4 - الجزء الرابع (الأب والملك)

الجزء الرابع (الأب والملك)

في اليوم التالي، في وقت متأخر من المساء، تم إحضار الطّحان إلى غرفة صغيرة فوق غرفة الحراس مخصصة للويتشر. وقد أدخله جندي يرتدي معطفًا مغطى بالقُلنسوة. لم تسفر المحادثة عن أي نتائج مهمة. كان الطّحان خائفًا؛ كان يتلعثم ويتأتأ، وكانت ندوبه تخبر الويتشر بما لا يقوله. كانت (الستريجا) تستطيع فتح فكيها بشكل مذهل وكان لديها أسنان حادة جدًا، بما في ذلك أربعة أنياب علوية طويلة جدًا، اثنان على كل جانب. كانت مخالبها أحدّ من مخالب قط بري، لكنها أقل تقوسا. وقد نجح الطحان في الهروب منها فقط بسبب ذلك. بعد أن انتهى من فحصه، أومأ جيرالت إلى الطّحان والجندي، مصرحًا لهما بالانصراف. دفع الجندي الفلاح خارجا من الغرفة وخفض قُلنسوته. كان (فولتست) نفسه.

"اجلس، لا تنهض" قالها الملك. "هذه الزيارة غير رسمية. هل أنت سعيد بالمقابلة؟ سمعت أنك كنت في القصر هذا الصباح".

"نعم، سموك".

"متى ستبدأ في مهمتك؟"

"تبقى أربعة أيام حتى اكتمال القمر."

"أتفضل أن تلقي نظرة عليها بنفسك قبل ذلك؟"

"لا داعي لذلك. ولكن جعل ال— الأميرة تشبع سيجعلها أقل نشاطًا".

"(ستريجا)، سيد ويتشر، (ستريجا). دعنا لا نتحدث بدبلوماسية. ستكون أميرة بعد ذلك. وهذا هو ما جئت لأتحدث عنه. أجبني بشكل غير رسمي، باختصار وبوضوح: هل سينجح الأمر أم لا؟ لا تتحجج بقانونك".

فرك (جيرالت) جبهته.

"أؤكد لك سموك، أنه يمكن رفع اللعنة. وفي حالة كنتُ مخطئًا، يمكن رفع اللعنة بقضاء الليل في القصر. ستنهي اللعنة بحلول صيحة الديك الثالثة – أيْ الفجر-، طالما أن (الستريجا) خارج تابوتها. هذا هو ما يُفعَل عادةً مع وحوش (الستريجا)".

"هل الأمر بهذه البساطة؟"

"ليس بسيطًا. أولاً يجب أن تنجو خلال تلك الليلة. ثم هناك استثناءات للقاعدة، على سبيل المثال، قد لا تكفي ليلة واحدة، بل ثلاث ليالٍ على التوالي. هناك أيضًا حالات. . . حسنًا . . . ميؤوس منها".

"نعم،" استاء (فولتست). "لازلت أسمع ذلك من بعض الأشخاص: اقتل الوحش لأنه حالة لا يمكن علاجها. سيد ويتشر، أنا متأكد من أنهم تحدثوا إليك بالفعل. أليس كذلك؟: مزق آكل لحوم البشر إلى قطع صغيرة دون أي مزيد من المتاعب، وأخبر الملك أنه لم يكن هناك شيء آخر يمكن فعله. لن أدفع المكافأة، ولكنهم سيدفعون الثمن. : الأمر سهل جدًا، ورخيص. لأن الملك سيأمر بقطع رأس الويتشر أو شنقه والذهب سيبقى في جيوبهم".

"أيَأمرالملك بشكلٍ غير قابلٍ للتفاوض فيه بإعدام الويتشر؟" تجهم جيرالت.

نظر فولتست إلى عيني الريفيّ لفترة طويلة.

قال أخيرًا. "لا يعلم الملك يقينَا، ولكن يجب على الويتشر أن يضع في اعتباره مثل هذه الاحتمالية."

سكت (جيرالت) للحظة. "أنوي فعل ما في وسعي، ولكن إذا ساء الأمر سأدافع عن حياتي. سموك يجب عليك أيضًا أن تستعد لمثل هذه الاحتمالية."

قام فولتست. "أنت لا تفهمني. من الواضح أنك ستقتلها إذا كان ذلك ضروريًا، سواءً أحببتُ ذلك أم لا. لأنها خلاف ذلك ستقتلك بالتأكيد وبلا شك. لن أعاقب أحدًا يقتلها دفاعًا عن النفس. ولكنّي لن أسمح بقتلها دون محاولة إنقاذها. كانت هناك محاولات بالفعل لإشعال النار في القصر القديم. أطلقوا عليها السهام، وحفروا حفرًا ووضعوا فخوخًا ومصائدًا، حتى شنقت بعض المهاجمين عليها. ولكن هذا ليس محور الحديث. أيها (الويتشر)، استمع!"

"أستمع لك."

"بعد صيحة الديك الثالثة، لن يكون هناك (ستريجا)، إذا كان فهمي صحيحًا. ماذا سيكون هناك؟"

"إذا سارت الأمور على ما يرام، سيكون هناك فتاة في الرابعة عشرة من عمرها."

"بعيون حمراء؟ أسنان تمساح؟"

"فتاة عادية في الرابعة عشرة. إلا أن . . ."

"حسنًا؟"

"جسديًا."

"أفهمك. وعقليًا؟ أسَتفطر كل يوم دلوًا من الدم؟ وفخذ فتاة صغيرة؟"

"لا. عقليًا . . . لا يمكن التنبؤ بذلك. أعتقد ستكون عقليا في عمر طفل في الثالثة أو الرابعة من عمره. ستحتاج إلى رعاية عاطفية لفترة طويلة".

"هذا واضح. أيها الويتشر؟"

"أستمع لك."

"هل يمكن أن يحدث لها ذلك مرة أخرى؟ فيما بعد؟"

ظل (جيرالت) صامتا.

قال الملك. "حسنا، يمكن أن يحدث ذلك. وماذا بعد ذلك؟"

"إذا ماتت بعد فترة سبات طويل يستمر لعدة أيام، يجب أن يتم حرق جثتها، وبسرعة."

ظهرت على وجه (فولتست) ملامح الحزن

أضاف (جيرالت). "لا أعتقد أنه سيحدث ذلك. فقط للتأكد، سأعطيك بعض التعليمات سموك لتقليل الخطر."

"الآن؟ أليس من السابق لأوانه، سيد ويتشر؟ وإذا-"

قاطعه الريفيّ. "الآن" ثم عقّب. "قد تحدث أشياء كثيرة سموك. قد تجد الأميرة في الصباح، واللعنة قد رُفعت وجثتي هامدة."

"حتى وإن كان الأمر كذلك؟ على الرغم من أنني أذنت لك بالدفاع عن نفسك؟ والذي يبدو أنه لم يكن مهمًا بالنسبة لك."

"هذا أمر خطير، سموك. المخاطرة كبيرة. لهذا السبب يجب أن تستمع: يجب أن ترتدي الأميرة دائمًا ياقوتًا أزرقًا حول عنقها، أو أفضل من ذلك، ضامّة مربوطة بسلسلة فضية. يجب أن ترتديها ليلًا ونهارا."

"وما هي الضامّة؟"

"حجر الياقوت الأزرق، وبه كيس من الهواء محبوس داخل الحجر. وبخلاف ذلك، يجب أن تحرق بين الحين والآخر نبات العَرعَر والبَدَسْكان والأسبين في موقد غرفتها."

ظل فولتست مستغرقا في التفكير. "أشكرك على نصائحك، يا ويتشر. سأولي اهتمامًا لذلك والآن استمع إليّ بعناية. إذا وجدت أن الحالة لا يمكن علاجها، اقتلها. إذا ألغيت اللعنة ولم تكن الفتاة.. طبيعية، إذا كان لديك أدنى شك فيما إذا كنت قد نجحت تمامًا، اقتلها. لا تقلق، ليس لديك ما تخشاه مني. سأصرخ عليك أمام الآخرين، وأطردك من القصر والمدينة، ولا شيء أكثر. بالطبع لن أعطيك المكافأة، ولكن ربما ستتمكن من الحصول على شيء من الذين تعرفهم."

سكتا لفترة.

"جيرالت". لأول مرة دعا (فولتست) الويتشر باسمه.

"نعم".

"ما مدى صحة الشائعة التي تقول إن الطفلة كما هي الآن لأن (آدا) كانت أختي؟"

"ليست صحيحة تمامًا. يجب أن تُلقى اللعنة، فهي لا تأتي من العدم. ولكن أعتقد أن هذا الأمر مع أختك كان سببًا في إلقاء اللعنة، وهذه هي النتيجة."

"كما ظننت. هذا ما قاله بعض الخبراء، وإن كان ليس جميعهم من قال ذلك. (جيرالت)؟ من أين تأتي مثل هذه الأشياء؟ من التعويذات؟ من السحر؟"

"لا أعرف، سموك. يدرس الخبراء أسباب مثل هذه الظواهر. بالنسبة لنا معشر (الويتشر) يكفي معرفة بأن الإرادة القوية يمكن أن تسبب مثل هذه الظواهر. بالإضافة إلى ذلك تكفينا المعرفة الضرورية لمواجهة تلك الظواهر."

"وقتلهم؟"

"عادةً. بالإضافة إلى ذلك هذا ما يُدفع لنا عادة لنعمله. فقط قليلون يطالبون برفع اللعنات، سموك. كقاعدة عامة، يريد الناس فقط الدفاع عن أنفسهم من الخطر. وإذا كان الوحش قد قتل أناسا فقد يدخل الانتقام في الأسباب أيضًا."

قام الملك، وخطى خطوات قليلة عبر الغرفة، وتوقف أمام سيف الويتشر المعلق على الحائط.

"باستخدام هذا؟" سأل، دون أن ينظر إلى (جيرالت).

"لا. هذا للبشر."

"أتدري ماذا، يا (جيرالت)؟ سأذهب إلى المقبرة معك."

"مرفوضٌ تماماً."

التفت (فولتست)، ولمعت عيناه. "أتدري، أيها الساحر أنني لم أرها؟ لا عند ولادتها، ولا بعد ذلك. كنت خائفًا. قد لا أراها أبدًا أليس كذلك؟ على الأقل لدي الحق في رؤية ابنتي بينما تقتلها."

"أكرر، مرفوضٌ تماما. إنه الموت المؤكد بالنسبة لي ولك. إذا تراجع انتباهي أو تراخيت— لا، سموك"

التفت فولتست بعيدًا، وتوجه نحو الباب. للحظة واحدة ظن (جيرالت) أنه سيغادر بدون أن يقول كلمة بدون وداع، لكن الملك توقف ونظر إليه.

قال. "أنت تترك الثقة في الناس. على الرغم من أنني أعرف ما أنت عليه من إجرام. فقد أخبروني ما حدث في الحانة. أنا متأكد من أنك قتلت هؤلاء الأوغاد فقط لينتشر الخبر، لإذهال الناس، لإذهالي. من الواضح أنك كنت تستطيع التعامل معهم دون قتل. أخشى أنني لن أعرف أبدًا ما إذا كنت ذاهبًا إلى هناك لإنقاذ ابنتي، أو لقتلها. ولكنّي أوافق على ذلك. عليَّ أن أوافق. هل تعرف لماذا؟"

لم يجب (جيرالت).

قال الملك. "لأنني أعتقد……. أعتقد أنها تعاني. ألستُ محقًا؟"

ثبَّت الويتشر عينيه الثاقبتين على الملك. لم يؤكد على ما قال، لم يومئ برأسه، لم يفعل أدنى حركة، ولكن (فولتست) عرف…. عرف الإجابة.

2023/07/19 · 80 مشاهدة · 1180 كلمة
Yousef _Nagy
نادي الروايات - 2025