كان الفراغ حوله مطلقًا. لا أرض تحت قدميه، لا سماء فوق رأسه. فقط سكون قاتل، يمتد إلى ما بعد حدود الإدراك.

آرا لم يكن واقفًا، لم يكن طافيًا، بل كان كائنًا في حالة سقوط أبدي.

ثم...

نور.

شعلة صغيرة، في البداية، ثم انفجار أضاء الفراغ كله.

ظهر نورفيس أمامه، لكن هذه المرة... بلا جناحين، بلا سيف، فقط جسد متهالك وروح تهمس بما يشبه الألم.

"أهلاً بك في الطبقة الأولى من النور المكسور..." قال نورفيس، ثم جلس على لا شيء.

آرا لم يتكلم. عينه ثابتة على ذلك الكائن الذي أرعبه في البداية، ثم صار مرآةً لداخله.

"كنت أظن أنك مجرد ظل آخر، كائن وُلِد من لعنات الأرض السفلى. لكنك شيء آخر... شيء قد لا أملك الحق في قتاله."

آرا ظل صامتًا.

"هل تعلم لماذا اخترتك هذه الأرض؟ لماذا سمحت لك بالوصول إلي؟"

أخيرًا نطق آرا، بصوت مشروخ: "لأنك كنت تنتظرني."

ابتسم نورفيس بمرارة. "كنت أنتظر نهايتي."

فجأة، انشقت الرؤية من حولهم.

صور... ماضٍ منسي.

نورفيس طفل، يضحك بين أحضان أمٍّ بشرية. عالم مليء بالضوء، لا حروب، لا دماء.

ثم، سقوط.

النور ذاته انقلب عليه. "أنت خليط... دمك ليس نقيًا."

نبذوه. طردوه من مدن النور العليا.

وجد نفسه في الأرض التي بين النور والظل، فاختار أن يُصبح "حارسًا" بدلًا من أن يكون ضحية. لكن في قلبه... بقي طفلًا يبحث عن الحقيقة.

"أنا لست ملاكًا، آرا. ولست شيطانًا. بل مثلُك... كسرٌ في قوانين هذا العالم."

إلينور كانت تعرف،" قال آرا فجأة.

نورفيس نظر إليه. "نعم. كانت تعرف أن الظلام داخلك ليس شرًا، بل شيء يحتاج أن يُفهم. لكنها كانت خائفة أن تستيقظ أنت قبل أوانك.

وإيثار؟

ضحّى بنفسه ليكبحك، لا ليقتلك.

سكت آرا.

ثم سأل، بصوت أكثر ثباتًا: "ما هو أنا؟

نورفيس رفع يده، ورسم دائرة في الهواء. من تلك الدائرة خرجت كلمات:

وريث الخراب، حامل لعنة البداية، وكائنٌ سيحمل الخيار الأخير.

هناك من سبقوك، وفشلوا. وهناك من سيأتون بعدك، ويحاولون. لكنك... مختلف.

هدأ النور.

ثم انحنت السماء فجأة، وظهر كيان من الظلام الخالص. لا اسم له، لا شكل. فقط همس:

لقد رأيتك، يا من تمزج النور والعدم. آن الأوان أن تختار.

نظر آرا إلى نورفيس، ثم إلى الكيان.

ما الخيار؟

أن تُعيد التوازن... أو تُحطمه نهائيًا.

سأل نورفيس: "هل أنت مستعد يا آرا؟

آرا أغمض عينيه.

وفي داخله، رأى كل من فقدهم، كل من أحبهم، كل من خانه، وكل من وثق به.

ثم فتح عينيه، ونظر إلى الكيان وقال:

أنا لا أختار أحد الخيارين... بل أخلق خيارًا ثالثًا.

انفجر النور والظل معًا، والسماء تفتّتت، والعالم تغيّر.

كان ذلك إعلانًا: لنهاية . وبداية زمن جديد.

زمن الوريث

2025/04/24 · 3 مشاهدة · 404 كلمة
عباس 🐌
نادي الروايات - 2025