على أطراف أحد القرى النائية،و في جو معثم من الليل،حيث الظلام يمتد إلى ما لا نهاية،السواد يطغى على كل بقعة في هذه القرية
لا ينير هذه الظلمة سوى الفوانيس المعلقة فوق أبواب المنازل،رغم أنها مجرد إنارة خافتة إلا أنها تفي بالغرض
السكون و الهدوء يخيمان على هذه القرية،أضواء المنازل مطفأة دلالة على أن سكانها قد غطوا في نوم عميق
*صوت الرياح*
مر نسيم الهواء مرور الكرام،على أطراف المنازل ما سبب في تأرجح فوانيسها المعلقة،و في خضام ما تبدوا لك أن هذه المنازل جميلة التصميم بسبب أنها معمرة من قبل البشر
إلا أن هناك بيتا بعيدا عن القرية مختلف كل الإختلاف عن منازلها،منزل أقل ما يقال عنه رث،مهترئ،مهجور
منزل يحكى أنه قد سكنه أناس مألفون من إمرأة و رجل في الأربعين من عمرهم رفقة ولدهم البالغ من العمر ستة عشرة سنة
يحكى أن سكانه قد لاقوا مصرعهم بطريقة بشعة،جثثهم كانت مشوهة،الدماء تتسرب بغزارة منهم،أمعائهم ملقاة و مبعثرة في عدة أرجاء
و الآهم من ذلك كانت ملامح وجوههم متيبسة،عيونهم كانت فاقدة لبريقها و كأن الروح قد سلبت منها بعد أن ضاقت عذابا شديدا قبل الموت،وجوههم ترست عليها ملامح الهلع و الفزع و الذعر
من خلال هذه الجريمة الشنيعة تناقلت عدة روايات بين سكان القرى،منهم من كان مؤمنا بالخرافات و إدعى أنهم لاقوا مصرعهم على يد كيان شيطاني
و منهم من إدعى أنه سفاح متسلسل نظرا لكون هذه المنطقة معزولة و يسهل فيها إرتكاب الجرائم
*** *** *** *** *** *** *** ***
”هل نحن في المنزل المنشود؟“
إلتفت معاد أمام رفيقه و سأله
”نعم فيه كل المواصفات“
رد عليه عبد الحق و هو يأكد على أنهم أمام المنزل الصحيح
*صوت خطوات*
تقدم الإثنان في طريق مظلم حالك السواد،حيث الناس أجمع نيام،حيث السكون و الهدوء هما من يحرسان المكان
أمام منزل خشبي قديم الطراز،أثار القدم و التعفن بارزة على جدرانه الخشبية المتآكلة،نوافذه متسخة يملأها الغبار مما يعثم الرؤية من خلالها
لا نور فيه،لا مصدر ضوء يحيطه إلا ضوء القمر الفضي الذي يبرز تفاصيل قليلة عنه
”أمسك هذا“
أخرج عبد الحق من حقيبته زوجا من المصابيح اليدوية و قدم واحد منهم لمعاد
*صرير*
قرب بوابة المنزل التي هي الأخرى لا تختلف عما ذكر عن المنزل الخشبي،كانت هي الأخرى قد عفى عنها الزمن و قد ظهرت عليها أثار القدم و التآكل
دفع عبد الحق الباب الخشبي،ليسمع صوت صرير حاد،من خلف الباب كان الظلام يعم المكان،بمجرد أن فتحا الباب تصاعدت رائحة الرطوبة و التعفن
ما جعل الإثنان غريزيا يغلقان أنوفهما من هول الرائحة المقززة
”مقزز“×2
*وميض*
أضاء الإثنان مصابيحهما لتكشف أجزاء بسيطة مما يمكن رؤيته بالداخل،كانت الأرض فوضوية مليئة بالأوساخ،الجدران هي الأخرى لا تختلف عن الجدران الخارجية
*أزيز*
تقدما يمشيان على الأرض الخشبية البالية و صوت الأزيز يصدر منها بشكل مزعج،كان الأثاث مكتضا بنسيج العناكب،الصور كانت هي الأخرى يكثنفها الغبار
”يا عبد الحق لو بعنا هذه الصور كم سنتحصل؟“
تقدم معاد واضعا المصباح على أحد الصور القديمة،قبل أن يغير مرأه عنها و يسأل رفيقه
”دعك من هذا و لنكمل“
لم يهتم عبد الحق بشأن الصور و طالبه بالتوقف عن ما يفعله
*همسات*
و ما إن هما يمشيان إذ بهما يسمعان صوت عدة أصوات تتلو نوعا معينا من الكلمات الغير مفهومة،بدا الأمر و كأن جماعة من السحرة قد أجمعو على تلي تعويذة معينة ليتحدوا في صوت واحد
”أعوذ بالله من الشيطان الرجيم“
إرتعش جسد معاد بمجرد أن سمع هذه الهمسات،كانت مقلاة أعينه ترتجف من شدة الخوف
بعد قليل و بعد أن توغلا داخل هذا المنزل الرث،أوصلتهما أقدامهما أمام باب مختلف عن أبواب المنزل القديم حيث أنهم كلهم كانوا من الخشب
عداه هو كان هذا الأخير مصنوعا من الحديد الخالص،مزخرف بعدد لا يحصى من الأنماط الهندسية المعقدة
”هيهي...يا ترى إلى ماذا يقود هذا الباب؟“
ترست إبتسامة باهتة على شفتي عبد الحق و هو يدير مقبض الباب
*صرير*
فتح الباب الحديدي مصدرا صوت صرير حاد و ثقيل،كاشفا عن غرفة مظلمة لا نوافذ لها و لا أثاث يوجد بها
أضاء الإثنان المنطقة ليلمحا تواجد ما بدا تمثالا لوحش ذو مظهر شيطاني بطول سبعة أمتار،بدا جسده و كأنه مصنوع من الخشب الأسود القاتم،كان طويل القامة ذو أدرع طويلة و مخالب حادة
كان صدره عبارة عن درع مشكل من ألاف الفروع المتشابكة فيما بينها،أما وجهه فقد كان مليئا بعدد من القرون العظيمة
فمه مفتوح عن أخره بدا كثقب أسود مستعد لبلع أي شيء،برز كذلك صف من الأسنان الحادة الشبيهة بالأنصال المذببة أما أعينه فقد كانت سوداء بلا حدقية
”ما هذا الشيء؟“
صاح معاد بإندهاش و هو لا يكاد يبعد أعينه عن التمثال الشيطاني
نظر نحوى رفيقه عبد الحق و على غرار ما كان يظن أنه سيقف مثله،إلا أنه رأه يحرك قدميه جهة التمثال
تقدم الخطوة الأولى بعدها الثانية حتى بلغ الخطوة الثالثة ليحدث شيء عجيب
*وميض*
توهجت أعين التمثال الشيطاني بضوء أحمر دموي قاتم،حرك فكيه معا و تحدث بصوت غليض يصم الأذان
{من سولت له نفسه أن يمتلك هذا الكم من الشجاعة و الجرآة ليوقضني من نومي}
وقف كل من معاد و عبد الحق عاجزين عن الحراك،أجسادهما ترتجف من شدة الهلع و الذعر،لم يقدرا على الإلتفاف للوراء و الركض بعيدا أمام هذا الوجد المرعب
”مما...مما!!...ما...هذا؟!“
تحدث معاد بنبرة صوت مذعورة و متلعثمة،أعينه ترتجف تكاد تقذف من مكانها،العرق يتصبب من جبينه بغزارة
عبد الحق هو الأخر لم يكن في أحسن الأحوال،فهو نفسه لم يقدر على البوح بأي كلام،فقط متصنما في مكانه لا يكاد يرمش بأعينه
{أيها البشريان يا من سولت لهم أنفسهما بالقدوم إلى منزلي و تعكير صفو مزاجي،إختارا فإن لكما خياران لا ثالث لهما!}
تحدث التمثال الشيطاني بصوته الغليض المشوه،و هو يحدق نحوهما بتلك الأعين القرمزية المتوهجة
”نحن هالكان!“
لفض عبد الحق هذه الكلمات دون النظر لمعاد،لا يكاد يغير موضع نظره عن نظر الكيان الشيطاني
{إختارا إما الموت و إما فرصة أخرى لتعويضي}
رفع الكيان الشيطاني إصبعه الأيمن المذبب و أشار نحوهما
”ممم...مما هو...الخيار الثاني!؟“
تحدث معاد بصوت مخنوق و متلعثم
{إختيار جيد...الخيار الثاني أني سأمنحكما فرصة أخرى،سأحقق لكما أمنيتان و في المقابل سأتطفل على حياتكما!}
أثناء حذيث الكيان الشيطاني أطلق ضغطا غير مرئ حتى يخيفهما ليقبلا بسرعة
”مهلا لحظة!...لماذا تريد التطفل على حياتنا الثانية؟؟“
تجعدت ملامح عبد الحق بعد أن سمع أخر كلمات الكيان الشيطاني ما دعاه يسأله للحصول على إجابة واضحة
{سهل لتسليتي و الترفيه عني!}
تحدث الكيان الشيطاني بكل أريحية دون أن يرمش له جفن
”إنتظر!...إنتظر!،هل نبدوا لك مهرجين؟“
هذه المرة رد معاد بعبوس
{اختارا الموت أم الفرصة الثانية!}
أطلق الكيان الشيطاني ضغطا هائلا قصد إرعابهما للقبول
”نحن نرفض“×2
أجاب الإثنان بالنفي دون إطالة الوقت
{ماذا؟؟...هل أنتما مستهتران لهذه الدرجة على حياتكما!؟}
تملك الكيان الشيطاني شعور من الغرابة و الإندهاش،ظن لوهلة أن الإثنان إما غبيان أم أن الصدمة أثرت على عقولهما
”كما سمعت نحن نرفض!“
أجاب معاد و هذه المرة بشكل عادي دون أن يشعر بالخوف مما هو في حضرته
{مهلا!،ألا تريدان السفر لعالم أخر؟...ألا تريدان أن تقابلا شخصيتكما المفضلة؟…ألا تريدان تغيرا مصيريها المحتوم!؟}
كرر الكيان الشيطاني كلامه من جديد،و هذه المرة كان يحثهما بشدة لطلب الخيار الثاني
”يا صاح أنبدوا لك أبطالا في رواية صينية!“
صاح عبد الحق بعبوس و هو يحدث الكيان الشيطاني
*صوت الرياح*
مرت دقيقة من الصمت لم يتحدث كلا الطرفان،إستمروا بالنظر لبعضهم البعض دون لفض أي كلام
{لقد فشلت حقا في ضمكم إلى ألعابي…هاهاهاهاها فلتهلكا أيها الأقليان}
إعتلت ملامح الغضب و الإنزعاج وجه الكيان الشيطاني،قبل أن يطلق ضحكة شيطانية مشوهة و يغلف جسده بهالة قرمزية مشؤومة مائلة قليلا للأسود
”اللعنة“×2
أمسك عبد الحق حقيبته و بدأ بتقليبها بأيد مرتعشة
”وجدتك!“
رفع عبد الحق ما بدا و كأنه سلاح أر بي جي،حدد هدفه بدقة و لم يكن سوى صدر الكيان الشيطاني
رفع الكيان الشيطاني كلتا أدرعه المشحونة بوهج أحمر دموي مسود و إستعد للفتك بهما
”إذهب إلى الجحيم“
أطلق عبد الحق الدخيرة صوب الكيان الشيطاني ليحدث إنفجار حاد،تسبب في إشتعال مناطق معينة من القاعة
”هيا بنا“
ألقى ما في يديه و أمسك بكتف رفيقه معاد ليخرجا من قبضة هذا الشيطان المكار
تبدد الدخان الكثيف ليظهر أن جزئا من جسد الكيان الشيطاني قد تدمر،لكنه و رغم ذلك إستطاع إعادة تجديديها
{أيها اللعينان من قال إنا لكما الحق بالهرب دون إذني!}
زأر بغضب شديد و الهالة القرمزية من حوله تزداد أكثر حدة و طغيانا
بدأ المنتزل المهجور يهتز بقوة شديدة،تشققت الأرضية و الجدران البالية،تساقط الأثاث و برزت شتلات من اللهب تسبب في إشعال المنزل القديم
”هذا السافل مقبل على قتلنا قبل أن نجد المخرج!“
صاح معاد بصوت ممزوج بالذعر و الغضب و هو يحاول جاهدا الخروج و تغير هذا المصير المحتوم
”سنخرج سالمين بإذن الله”
طمأنه عبد الحق،إستمر الإثنان يركضان رغم هذه الأحذاث الجنونية و المميتة
*** *** *** *** *** *** *** ***
خارج المنزل،جلس الرفيقان على الأرض العشبية المخضرة و خيوط الشمس الذهبية الرقيقة تنير بصرهما
يراقبان بأعين منصدمة و مرتاحة في نفس الوقت المنزل المهجور الذي دخلا منه و خرجا منه أحياء يرزقون
”يا صاح أكان حقا علينا قبول الخيار الثاني؟“
تحدث معاد و هو يتكئ على بساط عشبي،مغمضا أعينه و هو يتذكر العرض الذي قدمه لهم الكيان الشيطاني
”كلاهما سيهلكننا!،ففي النهاية الشياطين معروفة بالمكر و الخداع لذا لا يجوز تصديقهم“
حملت كلمات عبد الحق نوعا من الجدية و هو يحاوره
”الحمد لله خرجنا...هااه!“
تنفس معاد بهدوء و هو يستنشق نسيم الهواء البارد