السماء فوقه كانت ميتة.

لا نجوم، لا قمر، لا أمل.

كان "آرا" يقف على حافة هاوية، تمتد أمامه كجرحٍ مفتوح في قلب العالم.

الظلال تلتف حوله كأفاعٍ تنبض بالحياة، تنمو وتنتشر مع كل نفسٍ يتنفسه، كأنها تنتظر سقوطه.

الرياح تصرخ.

تصيح باسمه بلغةٍ لا يفهمها… لكنها مألوفة.

رائحة الموت في الهواء، مختلطة برمادٍ قديم، كأن الخراب لم يأتِ فقط… بل استقر وسكن وتناسل.

"ظلال الظلام"... الأرض التي وُلد فيها، وتشربت فيها التربة بالبؤس.

منذ لحظة ولادته، كان يحمل لعنة.

لعنة بلا اسم، بلا شكل… لكنها تتنفس داخله.

تهمس له كلما أغمض عينيه:

> "لست كالبقية."

نشأ في أرض لا تعرف النور.

الجبال تحترق بالدخان، والأفق مغطى بظلامٍ لا يزول.

النهار مجرد كذبة، والنور… أسطورة تُروى، لا تُرى.

كانت والدته تهمس له في الليالي:

> "النور ليس ضوءًا يا آرا، بل ذكرى… نُحارب لكي لا ننساها."

لكن حتى الذكريات هنا تنزف.

الحكايات تُروى بدمٍ، وتنتهي بصرخة.

عاش آرا في كوخٍ رمادي على أطراف قرية ميتة.

أمه، امرأة صامتة، تحمل في عينيها خوفًا لا يموت.

كانت تراقبه كمن يراقب نبوءة تتنفس.

وفي كل مرة تظنه نائمًا، تهمس له بكلمات ممزقة:

> "أنت مختلف... والاختلاف في هذا العالم لعنة.

لكن تذكر، آرا...

إن سقطت، لن يُنقذك أحد."

كان يجد راحته في الزوايا المظلمة.

هناك، حيث لا تصل شمس ولا شمعة، يشعر بقوة تتنفس معه.

الظلام لا يخيفه.

بل يحتضنه.

وفي صباحٍ رمادي كالموت، خرج آرا من الكوخ.

الضباب يبتلع القرية.

لكنه رأى رجلاً.

واقفًا وحده، ساكنًا كتمثال، لكن حضوره يمزق السكون.

درع أسود يلمع تحت سحبٍ رمادية، ووجه مغطّى بالظلال، لا تُرى ملامحه.

فقط عينان… حمراوان كجمرتين لا تنطفئان.

> "آرا...

قالها بصوت لا يشبه صوتًا بشريًا.

> "أنت الوحيد القادر على إيقاف هذا الجنون."

صوت الرجل بدا كأن الأرض نفسها تتحدث.

> "من أنت؟"

سأل آرا بصوتٍ متردد.

> دريوس.

أحد أمراء الظلام.

وجئت أعرض عليك ما لا يُعرض على أحد…

فرصة الانضمام إلى الظل الأعظم."

آرا تجمد.

"قوة؟" همس لنفسه.

> "قوة… لكنها بثمن."

قال دريوس.

"الظلام لا يمنح، بل يأخذ.

لكنّه يُعيد التوازن… لمن يتحمّل."

في صدر آرا، اشتعل شيء.

غضبٌ قديم، وعجزٌ متراكم.

رغبة في أن يُرى. أن يُعرف. أن يُصبح.

في هذا العالم، كانت القوى مقسّمة إلى ثلاث طاقات:

1. الظلال

تُشوه الواقع، تصنع من العدم، وتلتهم الأرواح.

2. النور

يُشفي الجراح، يوقِف الموت، ويخلق الحماية.

3. الدماء

تحوّل الألم إلى طاقة، وتعيد تشكيل الحياة.

لكن لكل قوة ثمن.

الظلال تتغذى على الألم.

النور يطلب نقاءً نادرًا.

الدماء تحتاج تضحية.

أما آرا…

فقد وُلد والظلام في دمه.

لم يختره. لكنه لم يقاومه.

حين مدّ دريوس يده، شعر آرا بشيءٍ داخله يستيقظ.

كأن جسده كله يتحول إلى باب… يُفتح.

والظلام... دخل.

> "أنت من سيُشعل النار في هذا العالم، أو يُطفئها."

قال الصوت داخله.

في تلك اللحظة… لم يعد للعودة

معنى.

إما أن يُصبح الظلام…

أو يُلتهم به.

وكان يشعر، ولأول مرة…

أن الظلام هو بيته الحقيقي.

2025/04/15 · 26 مشاهدة · 458 كلمة
عباس 🐌
نادي الروايات - 2025