كانت الشمس في كبد السماء (منتصف النهار) و امتلأت السماء بسحب الصيف الساخنة، الهدوء يحوم في تلك الغابة إلا من زقزقة العصافير و بعض خطوات الغزلان... و أيضا ضجيج مصدره كوخ العجوز.
في وسط الكوخ، و بالضبط المطبخ، كان العجوز يجلس على كرسيه و يأكل العصيدة بصمت، و دانيال جالس بجانبه.
"يا عجوز! هل تعلم كم أنا متحمس لتعلم السحر و استخدام المانا"
"أجل، و انا متحمس لتناول طعامي بدون اي ازعاج"
"لكنني بحاجة الى تعلم القتال، هذا ما تبقى لي "
"أنت بالتأكيد بحاجة إلى تعلم طهي عصيدة لذيذة بدلا من إحداث الفوضى"
دانيال بغضب و تذمر: "لكنني أريد تعلم السحر، ألست أنت من قال أنه يجب علي الصعود من جديد؟، اذن تعلمي السحر أفضل طريقة"
العجوز بكل سخرية و استفزاز: "لا لا، أنا كنت امزح فقط، قلت ذلك حتى أجعل الفصل أجمل"
"هه! أنت تظن نفسك مضحكا؟، أنا جاد حول تعلم القتال"
"و أنا جاد حول الاستمتاع بوجبتي دون ازعاج، هذا هو القتال الحقيقي بالنسبة لي"
~~~~~~~~
في احدى الممالك بعالم ازميريا، يمشي موكب فخم و مشدد الحراسة، يتوسطه عربة تجرها الخيول و بداخل تلك العربة 3حراس من الايلف و فتاة بشرية.. كانت تلك الفتاة هيا المختارة من أكاديمية التاج المقدس!
كان اسمها ايما و كان جليا عليها اندهاشها مما تراه و تقف حائرة أمام كل خطوة تخطوها العربة. غوبلن يلعبون، و أورك يتحدثون و بعض الباعة الاقزام يبيعون أشياء غريبة و حيوانات لم تجرأ حتى على تخيلها.
لا يمكن لومها على كل حال، فماذا تتوقع ان تكون ردت فعل فتاة لم تكن تخرج من غرفتها الا نادرا!
اجل ايما كانت مجرد فتاة في الثامنة عشر من عمرها و تعيش في قرية ريفية مع والديها و 3 من أشقائها و جدها و 4 من أقرابها الآخرين، كلهم تحت سقف بيت واحد صغير. لذلك كانت غرفتها مكانها الخاص بها التي تحب الخلوة به.
كانت تعرف بأمر محاربي الكاي و ازميريا التصدعات و لكنها لم يسبق ان رأت تلك الوحوش فالقرية التي ترعرت فيها لم يظهر اي تصدعات، و لم تقابل احد اؤلئك مستخدمي الكاي. يكفي ان جدها كان يحكي لها تلك القصص و تظن انها احدى قصصه الخيالية، الآن صدقته على ما يبدو.
وصلت العربة إلى مدخل قصر و بعد ان تحقق الحراس من هويتهم، استمرت العربة و دخلت داخل الحديقة التي تتوسطها البناية المركزية.
"نحن نمشي منذ مدة داخل هذه الحديقة و لم نصل بعد! كم حجم هذا القصر" قالتها إيما في نفسها انذهالا.
بعبق الورود وسحر الأزهار، تجتمع الألوان والروائح لترسم لوحة فريدة من نوعها في هذه الحديقة الساحرة. يتراقص الضوء بين أوراق الأشجار الباسقة ويرسم أنماطًا ساحرة على الدروب المرصوفة بالحصى.
وسط هذا المنظر الساحر يتألق قصر فخم، ينعكس بريقه وجماله في بركة ماء هادئة تحمل زهور اللوتس وترتوي من ينابيع شفافة تتدفق بين مسارات الحديقة.
تعزف النافورات مقطوعات من الماء راقصًا يرتقي إلى السماء ويروي بلطف الأزهار المزهرة المحيطة. حولها، تنغمس الأشجار العتيقة والمتنوعة في ظلالها، مما يخلق أجواءً من الانسجام والهدوء، بينما يتداخل صوت أنغام طيور لم تعتد إيما على سماع مثلها مع غناء النوافير ليُلفتا الزائرين في آفاق الجمال والفخامة.
وسط هذا المشهد الخلاب، كانت إيما تتأمل قبل ان تلاحظ ان العربة توقفت مما يعني انهم وصلوا!
فتح أحد الحراس باب العربة و ساعد إيما للنزول، قابلها أحد الغوبلن، لكن هذا الوصف ليس دقيقا فهو لا يشبه أقرانه من الغوبلن العاديين. كان طويل القامة على غير العادة و ذو وجه جميل و أنفه لم يكن مدببا مثل الغوبلن العادي و ابتسامته الساحرة الجميلة زادت شكوك الكل في نوع هذا المخلوق، لولا لونه الأخضر لظنه المرء ايلف او حتى انسانا!
تبسم الغوبلن لإيما قبل ان يصافحها و يقول: "مرحبا لا بد انك إيما، أهلا بك في قصر عائلة فالورين و في مملكة ستارولميا و قبل كل هذا مرحبا في ازميريا... انا ستيفانوس صاحب القصر و قائد فرسان المملكة"
"اه! شكراً لك" لم تجد إيما شيئا لتقوله و تركت توترها و دهشتها تعبر عنها.
حاول ستيفانوس تخفيف جو التوتر الذي اكتسح المكان
"لا تخافي لا بأس إذا تقيأت علي مثلما فعلت مع ملك نوفايرا ههه"
"لا لا، لقد كان حادثا فقط لم أقصد فعل ذلك"
إحمرت إيما خجلا، مما جعل ستيفانوس يندم على قوله الذي زاد الطين بلة.
كانت طقوس الانتقال شيئا خطيرا على شخص مثل إيما لدرجة انه عند وصولها الى ازميريا كانت قد فقدت سمعها و بصرها مؤقتا، لذلك بدت و كأنها جثة واقفة و ما زاد تعكير وضعها هو الدوار الذي سببته الطقوس مما ادى إلى تقيأها في النهاية رغما عنها.
"حسنا دعينا من كل هذا، لا بد أنك متحمسة للقاء بقية الفريق"
"الفريق؟!..."
"أقصد بقية المختارين، تعرفين أنه يتم اختيار 8 محاربين"
هزت إيما برأسها لأعلى و أسفل و كأنها تعرف ذلك.
"لذلك بقية المحاربين السبعة كانوا هنا ينتظرون وصولك، اتبعيني لا نريد التأخر أكثر"
ثم انطلق ستيفانوس بسعادة الطفل البريء و أما إيما؟.. كانت تمشي خلفه و التوتر يكاد يخنقها!