم و همسات موسيقية و كأنها ملاك أرسلت من السماء لخطف قلبه!
من الجهة المقابلة كان هيونا تنظر باستغراب الى هذا الشاب العجيب و قالت: "إلا ماذا تحدق ايها الفتى؟"
انتبه دانيال على نفسه و صحح تصرفاته و قال: "لا شيء انا فقط افكر"
كان العجوز يراقبه ليقول بسخرية: "هممم اجل كنت تفكر هذا واضح"
دانيال بغضب:"اسكت انت ارجوك"
كان سيبدأ شجار جديد بين العجوز و دانيال قبل ان يأتي صراخ غاضب من الخارج اوقف الجميع!
تضع هيونا يدها على رأسها لتقول : "اوف ليس مجددا، هل تريد ان اتعامل معه انا يا جدي؟"
العجوز و هو يتجه نحو الخارج : "لا. انا اريد تعليمهم درسا حتى لا يتكرر هذا،و ايضا هذا سيفيد الفتى الذي معنا حتى يفهم الوضع الذي نحن فيه"
دانيال بخوف و قلق : "ماذا تعني؟!"