خادمة طيبة و جاسوسة ماكرة وحب أول يفطر القلب وابنة لعدو يجب قتله.

... و الهاربة التي اختفت وهي تحمل طفلا.

كانت للمرأة أسماء عديدة لنفسها.

º º º

عند اللحظة التي فتح فيها باب المطبخ، ضربتها رائحة المكونات المختلفة والبخار الساخن. كانت الخادمات مشغولات بإعداد الغداء، لم يكن لديهن الوقت حتى للنظر الى من فتح الباب.

بصراحة، لم يكن هناك حاجة للنظر.

لأنها كانت خادمة عادية هي التي دخلت المطبخ، حيث كان صوت السكاكين والزيت المغلي يسيطر على المكان. كانت ترتدي زي خادمة أسود يلامس طرف ركبتيها مع مئزر أبيض ناصع البياض وشعر بني داكن عادي. مظهرها شائعً مثل الثريا الكريستالية في قصر وينستون.

التقطت الخادمة من الخزانة، صينية خشبية وصحن حساء وملعقة، ثم توجهت نحو الخزانة المليئة بالمعلبات الملونة، اخذت منها رغيفاً أبيض وبيضتين مسلوقتين من السلة، عندما تحدثت إليها إحداهن.

"هل ما يزال ضيوف الملحق موجودين ؟"

نقرت الطاهية السيدة آبلبي بلسانها وهي تخرج فطيرة اللحم الطازجة من الفرن. تظاهرت الخادمة الشابة كالعادة بالتجهم وقطبت شفتها السفلى قليلاً.

"هذا صحيح. ولكن، أعتقد أنهم قد يخرجون اليوم."

"تسك، تسك. سالي، حقًا أنتِ تمرين بوقت عصيب."

وضعت السيدة آبلبي فطيرة اللحم على طاولة كبيرة في منتصف المطبخ ومدت يدها الفارغة إلى الخادمة التي تدعى سالي.

"أعطني إياه."

أخدت المرأة صحن الحساء الفارغ و فتحت القدر الكبير المجاور للموقد، دعته يبرد قليلا ثم ملأته بحساء المحار ووضعته على صينية سالي. كان الشيء الوحيد الذي يطفو في الصحن هو بقايا المكونات المجعدة.

"لا أستطيع التصديق أنك تقومين بهذا العمل الشاق لوحدكِ بدون إيثيل."

كانت "إيثيل" خادمة في منتصف العمر، قبل شهر كانت مسؤولة عن ”الغرفة الخاصة“ التي تتواجد في الطابق السفلي من الملحق مع ”سالي“. الان هي تحلم بتحقيق ثروة مع زوجها المقامر الذي يريد ان يستقل سفينة تتجه نحو قارة جديدة.

وعلى الرغم من أنها شعرت بالأسف على سالي عندما تُركت لوحدها في هذا العمل المثير للاشمئزاز و الغير المرغوب من جميع موظفي قصر وينستون، إلا أنها لم تقل أبدًا أنها ستساعدها. لذا شعرت سالي بالارتياح.

"تحدثي جيدًا إلى السيدة بيلمور - فإما أن تجلب شخصًا آخر أو تعطيكِ راتبًا أعلى"

"نعم، يجب أن افكر في الامر."

لكن سالي لم تكن لتحصل ابدا على مثل هذا المعروف من رئيسة الخادمات.

حملت الصينية وخرجت من الباب الجانبي إلى غرب القصر استمر مسار الحصى عبر العشب الأخضر الكثيف، سرعان ما أصبح الملحق الذي بدا صغيرًا فقط قريبًا جدًا لدرجة أن الأسلاك الشائكة الحادة على الحائط كانت واضحة.

في الربيع الصافي الذي تملؤه اوراق ازهار الكرز، كان الملحق وحده ينضح بطاقة الشتاء الكئيبة ولا عجب في ذلك، لان المكان هناك أشبه بمنزل مسكون بالأشباح، حيث كان الصراخ يدوي في الطابق السفلي.

رطبت سالي شفتيها الجافتين ورفعت زوايا شفتيها عندما رأت الجنود الواقفين للحراسة عند الباب الأمامي للملحق.

"مرحباً مارتن."

"مرحبًا سالي."

فتح الجندي الذي كانت تراه كل يوم الباب الحديدي فورا دون ان يسألها عن أي شيء.

توجهت سالي ببطء نحو مدخل الملحق وهي تحدق في كل زاوية و ركن من الفناء الأمامي. لم تكن سيارة مالك القصر النقيب وينستون متواجدة، هذا يعني أنه لم يعد من الوحدة بعد.

عظيم.

سارت سالي مباشرة إلى المبنى و نزلت إلى الطابق السفلي. تمشت طول الرواق إلى اليسار كما لو كانت معتادة على ذلك. الجندي الذي يحرس الباب الحديدي في منتصف الرواق، فتحه بمجرد أن رأى سالي.

الحراسة المشددة كانت ثلاثية أو بعبارة أخرى، كانت لا تزال هناك مجموعة حراسة أخرى متبقية للمرور بها.

عندما انعطفت يمينا على الزاوية، كان هناك جنديان جالسان على كرسيين ويتحدثان.

"مرحبًا."

"مرحبًا سالي."

كانت تقابل الجندي بوابة حديدية سوداء وخشنة مغلقة بإحكام. كان المكان ينضح بهالة بعيدة كل البعد عن ملحق القصر الفاخر.

"هل تناولتما العشاء؟"

اقتربت سالي من الجنود وابتسمت و هي تغمض زوايا عينيها.

"كلا، لم نتناول الطعام بعد.."

تلقى الجندي الذي كان يحمل اسم ”فريد سميث“ على صدره نظرة حائرة من العريف الجالس بجانبه.

"سأحضره من المبنى الرئيسي قريبًا."

في الوقت الذي كان الجوع يملأ المكان، فإن الحديث عن وجبة الطعام و رائحة الحساء التي تفوح بينهم، جعلت من المستحيل تواجد من لا يريد بلع الطعم.

"ماذا يوجد على قائمة الطعام اليوم يا سالي؟"

"إنها فطيرة اللحم. أتعلم ما إن فتحت باب المطبخ حتى شممت رائحة زكية لقد جعلت لعابي سيل."

ومضت عينا العريف الضبابية للحظة.

"آه ... إذا تأخرت مرة أخرى، ألن تجد هناك أي طعام هذه المرة؟"

نظر العريف الذي لم يكن قد خلع مظهره الصبياني بعد، إلى زميله وألمح له، ثم نظر إلى سالي على الفور بنظرة مخيفة. كانت عيناه مثل الجرو الذي يطلب المديح، على الرغم من أنها تظاهرت بعدم رؤيته وحدقت فقط في وجه زميله.

"اللعنة... لقد تعبت من حساء الكونسوميه..."

والذين لا يعرفون، سيقولون إن الرجل الذي سئم من المأكولات الراقية لا يعرف شيئاً عن الامتنان.

ومع ذلك، إذا ما قدموا لشاب قوي البنية حساءً يحتوي فقط على كرات لحم الدجاج وبضع قطع من الخضروات على الغداء، لم يكن بوسعه إلا التذمر.

كانت ممارسة تقديم وجبات باهظة و بسخاء للجنود العاديين من غير الضباط، متجذرة في غرور السيدة وينستون وبرودتها، ولم يكن هناك سبب يدعو سالي للامتنان لها أو الإعجاب بتصرفها.

"لا أعتقد أنها طهت الكثير... يجب أن تذهب إلى غرفة الطعام بسرعة قبل فوات الأوان. سأغلق الباب."

بدا على وجه العريف الاضطراب بينما كانت سالي تنقل الصينية إلى إحدى يديها وتسحب مفتاحاً أسود من جيبها.

" قال النقيب أنه لا ينبغي أن أدع سالي تدخل وحدها..."

كان هناك تلميح مع مجرد ضغط من الكلمات الضبابية التي كانت تميل إلى جانب واحد.

عندها حركت سالي حاجبيها كما لو أنها لم تمانع في ذلك، وابتسمت.

"لا بأس. لا أعتقد أن الضيف عنيف، سأترك الصينية وأحضر الغسيل وأخرج على الفور. غريج هناك أيضا"ً

نظرت إلى الجندي الذي كان يحرس البوابة الحديدية عند الزاوية، عندها فقط تظاهر العريف بالنهوض على مضض.

"سميث، لنذهب."

عندما إختفى الرجلان حول الزاوية، أخذت سالي مفتاح الباب الحديدي الثقيل وفتحته. أصدر الباب صريرًا حادًا و تراجع إلى الداخل. انبعثت رائحة دم السمك من فتحة الباب وتدفقت في كل مكان.

بللت سالي شفتيها الجافتين مرة أخرى ووضعت يدها في الغرفة المظلمة.

أمسكت على الفور بمفتاحها في يدها وفي اللحظة التالية أضاءت بنقرة واحدة الأضواء الأربعة في نفس الوقت لكن الغرفة لم تكن مضيئة، لأن الجدران وكذلك الأرضية والسقف كانت جميعها سوداء.

عندما أضاءت الأضواء، ارتجف رجل في منتصف العمر كان رابضًا على سرير ضيق على أحد الجدران. دخلت سالي بسرعة إلى ”الغرفة الخاصة“ وأغلقت الباب.

"عمي، هذه أنا."

"الضيف في الغرفة الخاصة" الذي كان يتصلب جسده بالكامل، اطلق تنهيدة طويلة واسترخى. كان لا يزال لا يرى شيئا، لكن على الرغم من أنه لم ير وجه سالي، فلا بد أنه سمع صوتها.

لم يكن مظهر الرجل مزحة. كانت قد رأت مرات لا تحصى كيف جفت الوجوه المفعمة بالحيوية والتفت مثل الجثة في اللحظة التي دخلوا فيها إلى هذه الغرفة.

ومع ذلك، تألم قلبها أكثر لأن الوجه كان عمها القروي الذي عرفته منذ الطفولة.

"أحضرت لك الطعام."

توجهت إلى الطاولة الصغيرة عند أسفل السرير.

في هذه الأثناء، حاول الرجل أن ينهض بجسده رغم أنه لم يستطع النهوض وتأوه من الألم. وضعت الصينية على الطاولة، واقتربت بسرعة من الرجل. لم تقل سالي أي شيء بينما كانت تسنده وتجلسه على الكرسي أمام الطاولة.

الآن هي تعلم لأنها مرت بهذا الأمر عدة مرات...

كانت تعرف أنها يمكن أن تصبح عاملًا مساعدًا لمواساة رخيصة لشخص كان يتحمل كل أنواع العذاب الرهيب بسلسلة من العقل والقدرة على التحمل.

ناولته الملعقة في صمت، ثم بدأت في تقشير البيضة المسلوقة. لم يستطع الرجل حتى القيام بهذه المهمة البسيطة المتمثلة في تكسير قشر البيض لأن جميع أظافره كانت قد انتزعت.

"ماذا حدث الليلة الماضية؟ كانت هناك حفلة في المبنى الرئيسي، وتم استدعائي...."

"لا شيء، سعال، سعال، سعال."

عندما بدأ الرجل في السعال، سكبت سالي الماء في كوب من الابريق على الطاولة. كان لا يزال محظوظًا لأن سمح له بوجبة واحدة في اليوم مع الماء. كانت هناك أوقات لم يكونوا يقدمون له الماء حتى، ناهيك عن الطعام.

انقبض حلقه الجاف، وسكت السعال. أخرجت سالي بسرعة قارورة من جيبها قبل أن يلتقط الملعقة مرة أخرى.

"تناول هذه."

كانت جرعة مسكّنة تحتوي على المورفين. وبينما كان الرجل يفتح فمه وكأنه ينتظر، تركت سالي قطرة من المسكن في فمه.

خبأت القارورة مرة أخرى في جيبها وكسرت البيض. وفي هذه الأثناء، واصلت الحديث مع الرجل المشغول بتناول الحساء. لم يكن هناك وقت للانتظار حتى الانتهاء من الوجبة حيث كان عليهما إنهاء المحادثة بسرعة قبل أن يأتي شخص ما.

"لم تقل أي شيء على الإطلاق، أليس كذلك؟"

"…."

أوقف الرجل ملعقته ورفع رأسه. كان هناك احتقار شديد في عينيه..

يحدث هذا في كل مرة.

كان سؤال سالي لزميلها الذي تعرض للتعذيب لعدة أيام، سؤالاً لا ينبغي أن تكون راغبة في طرحه. هل كانت تستجوب؟ هل كانت تراقب...؟ كان بإمكانهم حتى جعله يصنع مثل هذا الوهم.

ومع ذلك، هي أيضا لم يكن بيدها حيلة. إن كان هناك أي معلومات مسربة، كانت بحاجة إلى معرفتها في أقرب وقت ممكن للتعامل معها. فهذا لا يعرض العم للخطر فحسب، بل حياة الآخرين أيضًا.

"أنت تعلم أنه يجب أن تكون صادقا معي، أليس كذلك؟"

"...لا شيء."

حدق الرجل في سالي لفترة طويلة قبل أن يحني رأسه إلى صحن الحساء ويبصق الجواب.

"أعتقد أننا سنتحرك اليوم. سأرسل شخصًا ما بمجرد أن أحدد مكانه، لذا لا تفتح فمك أبدًا وكن صبورًا. هل تعلم؟ لا يريد الاشخاص في فريق الإنقاذ أن يعرفوا عن اي الفشل..."

كان هذا هو الوقت الذي سكبت فيه طلبها الأخير.

2024/06/07 · 1,023 مشاهدة · 1480 كلمة
roro maissa
نادي الروايات - 2025