لم يكن النوم في "قصر الظل الأعظم" نعمة، بل كان بمثابة عقوبة لا تنتهي.

الجدران تنفّس ببطء، تئنّ وكأنها تتذكر أرواحًا لا تزال عالقة بها. الليل في القصر لا يُقاس بالساعات، بل يُحسب بعدد الهمسات التي يتسلل صداها إلى آذان آرا، وهو ملقى على سريرٍ حجري، تحاصره أصوات الأرواح المدفونة، تتنقل بين ضحكاتٍ مخيفة، وبكاءٍ متقطّع، وغناءٍ غير مألوف، وكلها بلا لحن.

في ليلته الأولى، لم يُغمض له جفن.

مع أوّل خيوط "الفجر" الرمادي، دخل أحد الكهنة إلى غرفته.

"استيقظ، آرا. مصيرك الأول قد حان."

كان الكاهن بلا عيون، لكن مقلتيه مفتوحتان، وتنساب منهما ظلال باهتة كالشعاع المنكسر. بيده عصا ملتوية، طرفها مغطى بجلد بشري محفور عليه رموز قديمة، غير معروفة لعقل بشري.

"إلى أين؟" سأل آرا بصوت خافت، تكاد حروفه تتناثر.

"إلى قاعة العظام... حيث يتحدث إليك النسيج."

كان المعنى غامضًا، لكن برودة غير طبيعية تسللت في عموده الفقري.

ساروا في ممرات ضيّقة، أبوابها تفتح وتغلق تلقائيًا، وكأن القصر نفسه يراقب كل خطوة. ثم وصلوا إلى القاعة.

قاعة ضخمة، مستديرة، بلا سقف، وجدرانها مغطاة بعظام بشرية مرصوصة بشكل هندسي مرعب. في المنتصف، جمجمة عملاقة، بحجم ثلاثة رجال، موضوعة فوق منصة حجرية يحيط بها خط دم متخثّر على شكل دائرة مغلقة.

"اقترب وحدك." قال الكاهن، وتراجع إلى الظلام.

وقف آرا أمام الجمجمة. قلبه ينبض بعنف، ثم سمع الصوت:

> "لقد لمستك الظلال، لكنك ما زلت لحمًا. تريد القوة؟ القوة ليست سيفًا… بل ذاكرة."

> "من أنا؟" سأل آرا بصوتٍ خافت، لم يكن يدرك أنه نطق به.

> "أنت من وُلد من نزيف قديم… ابن خيانة… حفيد لعنة."

بدأت الجمجمة تُصدر طقطقات غريبة، ثم من عينيها، تدفقت ألسنة من دم، ارتسمت على الأرض...

ورسمت مشهدًا مؤلمًا:

رجل يرفع راية ملكية، ويطعن طفلًا صغيرًا بسيفٍ من نور، والطفل يختفي في الظلال.

ثم اختفى كل شيء.

"من كان ذلك؟" سأل آرا بعينين مترقبَتين.

لكن الجمجمة لم تُجب. همست فقط:

> "ابحث عن الحقيقة في خيانة النور. الدم… هو الطريق."

خرج آرا من القاعة وهو يرتجف، ليس من الخوف، بل من كشف شيء مظلم بداخله.

هل كان ذلك مشهدًا من الماضي؟ هل الطفل الذي طُعن هو... هو؟ هل كان أحد والديه من نبلاء النور؟

لم يعد متأكدًا من شيء.

في الأيام التالية، بدأت تدريباته.

لكن في "قصر الظلال"… التدريب لا يعني فقط حمل السيوف، بل يعني أيضًا مواجهة الشياطين التي تعيش بداخلك.

كان كل تلميذ يُجبر على دخول "بئر الانعكاس"—حفرة مظلمة يرى فيها نسخته الأضعف، ويُجبر على قتلها.

وقف آرا أمام البئر، ينظر إلى الظلام الذي يبتلع كل شيء.

الكاهن قال بهدوء، وكأن الكلمات نفسها مليئة بالتهديد:

"إن لم تقتل ظلك… سيظل يحكمك للأبد."

نزل في البئر.

في الداخل… كان الظلام مطلقًا.

ثم ظهرت.

نسخة منه… ترتدي ثياب والدته… تنزف من قلبها… وتبتسم.

"آرا… لماذا تركتني؟"

"أمي؟" همس.

لكن عقله أدرك… هذه ليست أمه.

"لستِ أمي!" صرخ.

لكن السيف ظلَّ ثابتًا في يده، غير قادر على رفعه.

النسخة اقتربت منه، احتضنته، ثم بدأت تغرز أظافرها في رقبته.

"إما أن تقتلني… أو أبقى فيك للأبد."

آرا أغمض عينيه، وتذكر شيئًا مظلمًا بداخله، شيء لا يريد مواجهته.

وطعن.

بقوة كاملة.

لكن النسخة لم تصرخ، بل ابتسمت ابتسامة مأساوية:

> "أنت تنتمي لنا."

خرج من البئر مغطى بالدم، جسده يرتجف، ولكن عينيه لأول مرة… هادئتان.

"الآن بدأ تحوّلك." قال الكاهن بصوتٍ باهت.

لكن آرا كان يفكر بشيء واحد:

> "من خان من؟ ولماذا أحمل هذا الظلام في دمي؟"

وفي أقصى أجنحة القصر… حيث لا يدخل أحد…

كان دريوس يتحدث مع رجل عجوز، عيناه مغلقتان، ومربوطتان بسلاسل من ذهب.

"الولد رأى الرؤيا… الجمجمة تحدّثت إليه."

"إذًا… اقترب الوقت." قال العجوز.

"لكن إن عرف الحقيقة مبكرًا… سينهار."

العجوز همس:

> "أو… سيحرق العالم ليعرفها."

2025/04/16 · 14 مشاهدة · 575 كلمة
عباس 🐌
نادي الروايات - 2025