بعد أن ترك مايكل الشقراء، سار وحده بتلك الغابة وسط الأشجار التي امتلأت بالثلوج.
كان شاردًا، يفكر بوجهته التالية، حائرًا بحياته ومستقبله، حائرًا بمن التقاها لتوه ومن ارسله لها، حائر بأمور أكبر من عمره حتى.
بينما كان شاردًا سمع صوت يناديه، صوت لم يتعرف عليه لكن مع هذا رأه مألوف.
استدار خلفه ظنًا أن من نادته كانت الشقراء، لكن كان وحده، لا أحد خلفه، لا أحد قريب منه حتى.
سمع الصوت يتردد مجددًا، ينادي بأسمه "مايكل." مجددًا "مايكل!"
سار نحو مصدره، وبعض الشكوك بقلبه، قلقًا لكن يحاول ان لا يظهر هذا بمحياه.
وصل للمكان الذي أخذه له الصوت، بحث حوله، فقط أشجار..وشيء غريب آخر.
مرايا أمامه تمامًا، نظر لنفسه بتلك المرايا واقترب بهدوء..سرعان ما بدأ انعكاسه يأخذ راحته بالحركة ليبتسم لمايكل "أنت حي؟ رائع!"
عقد مايكل حاجبيه ونطق بنبرة فيها خليط من التوتر والفضول "أنتَ..أو.. أنتِ..ديفاني..آفينيس؟."
لم يرد الانعكاس فورًا، لكنه ابتسم ابتسامة غريبة..أبتسامة دون تعابير..
فجأة..مد يده نحو مايكل، محاولًا الخروج من المرآيا..لكن ..اليد التي خرجت لم تكن يد الانعكاس، كانت يد ناعمة..يد امرأة.
تراجع مايكل للوراء يجهز نفسه للدفاع عن نفسه ماسكًا رمحه..
بلمح البصر، كانت أمامه تمامًا، لا يفصل بينهما سوى شعرة..
امرأة ذات وجه جميل، شعر رمادي طويل..جسد؟. كان جسد شابة جميل..رغم جمالها الفاتن الذي يجعل الرجل يقع لها، لكن كان لها شيء يجعل المرء يرتجف من النظر اليها..عينيها الميتة..عينين رمادية تبعث القلق للناظر..
"إذا.." نطق مايكل وهو يلهث..لم يستطع التراجع، تجمدت قدميه تمامًا، ينظر للمرأة التي تقف أمامه..
"أنتِ..ديفاني حقًا.." قال مايكل بصعوبة، يحاول التنفس بطبيعية.. إلا أن قلبه كاد يتوقف تمامًا..
ضحكت وتراجعت قليلًا متكتفة لتنطق ببساطة "أخبرتك الشقراء، بالطبع.." هي ابتسمت ونطقت "أتعلم؟. اشتقت لرؤية منظر من يراني أول مرة..أنه..أمر رائع."
عقد مايكل حاجبيه، اخيرًا استطاع التحكم بتنفسه، وعاد جسده للتحرك.
"آه اعتذر صغيري، أخفتك؟ لا تقلق لن اؤذيك~" قالت بنبرة ساخرة منه، لتظهر ملامح الأنزعاج عليه ليعترض قائلًا:
"اولًا..لستُ.. صغيركِ..لا تناديني بهذا.. ثانيًا..لم أكن خائف أن تقتليني..لكن ظهوركِ..مفاجئ قليلًا."
"حقًا؟. لستَ خائف مني؟." سألت ديفاني مميلة برأسها.
"نعم..لستُ خائف." قال وثبت أمامها بثقة.
فجاة.. أصبحت تعابيرها ثابتة لثوانٍ معدودة.. إلى أن بدأ الضباب بالانتشار..وهي؟. بدأت تكبر وتكبر، وتحول كل جسدها لغيمة.
غيمة رمادية اللون، تأخذ شكلها كأنها شكل يتخيله المرء في السماء، عيناها مضيئتان.. فجأة..ضربت الأرض صارخة بوجه:
"لستَ خائف؟! أتستهزئ بي!" صرختها تلك، جعلت عاصفة سريعة تمر من مايكل وتعبره..لم تكن قوية..لكن استطاعت جعله يسقط.
توسعت عينا مايكل، هذه أول مرة يرى بها شيء عجيب كهذا..نطق مذهولًا "أنتِ..ما أنتِ بالضبط؟."
"أنا؟!. من أنا؟!" قالت وكبرت أكثر بينما بدأت بتدوير الرياح حولها، والبرق تتلاعب به بيديها لتصرخ بصوت غريب "أنا حاكمة هذا البُعد!. أنا ديفاني آفينيس..المرأة التي لم يستطع لها رجل! الذي خدمها العديد، التي فرقت العوالم وقسمتها على هواها! أنا.. أنا.."
كان منظرها بالنسبة مايكل، رعب حقيقي..لم يستطع نطق حرف، أو سؤال شيء..
بدأ حجمها بالتقلص، والعواصف والرياح تهدأ، لم تعد كما كانت أول مرة، لكن تحول شكلها كغيمة من الرمادي للأبيض، وهي تضحك، ثم عادت لشكلها الطبيعي ناطقة "أنا من ارعبتك تمامًا!" ضحكت بسخرية، كأنها لم تكن ذاتها المرعبة قبل لحظات..
هي ابتسمت واقتربت من مايكل وساعدته على النهوض بينما تنفض ملابسه من الثلج "أنتَ طفل مضحك."
بقي مايكل هادئ تمامًا، ينظر لها بتعابير غير مفهومة..عقدت حاجبيها ونطقت "إلى أين تنظر أيها المنحرف الصغير؟"
جملتها هذه أعادت مايكل من شروده للواقع لينطق "عفوًا؟."
"بجدية!" صرخت ديفاني بأنزعاج "لا تخبرني أن كل ما فعلته قبل قليل من أمور رائعة لم تراها! لكن مع هذا كان منظرك مضحك."
"أمور رائعة..كيف..لكِ كل هذا؟." سأل مايكل، كان سؤاله أشبه بسؤال غبي للأخرى التي أمالت رأسها لتنطق:
"أي نوع من الأسئلة هذا؟. حسنًا كل فرد من آفينيس يحكم بُعد معين ويقسمه وأمور كثيرة لم أتعب نفسي بحفظها."
"إذا.. أنتِ المسؤولة عن دان فاسليفينا؟." سأل مايكل بعد أن عاد عقله بالكامل.
"دان؟ حارسي المفضل داني! أنه شقي قليلًا لكنه شخص جيد." قالت ديفاني مبتسمة.
"إذا..تعلمين عن كل ما يفعله..صحيح؟" سأل مجددًا.
"نعم بالطبع، هو يستأذن مني بالنهاية~" قالت بثقة محركة شعرها.
"إذا تعلمين أنه قام برمي تهمة عَليّ..والتهمة كان المفترض أن يُفضح أخي بها..فما سبب فعلته هذه؟." سأل بنبرة مكتومة نوعًا ما، بنبرة شخص مظلوم.
"آه صحيح..داني لا يفعل شيء دون حكمة صحيح؟" قالت وبدأت تحاول التذكر "اوه نعم، فعل هذا لأجل سبب واحد عزيزي مايكل، لكن..ألا تظن أن الوقت مبكر جدًا لفضحه؟. ربما عليكَ الانتظار، إلى أن اقرر إخبارك." قالت بأبتسامة.
"إذا حقًا هناك سبب..ما هو؟. تكلمي.." قال مايكل وبداخله فضول عميق لمعرفة كل شيء..
ابتسمت ديفاني وضربت جبين مايكل بأصبعها "ما المقابل أيها الصغير؟"
"مقابل؟. أي مقابل؟." سأل مايكل بعدم فهم..لتبتسم ديفاني "عزيزي..لا يوجد شيء دون مقابل." قالت بينما تتلمس خده بيدها العارية.
عاد مايكل للوراء ونظر لها بهدوء "إذا..ما الفرق أن أخبرتيني الآن..أم لاحقًا؟."
"لا أعلم، اسأل نفسك." قالت ساخرة ليتنهد مايكل ويستدير.
"هي!. إلى أين أنتَ ذاهب؟؟" صرخت ديفاني لينطق مايكل:
"للقصر، علمتُ أن ما أردت معرفته لن اعرفه إلا بالذل، فلما عَليّ بالبقاء؟" سأل عاقدًا حاجبه لتقترب منه ديفاني قائلة:
"أتعلم؟. دعنا عن كل هذا..هناك شيء قلبك يحتاجه..فعلًا.."
استدار لها مايكل "وما ادراكِ؟"
"أعلم عزيزي.. أشعر بكَ.. أنتَ..حزين بسبب والدكَ.. تظن أنه لا يصدقكَ، صحيح؟. حزين لأن أخاك التوأم فعل شيء غير متوقع منه..وتركك تعاني وحدكَ..حزين أن اختكَ الصغيرة ليست بخير، وتبكي كل يوم بسبب فقدانها لقواها، والبعض يناديها بالوحش.. حزين بسبب التفرقة التي أحدثوها ساتو بينكَ وبين اخاكَ ..فضلوا أخاك الذي هو المجرم الحقيقي، وأنتَ؟. تركوكَ وحدكَ..حتى بيوم تتويجكَ..من نظر لكَ بفخر؟. كانت كل نظراتهم نظرات..اشمئزاز!"
"أخي..ليس مجرم..لديه سبب لما فعله..أنا متأكد..ربما.." قال مايكل خائبًا لتضحك ديفاني.
"سبب؟؟. سبب ويدعك تتحمل ذنبه كل هذا الوقت ويسخر من حالك؟ لا تضحكني مايكل..كارل استغل فضح دان لكَ والتستر عليه ليأخذ كل ما كان لكَ!" قالت ديفاني محاولة جعل مايكل يدرك كل شيء..
"لا..لكن..لما؟." سأل.
"لا أعلم..ربما..لأنه يظن أنكَ السبب في موت والدتكما؟" سألت ديفاني لتتوسع عينا مايكل فجأة.
سرعان ما هربت الدموع من عينيه بينما يحاول السيطرة عليها، بدون أن يجعل من معه تلاحظ ضعفه "امـ..أمي..لم أكن السبب بموتها..أنا فقط..وجدتها..كانت..مُعلقة..لم اتحمل المشهد..لكني لستُ السبب..كنتُ بالخامسة من عمري عندما رأيتها..وهربتُ خائفًا أبحث عنها لأخبرها أنني رأيتها مُنتحرة...."
أمسكت ديفاني وجهه، تهدئة بأبتسامة حنينة على محياها بينما تمسح دموعه "عزيزي..أعلم أعلم.. أنتَ لستَ السبب..لكن كارل يظن..يظن أنك السبب لأنك لم تذهب للجنازة..لا أحد يعلم ما رأيته أنتَ..وما الشعور الذي عانيته وحدكَ..لما ارسلتكَ للشقراء برأيك؟."
نظر لها بعينيه المحمرة "لما؟."
"ببساطة..لأني لم أرد اخافتك فورًا..قلتُ أن ارسلك لها لأجل أن تخبرك عني ثم عندما نلتقي مجددًا، ستعرفني دون تعريفي عن نفسي..مايكل..لم أتي للسخرية منك، أو لطلب شيء منكَ..أتيت لأخذ الحزن من قلبكَ.." قالت ديفاني، كلماتها الحنونة جعلت من قلب مايكل يهدأ قليلًا، نبضه استقر، ارتجاف جسده توقف، أمسك يدها التي على خده قائلًا:
"ما الذي سيفيدكِ هذا؟."
ابتسمت وأجابت "لقد أوصتني بكَ قبل موتها..والدتكَ مايكل، فيرونيكا.."
اتسعت عينا مايكل مذهولًا، لم يجيب، بقي ممسك يدها وينظر لها يدرك كلامها لتبتسم "ما الذي تتمناه مايكل؟. ما الذي يرغب به قلبكَ؟. قل لي.. وسأنفذه لكَ.."
استعاد مايكل وعيه مجددًا وترك يدها لينطق "كيف أثق بكَ؟. بعد كل شيء.. أنتِ.. امرأة غريبة.."
هي ضحكت "صحيح." قالت ثم فرقعت بأصبعها لتظهر بجانبها إمرأة..
ذات شعر أزرق معدني اللون، عينين سوداء، جسد شبه شاحب..رقبة بخدوش..ذيل وقرون الشيطان، كانت تشبه مايكل نوعًا ما، ارتسمت على وجهها أبتسامة صغيرة، بينما مايكل..توسعت عيناه..
"مامـ..أمي؟.." نطق بنبرة حزن، اشتياق، نبرة تجمع أمور عديدة في الوقت نفسه، أراد التقدم، لكنه تجمد، يراها تقف على قدميها، من تركته وماتت عندما كان يبلغ من العمر الخمس سنوات، الآن هي تقف أمامه وهو بعمر الثامنة عشر.
سار ببطء نحوها، وتحول سيره إلى ركض، اراد ضمها لحضنه، لكن سرعان ما وصل لها..سقط على الثلج عند قدم ديفاني..لقد اختفت مجددًا..وتركت ابنها بمعاناته مشتاق لحنانها.
جلست بجانبه ونظرت له قائلة "ارأيت؟. أنت تحتاجها..لكن..عزيزي..يجب أن نعقد لأجل أن نعيدها لكَ.." قالت ديفاني بابتسامة مرسومة على وجهها.
"كيف..ستعيدينها؟." سأل مايكل "أليس هذا..مستحيل؟."
ابتسمت ديفاني "ربما..لكني أستطيع." قالت بثقة.
"نعم، بتضحية." قاطع كلامهم صوت انثوي، وجهَ كليهما نظره إليها، نعم كانت الشقراء، تجلس على الحجرة.
ملامحهما لم تكن متشابهة، ديفاني انزعجت فور رؤيتها للشقراء، بينما مايكل كان الفضول يملأه ليسأل "تضحية؟"
ابتسمت الشقراء "بالطبع تضحية، ظننتكَ طفل اذكى من هذا..كيف ستعيد لك شخص من موته دون التضحية بآخر؟"
صمت مايكل وبدأ يفكر لتنهض ديفاني وتتجه للشقراء وشعرها الرمادي بدأ يتحول من حالته الطبيعية لحالة أخرى، كان يتطاير بسهولة وكأن الرياح تطيره معها، رغم أنها لم توجد رياح.
"ماذا تريدين؟ إفساد عقل الطفل؟ تخريب حياته أكثر مما هي في خراب؟" قالت ديفاني منزعجًا لتميل الشقراء برأسها قائلة:
"أنا؟ أنا من تحاول أفساد وتخريب كل شيء؟ أم أنتِ التي تريدين مساعدته بتدمير حياته بنفسه؟"
"ولما قد أفعل أمر شنيع كهذا؟!" صرخت ديفاني منزعجة منها.
"ببساطة لأنكِ حاكمة، ما نيتكِ سوى فعل ما يفيدكِ؟ من يعلم بما قد يفيدكِ إعادة والدته للحياة." قالت الشقراء مستفزة الأخرى التي حاولت التمسك بأعصابها.
"لن أفعل هذا..مستحيل أن أفعل، أنه من شعبي،ربما يكون أمير لكنه يبقى من شعب البُعد الرابع، وهدفي أسعادهم." قالت ديفاني لتبتسم الشقراء ونهضت لتقترب منها:
"الستُ من شعبكِ؟~" قالت لترد ديفاني "نعم، من شعبي، لكنكِ خنتينا، لا تستحقين السعادة ايتها الشقراء، كنتِ تعيشين حياة جيدة، لما خنتِ الجميع بأفعالكِ الماضية؟ وبقيتِ هاربة من الحراس؟"
"تعلمين السبب ديفاني، تعلمين بشكل جيد." قالت الشقراء لتميل رأسها نحو مايكل "الطفل يهرب."
فرقعت ديفاني بأصبعها ليعود للوقوف بجانبهما لينطق مايكل "المعذرة..لا اجيد حل المشاكل، ولا احب التدخل في مشاكل النساء..كما تقول عمتي هذا ليس رجولي."
ابتسمت الشقراء واقتربت من مايكل "لا تقلق، لن ندخلكَ بمشاكلك، لكن نريد معرفة رأيكَ."
"في ماذا؟" سأل.
"ألا تريد عودة والدتكَ؟" سألت ديفاني.
"بلى..لكن..لا أريد أن يضحي شخص لتعود.. أعني..اشتاق لها جدًا، لكن من قد يضحي؟. شخص عزيز عَليّ آخر؟. شخص عزيز على آخر؟. أو شخص غريب؟. ألا يجعلني هذا اناني؟."
"من أعز شخص لديكَ الآن؟" سألت الشقراء.
"كثيرين..أعني..مثل ابي، إخوتي الصغار واخي الكبير واختي الوحيدة، عمتي..و.. ناديا.." أنهى الأسماء محمرًا عند نطق آخر اسم.
"انظر لوجهك، هل تشعر بالبرد؟" سألت الشقراء لتطير بالهواء فجأة و ترتطم بأحد الأشجار بعيدًا وتسقط عليها الثلوج التي كانت تملأ الشجرة.
"أنها مزعجة، صحيح؟" قالت ديفاني لينظر مايكل والقلق على محياه ثم عاد للنظر لديفاني التي قالت:
"انظر، أعلم أن الشك يملأ قلبك، وصدقت قول تلك الحمقاء بأني سأضحي بأحد مقابل إعادة والدتكَ لكن هذا كذب تبًا! أعني لما قد أتعس شخص لأسعد شخص آخر؟ أتراني شريرة لهذا الحد؟ بجدية..أنا هنا أحاول مساعدتكَ.. لكنكَ..لا تستمع لي حتى.."
صمت مايكل ولم يرد، لكن الشعور بالتأنيب يراوده لينطق "إذا..أعتقد أني سأعود للقصر..سيقلق والدي أن تأخرت أكثر."
"لما؟ أنت بالثامنة من عمركَ؟" سألت ديفاني ساخرة بينما استدار مايكل تاركًا المكان، بقي يسير وحده ليشعر بمن تتبعه ليقف.
"ما الأمر أيتها الشقراء؟" سأل دون الأستدار ورؤية من يلاحقه.
"هل احببتني لتتعرف عَليّ بهذه البساطة؟" قالت ساخرة من الآخر الذي تنهد وأكمل سيره.
تبعته وسارت بجانبه "لا أنا جادة، كيف عرفت أنها أنا؟؟"
"لا اعتقد ان الحاكمة قد تتعب نفسها باتباعي، ربما أن ارادتني ستسحبني لها، ومن غيركما موجود بهذا المكان الغريب؟ لا أحد." قال مايكل بينما يسير ويثبت نظره لطريقه.
"آه حسنًا لا تغضب." قالت وسارت معه بذلك الطريق الفارغ.
"لما نسير؟ ألستَ تسكن بالعالم الثامن أيها الصغير؟" سألت الشقراء.
"بجدية..لا تناديني بالصغير..واريد السير قليلًا قبل العودة." قال بينما يسير لتنظر لوجهه بتمعن "هل بسبب وجود الغيوم لا تغطي رأسك؟"
"نعم." أجاب.
"آه كنت أريد رؤية مصاص دماء يحترق، لكنك الطف من أن تحترق، ربما عليكَ أن تموت بطريقة الطف." قالت الشقراء قارصة خد مايكل الذي أبعدها منزعجًا.
بعد لحظات، بقيا هادئان، إلى أن قطع الهدوء مايكل "لما تزورين قرية لم يبقى بها شيء؟ حتى إسم." سأل.
لم تجيبه فورًا، لكنها نطقت بالنهاية "كنتُ أعرف سكان القرية..قبل..خمسة وسبعون سنة، كانت القرية موجودة..وسكانها كذلك..لكن فجأة، أنهتهم، وأنهت وجودهم، بقي طعامهم، بيوتهم، ملابسهم، كل شيء، لكنهم اختفوا.. كانوا ناس طيبين..ساعدوني عدة مرات، كنتُ أحب زيارتهم، نسائهم لطيفات، ورجالهم محترمون، واطفالهم؟ مؤدبون، كانت زيارتهم من أمتع الأمور التي افعلها بعد رحلة شاقة، كانوا كل مرة يستقبلوني بابتسامات، والطعام الشهي..لكن.. فجأة..انتهى كل شيء.."
صمت مايكل وبقي يسمع لها، بينما هي تروي له القصة بنبرة مبحوحة.
"ديفاني أنهتهم؟." سأل.
"هاه؟." نظرت له، لم تفهم قصده.
"أعني..قلتِ أنهتهم..واختفوا فجأة..اتعنين أنهم هاجروا؟. أم اختفوا دون آثر؟" سأل.
"اختفوا دون أثر، لا آثار قدم، ولا أي دليل على هجرة..لكن سُمع من القرى المجاورة رؤية أحدهم لضوء غريب صدر من القرية ليكتشف الرجل ما حدث لهم..لكن كيف؟. للآن لا أحد يعلم." قالت الشقراء بينما ترفع رأسها للسماء.
بقي مايكل هادئ يفكر لينطق مجددًا "أهذا سبب كرهكِ لديفاني؟. أهي السبب؟."
"مشاكلي مع ديفاني أقدم من هذا، أعرف ديفاني منذ بداية حكمها، حكمها أقدم من خمسة وسبعين سنة، وكرهي لها أقدم من كل هذا..ربما تكون هي المتسببة، ربما يكون الحارس لاورو حارس عالم البشر؟ ربما يكون عقاب من الآله؟ ربما يكونون قد هاجروا فعلا؟ ربما أتت أحد مخلوقاتكم واخذوهم؟ ربما عشتُ طويلًا، لكن هذا لا يجعلني أعلم الغيبُ."
أومأ مايكل وفتح البوابة "تأتين للقصر؟." سأل.
"لا اعتقد، سأذهب لأتجول قليلًا، اعتني بنفسكَ ايها الصغير~ ولا تدع ديفاني تتلاعب بكَ مجددًا!" قالت الشقراء ضاربة رأس مايكل و موبخة له.
"هذا كان أول لقاء لي، بالشقراء وبديفاني." قال مايكل منهي رواية القصة لينظر للشقراء التي تمسح دموعها من تحت القناع "آهه من الذكريات! كيف كبرت بهذه السرعة مايكل؟؟. أشعر أننا التقينا بالأمس وكنتَ طفل صغير جاهل!!"
تنهد مايكل لينهض كيفن يمسك بياقة مايكل بقوة "أكانت الحاكمة بذاك الجمال؟؟"
عقد مايكل حاجبه "هذا ما يهمك؟ حقًا؟"
أدرك كيفن الأمر وابتعد "أعني..هذا فقط كان لقائكما؟. لم تلتقي بها مجددًا؟"
"بلى، لكن لا اعتقد أنه يجب أن احكي لكَ القصة كلها، لعلمكَ..هدفنا الأول من المجيء لعالم الشياطي
ن البحث عن اختنا." قال مايكل بعد أن نهض وارتدى معطفه.
بعد أن ذكر سيرة اختهم، تغيرت ملامح كيفن واومأ "نعم..رغم أني كنتُ أملك اسئلة كثيرة..لكن إيجاد سايا المهم، ثم تروي القصة من البداية لها! ثم تكملنا لكلينا، ونسألك معًا!"
تنهد مايكل وابتسم ابتسامة خفية "سنرى."