II

أثناء ركوبه لحصانه متبعا الطريق الرئيسي قرر أن يتخذ منعطفا غير ظاهر بشكل جيد، وصل إلى قمة تل، ولأول مرة رأى البلاط الأحمر للسقف المخروطي للبرج، كان المنحدر أمامه مغطى بأشجار البندق وأغصان جافة وتجمعات سميكة من الأوراق الصفراء، مما جعل النزولبالحصان أمرًا محفوفًا بالمخاطر. لذلك عاد الويتشر بحرص إلى الطريق الرئيسي. كان يقود الحصان ببطء، ويتوقف بين الحين والآخر مميلًا جسده إلى الأمام باحثا عن أية آثار.

هز الحصان رأسه وصهل بصوت عالٍ، تحرك يمنة ويسرة بطريقة عشوائية، مطيرا أوراق الشجر الجافة التي حوله، لف (جيرالت) ذراعه اليسرى حول عنق الحصان، وبيده اليمنى رسم علامة "أكسي" فوق رأس الحصان.

همس (جيرالت) "هل الأمر بهذا السوء." ألقى نظرات حوله، ولا زال محافظا على العلامة، "اهدأ يا روتش، اهدأ."

عملت العلامة بسرعة، ولكن الحصان تحرك إلى الأمام بتردد فاقدًا إيقاع سيره الطبيعي النشيط. قفز الويتشر ببراعة من على ظهر الحصان، واستمر في المشي على الأقدام، وقاد حصانه باللجام. رأي جدرا.

لم يكن هناك فاصل بين الجدار والغابة، امتزجت أوراق الأشجار الصغيرة وأشجار الجونيبر مع نباتات اللبلاب والكرمة البرية المتسلقة للجدار. نظر (جيرالت) لأعلى. في تلك اللحظة، شعر بوخز في رقبته، كما لو أن كائنًا ناعما غير مرئي قد التصق بعنقه، مما أدى إلى وقوف شعيراته هناك.

كان مُراقَبًا.

التفت حوله. صهل روتش، واهتزت عضلات رقبته وتحركت تحت جلده.

كانت هناك فتاة واقفة على قمة التل التي نزل منها للتو، واضعة إحدى يديها على جذع شجرة. كان فستانها الأبيض الطويل يتناغم مع اللمعان الأسود لشعرها الأشعث والمتساقط على كتفيها. بدت كأنها تبتسم، ولكنها كانت بعيدة جدا للتأكد من ذلك.

"مرحباً." قالها ورفع يده بحركة ودية. خطى خطوة نحو الفتاة. حركت رأسها قليلاً لتتابع حركاته. كان وجهها شاحباً، وعيونها سوداء وكبيرة. الابتسامة - إن كانت ابتسامة - اختفت من وجهها كأنها مُسحت بقطعة قماش. خطى (جيرالت) خطوة أخرى، أصدرت أوراق الشجر تحت أقدامه حفيفا، وركضت الفتاة من المكان كأنها ظبي يتراقص بين الأشجار. لم تكن بالنسبة لنظر الشخص أكثر من شريط أبيض اختفى في عمق الغابة. لم يبدُ الفستان الطويل أنه يعوق حركتها على الإطلاق.

هز روتش رأسه وهو يصهل قلقا، قام (جيرالت) - الذي لا يزال يراقب الغابة - بتهدئته عن طريق العلامة مرة أخرى، سحب الحصان من اللجام ومشي ببطء على طول الجدار، يخوض في نباتات الباردوك التي وصلت إلى خصره، وصل إلى بوابة قوية من الحديد ومفاصل متآكلة، بمقبض نحاسي كبير، بعد لحظة من التردد قام (جيرالت) بوضع يده على المقبض، وفي الحال قام بالقفز إلى الوراء حيث في تلك اللحظة انفتحت البوابة مصدرةً صوت صرير متواصل، جارفةً العشب والفروع الصغيرة جانبا. لم يكن هناك أحد خلفها – لم ير الويتشر سوى ساحة خالية مهملة. دخل قائدًا روتش. ما زال الحصان مصابًا بالذهول من إثر العلامة، لم يقاوم، ولكنه تحرك بجمود ورائه.

كانت الساحة محاطة من ثلاث اتجاهات بجدران وبعض بقايا سقالات بناء خشبية. وكان في الجهة الرابعة قصر، واجهته مغطاة ببقع متسخة رطبة وبقايا دهان متقشر، ومزينة بنبات اللبلاب. كانت نوافذ القصر بطلائها المتآكل مغلقة وكذلك كان باب.

ألقى (جيرالت) لجام روش على عمود بجانب البوابة واتجه ببطء نحو القصر، متبعا الممر المغطى بالحصى، وبجواره نافورة صغيرة مملوءة بأوراق الشجر والقمامة. في وسط النافورة، كان يوجد تمثال حجري لدلفين أبيض، رافعًا ذيله المتشقق لأعلى.

بجوار النافورة، على ما يبدو أنها كانت في وقت مضى تعتبر حديقة زهور، نمت شجيرة ورد. كانت هذه الشجيرة مميزة بلون زهورها فقط، إذ كانت الزهور استثنائية: بلونٍ نيليّ، مع لون أرجواني باهت على أطراف بعض البتلات. لمس الويتشر أحد الزهور، ثم اقترب واستنشق رائحتها. كانت الزهور تحمل رائحة الورود المعتادة، ولكنها كانت أكثر تركيزاً قليلاً.

انفتح الباب وجميع النوافذ في القصر في لحظة واحدة بصوت عال. رفع جيرالت رأسه بسرعة. في نهاية الممر، مع تناثر الحصيّ، كان هناك وحش يهب نحوه. رفع الويتشر يده اليمنى بسرعة في لمح البصر فوق كتفه بينما سحبت يده اليسرى الحزام عبر صدره، مما جعل مقبض السيف يتقدم بسرعة إلى الأمام ويستقر في يده. خرج النصل من غمد السيف مع صوت صرير انسلاله، ورسم الويتشر بإحدى قدميه نصف دائرة ثم توقف. موجهًا مضرِب سيفه ] مقدمة السيف [على الوحش الهائج.

توقف الوحش فجأة برؤيته للسيف، وتناثر الحصى في جميع الاتجاهات، لم يحرك الويتشر ساكنا.

كان المخلوق شبيهًا بالإنسان، ومرتديًا ملابس متهالكة لكنها ذات جودة جيدة ولم تكن تفتقر إلى زخارف أنيقة لا فائدة منها. لكن شكله الإنساني توقف عند عنقه، حيث رأسه الشبيه برأس الدب كان ضخمًا ومليئًا بالشعر مع أذنين كبيرتين وعينين متوحشتين وفكٍ مرعب مليء بأنياب ملتوية ولسان أحمر يشبه اللهب.

"اهرب، أو ستكون ميتا!" صاح الوحش مُهَدِّدًا، ملوحا بمخلبه لكنه لم يتحرك من مكانه. "سأفترسك! سأمزقك إلى قِطَع!" لم يتحرك الويتشر، ولم يُخفِض سيفه.

"أأنت أصم؟ ابتعد عن هنا!" صاح المخلوق، ثم أصدر صوتًا ما بين خنخنة الخنزير وسليل أيل غاضب، مما جعل النوافذ ترتعد وتنشر الأتربة ويتشقق دهانها من إطارها. لم يتحرك الويتشر ولا الوحش.

صاح الوحش. "اهرب بينما لازلت سليما!" قالها أقل ثقة من نفسه هذه المرة. "لأنك إن لم ترحل، سي — "

"ماذا؟ ماذا سيحصل" قاطعه (جيرالت).

أمال الوحش رأسه. "انظروا إليه، أليس شجاعا؟" تحدث بهدوء. "اخفض ذلك السيف، من فضلك. ربما لم تلاحظ أنك في ساحتي؟ أو أنه أمرُ عاديّ من المكان الذي أتيت منه أن تهدد الناس بالسيوف في ساحة منزلهم؟"

"إنه أمر عاديّ.." أجابه (جيرالت). "...عندما تقابل أناسا يرحبون بضيوفهم بزئير وصرخات تمزقك إربا."

"تبا لذلك!" غضب الوحش. "وسيُهينني فوق كل ذلك، هذا المتشرد، هل هو ضيف حقا؟ يتعدى على الساحة ويفسد ورود غيره، يلعب دور المالك ويعتقد أنه سيتم إحضار الخبز والملح له. يا لها من حماقة!"

بصق المخلوق. وبرزت أنيابه السفلية مما جعله يبدو كخنزير بري.

"إذن؟" تحدث الويتشر بعد لحظة مخفضا سيفه. " هل سنظل واقفين بهذا الشكل."

"وماذا تقترح بدلا من ذلك؟ أن نستلقي على الأرض." استهزأ الوحش. "قلت لك أن تضع سيفك جانبا."

وضع الويتشر سيفه في الغمد بخفة، وبدون أن يزيل يده اليسرى من على الحزام الذي جعل مقبض السف متقدما فوق كتفه.

"أنصحك..." قال الويتشر "...ألا تقوم بأي حركات مفاجئة، يكنني أن استل هذا السيف مرة أخرى، أسرع مما تتخيل."

" لاحظت ذلك..." رد الوحش بصوت خشن. "...ولَوْلا ذلك، لكنت خارج هذه البوابة منذ زمن، وآثار حذائي على وجهك. ماذا تريد هنا؟ كيف جئت إلى هنا؟"

" لقد تهت." كذب الويتشر.

" لقد تهت..." أعادها الوحش، وابتسم مستهزئا. "حسنا، لقد عرفت الطريق. اخرج من البوابة، اجعل أذنك اليسرى بمحاذاة الشمس واستمر في المشي وستصل إلى الطريق الرئيسي. حسنا؟ ما الذي تنتظره؟"

"هل يوجد لديك ماء؟" سأل (جيرالت) بهدوء. "الحصان ظمآن. وكذلك أنا، إن لم يكن هذا يزعجك."

حك الوحش أذنيه.

"أنت فلتستمع..." قال الوحش. "... هل أنت حقا لست خائفا مني؟"

"هل يجب أن أخاف؟"

نظر الوحش حوله، وتنفس بعمق، وقام برفع سرواله الواسع.

ماذا؟ ماذا سيحصل" قاطعه (جيرالت).

أمال الوحش رأسه. "انظروا إليه، أليس شجاعا؟" تحدث بهدوء. "اخفض ذلك السيف، من فضلك. ربما لم تلاحظ أنك في ساحتي؟ أو أنه أمرُ عاديّ من المكان الذي أتيت منه أن تهدد الناس بالسيوف في ساحة منزلهم؟"

"إنه أمر عاديّ.." أجابه (جيرالت). "...عندما تقابل أناسا يرحبون بضيوفهم بزئير وصرخات تمزقك إربا."

"تبا لذلك!" غضب الوحش. "وسيُهينني فوق كل ذلك، هذا المتشرد، هل هو ضيف حقا؟ يتعدى على الساحة ويفسد ورود غيره، يلعب دور المالك ويعتقد أنه سيتم إحضار الخبز والملح له. يا لها من حماقة!"

بصق المخلوق. وبرزت أنيابه السفلية مما جعله يبدو كخنزير بري.

"إذن؟" تحدث الويتشر بعد لحظة مخفضا سيفه. " هل سنظل واقفين بهذا الشكل."

"وماذا تقترح بدلا من ذلك؟ أن نستلقي على الأرض." استهزأ الوحش. "قلت لك أن تضع سيفك جانبا."

وضع الويتشر سيفه في الغمد بخفة، وبدون أن يزيل يده اليسرى من على الحزام الذي جعل مقبض السف متقدما فوق كتفه.

"أنصحك..." قال الويتشر "...ألا تقوم بأي حركات مفاجئة، يكنني أن استل هذا السيف مرة أخرى، أسرع مما تتخيل."

" لاحظت ذلك..." رد الوحش بصوت خشن. "...ولَوْلا ذلك، لكنت خارج هذه البوابة منذ زمن، وآثار حذائي على وجهك. ماذا تريد هنا؟ كيف جئت إلى هنا؟"

" لقد تهت." كذب الويتشر.

" لقد تهت..." أعادها الوحش، وابتسم مستهزئا. "حسنا، لقد عرفت الطريق. اخرج من البوابة، اجعل أذنك اليسرى بمحاذاة الشمس واستمر في المشي وستصل إلى الطريق الرئيسي. حسنا؟ ما الذي تنتظره؟"

"هل يوجد لديك ماء؟" سأل (جيرالت) بهدوء. "الحصان ظمآن. وكذلك أنا، إن لم يكن هذا يزعجك."

حك الوحش أذنيه.

"أنت فلتستمع..." قال الوحش. "... هل أنت حقا لست خائفا مني؟"

"هل يجب أن أخاف؟"

نظر الوحش حوله، وتنفس بعمق، وقام برفع سرواله الواسع.

"تبا لذلك، وما الضرر من ضيف في المنزل؟ لا أقابل كل يوم شخص لا يهرب أو يشحب وجهه بجرد رؤيتي. حسنا إذًا. إن كنت متعبا وصادق، فأنا أدعوك إلى الداخل. ولكن إن كنت سارقا أو مجرما، فأنا أحذرك: هذا البيت يفعل ما أقوله له. أنا أحكم داخل هذه الجدران!"

رفع مخلبه الكثيف بالشعر. وقامت النوافذ ترتعد مرة أخرى، وفي داخل حلق الدولفين الحجري رن شيء ما.

"أدعوك إلى الداخل." أعادها الوحش.

لم يتحرك (جيرالت)، كان محدقا في الوحش.

"هل تعيش بمفردك؟"

"ما شأنك أنت؟" قالها الوحش بغضب. " أوه، لقد فهمت. تريد بالطبع أن تعرف ما إذا كنت أملك أربعين خادما وسيمين مثلي. لا أملك خدما. تبا، إن لم تكن تريد أن تستغل دعوتي الكريمة لك؟ فالبوابة هناك."

حَنَى (جيرالت) رأسه بجمود. "أنا أقبل دعوتك." قالها برسمية. " لن أقلل من حق الضيافة."

"المنزل منزلك." قالها الوحش ردا عليه، برسمية أيضا، ولكن أقل قليلا. "من هنا من فضلك، ضيفيَ العزيز. واترك الحصان هنا، بجوار البئر."

" كان القصر من الداخل يحتاج حقا إلى تصليحات كثيرة، إلا أنه كان نظيفا ومرتبا بشكل معقول. صُنع الأثاث بواسطة حرفيّ ماهر ويبدو أن ذلك كان منذ زمن ولّى. انبعثت رائحة قوية من الغبار في الغرف المظلمة.

"إنارة!" قالها المخلوق، واندلعت الشعلة الموجودة في حاملها المعدني بلهيب ودخان شديد السواد.

"ليس سيئا." علّق الويتشر.

ضحك المخلوق. "ليس سيئا؟ أرى أنك لن تنبهر من أي خدع قديمة. قلت لك إن هذا المنزل يطيع أوامري. من هنا، من فضلك. كن حذرًا، الدرج شديد الانحدار. إنارة!"

في الدرج، التفت المخلوق. "ما هذا حول عنقك، ضيفي العزيز؟"

"ألقِ نظرة."

أخذ المخلوق الميدالية بمخلبه، رفعها إلى عينيه، وشد السلسلة الموجودة حول عنق (جيرالت) قليلاً.

" لدي الحيوان تعبير غير سار. ما هذا؟"

"شارة نقابتي."

"آه، أنت تصنع أغطية للفم بلا شك. هذا الطريق، من فضلك. إنارة!"

كان في وسط الغرفة الكبيرة، التي كانت خالية تمامًا من النوافذ، طاولة ضخمة من شجر البلوط، خالية باستثناء حاملة شمع نحاسية ضخمة، كان لونها يميل للخضرة ومغطاة ببعض الشمع المتصلب. بأمر من المخلوق، أُضيئت الشموع وتراقص لهبها، مما جعل الغرفة تضيء قليلاً.

على إحدى الجدران عُلقت أسلحة، دروع مستديرة، رماح وفؤوس، سيوف ثقيلة. شغلت مدفأة كبيرة نصف الجدار المجاور، عُلقت فوقها صفوف من اللوحات المتهاوية والقديمة. كان الجدار المواجه للمدخل مليء بمحفوظات الصيد — قرون غزلان وأيل تلقي ظلالا طويلا على الرؤوس المعلقة للخنازير البرية والدببة والأوشاق]جمع وشق[، ومن أسفلهم أجنحة النسور والصقور. وكان المكان الفخري لرأس معلقة تعود لتنين حجري، كان لونها بنيا، متضررة ويسترب منها الحشو. نظر (جيرالت) إليها عن قرب.

"قتله جدي." قال المخلوق مُلقيًا جذعًا ضخمًا في أعماق المدفأة. "رُبما كان آخر تنين في المنطقة، اجلس، ضيفيَ العزيز. هل أنت جائع؟"

"لن أنكر ذلك، مضيفيَ العزيز."

جلس المخلوق على الطاولة، أخفض رأسه، وضع مخلبيه المليئين بالشعر فوق بطنه، وتمتم بشيء بينما حرك إبهاميه الكبيرين، ثم فجأة زأر ضاربا الطاولة بيده. ارتجت الأطباق والصحون بصوت عالٍ، ورنت الأكواب كالكريستال. وتعطَّرت الأجواء برائحة اللحم المشوي والثوم والمردقوش وجوز الهند. لم يبدِ (جيرالت) أي تعجب.

"نعم." فرك المخلوق يديه. "هذا أفضل من الخدم، أليس كذلك؟ تفضل، ضيفي العزيز. هنا لحم دجاج، وهنا لحم مقدد، وهنا لحم... لا أعلم ماذا. شيء ما. وهنا لدينا طائر سمان. لا، ليس كذلك، إنه طائر الحَجَل. لقد ارتبكت الأشياء في ذهني. تناول، تناول. هذا طعام حقيقي ولذيذ، لا تقلق."

"أنا لست قلقًا." قام (جيرالت) بتمزيق لحم الدجاج إلى نصفين.

"نسيت..."، استهزأ المخلوق. "...أنك لست خجولًا. ما الاسم الذي يجب أن أناديك به؟"

"(جيرالت). وأنت مضيفي العزيز؟"

"(نيفيلن). ولكنهم يطلقون عليّ اسمي (ديجن) أو (فانجر). ويستخدمونني لإرعاب الأطفال."

صب المخلوق محتويات كأس كبير في حلقه، ثم غرز أصابعه في اللحم، ومزق نصفه بحركة واحدة.

"لإرعاب الأطفال..." كررها (جيرالت) وفمه ممتلئ. "...بدون أي سبب، أأنت متأكد؟"

"بالطبع متأكد. بصحتك يا (جيرالت)!"

"وصحتك أيضًا يا (نيفيلن)."

"كيف الشراب؟ هل لاحظت أنه مصنوع من العنب وليس التفاح؟ ولكن إذا لم يعجبك، سأحضر لك نوعًا آخر."

"شكرا، إنه جيد. هل وُلدت بهذه القدرات السحرية؟"

"لا، لقد حصلت عليها منذ أن تحولت إلى هذه ال... هذه المصيبة. لا أعرف كيف حدث ذلك بالضبط، لكن المنزل يفعل ما أريد. ليس شيء مميز جدًا؛ يمكنني أن أستحضر الطعام والشراب والملابس، أنظف أغطية الأسرة، أُحضّر الماء الساخن والصابون. تستطيع أي امرأة القيام بذلك لكن بدون استخدام السحر بالطبع. يمكنني فتح وإغلاق النوافذ والأبواب. يمكنني إشعال النار. لا يوجد شيء مميز جدًا كما قلت."

"إنه بالفعل شيء مميز. وهذه... المصيبة، كما تسميها، منذ فترة طويلة؟"

"منذ اثني عشر عاما."

"كيف حدث ذلك؟"

"وما أهمية هذا بالنسبة لك؟ صب لنفسك بعض الشراب."

"بكل سرور. لا يهم هذا بالنسبة إلي أنا فقط أسأل من باب الفضول."

"سبب مقبول." قال المخلوق، ثم ضحك بصوت عالٍ. "لكني لا أقبله. لا توجد أهمية لهذا الأمر بالنسبة لك وهذا كل شيء. ولكن فقط لإشباع فضولك قليلاً، سأريك كيف كنت أبدو في الماضي. انظر إلى تلك اللوحات. أول لوحة بجانب المدخنة لوالدي. والثانية، لا أحد يعلم من. والثالثة لي أنا. هل تستطيع رؤيتها؟"

تحت الغبار وشِبَاك العنكبوت، ظهر رجل عادي بوجه سمين وحزين ومليء بالحبوب، مُغْرَوْرَقَةُ عيناه، وناظرا لأسفل.

(جيرالت) الذي لم يكن غريبًا عن ميل رسامي اللوحات إلى تجميل زبائنهم، أومأ برأسه.

"هل تستطيع رؤيتها؟" كرر (نيفيلن).

"أستطيع."

"من أنت؟"

"لا أفهم."

"ألا تفهم؟" رفع المخلوق رأسه، وأنارت عيونه كعيون القطة. "لوحتِي مُعلقة بعيدًا عن ضوء الشموع. أستطيع رؤيتها، لكنني لست إنسانًا، على الأقل ليس في الوقت الحالي. لو حاول إنسانًا مُطالعة لوحتي، لوقف واقترب منها، وبلا شك سيأخذ الشمعة معه. أنت لم تفعل ذلك، لذلك الاستنتاج واضح. لكن سأسلك بوضوح: هل أنت إنسان؟"

لم يخفض (جيرالت) عينيه. "إذا كنت تعبر عن الأمر بهذا الشكل." أجاب بعد لحظة من الصمت، "فإني لست تمامًا إنسانًا."

"أها. بالتأكيد لن يكون غريبا إذا سألت في هذه الحالة، ما أنت؟"

"ويتشر."

"أها"، قال (نيفيلن) بعد لحظة. "إذا كنت أتذكر بشكل صحيح، يكسب معشر الويتشر قوت يومهم بطريقة مثيرة للاهتمام، فهم يقتلون الوحوش مقابل المال."

"ذاكرتك جيدة."

حل الصمت مرة أخرى. تذبذبت ألسنة الشموع وارتفعت في خيوط رفيعة، وعكس ضوئها أكواب منقوشة بشكل كريستاليّ. وتساقط الشمعدان من على الشموع.

جلس (نيفيلن) ساكنًا، مُحركًا أذنيه الضخمتين بخفة. "لنفترض..."، قال أخيرًا. "أنك ستستل سيفك قبل أن أقفز عليك. لنفترض أنك حتى تمكنت من جرحي. بِوَزني سأسقطك أرضا. وبعد ذلك ستحسم الأسنان الأمور. ما رأيك أيها الويتشر، أيُ منا لديه فرصة أفضل إذا وصل الأمر إلى عض بعضنا البعض؟"

فتح (جيرالت) زجاجة الشراب بإبهامه، وصب لنفسه البعض، أخذ رشفة واستند إلى كرسيه. كان يُراقب المخلوق بابتسامة غريبة.

"نعممم"، قال نيفيلن ببطء، وحفر في زاوية فكيه بمخلبه. "يجب أن أعترف بأنك تستطيع الإجابة على الأسئلة دون استخدام الكثير من الكلمات. سيكون من المثير للاهتمام معرفة كيف ستتعامل مع السؤال التالي. من دفع لك لقتلي؟"

"لا أحد. أنا هنا بالصدفة."

"ألا تكذب؟"

"ليس من عادتي الكذب."

"وماذا تفعل بدلاً من ذلك؟ لقد سمعت عن معشر الويتشر - إنهم يختطفون الأطفال الصغار ويطعمونهم بأعشاب سحرية. الذين ينجون يصبحون من معشر الويتشر ويصبحون بقوى غير إنسانية. يتم تدريبهم على القتل، ويتم تدريبهم على التخلص من جميع الأحاسيس وردود الفعل البشرية. يتم تحويلهم إلى وحوش لقتل وحوش أخرى. لقد سمعت أنه حان الوقت لبدء صيد معشر الويتشر، لأن هناك القليل والقليل من الوحوش والكثير الكثير من معشر الويتشر. تفضل بتناول بعض الحَجَل قبل أن تبرد تماماً."

"أخذ (نيفيلن) الحجل من الطبق ووضعه بين فكيه وطحنها بقوة مثل قطعة خبز محمص، حيث تكسرت العظام بين أسنانه."

"لماذا لا تقول أي شيء؟" سأل بصوت غير واضح وهو يبتلع. "ما مدي صحة الشائعات عنكم؟"

"عموماً، ليست صحيحة."

"وكيف ذلك؟"

"قولك بأن هناك القليل والقليل من الوحوش."

"صحيح. هناك عدد كبير منها." برزت أنياب (نيفيلن). "هناك وحش يجلس أمامك يتساءل إذا كان قد فعل الشيء الصحيح عندما دعاك. لم تعجبني شارة نقابتك من البداية، ضيفي العزيز."

"أنت لست وحشًا، يا (نيفيلن)." قال (جيرالت) بجفاء.

"تبا، هذا شيء جديد. إذاً ماذا أكون؟ هل أنا هلام التوت؟ طيور برية تحلق جنوبًا في صباح حزين من نوفمبر؟ لا؟ ربما أكون العذرية التي فقدتها ابنة الطحان في الربيع؟ حسنًا، (جيرالت) قل لي ماذا أكون. هل لاحظت أنني أرتعش من الفضول؟"

"أنت لست وحشًا. وإلا لما استطعت لمس هذا الطبق الفضي. ولكان من المستحيل أن تحمل قلادتي."

"هاه!" صاح نيفيلن بصوت قوي حتى مالت ألسنة اللهب أفقيًا للحظة. "اليوم من الواضح أنه يوم كشف أسرار عظيمة ومروعة! الآن سيتم إخباري أن أذناي أصبحت هكذا لأنني لم أكن أحب العصيدة بالحليب عندما كنت طفلاً!"

"لا، يا (نيفيلن)"، قال (جيرالت) بهدوء. "حدث ذلك بسبب لعنة وأنا متأكد من أنك تعرف من ألقى تلك اللعنة."

"وماذا إن كنتُ أعلم؟"

"في كثير من الحالات يمكن رفع اللعنة."

"أنت كويتشر، أيمكنك رفع اللعنات في كثير من الحالات؟"

"يمكنني. هل تريدني أن أجرب؟"

"لا، لا أريدك أن تجرب." فتح الوحش فمه وأخرج لسانه، الذي كان بطول إبهامين بلون أحمر قاتم. "هل فاجأك هذا؟"

"نعم."، أقر (جيرالت).

ضحك الوحش واستلقى في كرسيه. "كنت أعلم أنه سيفاجئك." قالها الوحش. "صب لنفسك المزيد، واسترح وسأروي لك القصة كاملة. سواء كنت ويتشرا أم لا، فلديك وجه صادق وأشعر بأنني أرغب في الحديث. صب لنفسك المزيد".

"لم يتبقَ."

"تبا لذلك!" أخذ الوحش نفسا عميقا، ثم ضرب الطاولة مرة أخرى بيده. ظهرت زجاجة خزفية كبيرة في سلة من القصب بجوار الزجاجتين الفارغتين، ظهرت من العدم. قام (نيفيلن) بفتح الزجاجة بفمه.

"كما لا شك أيضا في أنك قد لاحظت"، بدأ يقول وهو يصب الشراب. "أن هذه المنطقة نائية إلى حد كبير. إنها بعيدة عن أقرب تجمع للبشر. وذلك لأن والدي وجدي في زمانهما لم يجعلا أنفسهما محبوبين لجيراننا أو التجار الذين يستخدمون الطريق السريع. إذا تاه شخص ما هنا، ورآه والدي من البرج، فإنهم يفقدون أموالهم في أفضل الحالات. وتم حرق بعض المستوطنات المجاورة لأن والدي رأى أنهم يتأخرون في دفع الضرائب. لم يكن الكثير من الناس يحب والدي. ولكني فطريا كنت أحبه. بكيت بشدة على والدي عندما عاد القليل منه في إحدى الأيام بعدما ضُرب بضربة سيف كبير. لم يعد يشارك جدي في السطو بعد ذلك لأنه تلقى ضربة على رأسه من صولجان، وعانى من عقدة كلامية شديدة. وكان يسيل اللعاب من فمه ونادراً ما كان يصل إلى المرحاض في الوقت المناسب. كوني وريثهما، كان عليّ أن أقود العصابة.

"كنت صغيرًا في ذلك الوقت..." أكمل (نيفيلن). "...كنت جبانًا جدا، ولذلك سرعان ما استغل الفتية في العصابة ضعفي. كنت تحت إمرتهم تماماً، تماماً كما تكون الغزالة بين جمعٍ من الضباع. بدأنا سريعاً في القيام بأشياء لم يكن والدي ليسمح بها لو كان على قيد الحياة. سأختصر لك التفاصيل وأدخل مباشرة في صلب الموضوع. في يوم من الأيام ذهبنا إلى مكان يدعى (جيليبول) بالقرب من (ميرت)، ونهبنا معبداً. وكان هناك كاهنة شابة."

"أي معبد، يا (نيفيلن)؟"

"لا أعلم، ولكن لابد أنه كان معبداً سيئاً. كانت هناك جماجم وعظام على الطاولات، أتذكر ذلك، وكانت هناك نار خضراء تشتعل وكانت تنبعث منها رائحة كريهة للغاية. ولكن لنعد إلى صلب الموضوع. أمسك الفتية الكاهنة، ثم قالوا لي إنّ عليّ أن أصبح رجلاً. حسنًا، أصبحت رجلاً ولكن غبيا وأحمقا، وبينما كنت أصبح رجلًا، بصقت الكاهنة في وجهي وصرخت بشيء ما."

"ماذا قالت؟"

" قالت إنني وحشُ في جسد إنسان، وأنني سأصبح وحشًا في جسد وحش، وقالت شيء ما عن الحب والدم... لا أتذكر جيدًا. لا بد أنها كانت تحمل خنجرا صغيرا مخبأ في شعرها، قامت بقتل نفسها وبعدها- وبعدها هربنا من هناك، (جيرالت) أخبرك- لقد كان ذلك معبدًا سيئا بحق، بالكاد استطاعت خيولنا الهروب."

"أكمٍل." قال (جيرالت).

"ثم حدث ما قالته الكاهنة. بعد أيام قليلة، استيقظت ورآني الخدم، صرخوا وهربوا مني، ذهبت مسرعًا إلى المرآة... وحسنا يا (جيرالت)، دخلت في حالة هلع وأُصبت نوعا ما بنوبة. لا أتذكر ما حدث بوضوح. باختصار، سقطت جثث، العديد منها. استخدمت أي شيء كان يأتي بين يدي- وفجأة أصبحت قويًا جدًا. ساعدني المنزل كثيرًا: تُغلق الأبواب، يطير الأثاث في الهواء، وتشتعل النيران. كل من استطاع الخروج هرب بهلع: عمتي وأختي والفتية في العصابة. ما الذي أقوله؟ حتى الكلاب كانت تعوي وتتدافع للخارج. هربت قطتي (جلاتون) أيضًا. حتى ببغاء عمتي مات. هلعًا. كنت وحيدا أصرخ وأعوي، يستولي عليّ الجنون، أُحطّم كل ما أمامي، خاصة المرايا."

توقف (نيفيلن) وتنفس بعمق.

"عندما انتهت النوبة..." أكمل بعد مدة. " كنت وحيدًا، وفات الأوان بالفعل على أن أشرح لأي شخص أن مظهري فقط من تغير، وعلى الرغم من شكلي المخيف، فأنا لازلت ذلك الفتى الأحمق، بكيت على جثث الخدم في القصر الفارغ. كنت خائفًا من أن يعودوا ويقتلونني قبل أن أشرح لهم. ولكن لم يعد أحد."

صمت الوحش للحظة ومسح أنفه بكم قميصه.

"لا أريد العودة إلى تلك الأشهر الأولى، يا (جيرالت). ما زلت أشعر بالرعب عندما أتذكرها. لِنَعد إلى الموضوع. لفترة طويلة، طويلة جدًا، جلست في القصر هادئًا كالفأر، لم أتحرك من مكاني. إذا ظهر أحد، الأمر الذي كان نادراً ما يحدث، لم أكن أخرج. أخبر البيت أن يغلق الشبابيك مرتين أو أعوي، وكان هذا كافيًا للتخلص بسرعة من الذي كان سيصبح ضيفًا. هكذا كان الحال حتى في يوم نظرت من النافذة فجرًا، وماذا رأيت؟ شخص تسلل إلى الساحة ليسرق وردة من شجيرة عمتي. ولكنها لم تكن مجرد ورود، إنها ورود زرقاء من (نازاير). أحضر جدي بذورها. فغضبت وقفزت خارجًا."

"ذلك المتسلل الأحمق، عندما عاد صوته - فلقد فقد صوته عندما رآني- صاح بأنه يريد فقط بضع زهور لابنته، وأنني يجب أن أعفو عنه. كنت سأطرده فقط من البوابة الرئيسية، ولكني تذكرت شيئًا. كانت (لينكا)، مربيتي العجوز كانت تحكي لي تلك القصص. تبا لذلك، اعتقادي حينها أنه إذا كانت الفتيات الجميلات يحولن الضفادع إلى أمراء، أو العكس، ربما... ربما هناك شيء من الحقيقة في هذه القصص، ربما هناك فُرصة... قفزت وصرخت بصوت عالٍ حتى انقلبت النباتات من الحائط، وصرخت قائلًا: 'ابنتك أو حياتك!' لم يكن هناك خيار أفضل. انهار التاجر، نعم لقد كان تاجرًا، وبدأ يبكي ثم اعترف بأن ابنته لم تبلغ الثامنة. هل أنت تضحك؟"

"لا".

"لم أعرف حينها أَأَضحك أم أبكي على حظي. شعرت بالأسف على التاجر العجوز. لم أستطع مشاهدته يرتجف بهذه الطريقة. دعوته للداخل، واستقبلته بترحيب، وعندما كان على وشك المغادرة، وضعت ذهبًا وأحجارًا كريمة في حقيبته. كانت هناك ثروة كبيرة في القبو من عهد والدي. لم أعرف تمامًا ما الذي يمكنني فعله بها، لذا قمت بهذا العطاء. ابتسم التاجر وشكرني كثيرا لدرجة أن العاب سال عليه. لابد أنه تباهى بمغامرته في مكان ما، لأنه لم يمضِ أكثر من أسبوعين حتى ظهر تاجر آخر. كانت لديه حقيبة كبيرة جاهزة معه. وابنة كبيرة أيضًا."

مدّ (نيفيلين) ساقيه تحت الطاولة وتمدد حتى أصدر الكرسي صوت صرير تحته.

"وصلتُ إلى اتفاقٍ مع التاجر في وقتٍ قليل جدًا، سيترك ابنته معي لمدة عام. كان عليَّ مساعدته في وضع الحقيبة على دابّته، لأنه لم يستطع فعل ذلك بمفرده."

"وماذا عن الفتاة؟"

لقد كانت تفزع عند رؤيتي لفترةٍ من الوقت. كانت تعتقد حقًا أنني سآكلها. لكن بعد شهر من ذلك، كنا نجلس على نفس الطاولة، نتحدث ونمشي معًا. كانت طيبة وذكية للغاية، وكنت أتلعثم عندما أحادثها. أرأيت يا (جيرالت)، كنت دائمًا خجولًا مع الفتيات، دائمًا ما كنت محل سخرية، حتى مع الفتيات الريفيات والوحل يصل إلى ركبهنّ، حتى الفتيات اللاتي كان يزدريهن الفتيان من العصابة. حتى هم سخروا مني. ولا داعي لذكر أني لم أكن أستطيع الحديث مع ابنة التاجر. لم أكن قادرًا حتى على قول أي شيء حول سبب دفعي أموالا كثيرة مقابل سنة من حياتها. مرت السنة ببطء شديد، حتى جاء التاجر وأخذها بعيدًا.

"حبستُ نفسي في المنزل وتجاوزت الموضوع، ولم أتفاعل لعدة أشهر مع أي ضيوف يظهرون مع بناتهم. ولكن بعد العام الذي قضيته مع رفقة، أدركت مدى صعوبة العيش بدون أحد للتحدث معه." صدر صوت من الوحش من المفترض أنه كان تنهيدة، ولكنه بدا أكثر مثل التجشؤ.

"كانت التالية..." قال بعد فترة. "تدعى (فين). كانت صغيرة وذكية ومرحة حقًا. لم تكن خائفة مني على الإطلاق. في إحدى المرات، في الذكرى السنوية لأول قصة شعر لي، ووصولي إلى السن الرشد، شربنا كثيرًا و... حسنا تعرف ماذا حدث. مباشرة بعد ذلك قفزتُ من السرير وركضت إلى المرآة. يجب أن أعترف أنني شعرت بالإحباط، وكنت محطَّم النفس. شكلي لم يتغير هو نفسه كما كان دائماً، مع تعبيرات وجه أغبى قليلاً. يُقال إن حكمة العصور توجد في الحكايات الخرافية. وصدقني تلك الحكمة عديمة المنفعة يا (جيرالت).

"حسنًا، حاولت (فين) سريعًا أن تجعلني أنسى همومي. كانت فتاة مرحة، سأخبرك بشيء. هل تعلم ماذا فعلت؟ كنا نرعب كل الضيوف غير المرغوب فيهم. تخيل: ضيف يدخل الفناء، يلقي نظرة حوله، ثم بصرخة مني، وأقترب منه ماشيًا على أربع أقدام، (وفين) جالسة على ظهري وتنفخ في بوق الصيد الخاص بجدي!"

اهتز (نيفيلين) من الضحك، ولمعت أنيابه البيضاء. "بقيت (فين) معي لمدة عام، ثم عادت لأسرتها بمهر ضخم. كانت تستعد للزواج من صاحب حانة أرمل."

"أكمِل يا (نيفيلين). هذا مشوق."

"حقًا؟" حك الوحش رأسه. "حسنًا. الفتاة التالية هي (بريمولا)، ابنة فارس فقير. عندما وصل هنا، كان يملك حصانًا نحيفًا ودروعًا بالية وديونًا لا تُعد ولا تُحصى. كان قبيحًا وتنبعث منه رائحة كريهة. (بريمولا) أراهن أنها وُلدت عندما كان في الحرب بعيدا عن زوجته، حيث كانت جميلة جدًا على عكس والدها. لم أُخيفها أيضًا، وهذا ليس مفاجئًا، فمقارنةً بوالدها كنت أبدو وسيمًا. اكتشفت فيما بعد أنها شخصية عاطفية وأنا بعد أن اكتسبت الثقة في نفسي، استغليت اللحظة على أكمل وجه. بعد أسبوعين أصبحت لدينا علاقة وثيقة جدًا. كانت تحب أن تسحبني من آذاني وتصرخ 'عضني حتى الموت، يا حيوان!' 'ومزقني إلى أشلاء، يا وحش!' وأشياء أخرى غبية من نفس القبيل. وأحيانا أثناء نومها كنت أركض إلى المرآة، ولكن تخيل يا (جيرالت)، كنت أنظر إلى نفسي بقلق متزايد. قلّت رغبتي في العودة إلى شكلي السابق. فكما تعلم يا (جيرالت) كنت ضعيفًا جدًا، والآن أصبحتُ عملاقًا. كنت أصاب بالمرض باستمرار، وكانت أنفي تسيل، ولكن الآن لا يُصيبني شيء. وأسناني؟ لن تصدق كم كانت سيئة في الماضي! والآن؟ يمكنني قضم ساق كرسي. هل تريدني أن أقضم ساق كرسي؟"

"لا، لا أريد ذلك."

"ربما هذا أفضل." فتح الوحش فمه بأكمله. "كان استعراضي يسلي الفتيات ولم يعد يوجد سوى بعض الكراسي المتبقية في البيت." تثاءب (نيفيلن). "هذه المحادثة جعلتني مُرهقًا. بإيجاز: بعد (بريمولا) جاءت امرأتان، (إيلكا) و(فينيميرا). كل شيء حدث بنفس الطريقة، وأصبح الأمر مملًا. في البداية، مزيج من الخوف والحذر، ثم خيوط من التعاطف تكبر شيئًا فشيئًا، ثم "عضني، ابتلعني"، ثم يعود الأب، وفاصل وداع رقيق، ونقص واضح في الخزينة. قررت أن أأخذ فترات راحة أطول لأكون وحيدًا. وبالطبع توقفت منذ زمن طويل عن الإيمان بأن قبلة عذراء ستغير شكلي. وتوصلت إلى تقبل الأمر. وأن الأمور على ما يُرام كما هي، وأنه ليس هناك حاجة للتغيير."

"حقًا؟ لست بحاجة للتغيير يا (نيفيلين)؟"

"نعم، لدي صحة حصان جاءت مع مظهري. ثانيًا، شكلي المختلف يجذب الفتيات نوعا ما. لا تضحك! أنا متأكد أنه كإنسان، سيكون عليّ أن أتبع فتاة مثل (فينيميرا)، كانت خادمة جميلة للغاية. لا أظن أنها كانت ستنظر إلى فتىً مثلي. وثالثًا: الأمان. كان والدي يملك أعداءً، ولا يزال اثنان منهم أحياء. وأشخاص قامت العصابة بقيادتي البائسة بقتلهم، كان لديهم أقارب. هناك ذهب في القبو. ولولا الخوف الذي يحوم حول المكان بسببي، كان سيأتي شخص ويأخذه، حتى لو كانوا مجرد قرويين بمناجل."

"تبدو واثقًا جدًا..." علّق (جيرالت) وهو يلهو بكأس فارغة، "...أنك لم تسئ لأي شخص بشكلك الحالي. لا أب، ولا ابنة. لا قريب ولا خطيب إحدى بنات التجار—"

"دعك من هذا يا (جيرالت)؟" كان (نيفيلن) غاضباً. "عما تتحدث؟ لم يستطع الآباء تمالك أنفسهم من الفرحة. لقد أخبرتك أني كنت كريماً بشكل لا يصدق. والبنات؟ لم ترَهن عندما وصلن إلى هنا بفساتين منسوجة بقماش خشن، وأياديهن الصغيرة محمرة من الغسيل، وأكتافهن منحنية من حمل الجرادل. حتى بعد مرور أسبوعين معي كانت (بريمولا) لا تزال تحمل علامات على ظهرها وفخذيها من السوط الذي ضربها به والدها الفارس. كانوا يتجولون كالأميرات لا يحملن شيئًا ولم يعرفن حتى أين المطبخ. قمت بتزيينهن وألبستهن الحلي. بحركة إصبع كنت أستحضر الماء الساخن في حمام القصدير الذي سرقه والدي لأمي في (أسنجارد). هل يمكنك تخيل ذلك؟ حمام قصدير! ليس هناك تقريباً أية نبيل، ماذا أقول، تقريباً لا يوجد أية حاكم لديه حمام قصدير في منزله. كان هذا المنزل كالقصص الخيالية بالنسبة لهن يا (جيرالت). وبالنسبة للسرير، حسنًا.... تبا لذلك، لقد أصبحت العذرية أكثر ندرة اليوم من تنين حجري. على أية حال لم أكن أجبر أيًا منهن، يا (جيرالت)."

"ولكنك اشتبهت بأن هناك شخصًا دفع لي لقتلك. من يمكن أن يفعل ذلك؟"

"شخص نذل يريد محتويات قبوي، ولكنه لم يعد يملك بنات."

"ألا يوجد شخص آخر؟"

"لا يوجد شخص آخر."

ظل الاثنان صامتين، يحدقان في اللهب المتذبذب للشمعة.

"نيفيلين"، قال الويتشر فجأة، "هل أنت بمفردك الآن في هذا المنزل؟"

"يا ويتشر.."، أجاب الوحش بعد لحظة من التردد. "أعتقد أنني يجب أن أطردك من هنا. هل تعرف لماذا؟ لأنك تعاملني كأنني أحمق. لقد لاحظتُ كيف كنت ترفع آذانك وتلقي نظرة خاطفة على الباب. تعلم تمامًا أنني لا أعيش وحدي. ألست محقًا؟"

"بلى أنت محق، أنا آسف."

"تبا لأعذارك. هل رأيتها؟"

"نعم، في الغابة بجوار البوابة. هل هي السبب في أن التجار وبناتهم أصبحوا يغادرون وأيديهم خالية منذ فترة؟"

"تعلم ذلك أيضًا؟ نعم، هي السبب."

"أتمانع إن سألت ما إذا — "

"نعم، أمانع."

ساد الصمت مجددًا.

"حسنًا، الأمر عائد إليك." قال الويتشر أخيراً وقام من مكانه. "شكراً على حسن ضيافتك، يا مضيفيَ العزيز. حان وقت الرحيل."

"أُوافقك الرأي." قام نيفيلين أيضًا من مكانه. "لأسباب معينة، لا أستطيع أن أقدم لك غرفة للمبيت في القصر، ولا أشجعك على قضاء الليل في هذه الغابة. منذ أن صارت المنطقة مهجورة، أصبحت الأمور سيئة في الليل هنا. يجب أن تعود إلى الطريق السريع قبل حلول الليل."

"سأأخذ ذلك في الاعتبار يا (نيفيلين). هل أنت متأكد أنك لا تحتاج إلى مساعدتي؟"

نظر الوحش إليه بتردد. "أتعتقد أنك قادر على مساعدتي؟ أتستطيع رفع هذه اللعنة عني؟"

"لم أكن أفكر فقط في ذلك النوع من المساعدة."

"لم تجب على سؤالي. ربما أجبت. لن تكون قادرًا على ذلك."

نظر (جيرالت) إليه في عينيه. "لقد كنتَ سيء الحظ." قالها الويتشر. "من بين جميع المعابد في (جيليبول) ووادي (نيمنار)، اخترت كنيسة (كورام أغ تيرا)، العنكبوت ذو رأس الأسد. من أجل رفع اللعنة التي ألقتها كاهنة (كورام أغ تيرا)، تحتاج إلى معرفة وقوى أنا لا أمتلكها."

"ومن يملكها؟"

"إذًا أنت مهتم بعد كل شيء؟ لقد قلت إن الأمور على ما يرام كما هي."

"نعم، كما هي الآن. ولكن ليس كما قد تكون في المستقبل. أخشى أن—"

"مما تخشى؟"

توقف الوحش عند باب الغرفة والتفت. "لقد استفزتني أسئلتك يا (جيرالت)، التي لم تتوقف عن طرحها بدلًا من الإجابة على أسئلتي. من الواضح أنه يجب أن يتم طرح الأسئلة بالطريقة الصحيحة. استمع، لقد كنت أعاني من أحلام بشعة منذ فترة. ربما يكون الوصف 'مرعبة' هو الأدق. هل يجب أن أقلق حيالها؟ بإيجاز، من فضلك."

"هل كانت قدماك موحلتان بالطين بعد الاستيقاظ من مثل تلك الأحلام؟ هل كانت توجد أوراق شجر صنوبرية في فراش؟"

"لا."

"وهل—"

"لا. بإيجاز من فضلك."

"يجب أن تقلق حيال هذا الأمر."

"هل يمكن عمل شيء بخصوصه؟ بإيجاز، من فضلك."

"لا."

"أخيراً. هيا نذهب. سأرافقك إلى الخارج."

في الساحة الخارجية، بينما كان (جيرالت) يضبط سرج حصانه، كان (نيفيلين) يداعب رأس الحصان ورقبته. كان روتش سعيدًا بالاهتمام وخفض رأسه.

"الحيوانات تحبني." تباهى الوحش. "وأنا أحبهم أيضًا. قطتي (جلاتون) هربت في البداية لكنها عادت لاحقًا. لفترة طويلة، كانت الكائن الحي الوحيد الذي رافقني في محنتي. (فيرينا) أيضًا -" توقف عن الكلام بوجهٍ عابس.

ابتسم (جيرالت). "هل هي تحب القطط أيضًا؟"

"كانت تحب الطيور." كشف (نيفيلين) عن أسنانه. " تبا لذلك، لقد فضحتُ نفسي. وما الضرر في ذلك. إنها ليست ابنة تاجر آخر يا (جيرالت)، أو محاولة أخرى لإيجاد شيء من الحقيقة في قصص الأجداد. الأمر جِدي. نحن نحب بعضنا البعض. إن ضحكت سأضربك."

لم يضحك (جيرالت). "تعلم أن (فيرينا) الخاصة بك ربما تكون (روسالكا)؟"

"اشتبهت في ذلك. حيث كانت نحيلة، داكنة، نادرًا ما تتحدث، وبلغة لا أفهمها. إنها لا تتناول طعام البشر. تختفي في الغابة لأيام متتالية ثم تعود. هل هذا شيء نموذجي في (الروسالكا)؟"

"تقريبًا." قام الويتشر بتضييق حزام سرج روتش. "لا شك أنك تعتقد أنها لن تعود إذا أصبحت إنسانًا؟"

"أنا متأكد من ذلك. أنت تعلم كيف تخاف (الروسالكا) من البشر. لم ير أحد (روسالكا) من قرب. لكن (فيرينا) وأنا... تبا لذلك! رافقتك السلامة يا (جيرالت)."

"اعتنِ بنفسك، يا (نيفيلين)." قام الويتشر بحث الحصان على المشي بكعب حذائه وتوجه نحو البوابة. تحرك الوحش بجواره.

"جيرالت؟"

"نعم."

"أنا لست غبيًا كما تظن. جئتَ إلى هنا متبعًا آثار أحد التجار الذين كانوا هنا مؤخرًا. هل حدث شيء لأحدهم؟"

"نعم."

" آخِرُ تاجرٍ كان هنا قبل ثلاثة أيام. مع ابنته، ليست من أجمل الفتيات بالمناسبة. أمرتُ المنزل بإغلاق جميع أبوابه ونوافذه وعدم إظهار أي علامة على وجود حياة. تجولوا في الساحة ثم غادروا. أخذت الفتاة وردة من شجيرة الورد التي تخص عمتي وثبتتها على فستانها. ابحث عنهم في مكان آخر. لكن احترس؛ إن هذه المنطقة مرعبة. أخبرتك أن الغابة ليست أأمن مكان في الليل. يُسمع ويُرى فيها أشياء فظيعة."

"شكرًا يا (نيفيلين). سأتذكر مشكلتك، من يدري ربما أجد شخصًا —"

"ربما نعم. وربما لا. إنها مشكلتي يا (جيرالت)، إنها حياتي وهذه وعقوبتي. تعلمتُ كيف أتأقلم معها، تعودتُ عليها. إذا ساءت الأمور، سأتعود عليها أيضًا. وإذا ساءت الأمور كثيرًا، لا تبحث عن أي شخص. تعال بنفسك وانهِ الأمر كويتشر. اعتن بنفسك يا (جيرالت)."

دار (نيفيلين) وتوجه نحو المنزل بخطوات سريعة، ولم ينظر إلى الوراء مجددًا.

2023/07/23 · 36 مشاهدة · 5264 كلمة
Yousef _Nagy
نادي الروايات - 2025